على حد تعبير الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" (Meta)، مارك زوكربيرغ، سيتمكن العالم بأسره في غضون سنوات قليلة فقط من الدخول إلى يوتوبيا الواقع الافتراضي حيث يمكنهم عيش حياة أفضل. سيكون بوسع الجميع عقد اجتماعات العمل عن بُعد في نفس الغرفة، واللقاء مع الأصدقاء البعيدين واللهو معاً، ويمكنهم لعب ألعاب الورق التي تتضمن لسبب ما روبوتاً فضائياً. يُفترض بكل ذلك أن يكون متاحاً في عالم الميتافيرس؛ مفهوم العالم الافتراضي المشترك الذي يريد أن يهيمن عليه فيسبوك إلى درجة أن الشركة غيّرت اسمها إلى ميتا لهذا الغرض.
كون افتراضي لا يرقى إلى ما هو متوقع
تعتقد شركة ميتا أن الميتافيرس هو التطور التالي للإنترنت، وتريد أن تحتل موقعاً ريادياً في طليعة هذا التطور. مع ذلك، هناك مشكلة بالفعل. عندما عرض زوكربيرغ بعض جوانب عالم الميتافيرس الخاص بشركته، كانت الردود الأولية للكثير من المستخدمين أن هذا الكون الافتراضي يبدو بأكمله مجرد هراء.
Facebook spent $10 billion on metaverse projects in 2021.
The graphics look like they came out of a computer game developed in 1997. pic.twitter.com/KuGMBMF3O1
— Chris Bakke (@ChrisJBakke) August 17, 2022
I JUST realized that the entire reason nobody has lower torsos or legs is so nobody can have sex in the metaverse https://t.co/V4cIMAEm0w
— jd vance's "holler aunt" (@markpopham) August 17, 2022
there are a lot of cool and good reasons to mock the metaverse but the neat thing is that you don’t even have to think that hard because it simply looks like shit pic.twitter.com/zL1Kc0huQQ
— joy, code witch (@northperson33) August 18, 2022
جاءت الانتقادات الأخيرة بعد أن أعلن زوكربيرغ يوم الثلاثاء عن توسيع منصة ميتا للواقع الافتراضي "هورايزن وورلد" (Horizon Worlds)، لتشمل فرنسا وإسبانيا. تُعتبر هورايزن وورلد، وهي عبارة عن لعبة مجانية عبر الإنترنت يمكنك الوصول إليها باستخدام نظارات الواقع الافتراضي "أوكولوس كويست" (Oculus Quest)، أبرز ملامح مشروع الميتافيرس. بعد سنوات من الاختبار التجريبي وتغيير الأسماء والجدل حول سلوك المستخدم وسلامته، تم إطلاق اللعبة للجمهور في الولايات المتحدة وكندا في ديسمبر/ كانون الأول. وفقاً للتقارير، بلغ عدد مشتركي لعبة هورايزن وورلد 300 ألف مشترك في فبراير/ شباط، وتخطط الشركة لطرح تطبيقات لسطح المكتب والأجهزة المحمولة قريباً، وتنوي الشركة إطلاق نظارة الواقع الافتراضي للمؤسسات، والمعروفة حالياً باسم "بروجيكت كامبريا" (Project Cambria) في وقت لاحق من هذا العام، ربما على أمل الاستفادة من ظروف العمل عن بُعد في هذه المرحلة المتأخرة من جائحة كوفيد.
