دفع الاهتمام المتزايد بأنظمة الطاقة المتجددة والمستدامة العديد من الشركات التي تعمل في مجال تصنيع السيارات والمعاهد البحثية إلى العمل على تطوير سيارات تعمل بالطاقة الشمسية كوسيلة نقل مستدامة، حيث أبرزت بعض التقديرات أن من المتوقع أن تصل قيمة سوق السيارات الشمسية إلى 689 مليون دولار بحلول عام 2027، لذلك تعمل العديد من شركات السيارات على تكثيف جهودها للاستفادة من هذا السوق المتنامي.
ما هي السيارة التي تعمل بالطاقة الشمسية وكيف تعمل؟
مثل المنزل الذي يعمل بالطاقة الشمسية، تستمد السيارة التي تعمل بالطاقة الشمسية أو ما يُعرف باسم السيارة الشمسية (Solar Car) طاقتها من ضوء الشمس وتحولها إلى كهرباء للعمل، تستخدم بعض نماذج السيارات بطاريات مضمنة ينبغي تغذيتها أولاً لتشغيلها، حتى تعمل بسلاسة في الليل أو في حالة عدم وجود ضوء الشمس المباشر، بينما تقوم بعض النماذج الأخرى بدلاً من استخدام البطارية بتوجيه الطاقة القادمة من الشمس مباشرة إلى المحرك الكهربائي للعمل، وهي تعمل عادةً فقط في النهار عند وجود ضوء الشمس.
اقرأ أيضاً: الطاقة المتجددة مورد المستقبل: مزايا واسعة وعقبات في الطريق
كيف تعمل السيارة الشمسية؟
تتكون السيارة الشمسية من العديد من الخلايا الشمسية الكهروضوئية الصغيرة التي تولّد الكهرباء، وهذه الخلية الكهروضوئية يتم إنتاجها من أشباه موصلات مثل السيليكون، وتُخلط بمواد أخرى كالفوسفور والبورون، وذلك لإعطاء كل (شريحة) شحنة كهربائية موجبة أو سالبة، ومن ثم عندما تختلط أشباه الموصلات مع الفوسفور والبورون، يعطي كل جانب شحنة كهربائية موجبة أو سالبة، ما يخلق مجالاً كهربائياً بين الطبقتين.
ولاحقاً عندما يضرب شعاع الشمس شريحة إلكترونية، فإن المجال الكهربائي سيدفع هذا الإلكترون خارج شبكة السيليكون، ثم تقوم الصفائح المعدنية الموصلة على جانبي الخلية بجمع الإلكترونات وتنقلها إلى أسلاك. عند هذه النقطة، يمكن للإلكترونات أن تتدفق بطريقة تشبه تدفقها في أي مصدر آخر للكهرباء.
اقرأ أيضاً: هل الطاقة الشمسية نظيفة وصديقة للبيئة حقاً؟
ما أبرز التطورات الحالية في السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية؟
تعتبر شركة جنرال موتورز من أوائل الشركات التي لديها جهود واضحة في تطوير السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية، حيث كشفت في عام 1955 عن نموذج أولي لسيارة شمسية أُطلق عليه اسم صن موبايل (Sunmobile)، يبلغ طوله 15 بوصة (38 سم)، ويتضمن محركاً كهربائيّاً صغيراً و12 خلية ضوئية من السيلينيوم، حيث كان المحرك الكهربائي مسؤولاً عن تدوير بكرة تقوم بتدوير عمود العجلة الخلفي.
لاحقاً ووصولاً للوقت الحالي ظهرت الكثير من الشركات التي تعمل على تطوير السيارات الشمسية، حيث تم الكشف عن تصميم سيارة أخرى مثيرة للاهتمام تعمل بالطاقة الشمسية تقوم بتطويرها شركة سونو موتورز (Sono Motors)، تُسمى سيون (Sion) متوفرة للطلب المسبق حالياً، وتأتي السيارة ببطارية بسعة 35 كيلوواط في الساعة، وتدعي الشركة أن هذه السيارة ستكون أول سيارة هجينة تعمل بالطاقة الشمسية متوفرة تجارياً، مع وصول مدى سيرها إلى 245 كيلومتراً، ومجهزة بـ 456 خلية شمسية مدمجة في هيكلها الخارجي.
ووفقاً للشركة، فإنه في المتوسط يستغرق شحن ما يصل إلى 80% من طاقتها نحو 35 دقيقة عبر أي محطة شحن كهربائية متوفرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام السيارة لإعادة شحن المركبات الكهربائية الأخرى. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الألواح الشمسية في السيارة مخصصة فقط للمساعدة في شحن السيارة، وليست مصممة للعمل على الطاقة الشمسية وحدها.
اقرأ أيضاً: ما أنواع الطاقة الشمسية وما أبرز مميزاتها وعيوبها؟
ما زالت البحوث والجهود مستمرة لتطوير السيارات الشمسية من مختلف الشركات و مختبرات بحوث الجامعات. على سبيل المثال، طوّرت شركة تويوتا في عام 2019 نموذجاً أولياً لأحد تصاميمها يعمل بالطاقة الشمسية وينتج 180 واطاً من الطاقة الكهربائية في الساعة، ويبلغ مداها 6.1 كيلومتر بعد يوم من شحنها، كما كشفت شركة ناشئة هولندية عن نموذج أولي لأول سيارة كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية تسمى "لايت يير زيرو" (Lightyear Zero) تتميز بمدى يصل إلى 724 كيلومتراً بمرة شحن واحدة، وإذا كانت السيارة المتوقع إطلاقها تجارياً بنهاية هذا العام ترقى إلى مستوى الكفاءة التي تدعيها الشركة، فإن هذا من شأنه أن يشكل مستقبل السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية بشكل كامل.
