شارك
الرئيسية
2 دقائق 
هناك قطة يتم الحديث عنها كثيراً، لكن ربما لا يعرفها سوى القليل من الناس، إنها قطة عالم الفيزياء النمساوي إرفين شرودنغر (Erwin Schrödinger) الحائز جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933. هذا العالم لم يكن يملك قطة، لكنه جعل من القطة بطلاً لتجربة ذهنية أطلق عليها اسم "قطة شرودنغر" (Schrödinger’s cat).
تجربة شرودنغر
تخيّل شرودنغر قطة تم وضعها داخل صندوق مغلق، وداخل الصندوق يوجد عداد غايغر (أحد أدوات الكشف عن الإشعاعات) وكمية ضئيلة من مادة مشعة يمكن أن تتحلل ذرة واحدة منها كل ساعة.
إذا تحللت الذرة، فإن عداد غايغر سوف يرصد الإشعاع الصادر عنها، ويطرق بمطرقة زجاجية تحتوي على حمض الهيدروسيانيد السام ويكسرها، وسيؤدي انتشار هذا الحمض إلى موت القطة على الفور.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين ميكانيك الكم والفيزياء الكلاسيكية؟
مبدأ عدم اليقين
أي شخص يراقب الصندوق من الخارج لن يعرف ما يحدث في الداخل، وبالتالي وبعد مرور ساعة، لن يستطيع معرفة ما إذا كانت القطة حيّة أو ميتة. يمكنه القول إن احتمال كل من الحالتين هو 50%، لذلك سيكون المراقب في حالة عدم يقين بشأن مصير القطة.
للتخلص من حالة عدم اليقين، الشيء الوحيد الممكن هو فتح الصندوق والنظر داخله، عند القيام بذلك، تختفي حالة عدم اليقين، ويصبح المراقب في حالة يقين بشأن مصير القطة.
تبدو هذه التجربة بسيطة ومنطقية ومفهومة ولا شيء غريب فيها. فما علاقتها بفيزياء الكم؟
المفارقة
لنفترص أن المراقب لا يستطيع فتح الصندوق لمعرفة مصير القطة، في هذه الحالة، كيف يمكن التغلب على حالة عدم اليقين بشأن مصيرها؟
من أجل عدم الاستسلام تماماً لحالة عدم اليقين، من الممكن القول إن القطة حيّة وميتة في نفس الوقت، هذا بالضبط هو الافتراض الكامن وراء مفارقة قطة شرودنغر.
القول إن قطة حيّة وميتة في نفس الوقت هو أمر غير منطقي وغير مفهوم، فنحن لسنا معتادين على حالات من عدم اليقين كهذه، من الواضح أن فكرة اعتبار قطة حيّة وميتة في نفس الوقت هو أمر لا معنى له.
لكن في فيزياء الكم، أي عالم الجسيمات دون الذرية التي تتكون منها الذرات (الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات)، لاحظ الفيزيائيون أنها تكون في أكثر من حالة في نفس الوقت. وتتمتع هذه الجسيمات بقدرة خارقة على الظهور في مكانين في وقت واحد، وتدور في اتجاه عقارب الساعة وعكس اتجاه عقارب الساعة في نفس الوقت.
اقرأ أيضاً: ما هو التشابك الكمومي وكيف يستفيد قطاع التكنولوجيا منه؟
حاول عالما الفيزياء نيلز بور (Niels Bohr) وفيرنر هايزنبرغ (Werner Heisenberg) تفسير ذلك في ثلاثينيات القرن الماضي، وطرحا ما يعرف باسم "تفسير كوبنهاغن لميكانيكا الكم" (Copenhagen interpretation). يقترح هذا التفسير أن الذرات أو الجسيمات دون الذرية تكون في حالات متعددة تتوافق مع كل النتائج المحتملة، يعرف ذلك باسم "التراكب"، وأنها تصبح بحالة محددة واحدة حين يتم رصدها ومراقبتها. بسبب تأثير الأدوات المستخدمة في عملية الرصد، يعرف ذلك باسم "تأثير المراقب" (Observer effect).
التأثيرات الكمية في العالم المرئي
تم تصميم تجربة قطة شرودنغر لإظهار الشكل الذي سيبدو عليه تفسير كوبنهاغن إذا تم استبدال المصطلحات الرياضية المستخدمة في شرح التراكب في العالم الذري ودون الذري بمصطلحات يستطيع الشخص العادي أن يراها ويفهمها.
الحديث عن قطة حية وميتة في نفس الوقت هو أمر غير منطقي بكل تأكيد، لكن هذا ما يحدث بالضبط في العالم دون الذري، وهو أمر لاحظه علماء الفيزياء منذ فترة طويلة دون أن يتمكنوا من إيجاد أي تفسير له.
اقرأ أيضاً: ما هو التشابك الكمومي؟ وكيف يستفيد قطاع التكنولوجيا منه؟
بحسب تجربة شرودنغر هذه، إذا كان تفسير كوبنهاغن صحيحاً، فقبل حدوث أي رصد، تكون الذرات والجسيمات دون الذرية في حالات متعددة في نفس الوقت، أي في حالة تراكب، وكذلك القطة أيضاً، ستكون حيّة وميتة في نفس الوقت. ولأنه من غير المنطقي أن تكون القطة حية وميتة، أراد شرودنغر تأكيد أن تفسير كوبنهاغن ليس كاملاً ويفتقر إلى شيء ما.