في الوقت الحاضر، تتوفر كميات هائلة من البيانات الضخمة التي يجب تحليلها، حيث هناك وفرة هائلة من البيانات القادمة من الأجهزة المتصلة بالإنترنت والتي يفوق عددها عدد سكان الكوكب نفسه، حيث إن دراسة الحلول وتقديمها من أجل معالجة واستخراج القيمة والمعرفة من مجموعات البيانات هذه تعتبر مهمة، حيث تساعد أدوات ومنهجيات تحليل البيانات الضخمة صانعي القرار على اكتساب رؤى قيمة من هذه البيانات سريعة التغير والتنوع والقيمة لدعم قراراتهم لدفع أعمال الشركات والمؤسسات للأمام وتحقيق أهدافها.
أهمية البيانات الضخمة في دعم عملية اتخاذ القرار
عندما تعتمد الشركات على الحدس أو الخبرات السابقة لتوجيه المبادرات المستقبلية، يمكنها أن تجد نفسها تتخذ قرارات غير مجدية، وقد لا تكون متسقة مع اتجاهات السوق الحالية، ما يؤدي إلى احتمالية الفشل والتأثير على أداء الشركة في الوقت الحالي أو المستقبلي، بعكس الشركات التي تتبنى منهجية تحليلات البيانات الضخمة، التي تساهم في اتخاذ قرارات مدروسة تساعدها في اكتساب ميزة تنافسية وتحسين الأداء العام وتعزيز أرباحها النهائية.
يشير مفهوم تحليلات البيانات الضخمة (Big Data Analytics)، إلى مجموعات كبيرة من المعلومات الرقمية التي تستخدمها الشركات لتحليل وكشف الأنماط والاتجاهات والارتباطات من حيث صلتها بالتفاعلات والسلوكيات البشرية، استناداً إلى الحقائق بدلاً من الحدس أو الخبرة الشخصية السابقة. ويمكن استخدام هذه المعلومات القائمة على الأدلة لأتمتة العمليات، واكتساب نظرة ثاقبة عن الجمهور المستهدف، وتحسين الأداء باستخدام بيانات واقعية حقيقية.
اقرأ أيضاً: ما هي البيانات الضخمة وما مجالات تطبيقها وآفاقها المستقبلية؟
حيث يمكن أن يساعد اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات الشركات على أن تكون:
- أكثر رشاقة ومرونة في التحول مع اتجاهات السوق.
- تحديد فرص العمل الجديدة بسرعة أكبر.
- الاستجابة لتغيرات السوق قبل المنافسين.
- العثور على الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات منطقية.
- الاستجابة لاحتياجات العملاء.
- تقليل التحيز البشري في اتخاذ القرار أو القضاء عليه.
- إنشاء استراتيجيات مستقبلية واقعية وفقاً لأهداف الشركة.
وقد أظهر استطلاع لشركة أبحاث السوق بي أيه آر سي (BARC)، أن الشركات التي تستخدم تحليلات البيانات الضخمة لاتخاذ القرارات حققت زيادة تصل إلى 8% في الأرباح، وانخفاضاً بنسبة 10% في التكاليف الإجمالية، حيث ساعدتها تحليلات البيانات الضخمة على اتخاذ القرارات المالية المتعلقة بالنمو والتسويق والمبيعات وخدمة العملاء التي تدفع أعمالها إلى الأمام.
اقرأ أيضاً: ما وظائف البيانات الضخمة الأكثر طلباً في سوق العمل؟
أنواع تحليلات البيانات الضخمة
من الضروري التمييز بين الأنواع المختلفة لتحليلات البيانات الضخمة المتاحة، ويمكن لجميع تحليلات البيانات تحسين عملية اتخاذ القرار، لكن كلاً منها يفعل ذلك بطريقة مختلفة، وهناك أربعة أنواع شائعة من تحليلات البيانات الضخمة، هي:
1. تحليلات البيانات الوصفية
تسعى التحليلات الوصفية (Descriptive Analytics) في الغالب إلى وصف المقاييس والأحداث، ويمكن القول إنها أكثر أنواع تحليلات البيانات شيوعاً، لأنها تقدم نظرة عامة واسعة على الأداء في الوقت الفعلي، وغالباً ما تستخدم البيانات التاريخية لاستخلاص بيانات ذات مغزى وقابلة للتنفيذ.
