الشيخوخة: مرض أم عملية بيولوجية مسببة للمرض؟ جدل قديم متجدد

6 دقائق
الشيخوخة: مرض أم عملية بيولوجية مسببة للمرض؟ جدل قديم متجدد
غيتي إيميدجيز

في العام الماضي، خلال عطلة عيد الشكر الكندية، كان كيران رابهيرو متحمساً للانضمام إلى مكالمة مع مسؤولين من منظمة الصحة العالمية (WHO). وقد انتشر الحديث عن تغيير قادم في التصنيف الدولي للأمراض (ICD) التابع لمنظمة الصحة العالمية، وهو دليل يُستخدم لتوحيد تشخيص الأمراض في جميع أنحاء العالم.

تعديل اصطلاحي

كان الهدف من التعديل المرتقب هو استبدال تشخيص "الخَرف"، وهو مصطلح يعتبر قديماً، بشيء أكثر شمولية: وهو "الشيخوخة". سيتم تقديم الصياغة الجديدة ضمن فئة تشخيصية تحتوي على "الأعراض أو العلامات أو النتائج السريرية". والأهم من ذلك هو أن الترميز المرتبط بالتشخيص، وهو التسمية المطلوبة لتسجيل عقاقير وعلاجات جديدة، قد تضمن كلمة "مرضيّة"، التي كان من الممكن تفسيرها على أنها تشير إلى أن الشيخوخة مرض في حد ذاتها.

تطلّع بعض الباحثين إلى هذا التعديل، حيث اعتبروه جزءاً من الطريق نحو ابتكار علاجات مضادة للشيخوخة وتوزيعها. لكن الأستاذ في جامعة أوتاوا، رابهيرو، والطبيب النفسي للمسنين في مستشفى أوتاوا، كان يخشى أن تؤدي هذه التغييرات إلى زيادة التحيز ضد كبار السن. حيث يقول: إذا افترضنا أن العمر بحد ذاته مرض، فقد يؤدي ذلك إلى رعاية غير كافية من الأطباء. وبدلاً من تحديد ما يثير قلق المريض بالضبط، يمكن ببساطة استبعاد المشكلة واعتبارها نتيجةً للتقدم في السن.

اقرأ أيضاً: هل الشيخوخة مرض؟

يقول رابهيرو: "جوهر الأمر هو أننا إذا قمنا بإضفاء الشرعية على الشيخوخة كتشخيص، فإننا نجازف باستخدام الكثير من الناس لها بشكل غير مناسب". وافق عدد من الخبراء على ذلك. ويضيف: "كان هناك زخم هائل نشأ على مستوى العالم ليقول: "هذا خطأ".

أصبح رابهيرو جزءاً من مجموعة قامت بتأمين مكالمة مع الفريق القائم على وضع الدليل. يقول: قدم أفراد المجموعة حججهم، وكان الرد بمثابة "مفاجأة سارّة" لهم، فقد تقرّرَ القيام بمراجعة رسمية وتبعها تراجع عن القرار. في 1 يناير/ كانون الثاني 2022، تم إصدار النسخة 11 من التصنيف الدولي للأمراض دون ذكر مصطلح "الشيخوخة"، أو أي صيغة تشير إلى أن الشيخوخة مرض.

أصوات معارضة تعتبر أن الشيخوخة حالة طبية قابلة للعلاج

لم يرحب الجميع بالقرار. قال الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، ديفيد سينكلير، الذي يُعتبر قوة مؤثرة ومثيرة للجدل في مجال دراسة الشيخوخة بفضل ادعاءاته الجريئة، في تغريدةٍ له على موقع تويتر: "إن الخطوة المثيرة التي اتخذتها منظمة الصحة العالمية لتعريف الشيخوخة كحالة طبية قابلة للعلاج قد تراجعت للأسف". 

ويضيف: "سؤالي للعلماء والأطباء الذين احتجوا على إدراج الشيخوخة في الدليل هو: ما الذي يشكل تهديداً كبيراً؟". وأضاف: "أود حقاً معرفة الدافع، إلى جانب مجرد محاولة الحفاظ على الوضع الراهن".

كما أن سينكلير يشعر بالقلق من التحيز ضد كبار السن. لكنه يجادل بأن أفضل طريقة لمكافحة التحيز ضد كبار السن هي معالجة الشيخوخة: مواجهة المشكلة مباشرةً من خلال ابتكار علاجات لإبطاء تقدمها. يقول: "إن الرأي الحالي القائل إن الشيخوخة هي أمرٌ مقبول هو تمييز في حد ذاته".

