أدت التطورات في قدرات الحوسبة وأساليبها والتعلم الآلي إلى توسع كبير في أنواع المهام التي يمكن للآلات أن تؤديها بنجاح. وفي نفس الوقت، فإن التصاعد غير المسبوق في التكنولوجيات خفيفة الوزن، وانتشار المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، أدى إلى إضافة بعد اجتماعي إلى بيئة الإنترنت الحالية، وهو بعد لم يكن موجوداً في بدايات الإنترنت إلا بشكل غامض. وباجتماع كل هذه التطورات، أصبح هناك سياق ثقافي يعتمد بشكل متزايد على تكميم المهام اليومية ويحفز على تأطير مسائل الحياة الاعتيادية على شكل بيانات وعلاقات يمكن استنباطها من معالجة كمية كبيرة من البيانات من الثقافات الخبيرة والعادية. يعتبر هذا، على كثير من الأصعدة، تحولاً تاريخياً يمثل حلول الثقافة الرقمية (القائمة على البيانات والعلاقات فيما بينها) محل الواقع المباشر للتجارب الشخصية، والمعرفة التجريبية، والتفاعل الموضعي. وعلى الرغم من أن العصرنة تتصف باضمحلال المسحة الشخصية وانتشار الأساليب المعيارية للحياة والمعرفة، فإن التطورات الحالية تختلف في بعض النواخي الهامة التي تستحق الرصد والتحليل.
يعتبر توليد كميات هائلة من البيانات العلامة الفارقة لهذه العصر، وقد تحول توافر البيانات إلى الهدف الأسمى. ففي حال توافرها، يفترض بالبيانات أن تكون قادرة على إخبارنا بهويتنا، وكيف تعمل الأسواق والمنظمات، وأي الأصدقاء يجب أن نختارهم وأي المجتمعات يجب أن ننضم إليها، وما هي رحلات الطيران الرخيصة لليوم، وكيف نصل إلى وجهة معينة في المتاهات الحضرية للمدن العصرية، وما إلى ذلك. لا يمثل كل هذا سوى جزء صغير من قائمة سريعة التوسع من المسائل التي يُزعم أن معالجة البيانات حققت النجاح فيها. ويقوم هذا الادعاء على أن البيانات التي يتم جمعها بكميات هائلة من جميع نواحي الحياة وتخزينها بدقة وعناية يومياً، ستتيح –في حال استخدامها بشكل صحيح- إلقاء الضوء على الواقع الشخصي والاجتماعي والطبيعي، ومواجهة مجموعة كبيرة من المشاكل التي تحيط بالأفراد والمجتمعات في هذا العصر.
قد تبدو الكثير من هذه المسائل ثانوية، ولكن نتائجها ليست كذلك. حيث أن الاعتماد في قسم كبير من التعاملات الاعتيادية على حلول أو اقتراحات ناتجة عن معالجة الآلات للبيانات المتوافرة سيؤدي إلى إعادة تأطير شاملة لجميع نواحي الحياة اليومية، ويشير إلى تغيرات هامة في العادات البشرية الراسخة.
من أهم التطورات على مدى العقد الماضي التزايد غير المسبوق في استخدام التكنولوجيات الخفيفة، مثل الهواتف والألواح الذكية، وذلك من قبل أعداد كبيرة من البشر. وتمكن كل نقرة على هذه الأجهزة من العمل ضمن بيئات متعددة على الإنترنت تؤدي إلى زيادة ارتباط المستخدمين بها، وتحول كل ما يفعلونه إلى بيانات. وإذا استخدمت المنصات الرقمية -والنظام البيئي للشركات على الإنترنت بشكل عام- هذه البيانات ببراعة وطرق مبتكرة، فستصبح هذه البيانات أساس بناء سياق جديد من التوجهات السلوكية، المؤلفة بشكل أساسي من العلاقات بين البيانات، والتي تعتبر بشكل أساسي بنى مجردة.
هناك مجموعة أخرى من التطورات التي تميز البنية الحالية للإنترنت من السياقات السابقة للحياة اليومية، بما فيها سياق الإنترنت السابق، وهي تتعلق بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والانتقال الكبير للمهام اليومية للناس إلى المنصات الرقمية لوسائل التواصل الاجتماعي. وبشكل مشابه لانتشار التكنولوجيات الخفيفة التي تتعلق بها بشكل مباشر، فإن منصات التواصل الاجتماعي وضعت مجموعة من المحفزات والأفعال على الإنترنت، مثل الإعجابات والإشارات الاسمية والمشاركة، بحيث يصبح كل فعل للمستخدمين نقرة يمكن عدها، ويمكن استخدامها مع نقرات المستخدمين الآخرين لبناء توصيفات للمستخدمين وجماهير الإعلانات، أو الجماهير السياسية، الموجودة ضمن المجتمعات والمجموعات الرقمية. وهكذا، يتم اشتقاق أشكال جديدة من التجارب الشخصية والاجتماعية من آثار البيانات للتفاعلات الاجتماعية المبنية ضمن وسائل التواصل الاجتماعي، ويعاد تقديمها إلى الناس على شكل خدمات شخصية وإعلانات ونصائح موجهة.
أدى ظهور إنترنت الأشياء إلى تضخيم وتعزيز هذه التطورات بشكل أكبر. فعبر إنترنت الأشياء، فإن أجهزتنا الكبيرة تتحول من الجمود إلى مجموعة من العلامات التي يمكن حسابها (مثل البيانات) والتي تصبح أساساً لتطوير نطاق من الخدمات للمستخدمين البشر والأجهزة الأخرى ضمن المنزل. لا تتجاوز هذه الخدمات كونها مجموعة من العلاقات بين البيانات، والتي تم استخلاصها من التسجيل الدقيق للبيانات المعبرة عن كيفية استخدام الانسان للأجهزة المنزلية وشبكات الخدمات، وغيرها من التجهيزات الآلية التي حصلنا عليها بفضل الرأسمالية الصناعية، والتي تتوسع حالياً بفضل إنترنت الأشياء.
قد تكون هذه المرة الأولى في التاريخ التي تتدخل فيها التكنولوجيا – والتي تأخذ هنا شكل الحوسبة – على نطاق واسع في تأطير مسائل الحياة، والتي أصبحت تأخذ في أغلب الأحيان شكل مسائل معلومات واتصالات يمكن معالجتها بأساليب الحوسبة. إن التأثيرات المتنوعة للبيانات والبيانات الكبيرة وتحليل البيانات على الحقول الاجتماعية المختلفة تعتبر تجسيداً لنطاق أوسع من التغيرات التي تتطلب منا أيضاً المزيد من الاهتمام والتحليل النقدي. وعن طريق النظر إليها بهذه الطريقة، فإن المهام والأنماط للحياة اليومية، والتي تغيرت صيغتها بفضل هذه المزايا والأنظمة التي نربطها بالتجارب البشرية، أصبحت عرضة للتغيير، مع تزايد انتشار أساليب الحوسبة في نطاق الحياة اليومية. إنها نقلة هامة في أسلوب الحياة البشرية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
يمكنك قراءة المقالة الكاملة باللغة الإنجليزية هنا.