على الرغم من أن السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري تعتبر وسائل النقل الأكثر استخداماً في العالم، فإنها تسهم في انبعاثات الاحتباس الحراري التي تؤثر على التغيّر المناخي. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة وحدها، وفقاً لوكالة الحماية البيئية، أسهم النقل البري في إنتاج نحو 27% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية في عام 2020، أكثر من نصف هذا الرقم (57%) كانت السيارات والحافلات مساهمة فيها.
الأثر البيئي للسيارات على كوكب الأرض
لقطاع النقل البري دور لا غنى عنه في المجتمع والاقتصاد، فوجود نظام نقل فعّال ويمكن الوصول إليه أمر ضروري لتحسين حياة المواطنين، ومع ذلك، لا يزال هذا القطاع من أكبر التحديات البيئية التي نواجهها.
ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، فإن النقل البري مسؤول عن 24% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المباشرة.
كما أفاد تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأن ملايين السيارات والشاحنات الصغيرة والحافلات المستعملة المُصدرة من أوروبا والولايات المتحدة واليابان إلى دول العالم النامي ذات جودة رديئة، ما يسهم بشكل كبير في تلوث الهواء، ويعوق الجهود المبذولة للتخفيف من آثار تغيّر المناخ، إذ تعد انبعاثات السيارات مصدراً مهماً للجسيمات الدقيقة وأكاسيد النيتروجين التي تعد من الأسباب الرئيسية لتلوث الهواء في المدن.
اقرأ أيضاً: هل ستطغى السيارات الكهربائية على سيارات الوقود بحلول عام 2030؟
بينما نجد أن معظم التأثير البيئي للسيارات ناتج عن استهلاكها الوقود الأحفوري الذي يؤدي بدوره إلى إنتاج غازات الاحتباس الحراري، فإن تأثيره يمتد إلى أكثر من ذلك، مثل:
- عمليات التصنيع: تترك عمليات تصنيع السيارات بصمة كربونية هائلة لأن إنتاج المواد المستخدمة في التصنيع، مثل الفولاذ والمطاط والزجاج والبلاستيك والطلاء تتطلب الكثير من الطاقة، بالإضافة إلى ذلك، لا تمثل نهاية عمر السيارة نهاية تأثيرها البيئي، قد يؤثر تسرب المواد البلاستيكية وأحماض البطاريات السامة وغيرها على البيئة.
- تكاليف استخراج الوقود: تثير عمليات استخراج الوقود الأحفوري الكثير من علامات الخطر البيئية، فهي تستهلك الكثير من الطاقة، ويمكن أن تلحق الضرر بالنُظم البيئية المحلية.
- التأثير على جودة الهواء: يعد الضباب الدخاني وأول أكسيد الكربون والسموم الأخرى المنبعثة من عوادم السيارات مزعجاً بشكل خاص لأنه يؤثر على سكان المدن، حيث يتنفس البشر الهواء الملوث مباشرةً، والذي يعتبر مصدرَ قلقٍ صحياً أكثر خطورة من السموم المنبعثة من المداخن الصناعية.
اقرأ أيضاً: لماذا يجب أن تتحول صناعة الفولاذ إلى صناعة خضراء صديقة للبيئة؟
التكنولوجيا من أجل نقل صديق للبيئة
يمكن أن يؤدي استخدام المركبات عديمة الانبعاثات الكربونية مثل السيارات والحافلات والدراجات الكهربائية إلى تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير، علاوة على ذلك، فإن استخدام وسائل النقل العام (إذا كانت البنية التحتية لنظام النقل العام حديثة ومتوفرة) يمكن أن يساعد في تقليل تلوث الهواء، ومع ذلك فإن تغيير عقلية سكان المدن للتوقف عن قيادة السيارات والتحول إلى وسائل النقل العام يعتبر بمثابة تحدٍ للكثير من الحكومات.
