يسعى القطاع الخاص في الشرق الأوسط لتحقيق مجموعة من التطلعات الرامية لتعزيز جاهزيته وتطوّره في مجال تسخير البيانات بحلول عام 2023. وينبغي للشركات العاملة في المنطقة أن تعمل على تحسين أدائها لتحقيق تلك التطلعات؛ إذ ستتمكن المؤسسات التي ستعمل على تطوير قدراتها وإمكاناتها في هذا القطاع الواعد من الارتقاء بميزاتها التنافسية على نحو كبير.
من ناحية أخرى، ستسهم تلك الأهداف الطموحة في تعزيز مكانة منطقة الشرق الأوسط كواحدة من أكثر الأسواق العالمية تطوراً في مجال قدرات البيانات، وتعزيز ريادتها على الصعيد الدولي. ومن المتوقّع أن تسهم الوتيرة المتسارعة للتطور التكنولوجي، واتساع نطاق انتشار البيانات، في تعزيز هذه الميزات على نحو تدريجي بمرور الوقت؛ إذ ستصبح الشركات أكثر ذكاءً في استخدامها للبيانات، وأكثر كفاءةً وقدرة على تطبيق منهجيات فعّالة لتوجيه استثماراتها المستقبلية. في المقابل، ستعاني المؤسسات التي لن تعمل على تطوير قدراتها من تراجع مستمر في مستويات أدائها على نحو قد يفوق قدرتها على سد الفجوات التي من الممكن أن تترتب على هذا التغيير.
مواكبة المسار التنموي الذي يشهده القطاع
أظهر الاستبيان الثالث لتقييم مدى جاهزية وتطور قدرات البيانات (DACAMA)، الذي أجرته مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب مؤخراً، أن منطقة الشرق الأوسط تحتل مرتبة متقدمة في مؤشر جاهزية وتطور البيانات، على نحو يقارب تصنيف الدول الرائدة عالمياً في أغلب القطاعات الاقتصادية، مبتعداً بشكلٍ ملحوظ عن البلدان الأقل جاهزية وتطوراً بحسب المؤشر. وتجدر الإشارة إلى أن الاستبيان قد شمل نحو 1100 شركة من جميع أنحاء العالم، بعضها في الشرق الأوسط. كما تُظهر النتائج أن معظم الشركات في الأسواق التي جرى دراستها قد أحرزت معدلات نمو ثابتة عندما نجحت في بناء قدراتها في مجال البيانات. كما يُظهر استبياننا أيضاً، أن الشركات قد تتفاوت في مستويات التقدم التي تحرزها؛ فبينما نجحت بعض المؤسسات في تحقيق نتائج إيجابية ملموسة بفضل استثمارها في قدرات البيانات، لا تزال العديد من الشركات غير قادرة على تحقيق أهدافها المرجوة في هذا الإطار، الأمر الذي يؤكد أن المؤسسات الرائدة في مجال توظيف البيانات ستستمر في تحقيق المزيد من النجاحات والنتائج الإيجابية مستقبلاً.
بوجهٍ عام، تواكب الشركات في منطقة الشرق الأوسط معدلات النمو العالمية فيما يتعلق بالقطاعات الأكثر تطوراً في مجال قدرات البيانات (ومن أهمها قطاعات التكنولوجيا، والاتصالات، والرعاية الصحية، والسلع النهائية)، في حين قد يختلف الأمر بالنسبة للقطاعات الأخرى الأقل جاهزية وتطوراً. على سبيل المثال، جاء أداء قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط أقل بنسبة 30% تقريباً مقارنة بأداء القطاع في الأسواق الأخرى، بالتوازي مع انخفاض جاهزية الشركات العاملة في قطاعي التصنيع وصناعة السيارات مقارنة بالشركات العالمية المماثلة. وتفتقر العديد من شركات التصنيع القدرات التي تمكنها من الاستثمار في مجال البيانات والاستفادة من الفرص الواعدة لهذا القطاع، في الوقت الذي تواجه فيه العديد من الشركات تحديات قد تعيق مساعيها للارتقاء بقدراتها ذات الصلة بتطوير البيانات.
تحقيق مستويات عالية من التطوّر في مجال البيانات عبر منطقة الشرق الأوسط
ينبغي للشركات أن تطبّق نهجاً شاملاً ومستداماً لبناء وتطوير قدراتها في مجال البيانات، بما يتماشى مع النمو المتسارع الذي يشهده قطاع التقنيات والبيانات الجديدة، والتركيز المتنامي عالمياً على هذا المجال. في ضوء ذلك، ينبغي للمؤسسات أن تسعى لأن تصبح أكثر ذكاءً وتطوراً في استخدامها للبيانات، مع العمل وفق نهج أكثر كفاءة وفعالية لتنفيذ استثماراتها المستقبلية.
