خطة الولايات المتحدة كي تبقى متقدمة على الصين في الذكاء الاصطناعي

3 دقائق

عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، فإن الولايات المتحدة لديها تقليد يتمثل بالرهان على الأفكار المجنونة.

في الأسبوع الأول من مارس، قامت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (داربا) بعرض مشاريع تشكل جزءاً من خطة جديدة تمتد لخمس سنوات، وبكلفة 2 مليار دولار لتأسيس الجولة التالية من المفاهيم غير المألوفة التي ستحدث تطورات جديدة في الذكاء الاصطناعي. تتضمن هذه التطورات الجهود التي تُبذل لمنح الآلات المنطق السليم، وجعلها تتعلم بشكل أسرع، باستخدام قدر أقل من البيانات؛ وتصنيع شرائح إلكترونية يمكنها أن تعدل تصميمها ذاتياً لفتح الطريق أمام اكتساب قدرات جديدة في الذكاء الاصطناعي.

خلال حديثه في هذه المناسبة، قال مايكل كراتسيوس، نائب مساعد الرئيس لشؤون السياسة التكنولوجية في البيت الأبيض، إن جهود الوكالة تمثل جزءاً أساسياً من خطة الحكومة للبقاء في المقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي. يقول كراتسيوس: "هذه الإدارة تدعم التزام داربا، وتشاطرها اهتمامها الشديد في تطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي".

وقد وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً الشهر الماضي ينص على إطلاق استراتيجية الذكاء الاصطناعي الخاصة بالحكومة الأميركية والتي أُطلق عليها اسم المبادرة الأميركية للذكاء الاصطناعي. وكان كراتسيوس – وهو أيضاً نائب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في الحكومة – هو القوة المحركة وراء استراتيجية البيت الأبيض في الذكاء الاصطناعي.

تدعو المبادرة الأميركية للذكاء الاصطناعي لزيادة التمويل، وسوف تجعل البيانات والموارد الحاسوبية متاحة أمام باحثي الذكاء الاصطناعي. يقول كراتسيوس: "تمتلك داربا تاريخاً حافلاً بالقيام باستثمارات مبكرة في الأبحاث الأساسية التي كانت لها فوائد مذهلة". ويضيف: "وهي تعتمد على هذا النجاح في أبحاث الذكاء الاصطناعي".

منذ إنشاء وكالة داربا في العام 1957، كان لديها سجل من النتائج المتباينة إلى حد ما، مع فشل العديد من المشاريع في تحقيق إنجازات كبيرة. لكن الوكالة حققت بعض النجاحات الملفتة، ففي الستينيات، قامت بتطوير تكنولوجيا الشبكات الحاسوبية التي تطورت في نهاية المطاف إلى الإنترنت التي نعرفها. ومنذ فترة قريبة، قامت بتمويل مشروع مساعد شخصي قاد إلى ظهور سيري، مساعد الذكاء الاصطناعي الذي استحوذت عليه آبل في العام 2011.

ولكن العديد من الخوارزميات التي تعتبر اليوم ذكاءً اصطناعياً تم تطويرها منذ سنوات عديدة، وهي تعاني من القصور بشكل كبير. يقول جون إيفريت، نائب مدير مكتب ابتكار المعلومات في داربا: "إننا نحصد الثمار الفكرية التي زُرعت من عقود". ويضيف: "هذا ما يجعلنا نتطلع لخوض تحديات بعيدة المدى، تحديات قد لا تؤتي ثمارها قبل عقد من الزمن".

من خلال برنامجها إيه آي نيكست (الموجة التالية من الذكاء الاصطناعي)، أطلقت داربا 9 مشاريع بحثية رئيسية تهدف إلى معالجة أوجه القصور هذه. تتضمن هذه المشاريع بذل مجهود كبير لتعليم برامج الذكاء الاصطناعي المنطق السليم، وهي نقطة ضعف تسبب بفشل أنظمة اليوم في كثير من الأحيان. إن منح الذكاء الاصطناعي القدرة على توسيع إدراكه للعالم – وهو شيء يعتبره البشر أمراً مفروغاً منه – قد يجعل من المساعدات الشخصية في نهاية المطاف أكثر فائدة وأكثر سهولة للدردشة معها، ويمكنها أن تساعد الروبوتات على التنقل في بيئات غير مألوفة.

