في شهر سبتمبر من العام 2018، تم اختياري واحداً من الفائزين في جائزة "مبتكرون دون 35" من إم آي تي تكنولوجي ريفيو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولهذا، حظيت بفرصة رائعة لحضور مؤتمر إيمتيك مينا في مدينة دبي، وقد كانت أفضل تجربة عشتها في حياتي. لقد التقيت بمجموعة كبيرة من الأشخاص المذهلين من جميع أنحاء العالم، من مفكرين وقادة ورجال أعمال وعلماء، وناقشنا وتشاركنا الكثير من الأفكار والمفاهيم الجنونية التي قد تغير العالم في السنوات المقبلة. وقد كان حديثي يحمل عنوان: هل يمكننا أن نرتقي بتنفيذ المهام المتعددة إلى المستوى التالي باستخدام الواجهات التخاطبية بين الدماغ والآلات؟
لقد علمت بوجود مجال الواجهات التخاطبية بين الدماغ والآلات (اختصاراً: BMI أو BCI، أي إمكانية التحكم في أي جهاز خارجي باستخدام الإشارات العصبية) في 2006، عندما أخبرني أحد المشرفين بالاحتمالات الممكنة والمستقبل الكبير للواجهات التخاطبية بين البشر والآلات. لقد طلبت منه أن يشرف على مشروعي للتخرج حول هذا الموضوع، ولكن لسوء الحظ لم يكن لدي ما أحتاجه من المعرفة أو التجهيزات اللازمة لتحقيق هذا الحلم في الجزائر في ذلك الوقت.
ولكن، وبما أنني حالم ومتفائل نوعاً ما، قرَّرت أن أكرس جهدي بحماس للبحث في كيفية معالجة الأمواج الدماغية للتحكم في الأجهزة الخارجية. لقد بذلت كل ما في وسعي لدراسة اللغة الإنجليزية وتعلم كل شيء حول هذه الواجهات عن طريق الإنترنت بنفسي (لم يكن هناك كتب حول هذا الموضوع في الجزائر في ذلك الوقت)، كما قمت بتحميل قاعدة بيانات لعمليات تخطيط حقيقية للأمواج الدماغية حتى أستخدمها في أبحاثي وتجاربي.
وهكذا اكتسبت الكثير من الخبرة في هذا المجال، وتمكنت من الحصول على جائزة على شكل منحة لدراسة الدكتوراه من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي لمتابعة تدريبي مع خبراء يابانيين في 2011. وفي اليابان، اكتسبت خبرة في تسجيل الإشارات الدماغية بنفسي، وأتقنت الأساليب التجريبية بسرعة. وبعد تكرار الكثير من تجارب الباحثين الآخرين، بدأت بتقديم نماذجي التجريبية الخاصة بي للتوصل إلى بعض النتائج الجديدة، مثل المزايا الدماغية والخوارزميات وغير ذلك، والتي يمكن تطبيقها في العالم الحقيقي. وقد اختبرت الكثير من الأفكار الفاشلة قبل أن أتوصل إلى فكرة ناجحة.
وفي 2014، عندما كنت ما أزال أعمل على رسالة الدكتوراه، اكتشفت موضعاً جديداً عملياً للقطب الكهربائي، وذلك خلف الأذن، بحيث يتيح تسجيل حركة العين من النشاط الدماغي لتحسين دقة الأدوات الحالية المستخدمة لتتبع حركة العين، ونجحت في تطبيق هذه الفكرة للتحكم في لعبة فيديو في الزمن الحقيقي. وقد تم تحسين هذه الفكرة التجريبية حتى يتجاوز أثرها المعاقين، ويصل أيضاً إلى الأشخاص الذين لا يعانون من إعاقات جسدية.
ومنذ 2015، كنت أعمل بصفتي بروفسور مساعد في قسم الأبحاث خارجية التمويل للهندسة العصبية السريرية للمركز العالمي للهندسة والمعلومات الطبية في جامعة أوساكا، حيث كنت أشارك في مشروع بحثي باسم إمباكت (اختصاراً لعبارة: إحداث تغييرات كبيرة عبر برامج التكنولوجيات عميقة الأثر وتحقيق طاقة الحياة عن طريق بناء صناعات للمعلومات الدماغية).
ومن أهداف بحثي الحالي التحكم المتطور في الزمن الحقيقي بالروبوت الشبيه بالبشر، باستخدام الواجهات التخاطبية المبنية على التخطيط المغناطيسي للدماغ، الذي يشارك فيه العديد من الباحثين والخبراء البارزين، بمن فيهم البروفسور هيروشي إيشيجورو (الباحث الياباني الذي اشتهر بتصميم نسخة روبوتية عن نفسه)، وأخصائي الجراحة العصبية السريرية البروفسور ماسايوكي هيراتا. وفي مختبري، نعمل جميعاً بصفتنا فريقاً واحداً على الكثير من المشاريع البحثية، مثل تطوير تكنولوجيات الواجهات التخاطبية للتطبيقات السريرية واللا سريرية، التي تساعد المرضى الذين يعانون من إعاقات حركية وتواصلية شديدة.