2. تحليلات البيانات التشخيصية
تسعى التحليلات التشخيصية (Diagnostic Analytics) إلى تشخيص المشكلات المتصورة، من خلال استخدام الأدوات البحثية لمساعدة الشركات على تقييم المشكلة الدقيقة المطروحة، وتحديد سببها الجذري، والإجابة عن سؤال: لماذا حدث ذلك؟
3- تحليلات البيانات التنبؤية
تقوم التحليلات التنبؤية (Predictive Analytics) بعمل تنبؤات حول النتائج المستقبلية، من خلال جمع البيانات التاريخية واتجاهات العملاء مع العوامل الخارجية الناشئة لتحديد الاحتمالات. وعلى الرغم من أن هذه القدرة التنبؤية الدقيقة لن تكون خالية من الأخطاء، فإنها تسمح للشركات باتخاذ قرارات مستنيرة استباقية.
4- تحليلات البيانات الإلزامية
التحليلات الإلزامية (Prescriptive Analytics) هي عملية استخدام البيانات لتحديد مسار العمل الأمثل، من خلال استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحليل كميات كبيرة من البيانات بشكل أسرع وبشكل أكثر كفاءة مما يستطيع البشر القيام به لإنتاج توصيات للخطوات التالية. لهذا السبب، تعد التحليلات الإلزامية أداة قيمة لاتخاذ القرارات التي تعتمد على البيانات.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للمؤسسات التعليمية الاستفادة من البيانات الضخمة؟
استخدام تحليلات البيانات الضخمة: شركة أمازون نموذجاً
من المحتمل عند التسوق عبر موقع أمازون أن ترى الكثير من توصيات المنتجات التي تتوافق مع ما بحثت عنه سابقاً، أو فكرت في شرائه بالفعل، هذه التوصيات التي تظهر أمامك ليست عشوائية ولا ضربة حظ، بل هي نتاج استخدام بائع التجزئة العملاق لتحليلات البيانات الضخمة لمعرفة نوع المنتجات التي ترغب في شرائها بالضبط في المستقبل.
حيث لدى الشركة ما يصل إلى 1 إكسابايت (1 Exabyte) من بيانات عملائها، تشمل الأسماء والعناوين، وسجل البحث، وقوائم المشتريات والرغبات، حيث تشكل الشركة من خلال هذه البيانات نظرة ثاقبة حول العوامل التي تدخل في تحديد المنتجات الموصى بها التي تظهر لك، عبر قيام أمازون بتحليل مجموعة متنوعة من نقاط البيانات لمعرفة ما يريده عملاؤها بالفعل، وهذه العوامل تشمل:
- عندما يقوم العملاء بالشراء.
- كيفية تقييم العملاء مشترياتهم.
- ما يشتريه العملاء الذين لديهم عادات شراء مماثلة.
وتستخدم هذه العوامل لإنتاج خوارزميات إعلانية مستهدفة وتحسين خدمة العملاء، وبالتحديد العامل الأخير، الذي يعتبر الأكثر أهمية فيما يتعلق بتحليلات البيانات الضخمة، فعن طريقه تستطيع الشركة تحديد نوع المنتجات التي ترغب في شرائها بشكل صحيح بناءً على العملاء الذين لديهم عادات شرائية مماثلة لعاداتك.
وبالمثل، تستخدم باقي العوامل ونقاط البيانات المختلفة لعمل تنبؤات حول ما يريده العملاء، فعندما ترى زيادة في المبيعات في منتج ما، ستبدأ في تكثيف التوصيات حول هذا المنتج والمنتجات المشابهة له. على سبيل المثال، عندما تلاحظ أمازون حركة شراء كثيفة حول هاتف ذكي من شركة معينة (سامسونج مثلاً)، تبدأ بشكل فوري في إظهار منتجات مشابهة لنفس الشركة، مثل سماعات الأذن اللاسلكية أو أغلفة الهواتف الذكية أو الشواحن على أمل أن يشتريها العملاء معاً.
