الذكاء الاصطناعي يتفق مع ميسي في توقعاته للفائز بكأس العالم 2022

5 دقائق
الذكاء الاصطناعي يتفق مع ميسي في توقعاته للفائز بكأس العالم 2022
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: محمد محمود.

إذا كنت من المتابعين المهتمين بأخبار كرة القدم، فلا بُدّ أنك تتذكر الأخطبوط بول، الذي سطع نجمه خلال مباريات كأس العالم التي أقيمت في جنوب إفريقيا عام 2010. تمكن هذا الأخطبوط، الذي كان يعيش في مركز للأحياء البحرية في ألمانيا، من توقع نتائج 8 مباريات بشكلٍ صحيح خلال البطولة. وقد بلغت نسبة نجاح توقعاته نحو 85.7%، والأهم أنه تنبأ بشكلٍ صحيح بأن إسبانيا ستفوز بالمباراة النهائية على حساب هولندا.

في الأعوام التالية، حاول الكثيرون استخدام حيوانات أخرى، مثل الفيل نيللي والجمل شاهين، لتوقع نتائج بطولات كأس العالم وغيرها من البطولات، لكن هذه المحاولات لم تحظَ بنفس درجة النجاح والشهرة.

وخلال الأشهر الأخيرة، حفلت المواقع والقنوات الرياضية بتوقعات المحللين ونجوم كرة القدم حول المنتخب الذي يرجّحون فوزه بالبطولة ومَن سيكون الهداف وأفضل لاعب وأفضل حارس. وقد حظيت توقعات النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، على وجه الخصوص، بالكثير من الاهتمام بعدما رجّح كفة البرازيل وإنجلترا وفرنسا.

تعكس هذه المحاولات رغبة البشر الأزلية في توقع المستقبل الغامض حتى ولو بطرق بدائية، لأغراض متعددة تتراوح بين الخوف من الغموض وعدم اليقين، وأغراض المتعة الشخصية الخالصة، وحتى تحقيق الأرباح من شركات المراهنات.

في كأس العالم 2022، الأمر أصبح أعقد من مجرد دفع أحد الحيوانات للاختيار بين فريقين فقط (حيث ستكون نسبة نجاحه المبدئية 50%)، وإنما تحاول التقنيات الجديدة المبنية على الإحصاءات الدقيقة وعلم البيانات التنبؤ بالفائز من بين 32 فريقاً قبل بدء البطولة. وبالتالي، فإن فرصة نجاح التخمينات العشوائية المعتمدة على الحظ فقط تتضاءل بشدة.

نموذج "آلان تورينج" يميل للبرازيل

في البداية، ربما من المحبط قليلاً أن ندرك أن الذكاء الاصطناعي -في المطلق- لا يمكنه توقع فوز منتخب معين بالبطولة. الواقع أن هناك أعدداً كبيرة من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يتوقع كل منها فوز منتخب مختلف. والسبب في ذلك يرجع إلى اختلاف كمية ونوعية البيانات المستخدمة في تدريب النموذج، وقوة الحوسبة، والكثير من المتغيرات الأخرى التي تؤثر على توقعاته.

أحد النماذج التي قدمت توقعات مهمة في هذا الشأن هو نموذج تنبؤي طوّره باحثون من معهد آلان تورينج في لندن. يرجّح النموذج -المتاح للجمهور- كفة البرازيل في الفوز بهذه النسخة من كأس العالم. عندما قام الباحث نيك بارلو وزملاؤه بالمعهد بتشغيل البطولة 100 ألف مرة باستخدام نموذجهم، وجدوا أن البرازيل فازت في 25% من الوقت، وكان أقرب منافسيهم بلجيكا بنسبة 19%، والأرجنتين بنسبة 13%، ثم المنتخب الإنجليزي في 10% من الوقت.

ويمكن لأي شخص تشغيل هذا النموذج على الحاسوب الخاص به في المنزل، حيث تستغرق محاكاة 1000 بطولة متتالية 15 دقيقة فقط على جهاز حاسوب محمول عادي.

اتبع الباحثون إحدى الطرق الشائعة التي تُستخدم للمباريات في الدوريات المحلية، والتي تمنح الفرق درجة للدفاع والهجوم للتنبؤ بنتائج المباريات، لكنهم قاموا بتعديل نموذجهم للقضاء على أفضلية صاحب الأرض التي ستكون غائبة عن جميع الفرق باستثناء المنتخب القطري، كذلك قاموا بحساب الفروق بين قوة المنتخبات التي تلعب ضد بعضها في المباريات الودية الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، قام الباحثون بضبط النموذج لإعطاء وزن أكبر لنتائج بعض المباريات، مثل مباريات الدور قبل النهائي والنهائي، بالإضافة إلى تشغيل النموذج على البطولات السابقة لمعرفة مدى توافق توقعاته مع النتائج التي تحققت على أرض الواقع.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يدخل ملاعب كرة القدم ويرسم مستقبل هذه الرياضة

بلجيكا أولاً

لعقود، ظل علماء الإحصاء العاملون في مجال كرة القدم يركزون على الأهداف التي تم تسجيلها واستقبالها، محاولين إيجاد طريقة لنمذجتها واستخدامها في التنبؤات. وتم تطوير نموذج بواسون المزدوج (double Poisson model) الذي يعتمد على هذه الطريقة للمرة الأولى عام 1982. ولا تزال أشكال مختلفة من هذا النموذج تُستخدم اليوم للتنبؤ بنتائج المباريات.

