في الآونة الأخيرة، تنامى ظهور الأخبار الزائفة والطريقة التي تنتشر بها في قنوات التواصل الاجتماعي بصفتها أعظم المخاطر التي تهدد المجتمعات الحديثة. فمنذ زمن غير بعيد، اُستخدمت الأخبار الزائفة للتشويش على أسواق الأوراق المالية (البورصات)، وحثّ الناس على اختيار منتجات وخدمات طبية مشبوهة، وفي التلاعب بمسار الانتخابات، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت العام الماضي.
لذلك ما من شك في حاجة البشر الملحّة الآن لإيجاد طريقة تحدّ من انتشار الأخبار الزائفة. لكن للوصول إلى تلك الطريقة لا بد علينا أن نجيب عن السؤال البديهي أولاً والمتمثل في: كيف تنتشر الأخبار الزائفة أساساً؟
واليوم لدينا جزء من الإجابة بفضل العمل الأكاديمي الذي أنجزه تشنغ تشنغ شاو وزملائه في جامعة إنديانا في بلومينغتون. فلأول مرة ضمن المجتمع العلمي، قام هؤلاء الباحثون بإجراء دراسة علمية منهجية عن كيفية انتشار الأخبار الزائفة على منصة تويتر، وفتحوا للبشرية نافذة يطلعون من خلالها على هذا العالم المريب الغامض. الجميل في الأمر أن عملهم لم يكتفِ بتوضيح طريقة الانتشار فحسب، بل اقترح أيضاً استراتيجيات واضحة للتحكم بالانتشار الوبائي للأخبار الزائفة.
محلّ النقاش هنا هو عمليات نشر الأخبار الزائفة أو المُضللة. لقد أصبحت هذه الأخبار الزائفة منتشرة جداً على نطاق واسع مما أدى إلى ظهور عدد من المنظمات المستقلة المتخصصة في تدقيق الحقائق يتمحور عملها حول التأكد من صحة المعلومات المنتشرة عبر الإنترنت. من ضمن هذه المنظمات: snopes.com، politifact.com، factcheck.org.
قامت هذه المواقع الإلكترونية التي أسستها تلك المنظمات بجمع قائمة تضم 122 موقعاً إلكترونياً ينشر الأخبار الزائفة باستمرار. من ضمن تلك المواقع الإخبارية المُضللة: infowars.com، breitbart.com، politicususa.com، theonion.com. فإن انتبهت وقلت أن موقع theonion.com مجرد موقع ساخر ولا يأخذه القرّاء على محمل الجد، فسيجيبك مؤلف الدراسة، شاو، بقوله "أننا لم نستثني المواقع الساخرة لأن العديد من مواقع الأخبار الزائفة تصنف محتواها على أنه محتوى ساخر، الأمر الذي يجعل قضية تصنيفها إشكالية صعبة".
قام الباحث شاو وزملائه بتتبع حوالي 400,000 مقال نشرته تلك المواقع الإخبارية الزائفة، ثم قاموا بتفحص الطريقة التي انتشرت بها هذه المقالات على منصة تويتر. ولإنجاز المهمة، جمع فريق البحث حوالي 14 مليون تغريدة على تويتر تشير إلى تلك الأخبار الزائفة.
في ذات الوقت ومن جانب آخر، قام الفريق برصد حوالي 15,000 قصة إخبارية نشرتها مواقع منظمات تدقيق الحقائق، وأكثر من مليون تغريدة على تويتر ذكرت تلك القصص الإخبارية.
بعد ذلك، تفحص الباحث شاو وزملائه حسابات تويتر التي نشرت تلك الأخبار، وجمعوا من كل حساب أحدث 200 تغريدة قام صاحب الحساب بنشرها. بهذه الطريقة تمكن فريق البحث من دراسة سلوكيات نشر التغريدات واكتشاف ما إن كانت هذه الحسابات يديرها بشريّ أو هي مجرد بوتات مُبرمجة.
