عندما استكملت فيسبوك (Facebook) تحولها إلى ميتا (Meta) في أواخر 2021، بدا وكأنه لا يوجد ما يستطيع إيقاف زحفها نحو تحقيق السيطرة على العالم، بما في ذلك أي غرامات قانونية، أو تسريب وثائق، أو تقارير عن مساعدتها للمستخدمين على إثارة العنف، أو عمليات تدقيق لمكافحة الاحتكار، أو حتى تراجع رضا موظفيها.
ولكن، وبعد سنة، خسرت ميتا الملايين من المستخدمين، ومبالغ ضخمة، وميزانيات كثيرة للأبحاث طويلة الأمد، وتأييد الشباب، ونسبة كبيرة من قيمتها السوقية. كما أن الآمال الكبيرة التي عقدها الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ على الميتافيرس، والتي ما زال متمسكاً بها بكل عناد، أثبتت (حتى الآن) أنها طريقة فعّالة للغاية لخسارة الأموال واستجلاب السخرية من الجميع.
اقرأ أيضاً: كيف يبدو الأمر عندما تعمل حاجباً في الميتافيرس؟
لا شك في أن معاناة هذه الشركة العملاقة في مجال التواصل الاجتماعي تعود جزئياً إلى العوامل التي تؤثر على جميع الشركات التكنولوجية، مثل ارتفاع معدلات الفائدة، ولكن هذه الشركة عالقة على نحو استثنائي في نزاعها للتنافس مع تيك توك (TikTok) وخسائرها الإعلانية، والتي تعود إلى فرض شركة أبل (Apple) شروطاً جديدة على التطبيقات للحصول على إذن المستخدم لتلقي الإعلانات الموجهة له. علاوة على هذا، ووفق اعتراف زوكربيرغ بنفسه، فإن ازدياد عدد مستخدمي فيسبوك الحاد بسبب الوباء دفع الشركة إلى توظيف أعداد كبيرة من العاملين الجدد، وصولاً إلى أعلى ذروة في تاريخ الشركة بقيمة 89,000 عامل بحلول شهر سبتمبر/ أيلول.
وقت عصيب على ميتا
وبسبب هذا التضخم في القوى العاملة لدى الشركة، وتردي أوضاعها، أعلن زوكربيرغ مؤخراً عن فصل 11,000 عامل، أي قرابة 13% من إجمالي العاملين في الشركة في جميع الأقسام. تمثل عمليات التسريح هذه سابقة في تاريخ ميتا، كما أن زوكربيرغ وصفها بأنها "لحظة حزينة" و"ملاذ أخير". وعلى الرغم من أنه لم يكن بالتطور المفاجئ فقد شهدت الشركة بعضاً من عمليات إعادة توزيع الموظفين وتعديلات في هيكليات الأقسام خلال السنة- فإن عمليات التسريح هذه كانت حادة الأثر، خصوصاً في خضم وقت عصيب بالنسبة للشركات التكنولوجية الكبيرة.
ويمكن للآثار اللاحقة أن تكون سلبية للغاية، خصوصاً بالنسبة للعاملين الكثيرين الذين كانوا يعتمدون على العمل مع ميتا في تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة. فقد غردت أشكين كازاريان، والتي كانت تشغل منصب مديرة سياسة محتوى في فيسبوك، إن وضعها وفق قوانين الهجرة يفرض عليها العثور على عمل جديد على الفور، وإلا فقد تتم إعادتها إلى موطنها في روسيا، حيث تُعتبر ميتا مؤسسة متطرفة.
وليست كازاريان سوى واحدة من عدد كبير من موظفي ميتا الذين أصبحوا عاطلين عن العمل، ويواجهون ظروفاً مقلقة كهذه. تتضمن كاليفورنيا أكبر عدد من المهاجرين في الولايات المتحدة، وقد قامت مؤسساتها وشركاتها التكنولوجية بتوظيف عدد كبير منهم، وقد اشتهر زوكربيرغ بدعواته إلى إصلاح قوانين الهجرة، كما عمل على توظيف الآلاف من العاملين المولودين في بلدان أخرى في شركته. ووفقاً لتقرير مبني على الإحصاء السكاني للولايات المتحدة، فإن المهاجرين الذين يحملون تأشيرات H-1B (التي تسمح لهم بالعمل والعيش في الولايات المتحدة على أساس مؤقت، وذلك ضمن القطاعات الاختصاصية) كانوا يشكلون قرابة 71% من إجمالي العاملين في المجال التكنولوجي في وادي السيليكون. وفق وقت سابق من هذا العام، كان نصف إجمالي موظفي ميتا تقريباً من الآسيويين. (من الجدير بالذكر أن تدفق العمالة المهاجرة إلى الولايات المتحدة تباطأ لعدة أسباب، مثل سياسات الهجرة الصارمة التي اتبعتها إدارة ترامب، وإجراءات الحجر على المستوى الدولي بسبب الوباء، والزيادة الحديثة في جرائم الكراهية الموجهة ضد الآسيويين).
