إلى أين وصل العلم في استنساخ الكائنات الحية؟

4 دقائق
إلى أين وصل العلم في استنساخ الكائنات الحية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Natali _ Mis

في عام 1979، تمكن الباحثون لأول مرة من استنساخ فئران متطابقة وراثياً عن طريق تقسيم أجنة الفئران في أنبوب الاختبار، ثم زرع الأجنة الناتجة في أرحام إناث فئران بالغة. بعد ذلك بوقت قصير، أنتج الباحثون أول أبقار وأغنام ودجاج متطابقة وراثياً عن طريق نقل نواة خلية مأخوذة من جنين إلى بويضة تم إفراغها من نواتها.

ولكن لم ينجح الباحثون في استنساخ حيوان ثديي من خلية ناضجة مأخوذة من حيوان بالغ حتى الخامس من يوليو عام 1996. فبعد 276 محاولة فاشلة، أنتج باحثون في معهد روزلين باسكتلندا أخيراً النعجة دوللي (Dolly the sheep)، من خلال أخذ خلية من ضرع أمها البيولوجية البالغة من العمر 6 سنوات. وعلى الرغم أن دوللي -وهي من سلالة دورست الفنلندية- عاشت 6 سنوات فقط (أي نصف متوسط عمر النعاج)، فإن عملية استنساخها مثّلت ثورة حقيقية في هذا المجال، وحظت بتغطية إعلامية لم يحظ بها أي حيوان مستنسخ قبلها أو بعدها، وباتت رمزاً يتبادر إلى الذهن كلما ذكر مصطلح الاستنساخ.

اقرأ أيضاً: استنساخ الحيوانات الأليفة يقرّبنا أكثر من استنساخ البشر

عمليات استنساخ روتينية

على مدار الأعوام الـ26 التالية، جرت مياه كثيرة تحت جسر الاستنساخ. يشير الباحث والأستاذ في جامعة هارفارد، ديفيد سنكلير، في كتابه المعنون "العمر المديد: لماذا نتقدم في السن؟ وكيف يمكن أن لا ‏نهرم"، إلى أن عمليات الاستنساخ "تُجرى الآن بشكل روتيني لإنتاج حيوانات المزرعة وسباق الخيل وحتى الحيوانات الأليفة. منذ عام 2017، أصبح بالإمكان طلب استنساخ للكلاب مقابل 40 ألف دولار، أو اثنين منها، كما فعلت باربرا سترايسند لتستبدل كلبتها الحبيبة سامي، وهي من نوع كوتون دي توليار ذات الشعر المجعد. حقيقة أن سامي كانت في الـ14 عندما ماتت وتبرعت بخلايا -وهو ما يعادل بلوغ الإنسان الـ75 من العمر- لم تؤثر أبداً على الحيوانات المستنسخة".

لنعد أولاً إلى الأساسيات. الاستنساخ هو تقنية يستخدمها العلماء لعمل نُسخ جينية دقيقة للكائنات الحية. يمكن استنساخ الجينات والخلايا والأنسجة وحتى الحيوانات الكاملة. ولا يقتصر الاستنساخ فقط على المختبرات، وإنما يحدث بالفعل في الطبيعة. فالكائنات وحيدة الخلية، مثل البكتيريا، تصنع نسخاً دقيقة من نفسها في كل مرة تتكاثر فيها. وحتى في البشر، تشبه التوائم المتطابقة الحيوانات المستنسخة، إذ تتشارك تقريباً نفس الجينات، لأن التوائم المتطابقة تتكون عندما تنقسم البويضة المخصبة إلى قسمين.

اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تعمل على استنساخ البشر لأغراض التبرع بالأعضاء

3 أنواع من الاستنساخ

هناك 3 أنواع مختلفة من الاستنساخ:

الاستنساخ الجيني (Gene cloning)

هو العملية التي يتم فيها تحديد جين معين ونسخه (استنساخه) من الحمض النووي المستخرج من كائن حي. يُعد الاستنساخ الجيني ممارسة شائعة في مختبرات البيولوجيا الجزيئية حالياً، حيث يستخدمها الباحثون لإنشاء نسخ من جينات معينة لاستخدامها في تطبيقات مثل تحديد التسلسل الجيني أو الطفرات في البروتين. تتضمن التقنية التقليدية للاستنساخ الجيني نقل جزء من الحمض النووي محل الاهتمام من كائن حي إلى عنصر جيني ذاتي التكاثر، مثل البلازميد البكتيري (Bacterial Plasmid). وهناك تقنية أحدث هي استخدام تفاعل البوليمراز المتسلسل (PCR) لتضخيم الجين محل الاهتمام. وتتميز هذه التقنية عن الاستنساخ الجيني التقليدي في قدرتها على تقليل الوقت اللازم لتوليد عينة نقية من الجين.