هناك مشروع آخر من داربا يسعى إلى تطوير برامج للذكاء الاصطناعي يمكنها أن تتعلم باستخدام كم أقل من البيانات. تمثل بيانات التدريب شريان الحياة للتعلم الآلي، والخوارزميات القادرة على استيعاب الكثير منها يمكنها أن تتفوق بمراحل خلال المنافسة.

قد يؤدي الابتكار في هذا المجال إلى إتاحة ميزة رئيسية أمام شركات التكنولوجيا العاملة في الصين، على سبيل المثال، والتي تزدهر بفضل اعتمادها على الوصول إلى قدر وافر من البيانات. وتركز المشاريع الأخرى التي يتم تمويلها على تصميم شرائح إلكترونية أكثر كفاءة للذكاء الاصطناعي؛ واستكشاف طرق لتوضيح عملية اتخاذ القرار لأدوات التعلم الآلي المبهمة؛ وجعل برامج الذكاء الاصطناعي أكثر أماناً.

ولكن مبادرة إيه آي نيكست تُظهر إلى حد ما مدى صعوبة قياس ما يتم تحقيقه من تقدم وبراعة في الذكاء الاصطناعي. وقد بذلت الصين الكثير من الجهود، وقد أعلنت حكومتها عن خطة طموحة "للهيمنة" على هذه التكنولوجيا. كما أعلنت بلدان أخرى عن خطط للذكاء الاصطناعي، وأنها تضخ المليارات من الدولارات لتمويل هذه الخطط. ولكن الولايات المتحدة لازالت تنفق أكثر من أي دولة أخرى على أبحاث التكنولوجيا وتطويرها.

لا شك أن إجمالي الاستثمارات له أهميته بالطبع، ولكن ليس سوى جزء واحد فقط من المعادلة الكلية. فلطالما ركزت الولايات المتحدة على تمويل الأبحاث الناشئة من خلال الأوساط الأكاديمية ووكالات مثل داربا. وتسبب هذا بدوره بصياغة المشهد التكنولوجي بطرق لم تكن واضحة في البداية.

لنأخذ السيارات ذاتية القيادة على سبيل المثال. قبل عقد مضى، قامت داربا بتنظيم سلسلة من مسابقات المركبات العاملة بدون سائق في المناطق الصحراوية والحضرية. وقد أثارت هذه المسابقات موجة من الحماس حول إمكانات القيادة الآلية، وتبعتها موجة ضخمة من الاستثمارات. وقد تحول العديد من الباحثين الذين شاركوا في هذه المسابقات للمشاركة في إطلاق جهود السيارة العاملة بدون سائق الخاصة بشركة جوجل. لا يزال من غير الواضح كيف ستغير القيادة المؤتمتة وسائل النقل، ولكننا رأينا بعض السيارات، مثل تلك التي تبيعها شركة تسلا، كيف أنها تقدم أشكالاً محدودة من الأتمتة.

يقول بيتر ستون، الأستاذ في جامعة تكساس والذي شارك في مسابقة السيارات: "لولا مشاركة داربا، لما حدثت ربما طفرة السيارات ذاتية القيادة على ذلك النطاق في ذلك الوقت". يعتقد ستون إنه من الأهمية بمكان بالنسبة للحكومة الأميركية أن تحدد مشاكل الذكاء الاصطناعي العالقة وتعمل على معالجتها.

يقول ستون أخيراً: "قد لا يحدث ذلك، ولكنه إذا نجح، فستكون له تداعيات هائلة".

المحتوى محمي