اقرأ أيضاً: تفكيك فيسبوك لن يحل مشكلته المتعلقة بأحاديث الناس
وضع حرج للعاملين المهاجرين المُسرَّحين
وبالنسبة لحملة تأشيرة H-1B ممن فقدوا وظائفهم، فأمامهم مهلة 60 يوماً للحصول على عمل جديد. وقد لجأ العديد من موظفي ميتا المسرّحين إلى منصة لينكد إن (LinkedIn) للإعلان عن تسريحهم ونشر الوعي بشأن الضغوط الناجمة عن مسألة الهجرة. وكتب مدير سابق لبرامج الأخبار أنه وبسبب التسريح من العمل "سأضطر على الأرجح إلى ترك الولايات المتحدة في وقت ما في بداية السنة المقبلة، والبدء من جديد في مانيلا". وأكد آخرون أنهم في وضع طارئ وحرج، ويحتاجون إلى العثور على عمل جديد خلال شهرين. وبما أن الكثير من العاملين المهاجرين ينحدرون من الهند، فإن الصحافة في شبه القارة الهندية تراقب هذه القصة عن كثب لمعرفة مصير الموظفين الهنود. ومن القصص اللافتة للانتباه قصة عامل انتقل إلى كندا من الهند للبدء بعمل مع ميتا، وقد تم تسريحه مع أعداد كبيرة من العاملين بعد يومين وحسب.
وقد أبدى زوكربيرغ عناية خاصة لحاجات العاملين المهاجرين في مذكرة التسريح وفي خطابه للموظفين، قائلاً إن "العديد من المختصين المحترفين بمسائل الهجرة" في الشركة يمكنهم "أن يقدموا التوجيه اللازم بناءً على حاجاتكم وحاجات عائلاتكم". وقد أكدت مختصة بالهجرة –فقدت عملها هي الأخرى- كلام زوكربيرغ، حيث وصفت فريقها السابق في ميتا بأنه "الأفضل من نوعه".
تقول محامية الهجرة في سان فرانسيسكو، فاريبا فايز: "تحتوي الكثير من الشركات التكنولوجية على أقسام مختصة للهجرة، ولكن يديرها مختصون، لا محامون، وأتمنى أن يكونوا قادرين على التعامل مع جميع أوضاع المهاجرين الذين يعانون من المتاعب، لأنهم قد لا يدركون جميع التفاصيل الدقيقة". وتكمل في شرحها قائلة إن الآثار السلبية لا تقتصر على حاملي تأشيرة H-1B. وتقول: "من المرجح أن يكون لديهم أيضا طلاب أو خريجون جدد ممن دخلوا في مرحلة التدريب العملي الاختياري، ويجب أن يتم توظيفهم للحفاظ على وضعهم، أو من الممكن أن يحاولوا العودة إلى الجامعة للاحتفاظ بإقامتهم".
اقرأ أيضاً: انتقادات تصف ميتافيرس بالغباء بعد نشر زوكربيرغ صورة الأفاتار الخاصة به في الواقع الافتراضي
ولكن، ماذا عن الموظفين من البلدان التي قد تمثل العودة إليها خطراً عليهم، كما في حالة كازاريان؟ تقول فايز: "إن القادمين من بلدان معرضون فيها إلى الخطر قد يتمكنون من طلب اللجوء، وإذا كانت لدى أحدهم علاقة عاطفية، فقد يكون هذا حافزاً للزواج والحصول على إقامة دائمة قانونية". بطبيعة الحال، فإن الحل الأخير صعب للغاية، وليس مضموناً تماماً، بما أن طلب الحصول على البطاقة الخضراء ما زال مفروضاً على المهاجرين المتزوجين، وهناك عواقب وخيمة إذا قررت سلطات الهجرة الأميركية أن هذا الزواج مزور. قد يقرر آخرون أيضاً إطلاق شركاتهم الناشئة الخاصة ضمن الولايات المتحدة، وهو مسار ممكن عبر برنامج المهلة المشروطة لرواد الأعمال الدوليين الحكومي. (بطبيعة الحال، قد يكون الحفاظ على عمل الشركة الناشئة الآن أمراً صعباً، بسبب مشكلة ارتفاع معدلات الفائدة الدائمة).
وإذا شعر أي من العاملين بأنه تعرض إلى الفصل من الوظيفة دون وجه حق، فإن المسار القانوني ممكن أيضاً. ولكن، وبما أن عمليات التسريح طالت مجموعات كبيرة من الموظفين، فإن التشكيلة الديموغرافية الكاملة للعاملين المفصولين غير واضحة حتى الآن، ومن المرجح بالتالي أن رفع قضية كهذه لن يجدي نفعاً. تقول محامية التوظيف التي تعمل في كاليفورنيا، سوبريتا سامباث، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "قد يكون من الصعب إثبات وجود تمييز ضد موظف محدد بمفرده عندما يتم فصله من العمل ضمن مجموعة كبيرة من المسرّحين".
اقرأ أيضاً: المناقشات حول المعلومات المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي
ومع قيام العديد من الشركات التكنولوجية الأخرى بفصل الموظفين أو تجميد عمليات التوظيف، فقد أصبحت الفرص المفتوحة في هذا القطاع أقل توافراً مما كانت عليه. ومهما كان السياق، فإن الموظفين المهاجرين والمفصولين من ميتا سيواجهون أوقاتاً عصيبة.