في السنوات التي سبقت ظهور الإصدار 11 من التصنيف الدولي للأمراض، قال عددٌ من الباحثين إن ربط الشيخوخة بشكلٍ مباشر بالمرض سيساعد مجال أبحاث إطالة العمر في التغلب على العقبات التنظيمية، ما يمهّد الطريق أمام الأدوية المصمّمة خصيصاً لعلاج الشيخوخة.

ومع ذلك، يبدو أن هذه القضية أصبحت أقل إثارةً للقلق، حيث أصبحت أبحاث مكافحة الشيخوخة أكثر انتشاراً. على سبيل المثال، قالت إدارة الغذاء والدواء الأميركية إنها لا تعتبر الشيخوخة مرضاً. ولكن في عام 2015، اتخذت الإدارة قراراً مفاجئاً بالسماح بدراسة استهداف الشيخوخة باستخدام عقار الميتفورمين (TAME)، وهي تجربة سريرية تهدف إلى إظهار إمكانية استهداف الشيخوخة بشكل مباشر، من خلال اختبار ما إذا كان دواء الميتفورمين الخاص بمرض السكري يمكن أن يؤخر تفاقم أو تطور الأمراض المزمنة المرتبطة بالشيخوخة.

ويرى سنكلير في قرار منظمة الصحة العالمية انتكاسة مؤقتة. حيث يقول: "لحسن الحظ، الزخم موجود من العلماء، ومن الجمهور، ومن المستثمرين. هذا سيحدث، والتغييرات لن توقف التقدم".

اقرأ أيضاً: استراتيجية جديدة لإبطاء الشيخوخة تجتاز أول اختبار لها هذا العام

ومع ذلك، يقول إنه كان يود الحصول على تأييد منظمة الصحة العالمية لمفهوم الشيخوخة كمرض: "الصياغة مهمة للغاية لكيفية نظر المجتمع إلى المشكلات والحلول الممكنة".

قد يبدو هذا التقدم والتراجع في صياغة المفهوم مسألة تلاعب بالألفاظ. لكن الجدل الدائر حول صياغة التصنيف الدولي للأمراض يصب في صميم المحادثات الجارية حول الشيخوخة وما إذا كانت العملية البيولوجية التي تسهم في خطر الإصابة بعددٍ من الأمراض تعتبر بحد ذاتها مرضاً.

يقول الأستاذ في معهد باك لأبحاث الشيخوخة، سايمون ميلوف: "حتى الباحثين المخضرمين يجدون صعوبة في تعريف الشيخوخة". يرى ميلوف، الذي يقوم مختبره بدراسة الآليات الأساسية التي تؤدي إلى الشيخوخة، أنها "تراجع في الوظيفة مع مرور الوقت".

الشيخوخة سبب للمرض وليست مرضاً في حد ذاتها

ومن وجهة نظر بيولوجية، يمكن اعتبار الشيخوخة على أنها تراكم للتغيرات الجزيئية التي تُضعف في النهاية سلامة ومرونة الجسم. يرى الأستاذ المساعد في كلية ميلمان للصحة العامة في جامعة كولومبيا، دانييل بيلسكي، الشيخوخة من هذا المنظور: "الشيخوخة سببٌ للمرض، وليست مرضاً بحد ذاتها"، على حد قوله.

يقول بعض الباحثين إنه من غير المنطقي أن نقوم بوصف عملية بيولوجية طبيعية على أنها مرض. ويضيف بيلسكي: ما يزيد الأمور تعقيداً، هو أنه لا توجد مرحلة متفق عليها يصبح فيها الشخص كبيراً في السن. يمكن أن تكون للأشخاص من نفس العمر أعمار بيولوجية مختلفة بشكلٍ كبير، بناءً على التغيرات الملحوظة مثل تدهور الخلايا. 

ويؤكد آخرون أنه إذا كانت الحالة قابلة للعلاج، فهي مرض. قد يكون هذا جدالاً محيّراً، فثمّة أمراض لا يمكن علاجها و"علاجات" لأشياء قد لا تُصنّف بالضرورة على أنها أمراض. ولكن إذا استمر الجدال، حتى لو لم يوجد علاج للشيخوخة في الوقت الحالي، فربما يكفي تصور وجود علاج في المستقبل.

لم يختفِ مصطلح الشيخوخة تماماً من الإصدار 11 من التصنيف الدولي للأمراض. فلا يزال يوجد ترميز للأمراض "المرتبطة بالشيخوخة"، ولكن بدلاً من تعريفها على أنها "ناجمة عن مرض" ، يُقال الآن إنها "ناجمة عن عملية بيولوجية". وفي الوقت نفسه، بدلاً من الشيخوخة، يستخدم الدليل مصطلح "انخفاض القدرة الذاتية المرتبط بالشيخوخة" كوصف تشخيصي.

الدكتورة مين غوو
الدكتورة مين غوو. مارك روزبورو/ سي إن إس آي

 

 

"كل شيء ممكن".