قد يكون هذا أكبر تغيير في تاريخ فيسبوك منذ ظهور الهواتف المحمولة، ومع ذلك، بدا الأمر برمته بائساً وبلا حياة كما كان عليه عندما تم تصوير زوكربيرغ وهو يضع كمية كبيرة من الواقي الشمسي على وجهه عام 2021. سارع مستخدمو الإنترنت إلى مقارنة بيئة هورايزن وورلد ببيئة ألعاب الفيديو في مطلع الألفية: عناصر ضخمة، بيئة غير واضحة المعالم وبسيطة التصميم إلى حد كبير. بالطبع، كانت العديد من المعالم المرجعية الثقافية التي استشهدوا بها في مقارناتهم مثل لعبة "ذي سيمس" والشخصيات الرمزية في ألعاب النينتندو وبيئة أغنية "المال مقابل لا شيء" لفريق الروك البريطاني داير ستريتس- محبوبة وشائعة في وقتهم، ولا تزال بعضها محبوبة حتى اليوم. ذكرت العديد من التقارير أن شركة ميتا قد استثمرت أكثر من 13 مليار دولار في تطوير الواقع الافتراضي (وهو مبلغ لا تتوقع الشركة أن تستعيده لسنوات)، مع ذلك، لا يبدو منتجها الأساسي أكثر من مجرد لعبة على منصة بلاي ستيشن 2. علاوة على ذلك، لن تحصل على الجزء السفلي من الجسم أو حتى على أنف مفيد تشم به الأشياء في عالم الميتافيرس.
اقرأ أيضاً: كيف أدخل عالم الميتافيرس؟
عودة إلى فيسبوك والمعدات المتوافرة حاليّاً
في الحقيقة، لقد دفع الفضول الكثيرين لمعرفة سبب ظهور عالم فيسبوك الافتراضي على هذا النحو على الرغم من توفر العديد من خيارات الميتافيرس الأخرى. تساءل أحد المساهمين في فوربس حتى ما إذا كان زوكربيرغ يدرك بالفعل أن هذه المساحات تبدو مروعة. وقد سخر أحد المنشورات على موقع "هاكرز نيوز" من الميتافرس قائلاً: «ألا يوجد مدير فني؟ لماذا لا توجد إضاءة؟».
قد تكون هناك بالفعل إجابة مقنعة عن هذه الأسئلة. مع التكنولوجيا الحالية، قد يكون من الأفضل لعالم الميتافيرس أو أي عالم افتراضي ضخم آخر أن تكون بيئته الرسومية منخفضة الدقة لاستيعاب عدد أكبر من الأشخاص.
هذا ما افترضه البعض على الأقل. قدم أحد المعلقين على هاكر نيوز، رداً حول سؤال "ألا يوجد مدير فني"، تحليلاً حول قوة معالجة أجهزة عالم الميتافيرس، وخلص إلى أنها ليست قوية بما فيه الكفاية لتنتج بيئة أكثر تعقيداً من الناحية المرئية، ويقول موضحاً: «باستخدام سماعة رأس بقيمة 400 دولار، لا يمكن إنتاج العديد من التأثيرات المرئية المسؤولة عن جودة الألعاب الحديثة مثل الإضاءة والشفافية والنسيج بالدقة ومعدل الإطارات المطلوبين لتوليد واقع افتراضي سلس». أو كما قال لي نائب رئيس قسم التكنولوجيا في موقع "سليت"، جريج لافالي: «لا يمكنك ارتداء منصة بلاي ستيشن 5 على وجهك كما قد يقول الشخص العادي».
اقرأ أيضاً: ما هي مخاطر عالم الميتافيرس؟ وكيف يمكن الاستعداد لمواجهتها؟
من المنطقي ألا تكون سماعة رأس صغيرة قادرة على التعامل مع مثل هذا العالم المعقد على الأقل حتى الآن، مقارنة بإمكانات مشغلات ألعاب الفيديو المستقلة التي يمكننا مشاهدتها على الشاشة. ومن المحتمل أيضاً أننا لم نتمكن من فهم منظور الميتافيرس بدقة من خلال لقطات شاشة على وسائل التواصل الاجتماعي، لأن التجربة الفعلية تدور حول الانغماس. يزعم مطورو هورايزن وورلد في تصريح لموقع "ديجي داي" إن واجهة اللعبة أكثر قابلية للاستخدام لتطوير اللعبة مقارنةً بمحرك ألعاب "أنريل إنجن" (الخاص بشركة إيبك غيمز)، والذي يحتوي على أداة لتصميم مساحات الواقع الافتراضي. إلى جانب ذلك، فإن لعبة "روبلوكس"، والتي تتفق مع بعض ملامح الميتافيرس، تحتوي على بيئة رسومية بسيطة وهناك مشكلات في عناصر التحكم، لكنها تضم 50 مليون مستخدم نشط يومياً. بالتأكيد يمكن التغاضي عن بعض العيوب المرئية إذا كانت تجربة المستخدم رائعة بخلاف ذلك. كتب أحد مستخدمي موقع "ريديت" في ديسمبر/ كانون الأول أنه ليس بالضرورة أن تكون العناصر المرئية للواقع الافتراضي واقعية جداً، ولكن يجب أن تحوز على اهتمام المستخدم. (على الرغم من أن نفس المستخدم انتقد نجاح لعبة هورايزن وورلد حتى في هذا الصدد).
