ضمن إحدى مباريات بطولة الشامبيون شيب في عام 2005، وبعد مشاهدة فريقه يخسر بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدفين أمام فريق لوتون تاون، استدار المدرب هاري ريدناب، مدرب ساوثهامبتون إلى أحد محللي بيانات النادي وقال: "سأخبرك، في الأسبوع المقبل، لماذا لا نجعل جهاز الحاسوب الخاص بك يلعب ضد جهاز الحاسوب الخاص بهم لمعرفة من سيفوز؟"، ويأتي هذا التعليق الساخر المتهكم من المدرب بعد أن كان المحلل قد قدم إحاطة قبل المباراة إلى المدرب ولاعبيه مستخدماً إحصائيات من برنامج تتبع اللاعبين الأشهر في عالم كرة القدم بروزون (Prozone) أوضح فيه كيف يجب أن يتعامل الفريق مع المباراة.
وقد كان هذا البرنامج الناشئ وقتها غريباً في ملاعب كرة القدم الإنجليزية، ولم يكن جزءاً من ثقافة اللعبة ومعظم المدربين لم يعتادوا عليه، حيث كانت إدانة المدرب الإنجليزي لبرنامج التحليلات من أعراض صناعة تناضل في كثير من الأحيان لتحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والتقاليد التقليدية الراسخة التي تميز كرة القدم، حيث لم يُعرف في ذلك الوقت الاستخدام الواسع لعلم البيانات في هذا المجال، مع وجود مدربين يعملون فقط بناءً على حدسهم وخبراتهم في اتخاذ القرارات.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يدخل ملاعب كرة القدم ويرسم مستقبل هذه الرياضة
خلفية موجزة عن استخدام علم البيانات في كرة القدم
أدت تكنولوجيا علم البيانات دوراً في كرة القدم لعقود من الزمن، ولكن في السنوات الأخيرة توسّع استخدامها بسرعة، حيث يعمل محللو بيانات كرة القدم على إيجاد طريقة لتشجيع الابتكار في عالم لا يزال مبنياً على التقاليد الراسخة التي تعتمد على القراءة اللحظية للمباراة، والتي يتم بناءً عليها اتخاذ القرارات من قبل مدربي كرة القدم. حيث يعد الانتشار الواسع لعلم البيانات في كرة القدم في الوقت الحالي ظاهرة مألوفة للجميع بفضل التطورات التكنولوجية، ويعد المحاسب الإنجليزي تشارلز ريب (Charles Reep) أحد أبرز الروّاد الذين استخدموا علم البيانات في تحليل مباريات كرة القدم، حيث قام بجمع وتحليل أكثر من 2200 مباراة كرة قدم خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وقد قادت دراساته المبتكرة إلى وضع الأساس لاستخدام علم البيانات في كرة القدم كما نعرفها الآن.
اقرأ أيضاً: ما التهديدات السيبرانية التي تهدد كأس العالم لكرة القدم في قطر لعام 2022؟
بحلول التسعينيات من القرن الماضي، أصبح استخدام تكنولوجيا الفيديو لتحليل المباريات شائعاً بشكل متزايد، لكن القدرات التكنولوجية الضعيفة أعاقت المدربين الأكثر انفتاحاً على الاستفادة منها بشكل جيد. على سبيل المثال في كأس العالم 2002، ذكرت بعض التقارير أن مدرب الأرجنتين مارسيلو بيلسا أخذ معه أكثر من 2000 قرص فيديو رقمي من مباريات خصومه إلى البطولة، ولكن عدم وجود طريقة بسيطة لاستخلاص البيانات منها، أعاقت المدرب من الاستفادة منها بالشكل الملائم، والنتيجة خروج المنتخب الأرجنتيني من دور المجموعات.
جاء التسارع لاحقاً في العقد الأول من القرن الحالي، عندما تم تطوير تكنولوجيا تتبع اللاعب (Player Tracking Technology)، التي أصبحت متاحة الآن على نطاق واسع، حيث تستخدم التكنولوجيا الكاميرات الجانبية في الملعب وسترات تعقب نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لإخراج آلاف نقاط البيانات للمحللين لتتبعها ومعالجتها، ثم يتم جمع هذه المعلومات واستخدامها لاحقاً من قِبل فرق التحليلات الداخلية، وموفري الجهات الخارجية مثل شركة تحليلات البيانات الشهيرة أوبتا (Opta).
