على مدار أكثر من 20 عاماً، تفاخرت شركة ألفابيت بريادتها في إدخال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في منتجاتها وكيف تعمل على تحسين حياة مستخدميها، وهي في هذا محقة حيث لا يزال محرك البحث جوجل الذي يعتبر دُرة تاج منتجاتها يخدم مستخدمي الإنترنت بشكل أكثر من رائع، من خلال توفير الإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم بلمح البصر ومن مصادر لا تُعد ولا تُحصى.
ولكن منذ ظهور بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT) في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، بدأ مسؤولو الشركة في تحسس الزر الأحمر الكبير؛ ليس خوفاً من تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحيث أصبح من الصعب التحكم فيها، ولكن خشية أن يهدد بوت الدردشة الجديد نموذج عملها بالكامل وبالتحديد مكانة محرك البحث جوجل الحالية وريادته.
فهل بوت الدردشة تشات جي بي تي ذكي حقاً بما يكفي لتغيير طريقة العثور على المعلومات عبر الإنترنت؟ وهل يمكن أن يحل في يوم من الأيام محل محرك البحث؟ وكيف يبدو البحث عبر كل منهما؟
كيف يبدو البحث باستخدام تشات جي بي تي ومحرك جوجل؟
على الرغم من المخاوف التي نشأت لدى مسؤولي جوجل بشأن بوت الدردشة تشات جي بي تي، فإن التجربة هي خير برهان، لذا إليك مقارنة سريعة بينهما من خلال بعض الأسئلة التي طُرحت لكليهما وكيف استجاب تشاب جي بي تي مقارنة بمحرك البحث جوجل.
المقارنة الأولى: الوصول إلى الصفحة الرئيسية
في الوقت الحالي، يتطلب استخدام بوت تشات جي بي تي التسجيل أولاً بعنوان بريدك الإلكتروني وبعض المعلومات الإضافية مثل رقم الهاتف للتأكيد، وهي طريقة ربما ستتغير مستقبلاً أو ستكون مطلباً أساسياً.
بينما من السهل استخدام محرك البحث جوجل دون الحاجة إلى عنوان بريد إلكتروني أو أي معلومات أخرى، على الرغم من أن الدخول بعنوان البريد الإلكتروني (بريد جيميل بالتحديد) سيتيح لك الوصول إلى جميع الخدمات الأخرى، مع نتائج أكثر تخصيصاً في محرك البحث.
المقارنة الثانية: طريقة عرض المعلومات
يوفر بوت تشات جي بي تي مربع نص في الأعلى لكتابة استعلامك، وفي الأسفل مباشرة سيتم عرض نتيجة البحث (نتيجة واحدة فقط) وهي عادة عبارة عن نص لما يعتبره أفضل نتيجة يمكنك الحصول عليها، ولك حرية التعامل مع هذه النتيجة أو التعديل عليها لاحقاً أو حتى تغيير السؤال للحصول على نتيجة أكثر تفصيلاً.
بينما في محرك البحث جوجل ستظهر لك العديد من النتائج في الصفحة الأولى ولعدة صفحات أخرى مرتبة من الأفضل إلى الأقل جودة بحسب رؤية خوارزميات الترتيب والتي يمكن أن تتداخل معها عوامل أخرى، مثل مطابقة الكلمة الرئيسية مع موضوع البحث وأهمية البحث نفسه وغيرها من التفاصيل التي تحدد ترتيب نتائج البحث.
اقرأ أيضاً: بوت تشات جي بي تي مبدع وسهل الاستخدام لكن مخاطره كثيرة
المقارنة الثالثة: تخصيص نتائج البحث
نظراً إلى الأسلوب الذي يتبعه بوت تشات جي بي تي فقد لا تجد نتيجة بحث مخصصة لك أو وفقاً لتفضيلاتك، وهذا يعود إلى أنه لا يزال يتعلم من مدخلات المستخدمين لذلك قد تجد إجاباته غير كافية في بعض استعلامات البحث، مثل البحث عن فكرة هدية مناسبة لأحد أصدقائك في عيد ميلاده.
