بينما لا يزال النقاش قائماً بين شركتي أبل وميتا حول أضرار وفوائد الإعلان عبر الإنترنت، فإن العديد من المستخدمين أصبحوا يتجنبون ظهور الإعلانات تماماً عن طريق حظرها باستخدام أدوات منع الإعلانات المختلفة، حيث خلصت دراسة حديثة إلى أن استخدام أدوات منع الإعلانات على متصفحات الإنترنت آخذ في الازدياد، خاصة على الهواتف الذكية.
على سبيل المثال، أظهر تقرير الحالة العالمية للرقمنة 2021 أن ما يصل إلى 42% من المستهلكين يستخدمون أدوات مانع الإعلانات عند تصفح المحتوى على الإنترنت، بينما أظهر تقرير آخر أن ما لا يقل عن 25% من مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة لديهم أداة مانع الإعلانات نشطة ومثبتة في أجهزتهم، بالإضافة إلى ذلك عندما تفكر في أن أكثر متصفحات الإنترنت شعبية يأتي بمانع إعلانات مثبت مسبقاً، جنباً إلى جنب مع وجود العديد من إضافات منع الإعلانات الأخرى المتاحة للتثبيت، فإن هذا من شأنه أن يبث صورة قاتمة لمستقبل الإعلان عبر الإنترنت. بالنسبة لأصحاب الأنشطة التجارية، الذين يعتمدون على الإعلانات بصورة أساسية لتحقيق الدخل، فإن هذا يعتبر مصدر قلق بالغاً لهم، ولكن ما يستحق معرفته بصورة أساسية هو: هل تتسبب أدوات منع الإعلانات في التأثير على أرباح الشركات حقاً؟
اقرأ أيضاً: جوجل تخطط لحظر استخدام ملفات تعريف الارتباط الخارجية في الإعلانات ومستعرض كروم
ما أدوات منع الإعلانات؟
أبسط وأقصر تفسير لآلية عمل أدوات منع الإعلانات هو أنها لا تسمح بإظهار عناصر غير مرغوبة في صفحة الويب التي تتصفحها، وبشكل أكثر تفصيلاً، فإن أداة مانع الإعلانات (Ad Blocker) هي أي تطبيق (عادةً ما يكون إضافة للمتصفح) يزيل المواد الإعلانية من مواقع الويب. على سبيل المثال، أثناء تحميل صفحة الموقع تتحقق أداة منع الإعلانات من أسماء النطاقات الخاصة بالعناصر التي يتم تحميلها على صفحة الويب مقابل قوائم موجودة في خوادمها، إذا تم وضع علامة على أي مكون من مكونات الموقع كمواد إعلانية، فإن الأداة تمنعه من التحميل ولا يظهر لديك في الشاشة.
كيف تعمل أدوات منع الإعلانات تقنياً؟
تعمل أدوات منع الإعلانات بين برنامج يعرض محتوى الويب (متصفح الإنترنت)، والخوادم التي تحتوي على إعلانات (لافتات وإعلانات ومقاطع فيديو ونوافذ منبثقة وما إلى ذلك)، أو العناصر الأخرى التي تم تصميمها لحظرها (أدوات التتبع التحليلية)، وبمعنى آخر تعمل أدوات منع الإعلانات من خلال مبدأ إخفاء العناصر الإعلانية التي تم تحميلها بالفعل على الصفحة عن أعين المستخدم، مع الإشارة إلى أن غالبية أدوات منع الإعلانات في الوقت الحاضر لا تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي أو الشبكات العصبونية العميقة في عملها، ولكن من خلال العمل اليدوي.
وهذا يعود إلى أن التعرف التلقائي على العناصر الإعلانية عبر الإنترنت يعد أمراً صعباً للغاية، حتى للأشخاص الذين ليس لديهم رأي مشترك حول ما هو الإعلان وما هو غير ذلك. على سبيل المثال، قد تذهب إلى متجر إلكتروني لبيع المواد الاستهلاكية وترى هناك لافتة تقول: تخفيضات ضخمة! اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً" في هذه الحالة من المنطقي أن يقوم المتجر بالإعلان عن منتجاته، فهل يعتبر مثل هذا المحتوى ترويجياً؟
لهذا السبب عادةً ما يتم تحديد معايير فصل الإعلانات عن أشكال المحتوى الأخرى المرغوبة بشكل أكبر من خلال القرار المعتمد لمطور الأداة، بالاستناد على معايير تعريف الإعلان ومبادئ المنع التي توفرها مبادرة إيزي ليست (EasyList) التي تستخدمها غالبية أدوات منع الإعلانات الشائعة، مثل أد بلوك بلس (Adblock Plus)، ويو بلوك أوريجين (uBlock Origin) وأد جارد (AdGuard).
