معيار تصميم جديد قد يقلب صناعة الرقائق الإلكترونية رأساً على عقب

5 دقائق
غيتي إميدجيز

في العقود السبعة أو نحو ذلك التي تلت اختراع الحاسوب، طوّر البشر العديد من لغات البرمجة، من بايثون (Python) وجافا (Java) إلى سي ++ (C++) وآر (R). تتألف هذه اللغات في معظمها من مزيج من الكلمات الإنجليزية والرموز الرياضية التي تُستخدم لصياغة التعليمات التي تطبقها أشباه النواقل.

مع ذلك، لا تفهم أنصاف النواقل المصنوعة من السيليكون والموجودة في الحواسيب الكلمات مثل "for" أو الرموز مثل "=". حتى تتمكن رقاقة إلكترونية من تنفيذ رمز برمجي مكتوب بلغة بايثون على سبيل المثال، يجب أن تُترجم البرمجيات هذه الكلمات والرموز إلى تعليمات تستطيع الرقاقة استخدامها.

يخصص المهندسون سلاسل ثنائية محددة لمساعدة الأجهزة الصلبة على تنفيذ إجراءات معينة. على سبيل المثال، قد يحتوي الرمز "100000" على تعليمات تخص جمع رقمين، بينما يمكن استخدام الرمز "100100" لنسخ قطعة من البيانات. تشكّل هذه السلاسل الثنائية المفردات الأساسية التي تستخدمها الرقائق الإلكترونية، وهي تحمل اسم مجموعة تعليمات الحاسوب.

اقرأ أيضاً: كيف أثّرت أزمة الرقائق الإلكترونية على صناعة السيارات؟

لسنوات، اعتمد قطاع الرقائق الإلكترونية على مجموعة متنوعة من مجموعات التعليمات المحمية بحقوق الملكية. يهيمن نوعان من مجموعات التعليمات على السوق حالياً، وهما مجموعة إكس 86، والتي تستخدمها شركتا إنتل (Intel) وأيه إم دي (AMD)، ومجموعة آرم (Arm) التي طوّرتها شركة تحمل الاسم نفسه. يجب أن ترخّص الشركات مجموعات التعليمات هذه، وهي عملية قد تكلف ملايين الدولارات لكل إصدار منها. ونظراً لأن الرقائق التي تعمل باستخدام مجموعتي إكس 86 وآرم تعمل وفق لغتين مختلفتين، يجب على مطوري البرمجيات تصميم نسخ مختلفة من برامجهم تتوافق مع كل مجموعة من مجموعات البيانات.

مع ذلك، بدأت مؤخراً العديد من شركات الأجهزة الصلبة والبرمجيات حول العالم بالاتفاق على مجموعة تعليمات متاحة للجمهور تحمل اسم مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة (RISC-V، أو آر آي إس سي-في اختصاراً). يمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تغيير هائل في قطاع الرقائق الإلكترونية. يقول مؤيدو مجموعة التعليمات هذه إنها ستجعل تصميم رقائق الحاسوب أكثر سهولة بالنسبة للشركات الصغيرة ورواد الأعمال الناشئين من خلال تحريرهم من رسوم الترخيص مرتفعة التكلفة.

يقول الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في منظمة آر آي إس سي-في إنترناشيونال (RISC-V International)، وهي منظمة غير ربحية تدعم تكنولوجيا مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة، مارك هيملشتاين (Mark Himelstein): "هناك بالفعل مليارات النوى التي تعتمد على مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة، وهي تُستخدم في مختلف المنتجات من سماعات الأذن إلى الخوادم السحابية".

في شهر فبراير/ شباط 2022، خصصت شركة إنتل مبلغاً قدره مليار دولار لتطوير الأنظمة الحاسوبية المعتمدة على مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة، إلى جانب العمل على أولويات أخرى. على الرغم من أن هيملشتاين يتوقع أن الاستخدام واسع النطاق للرقائق التي تعتمد على هذه التكنولوجيا في الحواسيب المحمولة سيستغرق بضع سنوات، أصبح أول حاسوب يعتمد على التعليمات المختزلة، وهو حاسوب روما (Roma) الذي طورته شركتا إكس كاليبايت (Xcalibyte) وديب كومبيوتنغ (DeepComputing)، متوفراً للطلب المسبق في يونيو/حزيران 2022.