اقرأ أيضاً: إليك أساليب الاستفادة من الطاقة الشمسية
علاوة على ذلك، توجد بعض المشاريع البحثية التي تحاول جعل السيارات الشمسية حقيقة واقعة يوماً ما من أجل الاستدامة البيئية، مثل مشروع ستانفورد للطاقة الشمسية غير الربحية، الذي يقوم ببناء بعض السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية وتطويرها، من أجل جعل هذه التكنولوجيا حقيقة في المستقبل القريب.
ولكن، لماذا لم نرَ حتى الآن سيارات تعمل بالطاقة الشمسية في الطرقات بالفعل؟
بشكل عام، السيارات الشمسية لديها عدد من التصميمات المعقدة والقيود التكنولوجية، ويرتبط بعضها جزئياً بالشكل الخارجي، حيث يجب أن تكون السيارة قادرة على استيعاب العديد من الألواح الشمسية. وبما أن هناك مساحة محدودة لذلك، لهذا السبب فإن معظم السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية التي تم تطويرها حتى الآن مخصصة نوعاً ما للعمل في مضمار سباقات السيارات الشمسية، وليست مخصصة للاستخدام في الطرقات العادية.
اقرأ أيضاً: ما الدروس المستفادة من قرارات ولاية كاليفورنيا الجديدة حول مستقبل السيارات الكهربائية؟
لذلك حتى الآن، لم يتم تصميم أي سيارة تعتمد بنسبة 100% على الطاقة الشمسية وحدها. بالإضافة إلى ذلك، عادة ما تأتي هذه السيارات بتصميم بعيد كل البعد عن متطلبات الحياة الواقعية، على سبيل المثال، غالباً ما تكون أسطح هذه السيارات مسطحة وضخمة لاستيعاب المزيد من الألواح الشمسية، ولكن في الوقت نفسه، فهي مصنوعة من مواد خفيفة الوزن لن تنجو حتى من حوادث الاصطدام الطفيفة، علاوة على احتوائها على مقعد لشخص واحد فقط، ولا توجد مساحة لوضع الأمتعة، والتي يتم استغلالها لوضع البطاريات أو المزيد من الألواح الشمسية.
بالإضافة إلى أن هناك عدة أسباب لعدم تمكن حتى شركات السيارات الأكثر تقدماً من تطوير سيارات تعمل بالطاقة الشمسية بالكامل، منها:
- السبب الأول والأهم هو الألواح الشمسية نفسها، حيث تتمتع الألواح الشمسية الحالية التي يتم تشغيلها تجارياً والتي نستخدمها بكفاءة تتراوح من 20 إلى 35% فقط، ومن ثم لتشغيل سيارة شمسية بكامل طاقتها، سنحتاج إلى مساحة إضافية كبيرة في هيكل السيارة لوضع الخلايا الشمسية.
- تعني تعبئة جسم السيارة بألواح شمسية كثيرة، أن هناك الكثير من الوزن لجسم السيارة، وتكلفة مالية إضافية لصنع سيارة شمسية واحدة.
- بالنظر إلى أن الألواح الكهروضوئية عالية الكفاءة تبلغ مساحتها 32 قدماً مربعة (4 أمتار مربعة) يمكن أن تولد ما يقرب من 8 كيلوواط في الساعة من الطاقة يومياً، فمن المتوقع أن يصل مدى السيارة إلى 25 ميلاً (40 كم)، ومع ذلك من المحتمل أن تؤدي عوامل مثل الظروف الجوية السيئة، وتراكم الأوساخ في الألواح إلى صعوبة وصول السيارة الشمسية إلى هذا الرقم.
- السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية ليست صديقة للبيئة تماماً، وذلك يعود إلى طريقة صنع البطاريات والخلايا الشمسية، حيث يتضح أن كل سيارة تأتي مع نصيبها من البصمة الكربونية.
- لا توجد مساحة كافية على سطح السيارة للسماح للخلايا الشمسية بتوليد ما يكفي من الكهرباء، لا سيما بالنظر إلى أن السيارة نفسها لا يتم توجيهها دائماً في الاتجاه الصحيح نحو الشمس.
اقرأ أيضاً: هل ستطغى السيارات الكهربائية على سيارات الوقود بحلول عام 2030؟
ختاماً، على الرغم من أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه صناعة السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية، لكن هذا لا يعني أنها لن تنتشر في السنوات القادمة، حيث من المتوقع أن تجعل الأبحاث الحالية في البطاريات منخفضة الوزن والخلايا الكهروضوئية عالية الكفاءة، السيارات الشمسية حقيقة واقعة في المستقبل القريب جداً، خاصة مع معاناة العالم من آثار التغيّر المناخي التي تساعد فيها مصادر الطاقة غير المتجددة، ما يجعل التحول إلى استخدام مصادر صديقة للبيئة لتشغيل السيارات ضرورة ملحة للجميع.