هذا يتطلب النظر إلى الاتجاه الآخر، وهو تحسين طرق النقل وتطوير تكنولوجيا حديثة وابتكارات جديدة لتقليل انبعاثات الكربون الناتجة عن المركبات، والتي من شأنها أن تحد كثيراً من انبعاثات الغازات التي تنتجها، ومن ضمن هذه الحلول:
التحكم الذكي في حركة المرور
في حين أن توسيع شبكات السكك الحديدية وتحسين اتصال الميل الأول أو الأخير أمر مهم، فإن هناك أيضاً حاجة لتقليل انبعاثات الكربون من المركبات في الطرقات، وهذا يأتي من خلال إدارة الازدحام المروري وتقليل وقت الاستجابة للحوادث. على سبيل المثال، تستخدم شركة إس تي إنجينيرينج (ST Engineering) العاملة في مجال حلول النقل الذكية نظاماً مدعوماً بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يتيح لإدارات النقل التنبؤ بشكل أفضل بظروف حركة المرور من خلال تحليل البيانات القديمة والبيانات في الوقت الفعلي على الطرق للسماح بإدارة حركة المرور بشكل استباقي.
تمكنت بلدية دبي في الإمارات العربية المتحدة باستخدام هذا النظام فيما يقرب من 60% من طرقها والتي تمتد على طول 500 كيلومتر، أسهم ذلك في خفض وقت السفر لسائقي السيارات بنسبة تصل إلى 20% نتيجة لزيادة كفاءة تحويل حركة المرور في حالة وقوع حوادث مرورية، ومن خلال مساعدة سائقي السيارات على توفير الوقت على الطرق، يتم أيضاً تقليل استهلاك الوقود ما يجعل نظام النقل أقل تأثيراً على البيئة.
بناء مسارات طرق أكثر اتساعاً
عند الشروع في بناء الطرق، من الشائع أن يواجه عمال البناء عقبات أمامهم، مثل شبكات المياه أو كابلات الكهرباء التي لا تظهر في الرسومات ثنائية الأبعاد، لمعالجة هذا الأمر، تستخدم العديد من شركات إنشاء الطرق حلولاً تكنولوجية ذكية، مثل أدوات نمذجة معلومات البناء (Building Information Modeling) اختصاراً (BIM) للسماح بمعرفة أين توجد العوائق بالضبط قبل بدء العمل.
تسمح هذه التكنولوجيا لشركات إنشاء الطرق حل المشكلات المحتملة افتراضياً قبل أن يبدأ الإنشاء الفعلي، ما يسمح بعملية إنشاء أكثر كفاءة، والتي يمكن أن تقلل من البصمة الكربونية المتولدة. على سبيل المثال، تستخدم حكومة سنغافورة هذه التكنولوجيا في توسيع شبكات السكك الحديدية، للمساعدة في تحسين مسارات كابلات القطارات وتحديد مواقع المعدات مثل الكاميرات ومكبرات الصوت في محطة القطار.
اقرأ أيضاً: تعرف على سيارات الميثانول: البديل الذي تراهن عليه الصين ليحل محل محركات الوقود الأحفوري
استخدام الحافلات المشتركة ذاتية القيادة
على الرغم من أن الحافلات المشتركة ذاتية القيادة لا تضع حداً لازدحام الطرق ومشكلات التلوث، فإنها تعد بحل نقل أكثر كفاءة مع إمكانية وصول أفضل وراحة أكبر للركاب، يمكن أن تحسّن ما يسمى اتصال الميل الأول والأخير، من خلال تنسيق العبور والتنبؤ بالطلب في الوقت الفعلي والحجوزات المتقدمة وتحديد أولويات الرحلة.
يمكن أن تعمل الحافلات المستقلة ذاتية القيادة أيضاً في الأماكن والأوقات التي لا تخدمها الحافلات العامة بشكل تقليدي، لأنها قادرة على العمل على مدار الساعة، وتواجه أعطالاً قليلة بعكس الحافلات التي يقودها البشر، بالإضافة إلى تقليل مخاطر الخطأ البشري والتي تعتبر أحد الأسباب الرئيسية لحوادث الطرق.
اقرأ أيضاً: ما هي الحوسبة الخضراء؟ وكيف تكون مساهماً فيها؟
من خلال نماذج الذكاء الاصطناعي والتحليلات والخوارزميات المتقدمة وأجهزة الاستشعار وتكنولوجيا المركبات ذاتية القيادة المختلفة، يمكن ضمان الالتزام الصارم بالسلامة على الطرقات، والتقليل من الرحلات غير الضرورية التي تقوم بها الحافلات التي يقودها البشر، ما يساعد في التقليل من الانبعاثات الكربونية.