خوارزميات بقدرات خارقة سيؤدي وصولها للهواتف لثورة بتجربة المستخدمين

3 دقائق
كيف يسهم تقليل تعقيد نماذج الذكاء الاصطناعي في إمكانية تشغيلها على الهواتف؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Media Whale Stock

تعتمد الكثير من خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي حققت نجاحات باهرة في الآونة الأخيرة على توفّر كم كبير من البيانات، والتي يتم عرضها على تلك الخوارزميات فتتعلم منها، لتستطيع بناء ما يعرف بالنموذج (Model)، وهذا النموذج أو "المودل" يمكن تشبيهه بالعقل البشري، وهو يمثل الكم المعرفي الذي تستدعيه الخوارزمية في كل مرة تقوم بعملية اتخاذ القرار. 

النموذج الذي تبنيه الخوارزمية عبارة عن معادلات رياضية، واشتراطات حسابية، تستخدمها الخوارزمية لبناء الاحتمالات اللازمة لاتخاذ القرار. واتخاذ القرار هنا يعني التنبؤ بالمستقبل، أو اكتشاف نمط معين في البيانات، وبالتالي فإن الخوارزمية في كل مرة يتم تشغيلها، فإنها تستدعي النموذج الخاص بها، وتقوم بتمرير البيانات اللازمة له، وهو يقوم بعملياته المنطقية والرياضية، ومن ثم يعطي مخرجاته على شكل احتمالات، وتستقبل الخوارزمية في نهاية المطاف تلك الاحتمالات، لتظهرها بطريقة مناسبة للمستخدم كجزء من منظومة تقنية أو منصة رقمية.

تعقيد عملية بناء النماذج التي تستخدمها الخوارزميات

إن بناء النموذج واستخدامه في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، يعد عملية غاية في التعقيد، والتي بدورها تحتاج إلى الكثير من الموارد، كالحواسيب عالية الكفاءة، ومعالجات الرسوميات (GPU)، والذواكر (RAM). فالخوارزميات التي تتصدر القوائم في دقتها، كخوارزميات التعلم العميق (Deep Learning)، تحتاج في الواقع إلى منظومة حاسوبية تعمل جميع مكوناتها في آن واحد جنباً إلى جنب وبشكل متزامن، لبناء النماذج والمخرجات اللازمة لصناعة ذلك النموذج. ليس ذلك فحسب، بل إن النموذج الذي ينتج من خوارزميات التعلم العميق تحديداً، يحتوي ذاته على العديد من الطبقات التي تُستخدم أثناء عمل الخوارزمية، وتلك الطبقات بدورها تقوم بمعالجة مكثّفة للبيانات  في كل طبقة على حدة، ما يعني أنه على الرغم من أن عملية بناء النموذج تستهلك الكثير من الموارد، فإن تشغيل مختلف طبقات النموذج يتطلب أيضاً العديد من الموارد. 

يعد تعقيد النموذج وحجمه الكبير، خصوصاً في خوارزميات التعلم العميق، العائق الأكبر أمام استخدام تلك الخوارزميات في الأجهزة محدودة الكفاءة كالأجهزة المحمولة والمعدات الطرفية، وقطع الحاسوب المدمجة في المركبات والسفن وغيرها، وذلك لأن تلك الحواسيب الصغيرة تفتقر إلى الموارد اللازمة التي تحتاجها خوارزمية التعلم العميق لتمرير البيانات بين مختلف طبقات النموذج، فكلما زاد عدد طبقات اتخاذ القرار في النموذج، زادت الموارد التي يحتاجها الجهاز لتشغيله. 

اقرأ أيضاً: أهم العبر من قصة تطور الذكاء الاصطناعي منذ هزيمة كاسباروف حتى التعلم العميق