بينما يتيح لك محرك البحث جوجل إمكانية الوصول إلى مئات المصادر والمقالات بأفكار هدايا مختلفة وروابط لمواقع الويب، علاوة على ذلك يمكنه التوصية بمتجر معين للشراء منه بناءً على عادات التسوق الخاصة بك وعمليات البحث التي أجريتها سابقاً.
المقارنة الرابعة: موثوقية المعلومات
عند البحث عن معلومات أكثر تخصصاً وعمقاً مثل معلومات عن دواء معين، فإن بوت تشات جي بي تي لديه القدرة على الإجابة بشكل أكثر تفصيلاً عن هذا الدواء مع الإشارة أيضاً إلى أهمية استشارة الطبيب قبل تناول هذا الدواء أو أي أدوية أخرى بشكل عام.
بينما تتنوع الإجابات في محرك البحث جوجل بحسب المصدر الذي تقوم بزيارته، وعلى الرغم من أن جميعها قد تتفق على تقديم المعلومات الدقيقة نفسها حول الدواء الذي تبحث عنه، فإن كثرة المصادر التي قد لا توفر معظمها تحذيراً واضحاً حول آثارها الجانبية أو إرشادات بضرورة استشارة الطبيب قد تجعلك متخماً بالمعلومات غير الضرورية.
اقرأ أيضاً: كيف تعمل جوجل على الحد من تأثير بوت تشات جي بي تي على محرك البحث الخاص بها؟
هل يمكن القول إن منافس محرك البحث جوجل قد ظهر أخيراً؟
تكمن قيمة بوت تشات جي بي تي بصورة أساسية في قدرته على شرح الموضوعات المعقدة كما لو كنت تتحدث إلى إنسان، والقيام بكتابة المقالات والنصوص بلغة سليمة وترتيب منطقي. على سبيل المثال، يمكن للبوت شرح مصطلحات مثل الأوراق المالية كما لو كنت تتحدث مع خبير، على عكس محرك البحث جوجل الذي يجب أن تقوم بزيارة نتائج البحث واحدة تلو الأخرى حتى تتمكن من تكوين فكرة أو الوصول إلى شرح مفهوم للمصطلح الذي تبحث عنه.
ومع ذلك فإن محرك البحث جوجل يمكنه تخصيص النتائج وفقاً لاهتماماتك وسلوكياتك السابقة، علاوة على ذلك فإن البحث عبره يقودك إلى عدد كبير من مواقع الويب المختلفة التي تحتوي على معلومات أكثر، وهو ما يمكن أن يكون مفيداً إذا كنت تريد مجموعة من الآراء والمعلومات من مصادر مختلفة، أو إذا لم تكن هناك إجابة واحدة بسيطة لسؤالك.
كما يعد محرك البحث جوجل مفيداً في الإجابة عن أنواع معينة من الأسئلة، من خلال تصفحه للويب لتقديم إجابة مختصرة وبسيطة في سطر واحد. على سبيل المثال، إذا بحثت عن أسعار الفنادق في دبي سوف يقدم لك لائحة محدثة بالفنادق وأسعارها مباشرة في الأعلى، بعكس بوت تشات جي بي تي الذي لا يفحص الإنترنت بحثاً عن معلومات في الوقت الفعلي، حيث تم تدريبه فقط على البيانات حتى عام 2021، لذلك فهو غير مفيد تماماً في هذا النوع من البحث.
اقرأ أيضاً: 10 استخدامات لبوت الدردشة تشات جي بي تي توفر عليك ساعات من العمل
هل هناك ما يدعو ألفابيت إلى القلق بالفعل؟
من أجل مواجهة التهديد الناشئ الذي يمثله بوت تشات جي بي تي، تم طلب المساعدة من المؤسسين اللذين غادرا الشركة منذ عام 2019، حيث قاما بمراجعة استراتيجية منتجات الذكاء الاصطناعي للشركة والموافقة على الخطط والأفكار المقدمة لوضع المزيد من ميزات النماذج اللغوية الكبيرة في محرك البحث جوجل، مع تقديمهما نصائح للقادة والمدراء التنفيذيين لوضع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في صُلب خططهم ومنتجاتهم المستقبلية.