وفي الواقع، فإن فكرة الواجهة التخاطبية المبنية على التخطيط المغناطيسي للدماغ من أجل التحكم في الروبوت الشبيه بالبشر لتحسين قدرة البشر على أداء المهام المتعددة قد استوحيتها من فيلم خيال علمي، حيث يستطيع البشر التحكم في أكثر من أربعة أذرع اصطناعية باستخدام النشاط الدماغي. وبعد رؤية هذه الفكرة، بدأت بحثي في محاولة للتحكم في أيدي الروبوت الشبيه بالبشر باستخدام النشاط الدماغي، بهدف تحويل هذا الخيال العلمي إلى حقيقة. وتُمثل هذه الفكرة طريقة جديدة لتحسين قدرات المستخدم على أداء المهام المتعددة والتفاعل مع بيئة معقدة عبر واجهة تخاطبية متعددة الأبعاد.
وبما أنني بدأت أفهم ماذا يحدث في الدماغ خلال الحركات الثنائية الجهات، فقد بدأت أطوِّر نموذجاً تجريبياً جديداً لذراع ثالثة يمكن التحكم فيها بالدماغ لنقل قدرات أداء المهام المتعددة إلى المستوى التالي. وفي هذه الأثناء، ما زلت أعمل على فكرتي الأولى لتطوير أول نموذج منخفض التكلفة من جهاز يمكن ارتداؤه لتتبع العين وكشف الإشارات الدالة على التعب أو النعاس لدى السائقين مع تطبيق خاص للهواتف الذكية لقياس مستوى هذا التعب، وذلك لاتخاذ بعض الإجراءات الوقائية لإنقاذ الأرواح، إضافة إلى تحسين أداء وإنتاجية العمال والطلبة، وإنقاص حوادث السيارات وحوادث مكان العمل.
تم اختياري واحداً من الفائزين في قائمة "مبتكرون دون 35" لمجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأصبحت أكثر نشاطاً وبدأت أركز أكثر على حلمي، أي: تصميم منتج واجهات تخاطبية مناسب للاستخدامات اليومية، وكيفية إدخال هذه التكنولوجيا إلى العالم العربي. وعلى سبيل المثال، فقد شاركت في مسابقة تصميم الواجهات التخاطبية مع الدماغ في مؤتمر الأنظمة والبشر والسيبرانيات الذي عقده معهد الهندسة الكهربائية والإلكترونية IEEE لعام 2018 (ميازاكي، اليابان) في 7 و8 من أكتوبر لتطوير الواجهات التخاطبية مع الدماغ في 24 ساعة.
وقد فاز فريقي بالجائزة الأولى لتطوير لعبة تعاونية جديدة يمكن التحكم فيها من قِبل شخصين باستخدام التخطيط الكهربائي للدماغ. ويقطع المستخدمان مراحل اللعبة سوياً، حيث يمثل أحدهما "اللاعب" والآخر "الداعم" الذي يساعده. وقد افترضنا أن اللاعبَين لا يعانون من أية إعاقات جسدية، في حين أن الداعمين يمكن أن يتضمنوا أشخاصاً مصابين بإعاقات شديدة.
وإضافة إلى ذلك، قمت بتأليف فصل باللغة العربية في أحد الكتب حول أثر توحيد الجهود للأكثريات والأقليات على نهضة الدولة المدنية، حيث أشرت إلى أثر ثقافة العمل علينا وأهمية السلوكيات الجماعية الودية لتطوير بلداننا. كما بدأت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وإنتاج مقاطع فيديو على يوتيوب لنشر الثقافة العلمية وتحسين موثوقية المحتوى العلمي باللغة العربية.
ومنذ يناير 2019، انتقلت إلى جامعة الإمارات العربية المتحدة بصفتي أستاذاً مساعداً لأبدأ العمل على أحلامي. وقد دُعيت كمتحدث في المنتدى الرابع في دولة الإمارات حول المسائل الاجتماعية للروبوتات لخوض مناقشات جماعية مع مفكرين بارزين آخرين حول تعدد الاختصاصات والتنوع في الأبحاث الاجتماعية حول الروبوتات.
ومؤخراً، كنت مشغولاً بكتابة الكثير من عروض المنح للتحكم في أسراب من الطائرات المسيرة والروبوتات باستخدام النشاط الدماغي للحصول على بعض التمويلات البحثية، وتأسيس أول مختبر في مجال الواجهات التخاطبية بين الآلات والدماغ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولطالما كان حلمي نقل ما أعرفه من معلومات حول هذا المجال إلى العالم العربي. وعلى الرغم من أنني طورت الكثير من مهاراتي الشخصية والفنية في اليابان، وتمكنت من النجاح والازدهار في بيئة صعبة، إلا أني ما زلت أتطلع قدماً نحو تحديات مستقبلية جديدة بتفاؤل، حيث إنني لا أطمح لبناء تطبيقات جديدة للواجهات وحسب، بل أيضاً تعليم الطلاب الصغار كيفية تصميم تطبيقات مبتكرة خاصة بهم بنفسهم.