مين غوو، مديرة مركز الشيخوخة في جامعة كاليفورنيا

 

 

 

 

أُعجبت مديرة مركز الشيخوخة بجامعة كاليفورنيا، مين غوو، بهذه المراجعة لدقتها وإمكاناتها. تقول غوو، التي تبحث في استراتيجيات عكس الشيخوخة: "إن هذه المراجعة تعترف بالشيخوخة وتوفر الفرصة للاعتقاد بوجود أشياء يمكننا تحسينها. هذا يعني أنه يمكننا تغيير مصيرنا إلى حدٍ ما".

اقرأ أيضاً: هل يستطيع الطب أن يقضي على الشيخوخة؟

استثمارات ضخمة في أبحاث مكافحة الشيخوخة

والعمل يمضي قدماً على أي حال. يمتلك وادي السيليكون، الذي يتمتع بسجلٍ حافل من الاستثمارات في أبحاث مكافحة الشيخوخة، مجموعة جديدة من الشركات الناشئة ذات الصلة بإطالة العمر مثل تيرن بايوتيكنولوجيز (Turn Biotechnologies) و ألتوس لابس (Altos Labs). تخطط المملكة العربية السعودية لاستثمار مليار دولار سنوياً في أبحاث لتمديد العمر الصحي، وهو عدد السنوات التي يظل فيها الشخص بصحةٍ جيدة. وفي الوقت نفسه، تطلب معاهد الصحة الوطنية الأميركية من العلماء التقدم بطلب للحصول على تمويل للبحوث المتعلقة بالعمر. عند سؤاله عن تغيير التصنيف الدولي للأمراض، أجاب المدير العلمي للمعهد الوطني للشيخوخة، لويجي فيروتشي، إنه كان "اختياراً جيداً"، لأنه يدعم فكرة أن "للشيخوخة عواقب وظيفية".   

يقول ميلوف: "يتزايد كلٌّ من البحث والميزانية بشكل مستمر على مدار الـ 20 عاماً الماضية، لذا، لا يعتبر نقص المال أو تعريف الشيخوخة كمرض من عدمه، سبباً يعيق التقدم،

ولكن ما يحتاجه هذا المجال للمضي قدماً، هم الباحثون الذين يطرحون "أسئلة ذكية وواضحة" ويمكنهم التحقيق في الموضوعات عندما تكون التكنولوجيا التي يحتاجونها لا تزال قيد التطوير".

إنه متحمس للتقدم السريع في مجال التكنولوجيا، مثل الفحص المجهري وتسلسل الخلية الواحدة، التي تمكّن العلماء من الحصول على رؤى جديدة حول الشيخوخة على المستوى الخلوي. كما يقول: إنه من المحتمل أن تكون هناك اختراقات علمية كبيرة في النماذج الحيوانية خلال العامين أو الخمسة القادمة. لكنه لا يزال يتساءل عن إمكانية توفر علاج فعّال مضاد للشيخوخة مثل النظام الغذائي والتمارين الرياضية. يقول ميلوف: "حتى لو كان لدينا علاج مفيد بنسبة 50% مثل اتباع نظام غذائي جيد وممارسة الرياضة، وسيكون هذا دواءً ناجحاً للغاية، فستظل له آثار جانبية. هل تفضّل ممارسة الرياضة ثلاث مرات في الأسبوع وتناول الطعام بشكلٍ جيد أو تناول تلك الحبوب؟"

اقرأ أيضاً: تعرف على الأدوية المكافحة للشيخوخة التي أغرت المستثمرين

يرى بيلسكي مكاسب أخرى قريبة المنال. ويقول: "إذا أردنا إبطاء الشيخوخة، فسيكون من الجيد أن نشرب جميعاً ماءً نظيفاً ونتنفس هواءً نقياً. هذه خطوة أولى حيث يمكننا بالفعل إحراز الكثير من التقدم".

لا يزال البعض الآخر يرى إمكانات كبيرة في المختبر. تقول غوو إنها تريد عكس عملية الشيخوخة، لكن تركيزها الأساسي ينصب على درء الأمراض المرتبطة بالشيخوخة لتمديد العمر الصحي للإنسان. وتقول إنها عندما بدأت التحدث إلى الناس لأول مرة حول خططها قبل خمس سنوات، لم يصدّقوا أنه من الممكن وقف آثار الشيخوخة. لكن فريقها أظهر بالفعل أنه يمكنه إزالة ما يصل إلى 95% من الميتوكوندريا (mitochondria) التالفة في ذباب الفاكهة. تضطرب وظائف العضيّات مع تقدم العمر، ما قد يزيد ربما من استعداد الفرد للإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر.

تقول غوو: "هذا ليس خيالاً علمياً". "كل شيء ممكن".

المحتوى محمي