اقرأ أيضاً: الميتافيرس: قيمة الابتكار والشرق الأوسط
تذكر طالبة الدكتوراة في كلية آنابيرج للتواصل بجامعة بنسلفانيا، ديامي فيرجيليو، والتي تدرس الثقافة الرقمية وكتبت حول الميتافيرس لموقع سليت، سببين آخرين لتدني جودة الرسوميات الواضح لهورايزن وورلد؛ الأول هو إمكانية الوصول. تقول فيرجيليو: «بالنسبة للمستخدمين الجدد الذين يعانون من دوار الحركة أو الارتباك في الواقع الافتراضي، فإن بقاءه بسيطاً أمر مفيد. يبدو أن عوالم هورايزن وورلد مصممة خصيصاً للمستخدمين الذين يميلون إلى الارتباك أو العزلة بسبب التطبيقات الاجتماعية الأخرى».
لم تبدأ الرحلة بعد!
العامل الآخر الذي تشير إليه فيرجيليو هو أن لعبة هورايزن وورلد ليست بأي حال من الأحوال نهاية ما تخطط له شركة ميتا لعالم الواقع الافتراضي، وهي ليست إلا مجرد عرض أولي ومن المرجح أنه يأتي ضمن استراتيجية الشركة. تقول فيرجيليو موضحة: «يبدو أنها أشبه ببيئة اختبارية اجتماعية لاكتشاف أكثر ما يهتم به المستخدمون بهدف التركيز عليه وتحقيق الأرباح منه في المستقبل. تتمثل القيمة الأساسية لهورايزن وورلد في تطوير كادر من المطورين والمؤثرين الذين سينقلون رؤية الميتافيرس للآخرين وإنشاء تجارب يمكن أن تستفيد منها شركة ميتا في موادها الترويجية. إنها أشبه بمختبر مجاني للشركة يمكنها من خلاله معرفة نوعية الأغراض الرقمية التي يرغب بها المستخدمون وهم على استعداد لدفع ثمنها». (ولكن ماذا بعد ذلك؟ قالت الأستاذة بجامعة فيرجينيا، سيفا فيدياناثان، العام الماضي لموقع سليت إن طموح شركة ميتا من وراء الواقع الافتراضي هو "مراقبة كل شيء في حياتنا واستثماره وإدارته").
اقرأ أيضاً: 5 من أبرز التكنولوجيات الناشئة التي ستشكل مستقبل الميتافيرس
خلاصة القول إن مشروع ميتافيرس لن يقتصر على الشخصيات الرمزية البسيطة التصميم والخالية من الأرجل التي نراها تتجول اليوم في هذا العالم. ربما يبدو مشروع الشركة المرئي هذا فظيعاً لأن التكنولوجيا وراءه لا تزال قيد التطوير، بينما ترغب الشركة بجذب المستخدمين إليه والتعلم منهم في أسرع وقت ممكن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن زوكربيرغ يعلم بالتأكيد عندما تتم السخرية منه عبر الإنترنت، لكن نظراً لطموح شركته الكبير وميله إلى التخطيط بذكاء، بالإضافة إلى استثماراته الضخمة في الواقع الافتراضي، فمن السابق لأوانه افتراض أن رهان فيسبوك على الميتافيرس سينتهي إلى هذا الشكل الفظيع.