اقرأ أيضاً: هل يتوجب على فيسبوك وَسم الإعلانات السياسية الكاذبة؟
لماذا يستخدم متصفحو الإنترنت أدوات منع الإعلانات؟
معظم متصفحي الإنترنت يستخدمون أدوات منع الإعلانات بشكل أساسي لتجنب الإعلانات المتطفلة، أو المتقطعة أو المتكررة للحصول على سرعات أعلى لتحميل الصفحة، حيث يمكن أن تؤثر عملية تحميل الإعلانات على أوقات تحميل الصفحة، بالإضافة إلى مخاوف خصوصية البيانات التي تدفع بعض المتصفحين أيضاً إلى استخدام أدوات منع الإعلانات لمنع تتبعهم عبر الإنترنت.
حيث أظهر استطلاع لشركة بلوك ثرو (Blockthrough) التي تعمل على مساعدة الناشرين على تحقيق الدخل من مستخدمي أدوات منع الإعلانات بطريقة مستدامة، أن 58% من متصفحي الإنترنت في الولايات المتحدة يستخدمون أدوات منع الإعلانات لحماية خصوصيتهم عبر الإنترنت.
هل استخدام أدوات منع الإعلانات قانوني؟
استخدام أدوات منع الإعلانات مسموح للجميع ولا تترتب عليه أي عواقب قانونية، وفي حين أن مواقع الويب ستنظم على وجه التحديد ما تعرضه أو تعلن عنه للمستهلكين، فإن الأمر متروك لسلوك المستخدم لتحديد الكيفية التي يريد بها استهلاك هذا المحتوى، الفرق الوحيد هو أنه يحسّن تجربة التصفح بشكل كبير عن طريق إزالة الإعلانات المتطفلة وإعلانات الفيديو وأطنان من المحتوى الذي لا يثير اهتمامه على الإطلاق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم أدوات منع الإعلانات آمنة بشكل عام، ومع ذلك يجب دائماً اختيار أداة موثوقة ومعروفة لحظر الإعلانات في المتصفح، مع ملاحظة أن أدوات منع الإعلانات لا تحل محل برامج مكافحة البرامج الضارة ولن تحمي تماماً من البرامج الضارة والفيروسات، كل ما تفعله هو منع الإعلانات من الظهور في الشاشة عند تصفح مواقع الويب المختلفة.
هل تؤثر أدوات منع الإعلانات على أرباح الشركات ومواقع الويب؟
يتجنب معظم المستهلكين الآن بشكل استباقي ظهور الإعلانات عند تصفحهم الإنترنت، سواء باستخدام أدوات منع الإعلانات، أو الدفع مقابل الحصول على محتوى خالٍ من الإعلانات، أو الضغط على زر تخطي الإعلانات، ولكن حتى مع وجود حوافز لعرض الإعلانات أو مشاركة البيانات، مثل المحتوى المجاني أو المكافآت، لا يزال الكثيرون غير مرتاحين لكيفية استخدام الشركات بياناتهم لاستهدافهم بالإعلانات.
نتيجة لذلك أصبح المستهلكون وبخاصة الأصغر سناً أكثر ميلاً للدفع لمشاهدة محتوى خدمات بث الفيديو عند الطلب بدون إعلانات، ولكن من المرجح في معظم الحالات أن يقبل المستهلكون الإعلانات عندما لا يضطرون إلى الدفع للاشتراك أو يمكنهم دفع مبلغ أقل مقابل الاشتراك. علاوة على ذلك، فإن المستهلكين أيضاً أكثر تقبلاً لتجارب الإعلانات الأخف حجماً، والأقل إزعاجاً، والإعلانات المحفزة التي تمنحهم مزيداً من التحكم، مثل إعلانات مشاهدة فيديو للحصول على مكافأة.
ومع ذلك، وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة كارنيجي ميلون وجامعة مدينة هونغ كونغ أنه على عكس الافتراضات الشائعة، قد توفر أدوات منع الإعلانات بعض الفوائد للشركات والمستخدمين والسوق بشكل عام، حيث ابتكر الباحثون نموذجاً تحليلياً لتقييم تأثيرات أدوات منع الإعلانات من خلال وضع نماذج المنافسة، ومعدل الإعلانات، وحساسية المستخدمين للإعلان، مع تحديد فئتين من المستخدمين:
- فئة أكثر حساسية للإعلانات وتستخدم أدوات منع الإعلانات.
- فئة لا تستخدم أدوات منع الإعلانات ولا تستخدم نموذج الاشتراك في الوقت نفسه.
اقرأ أيضاً: حتى الفضاء لا يُعتبر آمناً من الإعلانات
وقد خلص الباحثون إلى أن أدوات منع الإعلانات قد تكون مفيدة بإحدى الطرق الأربع التالية:
- جعل سوق الإعلانات أكثر كفاءة من خلال تصفية المستخدمين الذين لديهم حساسية تجاه الإعلانات، ما يسمح لمواقع الويب بالتركيز على تصميم إعلانات أكثر استهدافاً لبقية المستخدمين.
- تقديم تجربة مستخدم مريحة من خلال السماح بإزالة الإعلانات التي تزعج المستخدمين.
- المساعدة في تنظيم صناعة الإعلانات من خلال تحفيز النظام الأساسي للإعلان على دفع رسوم لمطوري أدوات منع الإعلانات لإدراجها في قائمة الإعلانات المسموح بها لتجاوز أداة المنع.
