تُعد الأرشفة الإلكترونية (Electronic Archive) مهمة للغاية لأنها تساعد على ضمان توفر المعلومات والبيانات الرقمية في المستقبل، فمن خلال الحفاظ على المعلومات الرقمية، يمكننا ضمان أن الأجيال القادمة ستكون قادرة على الوصول إليها واستخدامها. ونتيجة لذلك، أعلنت شركة آي بي إم خلال الأسبوع الماضي عن طريقة جديدة قديمة لحفظ السجلات وأرشفتها، أطلقت عليها مكتبة الشريط الماسي (Diamondback Tape Library).
وهي عبارة عن أشرطة مغناطيسية تشبه نوعاً ما أشرطة في إتش إس (VHS) القديمة، وتعتبر هذه الطريقة قديمة وغريبة بعض الشيء على التطور التكنولوجي الحالي، إلا أن الشركة تؤكد أن الشريط المغناطيسي هو الوسيط المثالي لتخزين البيانات الأرشيفية التي لا تحتاج إلى الوصول إليها بشكل متكرر.
ويمكن أن يعمل الشريط أيضاً كنسخة احتياطية غير متصلة بالإنترنت للملفات المهمة أو الحساسة لتكون في مأمن ضد الهجمات السيبرانية المتطورة باستمرار، حيث يمكن استخدامها لحفظ الأنواع الحساسة من البيانات غير المطلوبة بشكل دائم، مثل السجلات المالية، والسجلات الطبية ومعلومات التعريف الشخصية والمستندات القانونية.
اقرأ أيضاً: مأزق المعلومات: كتلة البيانات الرقمية قد تعادل نصف كتلة الأرض
ويبلغ طول الشريط الواحد نحو 7.62 سنتيمتر× 7.62 سنتيمتر، وسمكه 7.62/10.16 سنتيمتر، ويبدو أصغر من محرك الأقراص الثابتة (HDD)، ويمكن للخرطوشة الواحدة تخزين نحو 18 تيرابايت من البيانات غير المضغوطة و45 تيرابايت من البيانات المضغوطة. علاوة على ذلك، يمكن أن تتراوح مكتبة الأشرطة في الحجم من شيء يمكنك وضعه على مكتبك إلى شيء بحجم ثلاجة صغيرة (نحو 2 متر مربع)، وتستوعب المكتبة الصغيرة التي لها حجم الثلاجة 1584 خرطوشة ستكون قادرة على استيعاب نحو 69 بيتابايت من البيانات.
كيف يتطابق الشريط المغناطيسي مع تقنيات التخزين الأخرى؟
يشبه الشريط المغناطيسي الذي كشفت عنه شركة آي بي إم في جوهره إلى حد كبير الأقراص الصلبة، حيث تستخدم مواد ذات قاعدة مغناطيسية، لكن في هذه الحالة، الشريط هو حرفياً طبقة سفلية من مادة (عادة من النايلون) عليها طلاء مغناطيسي، وبدلاً من القرص الدوار، يأتي الشريط بشكل ملولب مثل شريط VHS لكنه أكثر قوة.
وفي هذا الصدد، يقول استراتيجي التخزين في شركة آي بي إم، شون بروم: "من المعروف أن الشريط المغناطيسي يمكنه الصمود في أكثر البيئات قسوة لمدة طويلة من الزمن، ولا يزال من الممكن استرداد البيانات منه، على سبيل المثال، تمكن العلماء في عام 2010 من استرداد جميع البيانات المستخدمة في مشروع القمر الصناعي نيمبوس (Nimbus) من الأشرطة المغناطيسية التي كانت في ذلك الوقت تبلغ من العمر 46 عاماً".
كما أنها أيضاً أكثر تحفظاً عند استخدام الطاقة، حيث لا يستخدم الشريط المغناطيسي أي طاقة عند تخزينه البيانات، وحتى عندما يقوم بسحب البيانات فإنه يفعل ذلك بأقل قدر من الطاقة. علاوة على ذلك، فإن ميزة الشريط هو أنه لا يتطلب قدرات وموارد كبيرة لتخزين البيانات، حيث يمكن ببساطة وضعه على الرف، بعكس محرك الأقراص الثابتة (HDD) الذي يمكن أن يتلف أو يتأثر بالظروف الجوية المحيطة مثل الرطوبة، إذا تُرك لفترة طويلة من عدم الاستخدام.
اقرأ أيضاً: 5 طرق فعالة لحماية هويتك الرقمية على الإنترنت
بالإضافة إلى ذلك، لا تتدهور سلامة البيانات المخزنة على الشريط المغناطيسي كثيراً، حتى على مدى فترات طويلة من الزمن. على سبيل المثال، إذا كان لديك جهاز حاسوب مخزن لفترة طويلة من الزمن، فستلاحظ أنه عندما يتم تشغيله يكون بطيئاً للغاية، بعكس الشريط المغناطيسي المصمم بحيث يمكن استخراج البيانات منه مباشرة وبسرعة معقولة نسبياً.
