حرب تكنولوجيّة تلوح في الأفق: هل يمكن للبشرية تخطي الموت؟

5 دقائق
حرب تكنولوجيّة تلوح في الأفق: هل يمكن للبشرية تخطي الموت؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ PopTika

مع استمرار تقدم التكنولوجيا بشكلٍ كبير، بدأ العلماء والتقنيون بشكلٍ متزايد في استكشاف إمكانية تجاوز معدل الوفيات البشرية، وهو حلم محتمل لطالما ساور عقول المفكرين والمبتكرين منذ بزوغ فجر البشرية.

لكن هذا الحلم لا يخلو من المخاطر، فمع كل تقدم تكنولوجي نحرزه تأتي آثار مقلقة على أمننا الجماعي، حتى إن البعض يفترض أن حرباً تكنولوجيةً يمكن أن تلوح في الأفق، إذ نتجه إلى عصر تتنافس الدول والأفراد فيه للسيطرة على طول العمر والوصول إلى الأبدية.

ولكن قبل أن يتسنى لهذه السيناريوهات أن تصبح حقائق، هل لدى البشرية ما يلزم للتغلب على الموت؟ هل الحياة الأبدية في متناول أيدينا؟

اقرأ أيضاً: ما هي تقنية إعادة البرمجة الوراثية وهل يمكن استخدامها لإطالة عمر البشر؟

جيف بيزوس يعتزم تمديد العمر

أشارت التقارير إلى أن جيف بيزوس يقوم بتوجيه بعض مساعيه إلى قطاع الاستدامة العمرية. ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز مؤخراً أن بيزوس قام بضخ استثمارات مكثّفة في أبحاث تتعلق بالاستدامة العمرية ومشاريع "مكافحة الشيخوخة".

يعمل بيزوس بجرأة على تسريع وتيرة العمل الهادف إلى حل اللغز المتعلق بانقضاء العمر، وترسل هذه الخطوة إشارة واضحة إلى العديد من الشخصيات البارزة الأخرى. وبهدف المضي قدماً بمشروعه الجريء آلتوس لابز (Altos Labs)، استفاد بيزوس من خبرات هال بارون من شركة غلاكسو سميث كلاين (GlaxoSmithKline) لتغيير قواعد اللعبة، وذلك عن طريق تطوير فهم معمق حول الشيخوخة وكيفية هزيمتها. ولكن هل هذا ممكن؟ ماذا يطلعنا العلم عن آفاق قدراتنا الدنيوية؟ 

على الرغم من هذه التكهنات، فإن هناك شيئاً واحداً مؤكداً: من المرجح أن نرى تطورات ثورية في محاربة مسيرة الزمن إلى الأمام في السنوات القليلة المقبلة.

وفي حين أنه من السابق لأوانه معرفة ما قد تكون عليه خطط جيف بيزوس بالضبط، أو ما إذا كانت ستؤدي جهوده إلى أي فوائد ملموسة في مجال تمديد الحياة، فإن اهتمامه يظهر أننا قد ندخل عصراً تستخدم فيه النخبة الثرية مواردها لمحاولة إطالة العمر إلى أجل غير مسمى، مع دفع هؤلاء الأشخاص الأثرياء حدود التكنولوجيا الحالية، قد يكون من الممكن قريباً للبشر أن يعيشوا لفترة أطول بكثير مما كنا نعتقد سابقاً.

تحركات في صفوف عمالقة التكنولوجيا

ارتفعت استثمارات شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وأمازون ومايكروسوفت وجوجل وآبل في التكنولوجيا الصحية الجماعية عام 2020 إلى 3.7 مليار دولار. تؤدي هذه الشركات دوراً نشطاً وتصاعديّاً للنهوض بقطاع الرعاية الصحية من خلال الاستثمار بكثافة في مجالات مختلفة مثل التطبيب عن بُعد وتحليلات البيانات الصحية والأجهزة الطبية التي تعتمل باستخدام الذكاء الاصطناعي. 

ويمثل هذا التحول خطوة للاستفادة من الطلب المتزايد على تحسين رعاية المرضى، مع خلق مصادر إيرادات جديدة لهذه الشركات.

وكان التركيز المتزايد على الرعاية الصحية من قبل تلك الشركات الرئيسية قد تم دفعه في المقام الأول بواسطة عاملين أساسيين؛ أولاً: قدرة تلك الشركات على الاستفادة من نقاط القوة الحالية الخاصة بها مثل قدرات الحوسبة السحابية وخبرة علوم البيانات. 

اقرأ أيضاً: كيف يحاول العلماء تجديد شبابك؟

ثانياً: رغبتها في التنويع خارج نطاق الخدمات الرقمية ونحو قطاعات أكثر قيمة مثل الرعاية الصحية. على سبيل المثال، أطلقت مايكروسوفت العديد من المبادرات مثل هيلث فولت (HealthVault) التي تسمح للمرضى بتخزين السجلات الطبية بأمان عبر الإنترنت، مع الاستفادة من منصة آزور السحابية الخاصة بها للحصول على إمكانات تحليلية متقدمة ضمن القطاع.

وتركّز جوجل على تطوير أدوات التشخيص التي تستخدم التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد الأمراض. وفي الوقت نفسه، تحرز آبل تقدماً مطرداً في سوق الرعاية الصحية من خلال منصة هيلث كيت (HealthKit) الخاصة بها، والتي تُتيح للمستخدمين تتبع بياناتهم الصحية وإدارة السجلات الطبية من مصادر متعددة. تستكشف فيسبوك أيضاً فرصاً جديدة في مجال الرعاية الصحية مثل تطوير بوابة للتفاعلات بين المريض والطبيب، والشراكة مع مختبرات الأبحاث لتطوير فهم معمق حول الديناميات الاجتماعية التي تؤثر على رفاهيتنا.

