تويتر ماسك: ما فائدة تحرير العصفور المغرد إذا أصبحت الغابة كلها داخل القفص؟

4 دقائق
تويتر ماسك: ما فائدة تحرير العصفور المغرد إذا أصبحت الغابة كلها داخل القفص؟
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت/ ميتر/ غيتي إيميدجيز

بدأت قوة منصة تويتر (Twitter) بالظهور بشكل واضح في 2009. ومع بدء بعض الإيرانيين بالتغريد خلال الانتخابات في بلادهم التي سادها التعتيم الإعلامي، بدأ الموقع يظهر كأداة في غاية الأهمية للناشطين على مستوى العالم. واعتمدت أحداث مصر في 2011 وحركة بلاك لايفز (Black Lives)، على تويتر لنشر المعلومات وجذب المؤيدين.

تحرر العصفور المغرد ولكن بتحفظ

وإذا قرر "كبير المغردين" الرسمي الجديد للمنصة، إيلون ماسك، الالتزام بخططه المعلنة لإحداث تغييرات شاملة في سياسات المنصة، فإن هؤلاء المستخدمين أنفسهم، وهم من أوصلوا تويتر إلى مستواها الحالي، قد يكونون معرضين للمخاطر أكثر من غيرهم.

فلطالما قاومت الشركة مطالب الرقابة من الدول القمعية التي لا تلتزم بمعايير حقوق الإنسان. ولكن فكرة ماسك عن الالتزام بالقوانين المحلية كدليل يحدد الممنوع والمسموح على تويتر، حيث قال إن المنصة "يجب أن تلتزم بقوانين البلدان التي تعمل فيها"، قد تعني أن الشركة ستبدأ بالالتزام بسياسات ومطالب الرقابة على بيانات المستخدمين، والتي كانت معارضة لها من قبل.

اقرأ أيضاً: الهدف مليار مستخدم: ما هو تطبيق «كل شيء» الذي يسعى إيلون ماسك إلى تطويره انطلاقاً من تويتر؟

ولكن هذا ليس سوى احتمال واحد في حقبة ماسك التي بدأت للتو. والآن، وبعد أن "تحرر العصفور المغرد"، كما كتب بعد إتمام الصفقة رسمياً، يخشى الكثير من المستخدمين من أن عملية الشراء التي أجراها هذا الملياردير ستؤدي إلى تراجع الموقع بشكل عام، بعد سنوات من التطويرات البطيئة على وظائفه وسياساته وعمليات الرقابة الخاصة به.

وهذه المخاوف مبررة. فعلى الرغم من أن أغلب ما سيفعله ماسك لن يبدو واضحاً لنا، فقد كان حاسماً في عزمه على إحداث تغييرات شاملة في سياسات المنصة. فإضافة إلى احتمال اتباع القوانين المحلية للحكومات القمعية، يمكن أن تؤدي هذه التغييرات أيضاً إلى تخفيض درجة التشدد في قواعد الخطاب، وإضافة شروط للتثبت من هوية المستخدمين على المنصة، بحيث تؤثر على قدرة المستخدمين للحفاظ على سريتهم. كما أطلق العديد من التصريحات الرنانة والمتضاربة في بعض الأحيان، حول وجهة نظره في تطبيق الرقابة على المحتوى، ويقول في أحد هذه التصريحات، إن تويتر يجب أن تزيل الخطاب المخالف للقانون فقط، وهو ما سيحدث.

تسريح مسؤولين كبار في تويتر بالجملة

هناك أيضاً تحركات أخرى لا تترك مجالاً للتخمين. فعلى الرغم من تراجع ماسك عن مزاعم تقول إنه يخطط لتسريح ثلث القوى العاملة في الشركة، فقد أفادت تقارير لاحقة في 27 أكتوبر الفائت بطرد مجموعة من كبار المسؤولين التنفيذيين، و"إخراجهم مخفورين على عجل" من مقر الشركة. وتتضمن هذه المجموعة فيجايا غاد، المسؤولة الأولى عن السياسات القانونية والثقة والأمان في الشركة، والتي انتقدها ماسك بشدة في تغريدة تعود إلى شهر أبريل/ نيسان.

لم تكن فترة عمل غاد في هذا المنصب خالية من المشكلات، ولكن الفريق القانوني حقق تحت قيادتها خطوات كبيرة في مجال سياسات المنصة، وهي خطوات كانت تهدف في معظمها إلى حماية المستخدمين الأكثر عرضة للمخاطر على المنصة. فقد قاومت تويتر محاولات المحاكم الأميركية لكشف هوية المستخدمين محجوبي الهوية، وشددت من إجراءات مكافحة شبكات البوتات وغيرها من عمليات التأثير على الرأي، كما عملت مع حكومة نيوزيلندا على تطوير أدوات لتسهيل عمليات البحث المستقلة حول تأثير تفاعلات المستخدم مع الأنظمة الخوارزمية، وحظرت الإعلانات السياسية خلال فترة الاستعداد لانتخابات الرئاسة الأميركية في 2020، ووظّفت باحثين لدراسة مستوى سلامة الخطاب على الموقع.