Erling Haaland's first 50 shots as a Manchester City player. He's done alright. #MCFC pic.twitter.com/00XjCGcgTD
— The Analyst (@OptaAnalyst) October 6, 2022
اقرأ أيضاً: روبوت رجل الخط جاهز لضبط حالات التسلل في كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022
المجالات الرئيسية لاستخدام علم البيانات في كرة القدم
في الوقت الحالي أثّر علم البيانات بشكل أساسي على طريقة لعب كرة القدم وإدارتها وعرضها، حيث تجمع مجموعة الأجهزة القابلة للارتداء، وتطبيقات تتبع الفيديو عالية الدقة كميات كبيرة من البيانات، التي يمكن استخدامها لتحسين النتائج الفردية والجماعية، وبشكل عام يتم تطبيق علم البيانات في الوقت الحالي على كرة القدم في ثلاثة مجالات رئيسية، هي:
-
تحليل الأداء
تُستخدم البيانات لدعم تحليل ما قبل المباراة وبعدها لسمات اللاعب الرئيسية، واتجاهات المجموعة، وخلق الفرص، وشكل الفريق خلال مراحل مختلفة من اللعب، حيث يمكن استخدام هذه البيانات بعد المباراة لتقييم أداء الفريق واللاعبين الفرديين، فيما يتعلق بمؤشرات الأداء الرئيسية المحددة مسبقاً كجزء من خطة اللعبة واستراتيجية كرة القدم.
-
استقطاب اللاعبين الموهوبين
يتم استخدام البيانات بشكل متزايد لقياس وتحليل أداء اللاعبين المرشحين للانضمام إلى الفريق، بناءً على عوامل عديدة، مثل مدى تطابق أسلوبهم مع أسلوب المدرب، وهوامش تطوره مستقبلاً، حيث يتم استخدام علم البيانات جنباً إلى جنب مع طرق الاستكشاف التقليدية، مثل مقاطع الفيديو وآراء الكشافين الميدانيين.
وقد كان هذا النهج مفتاح نجاح نادي برينتفورد الإنجليزي، الذي يستخدم علم البيانات المدعوم بتكنولوجيات النمذجة التنبؤية والإحصائية لتحديد اللاعبين وقياس فرص تطورهم مستقبلاً، ثم شرائهم وبيعهم لاحقاً، حيث حقق النادي من بيعه لاعبيه خلال الست سنوات الماضية أرباحاً تصل إلى 151 مليون جنيه إسترليني.
-
استخدام علم البيانات في تطوير الاستراتيجيات
من منظور استراتيجي، يمكن استخدام علم البيانات لتتبع وتحديد خصائص الأندية الناجحة، حيث يمكن أن تدعم البيانات أيضاً إدارة المسار الذي يجب أن يسير عليه النادي حالياً ومستقبلاً، حيث يعتبر نهج نادي برينتفورد القائم على استخدام البيانات في إحلال وإبدال اللاعبين استراتيجية منظمة لديها نتائجها، حيث لا يزال النادي يبيع أفضل لاعبيه بينما يظل قادراً على المنافسة.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تطوير الألعاب الرياضية والرياضيين؟
معجزة ليستر سيتي ودور علم البيانات
في أوائل شهر أبريل من موسم 2015-2016، كان نادي ليستر سيتي لكرة القدم يجلس مرتاحاً على قمة ترتيب الدوري الإنجليزي، وقد توقع بعض النقاد أن الفريق لا محالة سيتعثر في مرحلة ما عند اقترابه من خط النهاية، ولكن في حين أن المتنافسين سقطوا على جانب الطريق، واصل الفريق حصد النقاط بنجاح، وعندما قام النادي بضمان النقاط الكافية لإحراز اللقب بنهاية شهر مايو من العام 2016، تم وصف هذه اللحظة بأنها واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخ الدوري الإنجليزي.