محاولات العلماء لتقليل الضغط على الأجهزة قليلة الموارد

سيتيح استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المواقف التي لم يسبق أن عملت بها تطبيقات الذكاء الاصطناعي تقليل الضغط على الأجهزة قليلة الموارد. فعلى سبيل المثال، سيتمكن الغواص من الاستفادة من تطبيقات التعرف الآلي على المخلوقات في قاع المحيط، ما سيجنبه ملامسة تلك الأسماك السامة، أو ذات الشحنات الكهربائية، كما سيستطيع متسلق الجبال استخدام برامج المحاكاة، ليكمل مسيرته نحو القمة سالكاً أكثر الطرق أماناً، بل سيستطيع الرياضيون استخدام الأجهزة المحمولة التي تقرأ المؤشرات الحيوية وفي نفس اللحظة تقوم بتحليل البيانات، ليحصل الرياضي على اقتراحات تسهم في تقدمه في المنافسة، ولذا فهناك دعوات كثيرة لتخفيف حجم النموذج واستخراج الخلاصة منه، أو "تقطيره" بحسب تعبير عالم البيانات فيكتور سانه (Victor Sanh) من شركة هاغن فيس (Hugging Face) في بحث نشره مع فريقه في عام 2019 ، وذلك كي لا تشكل خوارزميات الذكاء الاصطناعي عبئاً على الأجهزة قليلة الموارد.

محاولة تقليص النموذج بكافة عناصره

إن التحديات التي تواجهها الأجهزة محدودة الموارد، كالهاتف المحمول، لاستدعاء وتشغيل نموذج التعلم العميق، تعد أحد المباحث التي تطرق لها العديد من العلماء حول العالم لمواجهتها، ومنهم الباحث شياونان لي (Xiaonan Li) والذي تعاون مع فريق بحثي من جامعة فودان (Fudan University) الصينية في عام 2021 ، حيث قام الفريق البحثي بتجربة التشغيل الجزئي لنموذج التعلم العميق كبير الحجم، واقترح الفريق البحثي أن تقوم خوارزمية التعلم العميق أثناء إرسال البيانات داخل النموذج وأثناء مرور البيانات بطبقاته بالتحقق من إمكانية اتخاذ القرار في كل طبقة من طبقات النموذج دون الحاجة لمرور البيانات ببقية الطبقات، بمعنى أن الأسلوب الذي اتبعه الباحثون يعمد لتقليل عدد الطبقات التي تمر بها البيانات داخل النموذج، في محاول لتقليص الموارد اللازمة لتشغيل النموذج بكامل عناصره. 

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في جودة اتخاذ القرارات؟

تصميم خوارزمية يمكنها الخروج المبكر من النموذج 

طريقة تقليل عدد الطبقات التي تمر بها البيانات، أو ما يعرف بالخروج المبكر من النموذج، هي طريقة في حقيقة الأمر حاول تطبيقها العديد من الباحثين قبل فريق جامعة فودان، فقد كانت أولى المحاولات في جامعة ووترلو (University of Waterloo) الكندية، من قبل الباحث جي شين (Ji Xin) مع فريق من ذات الجامعة في عام 2020، وقد نُشرت محاولة الباحث جي لتصميم خوارزمية يمكنها الخروج المبكر من النموذج بمجرد حصول الخوارزمية على دقة مقبولة في أحد المؤتمرات الدولية المتخصصة. 

ومن المفارقات العجيبة، أن مجموعة بحثية أخرى نشرت في ذات السنة، بل في المؤتمر نفسه، ورقة علمية تتحدث عن طريقة مشابهة للخروج المبكر من النموذج، بمجرد ثقة الخوارزمية بالنتائج. فالمجموعة الأخرى هذه تكونت من الدكتور روي شوارتز (Roy Schwartz)، وبها عدد من العلماء من جامعة كارنيجي ميلون (Carnegie Mellon University)، وجامعة واشنطن (University of Washington)، ومعهد آلين للذكاء الاصطناعي (Allen Institute for Artificial Intelligence). 

اقرأ أيضاً: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في اتخاذ القرارات العسكرية؟

وعلى الرغم من تتابع الأبحاث في هذا الجانب، فإن النتائج تدل أن على متخذ القرار -وليس الخوارزمية- الموازنة بين الدقة والكفاءة، في حال أريد استخدام الذكاء الاصطناعي في الأجهزة محدودة الموارد، بمعنى أن الخوارزمية التي تستهلك الكثير من الموارد لتصل دقتها إلى 99%، قد يكون من الممكن أن تعمل على الهاتف المحمول، إذا قبل المستخدم بدقة أقل، كـ90% مثلاً، غير أن ذلك في نهاية المطاف قرار يحتاج أحدهم إلى الموافقة عليه، وذلك بحساب الفوائد المرجوة من أنظمة الذكاء الاصطناعي، في حال فاقت الفوائد نسبة الخطأ المحتملة. 

المحتوى محمي