كما أظهرت النتائج أيضاً أن المكاسب التي حققتها الشركات -على صعيد التطور والجاهزية في مجال البيانات- متنوعة نسبياً، في الوقت الذي نجحت فيه العديد من الشركات في تحقيق درجات جيدة وفق مؤشر جاهزية وتطور البيانات (على امتداد الأبعاد السبعة الرئيسية للمؤشر). وتتمثل المكاسب الكبرى التي حققتها الشركات في تطوير قدراتها الأساسية، وتحديداً فيما يتعلق ببناء نماذج حوكمة شاملة للبيانات، وإطلاق منصات متطورة للبيانات، وتدشين منظومات متكاملة وشراكات فعّالة، وتعزيز القدرات الحالية في مجالات القيادة والتغيير والتمكين.
تُظهر الخبرات العالمية للشركات الأكثر تطوراً وجاهزية في الأسواق المختلفة وجود ثلاثة عوامل نجاح رئيسية تتمثل في الآتي:
- التركيز على مخرجات الأعمال: حيث تعد قدرات البيانات بمثابة وسيلة يمكن الاستفادة منها في تحقيق غايات معينة (كالتعرف على التحديات القائمة على المستوى التشغيلي، وتحديد الخيارات الممكنة لتحقيق قيمة مضافة أكبر)، ولا تمثل أهدافاً قائمة بحد ذاتها.
- اعتماد نهج قائم على القدرات: من خلال الاستثمار في جميع إمكانات وقدرات البيانات الأساسية (بما يتضمن إعداد رؤية شاملة، وتحديد حالات الاستخدام الأساسية، وإعداد التحليلات، وإدارة البيانات، وتطوير منصات البيانات، وتدشين منظومات متكاملة وشراكات فعّالة، وتعزيز الجهود المبذولة في مجالات القيادة والتغيير والتمكين).
- بناء القدرات بصورة تراكمية: بناء وتطوير قدرات البيانات مع مرور الوقت باتباع استراتيجيات فعّالة ومستدامة، بالتوازي مع تطبيق منهجيات مرنة وقائمة على مبدأ "الاختبار والتعلم والتحسين"، والتركيز على الممكنات الرئيسية التي تشهد فجوات كبيرة حالياً (مقارنة بالأبعاد الأخرى ضمن مؤشر الجاهزية والتطور).
أهمية تسريع الجهود الهادفة لتلبية الطموحات الجريئة
تزايدت أهمية قطاعات البيانات في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت تمثّل المحرك الرئيسي لأغلب القطاعات، وباتت الشركات تدرك مدى حاجتها الكبيرة لتطوير قدراتها الأساسية للاستفادة من الفرص التي توفرها البيانات.
تعد الجاهزية في مجال البيانات أحد المحاور الاستراتيجية ذات الأولوية القصوى بالنسبة للشركات على مستوى العالم؛ إذ تواصل الشركات في جميع أنحاء العالم العمل على تطوير وبناء قدراتها في قطاع البيانات، سعياً لتحقيق أهدافها الرامية لتطوير نماذج أعمالها، وتلبية توقعات عملائها، وتحقيق غاياتها التجارية الطموحة في ظل سوق تحتدم فيها المنافسة بين الدول على نحو متزايد.
يُظهر استبياننا الأخير أهمية العمل على تعزيز مستوى التطور والجاهزية في قطاع البيانات (وبشكلٍ خاص في منطقة الشرق الأوسط)، إذ تمتلك الشركات العاملة في المنطقة قدرات تنافسية جيدة في مجال البيانات عبر بعض القطاعات الاقتصادية، في حين تفتقر المؤسسات العاملة في عددٍ من القطاعات الأخرى لتلك القدرات. من ناحية أخرى، يظهر المشهد العام في المنطقة وجود فجوات حقيقية مقارنة بالتطلعات الطموحة التي تسعى الشركات لتحقيقها، والممارسات العالمية الرائدة في هذا المجال.
وأخيراً، ينبغي العمل على بناء نهج شامل ومتكامل ومتوازن لإعداد روّاد حقيقيين في قطاع جاهزية وتطور البيانات، وتحفيز المزيد من الشركات على بناء وتحسين قدراتها في هذا المجال، سعياً لتحقيق التطلعات والمستهدفات الطموحة للقطاع.