- يمكن أن يعزز جودة محتوى مواقع الويب، ما يفيد المستخدمين أيضاً في الحصول على محتوى موثوق وذي مصداقية عالية.
أبرز التكتيكات التي تستخدمها الشركات لتقليل تأثير أدوات منع الإعلانات عليها
في حين تشعر معظم الشركات بالقلق من قدرة أدوات منع الإعلانات على تقليل معدل ظهور الإعلانات للمستهدفين، فإن بعض الناشرين ومواقع الويب ليسوا قلقين ظاهرياً بشأن تأثير أدوات منع الإعلانات ويقومون بعملهم كالمعتاد، بينما البعض الآخر غير متأكدين من المستقبل، ويقومون بمضاعفة استخدام الطرق التي تحقق إيرادات قصيرة المدى عن طريق إضافة طرق جديدة للإعلانات، مثل مقاطع الفيديو التي يتم تشغيلها تلقائياً، وإعلانات الترحيب والنوافذ المنبثقة وغيرها.
بينما يحاول عدد قليل من الرافضين اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد أدوات منع الإعلانات، وفي سبيل ذلك، يعمل الكُل على استخدام عدة طرق للتعامل مع انتشار أدوات منع الإعلانات، منها:
التكيّف مع أدوات منع الإعلانات
في حين أن هذا هو النهج الأكثر شيوعاً حالياً، فإنه ليس استراتيجية مستدامة، حيث إنه على المدى الطويل يتعين على الناشرين الذين يتبعون هذا النهج تغيير المسار، أو المخاطرة بالخروج من السوق.
الاتفاق مع مطوري أدوات منع الإعلانات
وهو نهج يستخدمه اللاعبون الكبار مثل مايكروسوفت وجوجل وأمازون، من خلال الدفع لمطوري أدوات منع الإعلانات لإدراج إعلاناتهم في القائمة البيضاء افتراضياً، ولكن هذا النهج يخلق معضلة أخلاقية، حيث إنه ينتهك مبدأ حيادية الشبكة (NNP)، والذي ينص على أن مزودي الإنترنت يجب أن يعاملوا جميع أنواع حركة المرور على قدم المساواة.
الضغط ومتابعة الإجراءات القانونية
بحسب الخبراء، قد يؤدي هذا الاتجاه لحشد مجموعة أكبر من الناشرين والمعلنين والعلامات التجارية لتشكيل مجموعة ضغط للقضاء على تكنولوجيا أدوات منع الإعلانات أو تغيير كيفية عملها، ومع ذلك يحذر البعض من أن لهذا النهج تكاليف مالية باهظة للغاية، مع احتمالات غير مضمونة، أضف إلى ذلك، أن اتباع هذه الطريقة قد لا يسهم في توليد الثقة أو الاحترام من القراء.
اقرأ أيضاً: حظر شركة جوجل لإعلانات العلاجات الكاذبة بعد الاستفادة منها لعدة سنوات
تطوير برامج المكافآت أو الولاء
وهي طريقة لجذب القرّاء للبقاء في الموقع لأطول فترة ممكنة، حيث أصبح بعض الناشرين يكافئون الزائرين لمشاهدة الإعلانات من خلال تقديم حوافز مثل، النقاط القابلة للاسترداد عند تجار التجزئة المختارين أو أرصدة الألعاب. ومع ذلك، فإن هذا النهج غير مضمون لأن المستخدمين عادةً ما يزورون فقط لكسب المكافآت بدلاً من المحتوى أو الإعلانات.
بناء جدار حماية
وهو نظام يمنع مستخدمي الإنترنت من الوصول إلى محتوى صفحة الويب بدون اشتراك مدفوع، وهي استراتيجية تجد الكثير من الاستحسان، حيث إنه بدلاً من معاقبة الزوار الذين يستخدمون أدوات منع الإعلانات، يمكن للناشرين مكافأة الزوار من خلال منحهم مزايا إضافية أو الوصول عند تعطيل برامج منع الإعلانات.
تحسين تجربة المستخدم
من خلال بناء خيارات إعلانية سلسة وذات قيمة وتحسين تكنولوجيا الموقع، والتركيز على سرعة الموقع وأشكال الإعلانات المصغرة ولكن القابلة للتوسيع والإعلان بحسب المنطقة الجغرافية، حيث سيؤدي المحتوى المقنع إلى جذب القرّاء للبقاء في الموقع لأطول فترة ممكنة.
اقرأ أيضاً: النماذج الافتراضية الأولية تساعد في تقييم المنتجات الجديدة وتحسينها
تثقيف القرّاء
وهو نهج مباشر وشفاف وتعاوني يركز على توعية مستخدمي أدوات منع الإعلانات بتأثيرها على الناشرين والطلب منهم بشكل صريح إدراج موقع الويب في القائمة البيضاء لتمكين ظهور الإعلانات. ومع ذلك، فإن فعالية هذا النهج مشكوك فيها استناداً إلى البيانات التاريخية التي تقول إن القرّاء يفضّلون الأخبار والمعلومات الخالية من الإعلانات وبدون تكلفة.