ما أبرز التحديات التي تواجهها الأرشفة الإلكترونية؟
للشريط المغناطيسي وغيره من طرق تخزين البيانات الأخرى، مثل محرك الأقراص الصلبة والحمض النووي، مكانه الخاص في النظام البيئي التكنولوجي لتخزين البيانات، إلا أن هناك تحديات فريدة فيما يخص الأرشفة الإلكترونية تزعج محترفي ومؤسسات الحفظ الرقمي في جميع أنحاء العالم، منها:
القدرة على قراءة الملفات من الوسائط التي تم تخزينها عليها
في الوقت الحالي توجد العشرات من أنظمة تخزين البيانات، مثل الأقراص المرنة ومحركات الأقراص الثابتة، والأقراص المضغوطة، وأقراص الدي في دي، ومحركات الفلاش يو إس بي (USB)، التي تتطلب أجهزة وبرمجيات لم يتم تصنيعها أو دعمها بواسطة هياكل وبرامج الحاسوب الحديثة التي لم يعد من الممكن العثور عليها عبر الإنترنت، حتى لو كان المصنع الأصلي لا يزال موجوداً.
زيادة تعقيد سياق البيانات الأرشيفية
لا تتواجد البيانات الرقمية التي يجب تسجيلها وصيانتها من دون سياق، حيث يتضمن السياق مصدر الملفات وترتيبها الأصلي وعلاقاتها الفكرية، وبيانات تعريف الحفظ، والبيانات الوصفية، حيث تعتبر العناصر الفكرية الفردية كائنات معقدة بشكل متزايد، وتتألف من ملفات مركبة متعددة الأجزاء أو ملفات في حاويات تتطلب الاحتفاظ بجميع مكوناتها في الهيكل الصحيح والموثق.
على سبيل المثال، تتطلب ملفات البيانات الجغرافية المكانية (GIS) وملفات التصميم الرقمية وقواعد البيانات والبرامج ومواقع الويب، جمع أجزائها لتقديم محتواها المجمع بدقة، حيث في بعض الحالات، لا يمكن تحويل تنسيقات الملفات أو تغيير الهيكل لأنه سيتم تغيير سلامة المحتوى ووظائفه، وحتى مجرد ترحيل التنسيقات قد يفقد الوظائف الحيوية التي يمكن من خلالها التفاعل مع المحتوى.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لأمانات البيانات أن تحمي خصوصيتنا؟
التطور التكنولوجي بلا توقف
مع عدم التجانس، تأتي مجموعة متنوعة من الأدوات وسير العمل المتغيرة باستمرار لعرض البيانات الرقمية ومعالجتها ووصفها وحفظها وتوفير الوصول إليها، حيث يقوم مطورو البرامج بتحديث وتحسين تطبيقاتهم بشكل دوري، ومع هذه التحديثات تتباطأ الأجهزة مع تقدم العمر ويصنع المصنّعون آلات أسرع، وتتطور أنظمة التشغيل أيضاً وتتكيف مع التغيرات في بيئات الحوسبة، لذا يتطلب العمل مع السجلات الرقمية المخزنة من أي حجم ومقياس أن تتوفر للآلات المزيد من سعة التخزين والذاكرة، ومعالجات أسرع، واتصالات شبكة ذات نطاق ترددي أعلى.
المخاوف الأمنية
في حين أن احتمالية فقدان الملفات الرقمية أو إتلافها بطبيعتها أقل من احتمال فقدان النسخة الورقية الموجودة في خزانة الملفات، فإن تأمين المعلومات الأرشيفية الإلكترونية يعد عملية معقدة للغاية، فمثلما يمكن أن يكون هناك وصول غير مصرح به للمستند الورقي، يمكن مشاركة الأرشيف الإلكتروني دون قصد مع الأشخاص الخطأ.
اقرأ أيضاً: حقوق البيانات الجماعية قد تمنع الشركات التكنولوجية الكبيرة من تدمير الخصوصية
ختاماً، من المتوقع أن تتفوق تكنولوجيا الشريط المغناطيسي مستقبلاً على طرق التخزين والأرشفة الإلكترونية الأخرى من حيث طول العمر والتكلفة المالية وتكلفة البصمة الكربونية. ومع ذلك فإن التحدي الأبرز هو فقدانه إمكانية سرعة الوصول، لذا فقد يكون استخدامه في البيئات التي تتطلب الوصول إلى البيانات في الوقت الفعلي غير مناسب، بدلاً من ذلك يمكن اعتبار هذه التكنولوجيا مثالية لأي بيانات لا يتم الوصول إليها بشكل متكرر وتحتاج إلى الاحتفاظ بها لفترة طويلة جداً مثل السجلات الطبية أو بيانات الأرشفة.