اقرأ أيضاً: ما الذي ينقص خطة إيلون ماسك حتى تنجح في تحديد الحسابات المزيفة على تويتر؟

التثبت من هوية المستخدمين مقابل حرية التعبير

وبالنسبة للمستخدمين الأكثر عرضة للمخاطر على تويتر، مثّلت هذه التغييرات خطوات كبيرة نحو الأمام مقارنة ببدايات هذه المنصة التي كانت في وقتها "جناح الخطاب الحر لحزب الخطاب الحر" حيث كان من الممكن العثور على أي شيء فيها، بما في ذلك المحتوى الإرهابي، والتحرش، وخطاب الكراهية. ولكن ماسك أعلن أن "حرية التعبير هي أساس الديمقراطية الفعّالة، وستكون تويتر تجمعاً رقمياً تُنَاقش فيه القضايا المصيرية التي تهم مستقبل البشرية". وعلى الرغم من أنه خفف من وقع تصريحاته السابقة بالقول إنه لن يحوّل تويتر إلى "جحيم متفلت حيث كل شيء مباح"، فمن الواضح أن الرئيس التنفيذي الجديد ينوي إلغاء بعض قواعد تويتر.

وقال ماسك أيضاً إنه ينوي التخفيف من محاولات تويتر لمكافحة المعلومات الخاطئة والمزيفة. وهو خطأ كبير. فقد قامت تويتر، وبعناية فائقة، ببناء سياسات وأدوات تسمح بالنقاش الحر مع إعاقة نشر المحتوى المزيف في نفس الوقت، مثل رسائل تنبيه تشجّع المستخدمين على قراءة ما يشاركونه بدقة، وإشارات تقدم توضيحاً إضافياً للسياق للمعلومات المزيفة المحتملة. ومع اقتراب انتخابات مهمة في العشرات من البلدان خلال السنتين المقبلتين، ستكون هذه الأدوات أساسية في الحفاظ على تويتر كحيز للمشاركة الشعبية.

أما الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للكثير من الناشطين الذين يعتمدون على إجراءات حماية الهوية على المنصة فهي خطط ماسك لفرض إجراءات للتثبت من هوية المستخدمين، ما يعني نهاية الحرية والحماية اللتين كانت المنصة تؤمّنهما لهم. فالهويات المحجوبة والبديلة ضرورية للمستخدمين الذين لا تتوافق آراؤهم أو هوياتهم مع أصحاب السلطة. وحتى لو أبقى ماسك المجال مفتوحاً أمام استخدام الأسماء المزيفة، فإن مطالبة المستخدمين بتسليم المعلومات الشخصية يمكن أن يجعلها عرضة للاستيلاء عليها من قبل الحكومة.

اقرأ أيضاً: ما هي مشكلة خطة إيلون ماسك لجعل خوارزمية تويتر مفتوحة المصدر؟

تجمع رقمي مشترك للبشرية

ولكن، وبطبيعة الحال، ليست جميع أفكار ماسك سيئة. فقد وعد بتشفير الرسائل المباشرة، وهو شيء طالب به مناصرو الحقوق الرقمية لسنوات عديدة، ويتيح لمستخدمي تويتر التواصل بشكل أكثر أماناً من دون الحاجة إلى مغادرة المنصة. كما أشار أيضاً إلى أن هدفه تزويد المستخدم بالمزيد من الخيارات للتحكم فيما يراه على الصفحة الرئيسية، وهو ما يمكن أن يحقق توازناً أفضل لحرية التعبير في بعض المجالات التي بالغت تويتر في تطبيق الرقابة عليها.

ويقول ماسك إنه اشترى تويتر لأنه "من المهم لمستقبل الحضارة وجود تجمع رقمي مشترك، حيث يمكن نقاش نطاق واسع من المعتقدات بطريقة سليمة وصحية من دون اللجوء إلى العنف". وهو ليس مخطئاً من حيث المبدأ، ولكنه مخطئ في كيفية تحقيق هذا المبدأ. فبدلاً من الدخول وبدء تطبيق تغييرات كبيرة وسريعة، آمل وبشيء من السذاجة، أن ماسك سيصغي للخبراء والمستخدمين الأكثر عرضة للمخاطر على المنصة، وذلك لتحقيق فهم أفضل للتحديات التي يواجهونها وتعقيدات مراقبة المحتوى على موقع يمكن أن يشهد في أي يوم من الأيام نوبة غضب لأحد القادة على مستوى العالم أو إطلاق حركة من حركات التحرر.

المحتوى محمي