ولكن بالنظر عن كثب في كيفية نجاح النادي على مدار الموسم، فإن إحرازه لقب الدوري الإنجليزي الممتاز لم يكن ضربة حظ، لأنه عندما يتعلق الأمر باستخدام علم البيانات في كرة القدم، فإن نادي ليستر سيتي يعد أحد أكثر النوادي ريادةً وتقدماً في استخدام التكنولوجيات والتحليلات القائمة على البيانات في الدوري الإنجليزي الممتاز.
يستخدم النادي عدداً من التكنولوجيات القائمة على علم البيانات منذ سنوات طويلة، حيث يذكر المدير التنفيذي لقطاع التسويق في شركة بروزون سبورتس (Prozone Sports) التي توفّر تكنولوجيا علم البيانات لـ19 نادياً من بين 20 نادياً من أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، كريس مان: "يستخدم نادي ليستر سيتي منتجاتنا منذ 10 مواسم سابقة، لدعم التقييم المعزز للياقة اللاعب والتكيّف من خلال مجموعة من المقاييس المادية، مثل المسافة المغطاة، والركض، حيث يمكن استخدام هذا النوع من البيانات لإنشاء برامج التدريب وتخصيصها وفقاً لاحتياجات كل لاعب على حدة بناءً على مجهوده داخل الملعب".
وتعتبر النقطة الأخيرة من تصريح مسؤول التسويق مهمة بشكل خاص في نجاح ليستر سيتي وفوزه باللقب، حيث إن واحدة من أبرز الأمور الملاحظة في موسم الفريق الناجح جداً، هو العدد الصغير نسبياً من الإصابات التي عانى منها لاعبو النادي، حيث حقق النادي نسبة إصابات أقل من جميع الأندية الأخرى، وهو ما سمح للمدرب بالاعتماد تقريباً على نفس التشكيلة على مدار مباريات الموسم كله.
اقرأ أيضاً: أحد نجوم كرة السلة الأميركيين يخطط لتحويل عقده إلى عملات رقمية وبيعها
الإحصائيات والبيانات وقود الألعاب الرياضية
يعد تحليل الألعاب الرياضية بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص في الوقت الفعلي، مجال استعراض القوة الرئيسي لمزودي خدمات الحوسبة السحابية، حيث دخلت العديد من شركات السحابة العملاقة ميادين كرة القدم من أوسع أبوابها، وأصبح لها حضور واسع أثناء لعب مباريات كرة القدم، من خلال النوافذ المنبثقة التي تظهر بين كل حين وآخر في شاشة التلفاز لعرض بعض الإحصائيات المثيرة، مثل نسبة الاستحواذ، وعدد المخالفات المرتكبة وعدد الضربات الركنية وغيرها.
حيث نجد الآن معظم مزودي خدمات الحوسبة السحابية لديهم وجود بارز عبر معظم دوريات كرة القدم الأوروبية الكبرى، والعديد من الرياضات الأخرى، مثل مايكروسوفت آزور (Microsoft Azure) وشراكتها مع الدوري الإسباني الدرجة الأولى، وأوراكل للخدمات السحابية (Oracle Cloud) وشراكتها مع الدوري الإنجليزي الممتاز، وخدمة أمازون السحابية (Amazon Web Service) وشراكتها مع الدوري الألماني الدرجة الأولى.
كما تتيح شركات الحوسبة السحابية لفرق كرة القدم طلب الموارد في الوقت الفعلي بما يتماشى مع احتياجاتها فقط. على سبيل المثال، يمكن لفريق ما استخدام السحابة لتتبع ملايين نقاط البيانات أثناء المباراة، والدفع فقط مقابل ما يستخدمه، بدلاً من الاضطرار إلى شراء البنية التحتية السحابية بكاملها.
بالإضافة إلى ذلك يمكن لمقدمي الخدمات السحابية أيضاً مساعدة الرياضات الصغيرة في بناء عدد أكبر من المتابعين، سواء من خلال تسهيل بث التغطية المباشرة أو عن طريق إنشاء إحصائيات يمكن أن تساعد المتفرجين على فهم ما يجري، على سبيل المثال يمكن لمزود الخدمات السحابية تقدير مقدار القوة التي يولّدها كل راكب دراجة في السباق في الوقت الفعلي لمساعدة المشاهدين على فهم التكتيكات التي تتبعها فرقهم المفضّلة.