وقد طوّر علماء أوبئة في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة نموذجاً رياضياً يفترض الأهداف المسجلة والمستقبلة، موزعة حول قيمة متوسطة. وتوقعوا أن إيطاليا ستهزم إنجلترا في نهائي بطولة يورو 2020 (وهو ما حدث بالفعل). كما توقع النموذج بشكل صحيح ستة من المتأهلين الثمانية للدور ربع النهائي بالبطولة.

وفي تصريحات لدورية نيتشر، قال طالب الدكتوراة في جامعة أكسفورد، ماثيو بن، الذي طوّر نموذج "يورو 2020": "أنت تريد أن تمنح كل فريق قوة هجومية ودفاعية، وتفعل ذلك باستخدام إجمالي عدد الأهداف التي سجلها كل فريق والصعوبة النسبية لخصومهم. ينتهي بك الأمر بهذه المجموعة الكبيرة من المعادلات التي تهدف لإيجاد قيمة هاتين المجموعتين من نقاط القوة، وبعد ذلك يصبح من السهل للغاية توقع نتيجة كل مباراة".

وبالنسبة لبطولة كأس العالم الحالية، يتوقع النموذج أن بلجيكا تمتلك أعلى فرصة لرفع الكأس بنسبة 13.88%، تليها البرازيل بنسبة 13.51%، ثم فرنسا (12.11%)، والأرجنتين (11.52%).

مواجهة بين ميسي ورونالدو؟

خرجت شركة بي سي أيه ريسرش لأبحاث الاستثمار (BCA Research) بتوقعات مختلفة تماماً حول المنتخب الذي سيفوز بالكأس، حيث توصل حاسوب فائق استخدمته الشركة إلى أن الأرجنتين ستصبح بطلة كأس العالم 2022، بعد التغلب على البرتغال بركلات الترجيح في المباراة النهائية التي ستُقام في استاد لوسيل بالدوحة. إذا صدق هذا التنبؤ، فإننا قد نشهد مواجهة مرتقبة بين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو. وبحسب التجربة، توقع نظام الذكاء الاصطناعي أن إنجلترا ستخسر أمام البرتغال بركلات الترجيح في نصف النهائي.

قام الحاسوب الفائق بحساب نتائج آخر 4 نهائيات لكأس العالم (192 مباراة في دور المجموعات و64 مباراة في أدوار خروج المغلوب)، وقام بمحاكاة تصنيفات الفيفا الحالية للمنتخبات الوطنية للحصول على النتائج.

وفي تقرير نشرته الشركة تحت عنوان "أهم التوقعات غير المهمة"، أوضحت أن استنتاجها قائم على "نموذج فريد مكون من خطوتين يجمع بين المتغيرات الكلية والجزئية، بالإضافة إلى خبرة الشركة المتفرّدة بشأن كرة القدم". استخدم النموذج بيانات مثل متوسط ​​تقييم اللاعبين في كل فريق والأداء السابق للفريق، مع تضمين متغيرات مثل "لعنة الرابح" (وهي الاحتمال التاريخي بعدم احتمالية تكرار فوز الفريق نفسه) في مراحل خروج المغلوب. وهذا يعني أن منتخب فرنسا قد خرج من توقعات الفوز بسبب فوزه في بطولة كأس العالم 2018. ومع أن الأرجنتين هي الخيار الأول للشركة، فإن احتمالية فوزها بالبطولة تبلغ 7% فقط.

اقرأ أيضاً: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي اختيار أفضل تشكيلة فريق كرة قدم؟

البرازيل من جديد

تتفق العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى مع توقعات نموذج معهد آلان تورينج، ومن ضمنها نموذج شركة أوبتا (OPTA)، وهي شركة بريطانية متخصصة في جمع ونشر الإحصائيات الرياضية، الذي تنبأ بأن الفرصة الأفضل للتتويج باللقب ستكون للبرازيل.

يضع نموذج الذكاء الاصطناعي هذا احتمالات وتصنيفات لكل منتخب بناءً على أدائه التاريخي والحديث. وتتغير هذه الاحتمالات مباشرة أثناء المباريات طوال البطولة، حيث إن كل هدف يتم تسجيله سيغيّر المسار المحتمل الذي يمكن أن تسلكه المنتخبات الأخرى إلى المباراة النهائية. كما يأخذ النموذج في الاعتبار قوة الخصم وصعوبة طريقه إلى النهائي.

وبالتالي، فإن تنبؤ هذا النموذج بتتويج المنتخب البرازيلي هو تنبؤ ما قبل البطولة، وقد يتغير مع مرور المباريات. وحتى لحظة كتابة هذه السطور، تغير ترتيب المنتخبات بالفعل عدة مرات، حيث لا تزال البرازيل تحتل المركز الأول بنسبة 16.77%، تليها الأرجنتين بنسبة 13%، ثم فرنسا (10.5%)، وإنجلترا (10.25%).

عصر بيانات كرة القدم

هل سنشاهد مفاجآت في هذه البطولة؟ على الأرجح نعم. فعلى الرغم من أن "البيانات الضخمة تبشّر بعصر جديد في كرة القدم"، كما يقول دانيال مميرت عالم الرياضة في جامعة الرياضة الألمانية في كولونيا، فإنها لا تزال أبعد ما يكون عن اليقين، لا سيما عندما يتعلق برياضة معقدة ومليئة بالمفاجآت غير المتوقعة مثل كرة القدم.

ولكن مع استمرار نمو تحليلات البيانات والتقدم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي، من المؤكد أننا سنشهد توقعات أكثر دقة مستقبلاً. وحتى لو أخطأت تنبؤات الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان، فلن يطالب أحد بقتله كما طالب بعض المشجعين الألمان بأكل الأخطبوط بول بعدما صدقت توقعاته بخسارة بلادهم أمام إسبانيا في نصف نهائي كأس العالم عام 2010.

المحتوى محمي