الاستنساخ التكاثري (Reproductive cloning)

هو العملية التي ينتج عنها استنساخ كائنات حية بالكامل. تم إجراء أولى عمليات الاستنساخ التكاثري عن طريق "التوأمة" الاصطناعية أو تقسيم الأجنة، في أوائل القرن العشرين، على يد عالم الأجنة الألماني هانز سبيمان، الذي أجرى تجاربه على جنين حيوان السمندل. كما وضع سبيمان -الذي حصل في عام 1935 على جائزة نوبل لأبحاثه حول التطور الجنيني- نظرية حول طريقة استنساخ أخرى تُعرف باسم النقل النووي (Nuclear Transfer). وقد نفذ العالمان الأميركيان روبرت بريجز وتوماس كينغ هذه الطريقة في عام 1952، مستخدمين حمضاً نووياً مأخوذاً من خلايا جنينية لضفدع لتوليد ضفادع صغيرة مستنسخة. وفي عام 1958، أجرى عالم الأحياء البريطاني جون بيرتراند جوردون، بنجاح عملية نقل نووي باستخدام حمض نووي من خلايا معوية بالغة لضفادع القيطم الإفريقي (Xenopus laevis). وقد حصل جوردون على جائزة نوبل في الطب عام 2012 على هذا الإنجاز.

لاحقاً، تم تنقيح تقنية النقل النووي التي استخدمها عالم الأحياء البريطاني إيان ويلموت لاستنساخ دوللي، وأصبحت تُعرف باسم نقل نواة الخلية الجسدية (SCNT). وقد مثّلت هذه الأخيرة تقدماً غير مسبوق في علم الاستنساخ، لأنها أسفرت عن توليد مستنسخ متطابق جينياً مع خروف بالغ بالفعل. كما بينت أنه من الممكن للحمض النووي في الخلايا الجسدية المتمايزة أن يعود إلى مرحلة جنينية غير متمايزة. وبعد فترة وجيزة من ولادة دوللي، تم استنساخ عدد من الحيوانات الأخرى بواسطة تقنية "نقل نواة الخلية الجسدية"، بما في ذلك الخنازير والماعز والفئران والكلاب والخيول.

اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر

الاستنساخ العلاجي (Therapeutic cloning)

هو نقل مادة نووية معزولة من خلية جسدية إلى بويضة مستأصلة بهدف اشتقاق خطوط خلوية جنينية لديها نفس جينوم المتبرع النووي. وهذا النوع من الاستنساخ يستهدف إنتاج خلايا جذعية جنينية، على أمل استخدامها لتنمية أنسجة صحية لتحل محل الأنسجة المصابة أو المريضة في جسم الإنسان.

يوفر الاستنساخ العلاجي إمكانات كبيرة في مجال الطب التجديدي، وفي علاج الاضطرابات الوراثية عند استخدامه بالاقتران مع العلاج الجيني. كما يمكن لهذا النوع من الاستنساخ إنتاج جلد بديل وغضاريف وأنسجة عظمية لضحايا الحروق والحوادث، وقد يدفع في اتجاه إيجاد طرق لتجديد أنسجة الشبكية والحبل الشوكي.

لكن الاستنساخ العلاجي غالباً ما يرتبط أيضاً بمشكلات طبية وأخلاقية واجتماعية. فمن الناحية الطبية، ليس هناك ما يضمن مدى نجاح العلاجات القائمة على هذا النوع من الاستنساخ. كما أن هناك صعوبة في الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية للمريض وتخزينها (لاستخدامها لاحقاً)، إذ يجب جمعها قبل الولادة. لذلك تعرض بعض العيادات تخزين الدم من الحبل السري عند ولادة الشخص. كما لوحظت بعض الطفرات في الخلايا الجذعية المستزرعة، ولوحظ أن بعض الخلايا الجذعية التي حدثت لها طفرات تتصرف مثل الخلايا السرطانية.

أما من الناحية الأخلاقية، فإن المشكلة تكمن في مصدر الخلايا الجذعية الجنينية، وهو الأجنة غير المستخدمة التي يتم إنتاجها عن طريق الإخصاب في المختبر، إذ يجب تدمير هذه الأجنة في العملية، ما يجعل الأجنة أقرب إلى سلعة وليس جنيناً يمكن أن يتطور إلى إنسان.

اقرأ أيضاً: تجميد الجثث بالتبريد: من أفلام الخيال العلمي إلى المختبرات الطبية

ليست نسخاً متطابقة

السؤال الآن: هل تبدو المستنسخات متشابهة تماماً وستتصرف بنفس الطريقة بالضبط؟ الإجابة أنه حتى لو كانت هذه المستنسخات متطابقة مع بعضها بعضاً من الناحية الوراثية، فإنها لن تكون متطابقة في الخصائص الشكلية أو السلوكية، لأن الحمض النووي ليس المحدد الوحيد لهذه الخصائص.

تتعرض المستنسخات لبيئات ومدخلات غذائية مختلفة أثناء وجودها في الرحم، ومن المتوقع أن تتعرض لمدخلات مختلفة من آبائها ومجتمعها وخبراتها الحياتية أثناء نموها. وحتى التوائم المتطابقة (أحادية الزيجوت) ليست متطابقة تماماً وراثياً أو جينياً لأن الطفرات واختلافات النمو العشوائية وتأثيرات البصمة المتنوعة (العلامات الكيميائية الخاصة بالوالدين على الحمض النووي) تقدم مساهمات مختلفة لكل توأم.

المحتوى محمي