تعتبر طاقة الرياح إحدى أسرع مصادر الطاقات المتجددة نمواً في العالم، وقد يتوسع انتشارها بدرجة كبيرة في وقت قريب.
فقد أقامت ولاية كاليفورنيا الأميركية مؤخراً مزاداً علنياً لخمسة مواقع قريبة من شواطئها لاستخدامها لوضع أولى توربينات الرياح العائمة في الولايات المتحدة. وتبلغ قيمة المواقع التي تم عرضها في المزاد العلني 757 مليون دولار ومنحت خمس شركات.
أجل، صحيح ما قرأت: لقد بدأت شركات التطوير بالتحرك لبناء توربينات رياح عائمة ومربوطة بقاع البحر.
اقرأ أيضاً: هل سنشهد تزايد تبني طاقة الرياح في المستقبل؟
وتوجد بضعة مشاريع تجريبية في عدة أماكن من العالم للعنفات الريحية العائمة قرب شواطئ البحر، ولكن هذه التكنولوجيا دخلت مرحلة جديدة، حيث ازداد عدد الحكومات التي وضعت خططاً لتركيب هذه العنفات، كما دخلت العديد من المشاريع الكبيرة مرحلة التخطيط والحصول على التراخيص. وقد تكون كاليفورنيا ميدان اختبار كبير لهذه التكنولوجيا.
فتوربينات الرياح العائمة ستواجه العديد من المشكلات الهندسية والبيروقراطية واللوجستية، ولكن إذا تم نشرها على نطاق واسع، يمكن أن تكون مصدراً كبيراً يؤمّن الطاقة بشكل متواصل للتجمعات السكانية الساحلية. ولهذا، لندخل في تفاصيل العنفات الريحية العائمة قرب الشواطئ: ما هي بالضبط، وما هي متطلبات تنفيذ هذه المشاريع، وما سيعني مزاد كاليفورنيا لطاقة الرياح على مستوى العالم؟
التكنولوجيا
في نوفمبر، وفي مؤتمر إمتيك إم آي تي الذي تنظمه إم آي تي تكنولوجي ريفيو، تحدثت مع آلا واينستين، وهي الرئيسة التنفيذية لشركة ترايدنت ويندز (Trident Winds)، ومن أهم الشخصيات المؤثرة التي تسعى إلى بناء العنفات العائمة.
وقد قالت واينستين في هذا اللقاء: "توجد في المحيط طاقة أكثر مما قد نحتاج على الإطلاق، ولكن بشرط أن نتمكن من جمعها واستخدامها".
من أهم فوائد توربينات الرياح العائمة قرب الشواطئ قدرتها على تأمين الطاقة بشكل متواصل أكثر من بقية مصادر الطاقات المتجددة، كما تقول واينستين. وعلى الرغم من أن التقلبات في سرعة الرياح ما زالت موجودة، فإن الأثر الكلي أكثر استقراراً مما يحدث على اليابسة بشكل عام. (بشكل عام، لا تتوقف الطاقة الناجمة عن الرياح تماماً في الليل مثلما يحدث مع الطاقة الشمسية). وهذا الانتظام والاستمرارية يمثل عاملاً أساسياً لبناء شبكة كهربائية تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة.
تنتشر مشاريع طاقة الرياح الضخمة قرب السواحل، حيث يتم تثبيت العنفات على قاع البحر، على سواحل المملكة المتحدة والصين وألمانيا. ولكن الشروط المناسبة لبناء هذه المزارع غير متوافرة في جميع الأماكن. ففي كاليفورنيا، ينحدر الجرف القاري بحدة قرب الساحل، ويزداد عمق المياه إلى أكثر من 1,000 متر على بعد بضع عشرات من الكيلومترات وحسب عن الشاطئ، ما يؤدي إلى استبعاد إمكانية بناء مشروع تقليدي لطاقة الرياح، والذي يجب ألا يتجاوز عمق المياه فيه 60 متراً.
أما الحل، كما ترى واينستين، فهو بناء توربينات عائمة تتبع محطات الرياح البحرية نفس المسار الذي سارت فيه شركات النفط والغاز بمنصات الحفر، فقد انتقلت من اليابسة إلى قرب الشاطئ وصولاً إلى المنشآت العائمة، كما تقول واينستين.
اقرأ أيضاً: أبرز 6 سلبيات تعيق التوسع في مشاريع طاقة الرياح
وقد شاركت واينستين في بعض من أول المشاريع التجريبية لمزارع الرياح العائمة، بما فيها مزرعة باستطاعة 50 ميغا واط في اسكتلندا. وقد تم تركيب مشاريع تجريبية باستطاعة إجمالية تصل إلى 125 ميغاواط على مستوى العالم، كما توجد مشاريع أخرى قيد البناء باستطاعة 125 ميغاواط.
ويبدو أن عمليات التخطيط والبناء تتوسع بسرعة. فهناك مشاريع طاقة رياح في مرحلة التخطيط باستطاعة إجمالية تصل إلى 60 غيغاواط في العديد من البلدان، وعلى رأسها كوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وأستراليا والبرازيل.
