يبدو أن حقن أحد البروتينات في الوقت المناسب أثناء الحمل قد أدى إلى وقاية توأم وطفل آخر من الولادة دون غدد عرقية. وتعدّ هذه العملية الجريئة خلال الحمل هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام دواء لعلاج أحد اضطرابات التطور في الرحم.
أجريت هذه التجربة – التي ذُكرت في أحد التقارير في شهر أبريل في مجلة نيو إنجلاند الطبية (New England Journal of Medicine) - في ألمانيا عام 2016 في عيادة متخصصة بالأمراض الجلدية الوراثية النادرة، وخاصةً بمرض يدعى خلل التنسّج الأديمي الظاهر ناقص التعرّق المرتبط بالصبغي إكس (XLHED)، والذي يولد الأطفال المصابين به بأسنان شبيهة بالمخالب ودون القدرة على التعرّق.
وتكمن المشكلة في أن أجسامهم لا تنتج أحد البروتينات اللازمة لتصنيع الغدد العرقية. وقد شاركت العيادة الألمانية في جامعة إرلنغن نورنبيرغ مسبقاً في دراسة سريرية لاختبار علاج لأحد بدائل البروتين عند الأطفال الصغار. لكن الدواء لم يُحدث أي تأثير عند الأطفال، وتم إيقاف الدراسة وإغلاق شركة إديمير فارماسوتيكالز (Edimer Pharmaceuticals) المصنّعة للدواء.
وكان لدى الممرضة الألمانية كورينا - طلبت عدم ذكر اسمها الكامل من أجل الخصوصية - ابن مصاب بالمرض، والذي عرفت به عندما كان في الثانية من عمره. وتتذكّر قائلة: "كان يبكي دون انقطاع لأنه حرارته كانت ترتفع بشدة". ويتعلّم الأطفال المصابون في وقت لاحق كيفية الاعتناء بأنفسهم، من خلال الاستلقاء على أرضيات من البلاط البارد أو الغطس في الماء.
وقال الطبيب هولم شنايدر الذي قدّم المشورة الطبية لكورينا: "يمكن أن يكون هذا المرض مهدداً للحياة عند الصغار. إذ ترتفع حرارتهم بسرعة كبيرة عند تركهم في السيارة. ولكن عندما يصبحون أكبر سناً، فإنهم يتعلّمون بشكل غريزي كيف يبرّدون أنفسهم". وتقول كورينا بأنها أصبحت بعد ذلك حاملاً بتوأم، وكشف التصوير بالموجات فوق الصوتية الذي أجرته في الأسبوع 21 من الحمل بأنهما يعانيان من نفس الاضطراب.
وعلى الرغم من أن دواء شركة إديمير فشل في مساعدة الأطفال، إلا أنه كان فعالاً عندما تم حقنه عند الحيوانات أثناء الحمل. وسألت كورينا وزوجها الطبيب شنايدر إن كان العلاج في الرحم ممكناً للتوأم. ويقول الطبيب: " لقد كنا مترددين. إذ أننا نفكر أكثر في المخاطر التي قد تتعرّض لها الأم وطفلاها، ولكننا فكّرنا أيضاً بالفرص التي قد يقدّمها العلاج".
وخلال شهر واحد، وافق شنايدر والجامعة التي ينتمي إليها على تجريب العلاج تحت ذريعة "الاستخدام الرحيم". وتمكّن من الحصول على جرعات من الدواء المتبقي من تجربة شركة إديمير. استغل العلاج حقيقة أن البروتين المفقود يلزم خلال فترة مؤقتة فقط –بين الأسبوع الـ 20 و30 من الحمل - عندما تتشكل الغدد العرقية عند الجنين الآخذ في النمو. وقال شنايدر إن فريقه حقن الدواء مباشرة في الأكياس الأمينوسية للتوأم.
وتقول آنا ديفيد، مديرة معهد صحة المرأة في كلية لندن الجامعية: "إن الأمر البارز في ذلك هو الوقت الحرج لتطور الغدد العرقية داخل الرحم. أعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها استخدام دواء بروتيني لتصحيح اضطراب وراثي قبل الولادة". ولا يمكن علاج أمراض أخرى - مثل الناعور - بهذه الطريقة، لأن الجسم يحتاج إلى كميات مستمرة من الجزيئات المفقودة. وفي نهاية المطاف، قد يدرس العلماء العلاج الجيني للجنين - الذي من شأنه أن يضيف جيناً جديداً بالكامل إلى خلايا الطفل - على الرغم من أن ديفيد تقول بأنه لم تتم تجربته حتى الآن.
تقول الممرضة كورينا إنها تعتقد بأن علاج المرض (XLHED) كان ناجحاً. وتضيف: "كان ناجحاً للغاية. إذ يمكن للتوأم أن يتعرقا بشكل طبيعي". ولا يزال لديهما بعض ملامح الوجه غير العادية إلى حدّ ما ويعانيان من فقدان بعض الأسنان.
في الوقت الحالي، يريد الآباء الآخرون تجربة العلاج أيضاً، ويقول شنايدر إنه يأمل أن يتمكن من تنظيم تجربة سريرية بمساعدة إحدى المؤسسات الخيرية. كما عالج الفريق جنين امرأة أخرى بعد نجاح العلاج عند كورينا، ولكن لم يتم تجربته بعد ذلك.
ومن غير المرجح أن ترغب أي شركة في تسويق الدواء لعلاج الأجنة حتى وإن كان ناجحاً. فالمرض نادر جداً، إذ قد يصيب واحداً من بين كل 25 ألف شخص، كما أن علاج الأطفال في الرحم هو أمر لا ترغب بتجربته سوى القليل من الشركات، لأنه يمكن أن يشكل خطراً على المرأة الحامل. يقول شنايدر: "إذا كنت ترغب في إتاحة هذا العلاج لعامة المرضى، ولم يتم تطبيقه سوى مرة واحدة في الحياة، فإن احتمال أن يكون مربحاً منخفضٌ للغاية. ومع ذلك، فهذا الاضطراب لا أمل في علاجه ولا يوجد له أي دواء، بينما أثبت هذا الدواء نجاحه عند ثلاثة أشخاص من أصل ثلاثة".