اقرأ أيضاً: الفساد يحدث هزات كبيرة في صناعة الرقائق الإلكترونية الصينية

ما مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة؟

يمكنك التفكير بمجموعة التعليمات المختزلة الخامسة (والتي يلفظ اسمها "ريسك فايف" اختصاراً) كمجموعة من معايير التصميم، مثل تكنولوجيا بلوتوث أو الرقائق الحاسوبية. تنتمي هذه المجموعة من التعليمات إلى فئة من المعايير تحمل اسم المعايير المفتوحة. وتعني كلمة "مفتوحة" أن أي شخص أو كيان يستطيع المشاركة في تطوير هذه المعايير. بالإضافة إلى ذلك، يستطيع أي شخص تصميم رقائق حاسوبية تعتمد على مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة، ويمكن استخدام هذه الرقائق عندها لتنفيذ أي برنامج تم تصميمه ليتوافق مع مجموعة التعليمات هذه. (يجدر الذكر أن التكنولوجيات المعتمدة على المعايير المفتوحة تختلف عن التكنولوجيا ذات المصادر المفتوحة. يشير المعيار المفتوح عادة إلى مواصفات التكنولوجيا، بينما تشير عبارة المصدر المفتوح عموماً إلى البرامج التي تكون رموزها البرمجية متوفرة بالمجان للاطلاع والاستخدام).

طوّرت مجموعة من علماء الحاسوب في جامعة كاليفورنيا في بيركلي الأسس النظرية التي تعتمد عليها تكنولوجيا التعليمات المختزلة الخامسة في عام 2010 لاستخدامها كأداة تعليمية في تصميم الرقائق الإلكترونية. كانت وحدات المعاجلة المركزية الخاضعة لحقوق الملكية أكثر تعقيداً من أن يتمكن الطلاب من التعلم باستخدامها.

قام مطورو مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة بتوفير هذه التعليمات للعوام، وسرعان ما لاحظو أن هناك الكثير من الأسئلة المتعلقة بها والتي عليهم الإجابة عنها. بحلول عام 2015، أسست مجموعة من الشركات والمؤسسات الأكاديمية، بما في ذلك شركات مثل جوجل (Google) وآي بي إم (IBM)، منظّمة آر آي إس سي-في إنترناشيونال (RISC-V International) لتوحيد مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة.

تتألف النسخة الأكثر أساسية من مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة من 47 تعليمة فقط، مثل التعليمات التي تنص على تحميل رقم من الذاكرة أو جمع الأرقام. مع ذلك، تحتوي مجموعة التعليمات هذه على المزيد من التعليمات التي تحمل اسم الامتدادات، والتي تُمكّن المطورين من إضافة المزيد من الميزات مثل رياضيات الأشعة التي تستخدم في تشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: 10 من أبرز الشركات العاملة في إنتاج شرائح الذكاء الاصطناعي وتطويرها

يمكننا باستخدام تكنولوجيا مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة تصميم مجموعة التعليمات الخاصة بالرقائق الإلكترونية بالطريقة التي توافق احتياجاتنا، وهو أمر يقول الباحث في معهد آميك للأبحاث في بلجيكا (Imec)، والذي يركّز على الإلكترونيات النانوية، إريك ميدريش (Eric Mejdrich) إنه "يمنحنا الحرية في تصميم أجهزة صلبة مخصصة للتطبيقات العملية".

سابقاً، كانت الشركات التي تريد تصميم وحدات المعالجة المركزية تشتري الرقائق الجاهزة لأن تصميمها مكلف للغاية ومستهلك للوقت. احتوت هذه الرقائق عادة، وخصوصاً تلك المستخدمة في الأجهزة البسيطة من المنبهات ومعدات المطبخ، على ميزات إضافية من المحتمل أن تتسبب في إبطاء أداء الأجهزة أو هدر الطاقة.

يعتبر هيملشتاين أن تجربة شركة بلو ترام (Bluetrum)، وهي شركة مقرها الصين تصنع سماعات الأذن، هي مثال نموذجي على التجارب الناجحة المتعلقة باستخدام تكنولوجيا التعليمات المختزلة الخامسة. لا يتطلب عمل سماعات الأذن الكثير من العمليات الحوسبية. ولاحظ خبراء هذه الشركة أنهم يستطيعون تصميم رقائق بسيطة تتوافق مع مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة. يقول هيملشتاين: "لو لم تستخدم هذه الشركة مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة، فكان على خبرائها إما شراء رقائق تجارية تتمتع [بأداء] أعلى بكثير من حاجتهم، أو تصميم رقاقة أو مجموعة تعليمات خاصة بهم"، ويضيف: "لم ترغب هذه الشركة باتباع أي من هذين الخيارين".