وبذلك يتحول عمالقة التكنولوجيا تدريجياً إلى عمالقة التكنولوجيا الصحية، إذ تثبت تركيبتهم المؤلفة من التكنولوجيا المتطورة والموارد المالية الضخمة أنهم قوة هائلة في مجال الرعاية الصحية. ومن المرجح أن نرى ارتفاعاً في "الصحة كخدمة" في السنوات المقبلة، وربما نشهد تطورات أكثر جذرية في المستقبل مثل "طول العمر كخدمة". 

اقرأ أيضاً: كيف ستنعكس رقمنة خدمة الوصفات الطبية على المرضى ومقدمي الرعاية الصحية؟

الحالة الراهنة لطول العمر 

في السنوات الأخيرة، ارتفع متوسط العمر المتوقع بشكلٍ كبير في جميع أنحاء العالم، حيث يقدر الآن بنحو 73 عاماً. ويرجع ذلك إلى مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك تحسين التغذية وممارسات النظافة والتحصينات وتعزيز سبل الوصول إلى الرعاية الطبية.

بالإضافة إلى هذه العوامل التي تعزز متوسط العمر المتوقع، هناك أيضاً العديد من الطرق الأخرى التي تسهم في إطالة العمر. من خلال التقدم في مجال التكنولوجيا الطبية، يمكننا ابتكار علاجات جينية مخصصة للأمراض النادرة والتي يمكن أن تطيل بشكل كبير من العمر المتوقع للشخص. تظهر العلاجات الأخرى مثل لقاحات السرطان أيضاً إمكانات لا تصدق لإضافة سنوات إلى حياة الشخص. في بعض الحالات، يمكن أن توفر العلاجات التجريبية الأكثر تقدماً نتائج واعدة لأولئك الذين يعانون أمراضاً قد تكون قاتلة.

أسباب الزيادة في متوسط طول العمر المتوقع حول العالم

يمكن أن تعزى الزيادة في متوسط طول العمر المتوقع في جميع أنحاء العالم إلى عدد من العوامل، بما في ذلك التقدم في التكنولوجيا الطبية وتعزيز إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية. ومع إمكانية الحصول على الرعاية الوقائية بأسعار معقولة، يمكن للناس الاعتناء بصحتهم بشكلٍ أفضل والاستمتاع بحياة أطول.

اقرأ أيضاً: آبل تُصدر تطبيقاً لتتبّع دورات القلب وصحة السمع والدورة الشهرية

استخدام التكنولوجيا لمحاربة الشيخوخة وإطالة العمر

يمثل الطب التجديدي أحد الأمثلة على كيفية استخدام التكنولوجيا لتحقيق الاستدامة العمرية. باستخدام الخلايا الذاتية، يستطيع الباحثون إصلاح واستبدال الأنسجة القديمة بخلايا صحية جديدة، ما قد يؤدي إلى إبطاء أو حتى عكس آثار الشيخوخة. ويعد العلاج الجيني أحد التطورات الواعدة الأخرى، والذي يتضمن تغيير الحمض النووي للشخص بهدف الوقاية من المرض أو إبطاء عملية الشيخوخة.

اقرأ أيضاً: هواة التعديل البيولوجي يتجاهلون التحذير من تطبيق العلاج الجيني بشكل ذاتي

مستقبل طول عمر وتأثير الذكاء الاصطناعي على حياتنا

لعل أحد أهم التطورات في مجال طول العمر هو تطور الطب الوقائي المدعوم من قبل الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على التشخيص العميق في المراحل المبكرة. 

ومن خلال مبادرات الصحة العامة والتثقيف بشأن التغذية والعادات السليمة لنمط الحياة مثل زيادة النشاط البدني اليومي والحفاظ على أنظمة غذائية صحية، يمكن للناس اتخاذ خيارات تزيد بشكلٍ كبير من فرصهم في العيش لفترة أطول. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقدم في تحليلات علوم البيانات المدعومة من قبل الذكاء الاصطناعي يسمح لنا بتتبع اتجاهاتنا الصحية بمرور الوقت بشكلٍ أكثر دقة وبطريقة وقائية تنبؤية، حتى نتمكن من تحديد أي مشكلات أو تغييرات في وقت مبكر. وفي تلك المرحلة المتقدمة، يمكن للمريض آنذاك أن يؤدي دور "الرئيس التنفيذي" لصحته وطول عمره بشكلٍ استباقي.

يمثّل مستقبل طول العمر نقاشاً ساخناً بين العلماء، ويأخذ التأثير الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي في حياتنا القدر نفسه من الأهمية. باستخدام الذكاء الاصطناعي، يأمل العلماء بتحقيق تطورات يمكن أن تساعد في إطالة عمر المرء، وإطالة فترات الحياة الصحية والنشطة، فضلاً عن تحسين جودة الحياة بشكل عام. باستخدام الذكاء الاصطناعي، يراهن العلماء أيضاً على فهم كيفية تقدم أجسادناً في العمر وإهلاكها مع مرور الوقت، بالإضافة إلى تطوير علاجات يمكن أن تعكس الشيخوخة.

اقرأ أيضاً: هل سيثبت الذكاء الاصطناعي جدارته في قطاع الرعاية الصحية؟

بواسطة الذكاء الاصطناعي، يمكن للمهنيين الطبيين أيضاً تشخيص الأمراض بشكلٍ أكثر فعالية، الأمر الذي تنتج عنه علاجات أكثر دقة ونتائج صحية مثبتة. بالإضافة إلى ذلك، يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الكفاءة الإجمالية لأنظمة الرعاية الصحية من خلال تبسيط العمليات المعقدة مثل إدارة رعاية المرضى وتحليل البيانات.

المحتوى محمي