مرحلة مفصلية، وعين على المستقبل
والآن، انضمت كاليفورنيا إلى الحكومات التي قررت الدخول في مجال مزارع الرياح العائمة.
تم تقسيم المساحة المباعة في المزاد إلى خمسة مواقع عبر منطقتين قرب ساحل كاليفورنيا. ويبلغ عمق الماء في هذه المواقع 1300 متر، وهي مخصصة لتكنولوجيا توربينات الرياح العائمة. وقد نشر زميلي جيمس تيمبل مقالاً حول هذا المزاد في وقت سابق.
زايدت الشركات على المواقع التي يمكن أن تتسع مجتمعة لما يكفي من العنفات لتوليد ما يصل إلى 4.5 غيغاواط من الكهرباء؛ أي ما يكفي لتوليد الطاقة لما يزيد على 1.5 مليون منزل. وبيعت المواقع بمبلغ إجمالي يبلغ 757 مليون دولار، كما بلغت قيمة أكبر موقع 174 مليون دولار تقريباً.
يمثل هذا المزاد مرحلة جديدة في مجال توربينات الرياح العائمة. فمنذ أقل من عشر سنوات، أخبرتني واينستين في إمتيك أنها اقترحت خططاً لبناء المزارع في الولاية، ولكن هذه التكنولوجيا لم تؤخذ على محمل الجد. وقالت: "لقد اعتقدوا أنني مجنونة، وأن هذه المشاريع ستفشل دون شك".
اقرأ أيضاً: تعرف على مشروع طاقة الرياح «دومة الجندل» في السعودية
أما الآن، تستطيع الشركات أن تبدأ رحلتها لبناء مزارع رياح عائمة في الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن. ولكن المزاد ليس سوى مرحلة واحدة بين الكثير من المراحل التي تفصل بين الفكرة الأساسية وتوليد الطاقة. فأمام هذه الشركات سنوات عديدة من التخطيط والبناء قبل أن تبدأ بتوليد الكهرباء فعلياً من هذه المواقع. ويمكن أن يستغرق الحصول على التراخيص وحسب فترة تتراوح من خمس إلى سبع سنوات.
كما يبدو أن المشكلات الجديدة تظهر باستمرار وفي كل مكان. فمواقع كاليفورنيا تبعد عن الشاطئ مسافة 32 كيلومتراً تقريباً، وسيكون من الضروري بناء خطوط لنقل وتوزيع الطاقة المولدة من المزارع البحرية العائمة، وهو عمل ضخم ويمكن أن يتطلب تكاليف باهظة. كما قد يصبح من الضروري إجراء تعديلات جذرية على المرافئ حتى يصبح بالإمكان استخدامها في تجميع وتحريك العنفات الهائلة قبل قطرها إلى داخل البحر. علاوة على هذا، فإن الخطط لبناء توربينات رياح العائمة ليست مدعاة لتأييد الجميع، حتى لو كانت بعيدة عن الساحل عشرات الكيلومترات.
ففي وقت سابق من هذا العام، أعلنت إدارة بايدن عن هدف لبناء محطات رياح بحرية باستطاعة إجمالية تبلغ 15 غيغاواط بحلول 2035، وتقليل التكاليف بنسبة تفوق 70%.
من المرجح أن البند الثاني من الهدف هو القطعة الأكثر أهمية في الأحجية، حيث يمكن للتكلفة أن تمثل العامل الحاسم في تحديد إمكانية مساهمة محطات الرياح البحرية العائمة في تحقيق أهداف الطاقة المتجددة.
ليس من السهل حساب التقديرات في هذه الحالة، لأن التكنولوجيا ما زالت جديدة للغاية، ولكن وزارة الطاقة الأميركية تعتقد أن مزارع الرياح البحرية العائمة تكلف نحو 200 دولار لكل ميغاواط/ ساعة. وهي تكلفة تفوق بكثير تقديرات الوكالة لمزارع الرياح البرية (30 دولاراً) والمحطات الشمسية (35 دولاراً) وحتى مزارع الرياح البحرية الثابتة (80 دولاراً).
ولكن، ومع زيادة انتشار التكنولوجيا، يمكن أن تنخفض التكاليف. فقد شهدت طرق أخرى بتوليد الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم-أيون انخفاضاً حاداً في التكاليف مع زيادة انتشارها. ولكن، ومع وجود العديد من العوائق الأخرى، لا توجد أي ضمانة على أن مزارع الرياح العائمة ستتبع نفس المنحى.
اقرأ أيضاً: ما الصعوبات التي تواجه استغلال طاقة الرياح في توليد الكهرباء؟
فمحطات كاليفورنيا، إضافة إلى العديد من المشاريع التجارية الكبيرة حول العام، قد تكون حقل تجارب لإثبات مزارع الرياح العائمة وتحديد مدى أهميتها في توفير الطاقة للمناطق الساحلية.