علاوة على ذلك، ذكر تقرير أن بعض موظفي جوجل قد أبدوا قلقهم بالفعل بشأن هذه الاحتمالية، حيث أفاد تقرير لشبكة سي إن بي سي (CNBC) بأن الموظفين سألوا المسؤولين التنفيذيين في جوجل مؤخراً عما إذا كانت النماذج اللغوية الكبيرة مثل بوت تشات جي بي تي بمثابة فرصة ضائعة للشركة.
اقرأ أيضاً: كيف سيحدث بوت الدردشة تشات جي بي تي ثورة في مجال الأعمال؟
بالإضافة إلى ذلك ووفق التقرير، فإن لدى الموظفين مخاوف أخرى بشأن محرك البحث جوجل، حيث شهدت شركة جوجل في الفترة الحالية أبطأ فترة نمو لها منذ عام 2013، مع زيادة الإيرادات المرتبطة بالبحث بنسبة 6% فقط عن العام السابق، وهو معدل نمو أبطأ من إجمالي نشاط الإعلانات للشركة.
ولم يخفِ مسؤولو الشركة أيضاً قلقهم حول مستقبل محرك البحث جوجل، حيث ذكر النائب الأول لرئيس شركة جوجل، برابهاكار راغهافان (Prabhakar Raghavan) في شهر يوليو/ تموز من العام الماضي، أن منصات مثل تيك توك وإنستغرام قد بدأت في تناول حصة جوجل في سوق محركات البحث مع اتجاه المستهلكين الشباب بشكل متزايد إلى البحث على المنصات المرئية.
كما رأى بعض الموظفين السابقين في الشركة أن النهاية أصبحت قريبة للغاية لمحرك البحث جوجل، مثل مبتكر خدمة البريد الإلكتروني جيميل، بول بوشيت (Paul Buchheit) الذي ذكر في تغريدة أن نماذج الذكاء الاصطناعي مثل بوت تشات جي بي تي ستدمر أعمال الشركة في القريب العاجل، حيث توقع أن سيطرة جوجل على حركة البحث من المتوقع لها أن تستمر لمدة عامين كحد أقصى.
اقرأ أيضاً: كيف تعمل مايكروسوفت على تهديد جوجل في سوق محركات البحث؟
كما أظهر تقرير لمحللي بنك مورغان ستانلي (Morgan Stanley)، أن تكلفة النماذج اللغوية الكبيرة مثل بوت تشات جي بي تي أعلى بمقدار 7 أضعاف لكل استعلام مقارنة بالبحث المدفوع، وهذا من شأنه أن يمثل تهديداً طويل المدى، ويمكن أن تأخذ حصة من السوق وتعطل مكانة محرك البحث جوجل كنقطة دخول للأشخاص على الإنترنت.
ختاماً، ليس من السهل القول إن تشات جي بي تي سيحل محل محرك البحث جوجل، حيث لا يزال في طور التجربة كما أن نتائج بحثه يمكن أن تكون خاطئة وغير موثوقة وحتى متحيزة، ومن ثم من الصعب الاعتماد عليه بشكل كُلي في البحث عن المعلومات على الأقل في الوقت الراهن.
بينما لا يزال محرك البحث جوجل جديراً بالثقة مع تنوع إجاباته التي يقدمها والتي تترك الخيار للوصول إلى مصادر تُعد بالآلاف، بالإضافة إلى ذلك فإن شركة ألفابيت قد بدأت بالفعل في اختبار بوت دردشة مدعوم بتقنية النموذج اللغوي لتطبيقات الحوار لامدا (LaMDA) يحمل الاسم الرمزي أبرينتايس بارد (Apprentice Bard)، والذي يمكنه تقديم إجابات محدثة في الوقت الفعلي اعتماداً على كمية البيانات المهولة التي تمتلكها شركة ألفابيت بالفعل.
لذا في الوقت الحالي يمكنك الاستمرار في استخدام محرك البحث جوجل كمصدر أول للبحث عن المعلومات، ولكن إذا لم تكن سعيداً بالإجابات التي تحصل عليها أو تريد الوصول إلى إجابات مباشرة دون الاضطرار إلى زيارة عدة مواقع ويب، فلديك الآن البديل وهو بوت تشات جي بي تي مع أخذ جانب الحذر بأن ما يقدمه من إجابات قد يكون خاطئاً تماماً.