وبعد أن تمكن الفريق من الإجابة على سؤال لمن تعود ملكية كل حساب، لبشريّ أم لبوت مُبرمج، تفحص الباحثون الطريقة التي ينشر بها البشر والبوتات الأخبار الزائفة و الأخبار المُتحقق من صحتها.
وبغية القيام بكل هذه المهام، قام فريق البحث بتطوير منصتين رقميتين. أول المنصات، سمّوها "هوكسي" (Hoaxy)، ومهمتها تتبع الأخبار الزائفة، أما الثانية فاسمها بولومتر (Bolometer)، ومهمتها تحديد من يدير حساب تويتر الذي ينشر الخبر الزائف، أهو بشريّ أم بوت مُبرمج.
الجميل في الأمر أن هذه الجهود أسفرت عن نتائج واعدة. إذ يقول شاو وزملائه "أن احتمالية كون الحسابات التي تديرها بوتات مُبرمجة ترتفع كثيراً عندما تنشر تلك الحسابات المعلومات المُضللة بشكل نشط ومستمر. لهذا تلعب بوتات مواقع التواصل الاجتماعي دوراً رئيسياً في انتشار الأخبار الزائفة".
يشير الباحث شاو وزملائه إلى أن البوتات تلعب دوراً كبيراً في تفشيّ الأخبار الزائفة بعد وقت قصير من نشرها. والأمر الذي يزيد حدة خطرها هو أن تلك البوتات تُبرمج بطريقة تجعلها توجه تغريداتها المضللة للمستخدمين المؤثرين. بهذا الصدد يقول شاو وزملائه في الدراسة "أننا لاحظنا أن الحسابات المؤتمتة (البوتات) نشيطة لا سيما في المراحل الأولى من تفشي الأخبار المزيفة، ومعظمها يوجّه نشاطه نحو المستخدمين المؤثرين".
ما من شك أن هذه استراتيجية نشر ماكرة وذكية. ذلك أن المعلومة تصبح أكثر عرضة لأن تصبح فيروسية (شديدة الانتشار) عندما تدخل نطاق عُقد (في الشبكة الاجتماعية) شديدة الاتصالية. من هنا تُبرمج تلك البوتات على استهداف المستخدمين المؤثرين لأنه عنصر أساسيّ في تفشي الأخبار المزيفة. وما يُيسر ذلك سهولة خداع البشر باستخدام الحسابات المؤتمتة، هكذا يقومون بزيادة انتشار الأخبار الزائفة عن غير قصد (وبطبيعة الحال هناك من يفعل ذلك متعمداً).
ويضيف الباحث شاو وزملائه "أن النتائج التي خَلُصنا إليها تشير إلى أن تقييد عمل البوتات (الحسابات المؤتمتة) على شبكات التواصل الاجتماعي يعتبر استراتيجية فعّالة للحدّ من انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة على الإنترنت".
صحيح أن هذه خلاصة مثيرة للاهتمام، إلا أن طريقة تنفيذها غير واضحة.
من بين المقترحات لفعل ذلك هو تجريم برمجة بعض أنواع البوتات على وسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن هذا الخيار مسار محفوف بالمصاعب والإشكاليات. ذلك أن الكثير من البوتات على مواقع التواصل الاجتماعي تقوم بدور مهم في نشر المعلومات المفيدة والصحيحة.
المشكل الآخر أن تشريع مثل هذا القانون لن يتخطى مشكلة تعميمه في كامل الدول الأخرى. ذلك أنه وبالنظر إلى الطريقة التي تتعاطى بها الدول الأجنبية مع انتشار الأخبار الزائفة، من الصعب أن نرى حلاً عالمياً تجمع عليه كافة الأطراف بهذا الشأن.
مع ذلك تظل مشكلة "تفشي الأخبار الزائفة" مشكلة جدية بالفعل وشاغلاً من مشاغل الناس والجمهور العام. من هنا تُعدّ معرفة طرق انتشارها الخطوة الأولى للتصدي لها.
المرجع: arxiv.org/abs/1707.07592؛ انتشار الأخبار المزيفة بواسطة البوتات على مواقع التواصل الاجتماعي