يقول ميدريش إن تكنولوجيا التعليمات المختزلة الخامسة "تسهّل عملية" تصميم الرقائق الإلكترونية. يقوم مؤيدو هذه التكنولوجيا بإجراء ورش عمل متاحة للجميع حول تصميم وحدات المعالجة المركزية بناءً على مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة. ويستطيع الأشخاص الذين يصممون الرقائق الإلكترونية المعتمدة على هذه التعليمات تقديم تصاميمهم ليتم تطبيقها لتصنيع الرقائق بالمجان من خلال شراكة بين شركة جوجل وشركة تصنيع أشباه الموصلات سكاي واتر (SkyWater) ومنصة إيفا بليس (Efabless) المتخصصة في تصميم الرقائق.

ما مستقبل تكنولوجيا مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة؟

يصمم الرئيس التنفيذي لشركة فينتانا مايكرو سيستمز (Ventana Micro Systems) الناشئة والتي مقرها منطقة باي إيريا (خليج سان فرانسيسكو)، بالاجي باكتا (Balaji Baktha)، الرقائق الإلكترونية المعتمدة على مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة لمراكز البيانات. يقول باكتا إن التحسينات التي أجرتها شركته على هذه التكنولوجيا، والتي ربما نتجت فقط عن المرونة التي توفرها المعايير المفتوحة، جعلت الرقائق التي تصممها قادرة على إجراء الحسابات بسرعة أكبر مع استهلاك كمية أقل من الطاقة.

في عام 2021، بلغت نسبة الطاقة الكهربائية التي تستهلكها مراكز البيانات 1% من الطاقة الكهربائية الإجمالية المستهلكة في العالم. وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ارتفعت هذه النسبة خلال السنوات الأخيرة الماضية، ووفقاً لباكتا، يمكن للرقائق المعتمدة على مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة أن تخفّض هذه النسبة بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: لماذا يُعتبر ازدهار مراكز البيانات في أيسلندا مشكلة؟

مع ذلك، لا تزال الرقائق التي تستخدمها شركتا إنتل وآرم الأكثر شيوعاً، وليس من الواضح ما إذا كانت التصاميم المعتمدة على مجموع التعليمات المختزلة الخامسة ستحل محلها. يجب على الشركات تحويل البرمجيات الحالية إلى برمجيات متوافقة مع مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة (يدعم حاسوب روما معظم نسخ نظام التشغيل لينوكس، وهو النظام الذي أُصدر في تسعينيات القرن الماضي وساعد في دفع عجلة ثورة الأنظمة مفتوحة المصدر). من ناحية أخرى، يجب على مستخدمي هذه المجموعة مراقبة التطورات التي تتسبب في "تشعّب الأنظمة الحاسوبية"، حسب تعبير ميدريش. وذلك إذا، على سبيل المثال، طوّر أحد ما إصداراً من مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة أصبح رائجاً ولكنه غير متوافق مع البرمجيات التي تم تصميمها للتوافق مع الإصدار الأصلي.

يجب على منظّمة آر آي إس سي-في إنترناشيونال التعامل مع التوترات الجيوسياسية أيضاً، والتي تتعارض مع سياستها التي تعتمد على البرمجيات المفتوحة. واجهت هذه الشركة التي مقرها الأصلي في الولايات المتحدة انتقادات من المشرعين تنطوي على أن تكنولوجيا مجموعات التعليمات المختزلة الخامسة قد تتسبب في فقدان الأفضلية التي تتمتع بها الولايات المتحدة في قطاع أشباه الموصلات وتزيد من قدرة الشركات الصينية على المنافسة. لتجنّب هذه التوترات، انتقلت هذه المنظّمة إلى سويسرا في عام 2020.

يقول هيملشتاين إنه في المستقبل، ستستفيد المنظّمة من تجربة نظام لينوكس. تأمل المنظّمة أن مجموعات التعليمات المختزلة الخامسة ستمكّن المزيد من الأشخاص من تطبيق أفكارهم حول تطوير التكنولوجيات الجديدة عملياً. يقول هيملشتاين: "في النهاية، سنشهد تطوير الكثير من المنتجات المبتكرة الجديدة".

المحتوى محمي