أدت الاضطرابات غير المسبوقة في سوق العمل إلى استمرار الشركات والأعمال في تحويل تركيزها نحو الموظفين ورفاهيتهم، حيث أصبح تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل أحد أبرز الأدوات الثورية التي تساعد في مشاركة الموظفين، من خلال تجديد الطريقة التي يتم بها استقطاب المواهب وتدريبهم والاحتفاظ بهم، بالإضافة إلى إنشاء بيئة عمل شاملة توفر الوضوح، وتشجّع تنمية المهارات، وتوفر التقدير، وتحسّن العافية.
أهمية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء الموظف
تظهر العديد من الدراسات تأثيراً مباشراً لمشاركة الموظفين على نتائج الأعمال، حيث يمكن لبرامج المشاركة المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحسين مشاركة الموظفين في بيئة العمل الفعلية وعند العمل عن بُعد بعدة طرق، مثل توفير الدعم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ومراقبة الأداء في الوقت الفعلي، والتعلم والتطوير، وحل النزاعات، ما يساعد الشركات في الصمود والازدهار في الأوقات الاقتصادية الصعبة.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يجعل تجربة الموظف أفضل من أي وقت مضى
حيث نجد أن الشركات التي تتمتع بمشاركة عالية من الموظفين متقدمة على منافسيها من نواحٍ كثيرة وفي العديد من مجالات العمل، لأن مشاركة الموظفين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأداء الأعمال وتأثيرها على الربحية والإنتاجية والتغيب والاحتفاظ بالعملاء ورضاهم، كما ترتبط المشاركة أيضاً بقدرة الشركة على الابتكار والتكيّف بسهولة أكبر في أوقات التغيير، ما يؤثر على أدائها المستقبلي.
كما يساعد الذكاء الاصطناعي الإدارة في التخلص من الغموض والتخمين في دوافع الموظفين ويساعد الموظفين في الوصول إلى أهدافهم بشكل أكثر كفاءة، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بمثابة أداة منتجة يحتاجها قسم الموارد البشرية لإضفاء الطابع الإنساني على الوظيفة والحفاظ على مشاركة الموظفين.
حيث يمكن للأدوات المبتكرة المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المساهمة في تعزيز مشاركة الموظف لتحقيق العديد من الأهداف، مثل:
- يمكن استخدام روبوتات تفاعل الموظفين المدعومة بالتعلم الآلي لإشراك القوى العاملة وتقييم مستوى مشاركتهم.
- يمكن لهذه التقنيات باستخدام الخوارزميات والتحليلات مراقبة أداء الموظفين في الوقت الفعلي وتسليط الضوء على مجالات التحسين.
- يمكن لتقنيات متطورة مثل تحليل المشاعر ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP) للمحادثات النصية تحديد مزاج الموظفين في العمل والأداء المستقبلي بناءً على أنماط السلوك وإيماءات الوجه ولغة الجسد.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الأتمتة على إدارة الأعمال والموظفين؟
استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء الموظف ومشاركته
يعد دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات اليومية أمراً بالغ الأهمية لزيادة إنتاجية الموظف، وتعزيز التواصل بشكل أفضل، وبناء ثقافة عمل تعاونية، وفي نهاية المطاف تعزيز مشاركة الموظفين بفعالية، حيث يمكن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في هذا المجال بعدة طرق، منها:
زيادة الكفاءة الإنتاجية
بعكس الاعتقاد السائد لدى الكثيرين فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لم يتم تصميمها لتكون بديلاً للموظفين بدلاً من ذلك تهدف إلى المساعدة في أداء المهام بشكل أكثر كفاءة، فوفقاً لتقرير من شركة الاستشارات الإدارية ماكنزي (McKinsey) فإنه من المتوقع أن 30% على الأقل من المهام في 60% من الوظائف يمكن أن تكون مؤتمتة حالياً وهو ما يمكن أن يساعد كثيراً في زيادة الإنتاجية.
على سبيل المثال، يمكن لأدوات التقاط البيانات المعرفية (Cognitive Data Capture، اختصاراً (CDC) المدعومة بتكنولوجيا التعلم الآلي استخراج البيانات من المستندات غير المهيكلة بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر، ومن ثم باستخدام مثل هذه الأدوات، لا توجد حاجة لاستخدام الموظفين في مهام مثل إدخال البيانات يدوياً، بدلاً من ذلك يمكن استخدام أجهزة الحاسوب لمعالجة معظم هذه المهام تلقائياً والتفرغ للمهام الأكثر تعقيداً.
اقرأ أيضاً: هل يمكن للأتمتة الذكية أن تحسِّن وظائفنا وشركاتنا؟
أتمتة المهام اليومية
يمكن للموظفين أتمتة مهام سير العمل باستخدام أدوات الاتصال والإنتاجية الحديثة المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مثل تلك الموجودة في نظام مايكروسوفت ديناميك 365 (Microsoft Dynamics 365). على سبيل المثال، يمكن لمسؤول التسويق عبر البريد الإلكتروني جعل مهامه أكثر كفاءة وفعالية بشكل ملحوظ، من خلال استخدامها لتحسين وقت الإرسال، وتقييم المحتوى لتحديد ما إذا كان من المحتمل تصفيته كرسائل غير مرغوب فيها.