اقرأ أيضاً: كيف تتم الاستفادة من البيانات الضخمة في السعودية؟
كيف تساعد تحليلات البيانات الضخمة في تحسين عملية اتخاذ القرار؟
مع 2.5 كوينتيليون بايت (2.5 Quintillion bytes) من البيانات التي يتم إنشاؤها كل يوم، تتمتع الشركات التي تعرف كيفية جمع بياناتها وتحليلها وتحويلها بشكل صحيح إلى معلومات ذات قيمة مضافة بالقدرة على تحسين عملية اتخاذ القرار، حيث إن هناك العديد من الفوائد التي يمكن الاستفادة منها من استخدام تحليلات البيانات الضخمة في عملية اتخاذ القرار، منها:
تقييم ملاءمة المنتج للسوق
تعتبر عملية فهم اتجاه السوق الحالي، وتحليل المنافسين ومعرفة المرحلة الحالية للمنتج في دورة حياته مهمة لصنع القرار للمساعدة في نجاح الشركة أو المنتج، حيث يساعد تحليل البيانات الضخمة على تحسين عملية اتخاذ القرار من خلال التنبؤ باتجاهات سلوك العملاء والأسواق والأسعار وما إلى ذلك، بالإضافة إلى التكيّف بشكل أفضل مع البيئات التنافسية المتغيرة أو القادمة.
قياس أداء الحملات التسويقية بشكل واقعي
تساعد تحليلات الأعمال والبيانات في الوقت الفعلي المسوقين وقادة الأعمال على اتخاذ القرارات بناءً على أداء الحملة التسويقية في الوقت الفعلي، حيث عن طريق التحليل يمكنهم معرفة الحملات التي تؤدي إلى زيادة الوعي بالعلامة التجارية، ما يساعد في تقليل الإنفاق من خلال التركيز على القنوات والأساليب الصحيحة التي تقود الأداء الأمثل، وتحسين إجمالي عائد الإيرادات.
التعرف على المشكلات
يمكن أن تساعد البيانات الضخمة وتحليلات الأعمال في تحسين عملية صنع القرار من خلال تحديد الأنماط، وتحديد المشكلات وتوفير البيانات لعمل نسخة احتياطية من الحل، ثم تتبع ما إذا كان هذا الحل هو الحل المثالي للمشكلة، أو يساعد في تحسين الموقف أو له تأثير ضئيل.
البحث عن فرص جديدة
بغض النظر عن مدى معرفة الشركة بالسوق، فإن هناك دائماً المزيد لاكتشافه، حيث يمكن أن تساعد تحليلات البيانات الضخمة في فهم الموقف بشكل أفضل ووضع خطط ناجحة للمضي قدماً. فمن خلال استخدام تحليلات البيانات الضخمة يمكن الإجابة عن أسئلة، مثل: هل هناك تأكيد حقيقي أن الحملات التسويقية فعّالة قدر الإمكان؟ هل هناك سوق غير مستغل يمكن ملؤه؟ ومن ثم باستخدام تحليلات البيانات الضخمة يمكن للشركة سد الثغرات في استراتيجيتها، أو إيجاد فرص جديدة يمكن استغلالها لتحقيق المزيد من الأرباح.
جمع ملاحظات العملاء
يمكن أن تساعد أدوات البيانات الضخمة وتحليلها في جمع ملاحظات العملاء وتوضيحها وتحديد ما يجب فعله حيال ذلك. على سبيل المثال، إذا قيَّم العملاء منتج ما أو خدمة بدرجة عالية معربين عموماً عن رضاهم، لكنهم لم يعودوا لشراء المنتج أو الخدمة، فإن الملاحظات والآراء التي تركوها يمكن أن تساعد في معرفة سبب عدم العودة، وما إذا كان هذا الأمر يقتصر على منطقة جغرافية، أو قطاع محدد، أو مجموعة سكانية واحدة، حيث باستخدام هذه المعلومات يمكنك للشركة إعادة حملاتها التسويقية إذا لزم الأمر.
ختاماً، بالنظر إلى المستقبل، فإن الشركات التي يمكنها التكيّف بسرعة مع التغيّرات المفاجئة في السوق ودمج تحليلات البيانات الضخمة في عمليات صنع القرار هي الشركات المتوقع لها أن تنجو وتزدهر. وعلى الرغم من أن خلق ثقافة اتخاذ القرار المدعوم بالبيانات في الشركة قد يستغرق وقتاً، لكن من خلال الاستثمار في أدوات تحليل البيانات الضخمة المناسبة، ستتمكن من قياس النتائج بسرعة، وتصبح أكثر قدرة على المنافسة، وتقديم قرارات عالية الجودة تستند إلى الواقع.