تعد إضافة الأدوات التي تساعد في أتمتة الجدولة وجمع المعلومات والتواصل أمراً مهماً، على سبيل المثال يمكن استخدام أدوات تحويل الكلام إلى نص المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، مثل أوتير دوت أيه آي (Otter.ai) أو زووم (Zoom) لتسجيل الاجتماعات تلقائياً وتدوين الملاحظات وتقديم الملخصات، ما يسهل على الموظفين تتبع النقاط الأساسية فقط.
اقرأ أيضاً: لا يمكن تجاهل الحاجات البشرية إن أردنا الاستفادة من الأتمتة
تحسين الأداء المهني والشخصي
عادة يقضي معظم الموظفين الكثير من الوقت في الإنتاج عندما تكون لديهم المعلومات والأدوات التي يحتاجون إليها للتميز في وظائفهم، فوفقاً لاستطلاع قامت به شركة أوراكل (Oracle)، وجد أن ثلث المشاركين في الاستطلاع قالوا إن الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي يستخدمونها ساعدتهم في تعزيز في صحتهم العقلية وتقليل التوتر المرافق لضغوطات العمل.
علاوة على ذلك أظهر الاستطلاع أن الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في مهام سير عملها لديها أسابيع عمل أقصر، وأخذ موظفيها إجازات أطول، ووفرت للموظفين توازناً أفضل بين العمل والحياة والقدرة على تحسين حياتهم الشخصية.
اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي لمنح العاملين درجة إنتاجية
تقييم مهارات الموظفين وتعزيز الحالة المزاجية
تعمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أيضاً على تحسين الدقة عن طريق تحليل خلفيات الموظفين ومجموعات المهارات لتسهيل التعاون متعدد الوظائف بين الإدارات. على سبيل المثال، تستخدم شركة تطوير الأجهزة الطبية والأدوية جونسون آند جونسون (Johnson & Johnson) تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتقييم مهارات الموظفين، ومقارنة مجموعات مهاراتهم بالموظفين الخارجيين في مناصب مماثلة، ومعرفة مواضع فجوات المهارات واتخاذ الخطوات المناسبة لمعالجتها.
كما تستخدم شركة ستاربكس (Starbucks) التي تعمل في مجال المشروبات الجاهزة الذكاء الاصطناعي لتحسين نوعية حياة موظفيها وعمالها، حيث تتولى نماذج الذكاء الاصطناعي زمام الأمور لإدارة العديد من المهام، مثل إدارة الجداول وتوقع احتياجات التوظيف والتعامل مع المخزون، وحتى التنبؤ بالوقت الذي تحتاج فيه معدات المقاهي إلى الصيانة، حيث تهدف الشركة من استخدام الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى منح موظفيها مزيداً من الوقت للتواصل مع العملاء، ومن ثم محاربة الشعور بالوحدة وتحسين الحالة المزاجية لهم.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يخبر مديرك بالمهارات التي تفتقر إليها
تقديم مشاركة أسرع للمعلومات
من أكثر التحديات الصعبة التي يواجهها الموظفون الحجم الهائل للمعلومات المتاحة، ولكن بمساعدة بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ونماذج معالجة اللغات الطبيعية، أصبح من السهل العثور بسرعة على المعلومات ذات الصلة حول أي موضوع، ما يساعد الشركة على أن تصبح أكثر مرونة بحيث يمكن للموظفين الوصول إلى المعلومات بشكل أسرع والتركيز بشكل أفضل على تحقيق الأهداف.
على سبيل المثال، إذا كان لدى الموظف سؤال حول منتج في قسم آخر ولا يعرف من يسأل، يمكنه استخدام المساعدات الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل المساعد الافتراضي لينا أيه آي (Leena AI) الذي يذكّر مطوروه أنه يساعد في تقليل الوقت الذي يستغرقه الموظفون للوصول إلى المعلومات المهمة بنسبة تصل إلى 90%.
اقرأ أيضاً: 10 استخدامات لبوت الدردشة تشات جي بي تي توفر عليك ساعات من العمل
إجراء تحليل تنبؤي
بدلاً من انتظار تقييمات الأداء السنوية لتقييم الأداء وجمع تعليقات الموظفين، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي مسؤولي الموارد البشرية في فهم أسباب ارتفاع إنتاجية الموظف الحالية والمستقبلية وانخفاضها، حيث يمكن للشركات استخدام أحد أدوات تحليل المشاعر (Sentiment Analysis) المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الوقت الفعلي لتقييم الحالة الذهنية لموظفيها واتخاذ إجراءات تصحيحية، والذي يساعد في تقليل معدل التناقص وزيادة الإنتاجية، كما يمكن أيضاً إجراء تنبؤات دقيقة حول أداء الموظف ومسار العمل.
ختاماً، مع الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن مشاركة الموظفين هي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الشركات في جميع أنحاء العالم، فلا يوجد وقت أفضل من الآن لدمج قوة الذكاء الاصطناعي في استراتيجية الشركة من أجل التواصل مع الموظفين، والحصول على ملاحظاتهم، واستخدام هذه التعليقات في إنشاء استراتيجية مشاركة هادفة للموظفين لتحقيق الأهداف الحالية والمستقبلية للشركة.