منذ إعلان شركة "فيسبوك" تغيير اسمها إلى "ميتا" عند نهاية العام الماضي، شهد عالم الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد "ميتافيرس" قدراً كبيراً من الاهتمام، وذلك على الرغم من اختلاف التعريفات والمفاهيم لهذا العالم لدى الجميع اعتماداً على الأهداف والتطلعات التي يرغب هؤلاء بتحقيقها. يمكن أن يكون الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد "ميتافيرس" بعد 10 سنوات من الآن عالماً افتراضياً نعيش ونعمل ونلعب فيه، أو قد يكون كل ما نشهده اليوم من تطورات رقمية، أو مجرد شبكة إنترنت لامركزية جديدة كالويب (3.0). الأهم من ذلك، أن النقاش حول "ميتافيرس" يركز على كيفية بناء اقتصاد رقمي قوي في المستقبل. ووفقاً لاستراتيجية دبي للميتافيرس، فمن المتوقع أن يساهم قطاع "ميتافيرس" في خلق 42 ألف وظيفة افتراضية، وأن يضيف 4 مليارات دولار إلى اقتصاد دبي بحلول عام 2030.
اقرأ أيضاً: ما هي مخاطر عالم الميتافيرس؟ وكيف يمكن الاستعداد لمواجهتها؟
تقنيات الميتافيرس ونموها المستدام في السوق
أفضل طريقة لفهم هذا الاهتمام الكبير بعالم الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد "ميتافيرس" هي إلقاء نظرة على صناعة ألعاب الفيديو، فقد بات التطور الكبير الذي تشهده هذه الألعاب وتحولها إلى وسيلة للتفاعل الاجتماعي، أمراً واضحاً للجميع. يقضي مستخدمو الإنترنت الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً ما يصل إلى 8 ساعات يومياً عبر الإنترنت، ويقضي 90% منهم هذا الوقت باستخدام ألعاب الفيديو. ومن حيث معدلات تنزيل الألعاب والإنفاق الاستهلاكي، تعتبر ألعاب الفيديو دائماً الفئة الأكثر شعبيةً على مختلف متاجر التطبيقات. كما شهدت تقنيات الواقع الافتراضي أفضل موسم لها على الإطلاق، لتقترب من تحقيق نمو مستدام في السوق.
لقد أصبحت البيئات ثلاثية الأبعاد بسرعة مكاناً رئيسياً للتجارب البشرية المشتركة، وبدأت العلامات التجارية والشركات تولي المزيد من الاهتمام بهذه التجارب. لذا، لا توجد هناك أسباب تدفع الشركات للقلق من الانتشار الذي تشهده تقنيات الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد "ميتافيرس".
اقرأ أيضاً: الميتافيرس: قيمة الابتكار والشرق الأوسط
تسخير الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد "ميتافيرس" لخدمة الأعمال والشركات
حرصت الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة على دخول عالم ميتافيرس، وتقديم الخدمات الخاصة به. فعلى سبيل المثال، أعلنت الإمارات للخدمات الصحية عن خطتها لخدمة عملائها وتوفير خدمات التطبيب عن بعد عبر تقنية الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد "ميتافيرس"، وذلك في إطار جهودها المتواصلة للارتقاء بمنظومة الخدمات الرقمية لديها. كما شهدنا تطبيقات مثيرة لعالم "ميتافيرس" في مجالات مختلفة مثل التوظيف، حيث قامت وكالة التوظيف Marc Ellis باستعمال الميتافيرس لتقديم خدماتها، فقد أدركت إمكانات الوصول الكبيرة التي توفّرها هذه التقنية لمجموعة أكبر من المواهب، وقد وجدت الشركات في هذين المثالين وغيرهما من الأمثلة أن الطبيعة المترابطة للواقع الافتراضي "ميتافيرس" يمكن أن تساعد في تسهيل الخدمات وتيسيرها للعملاء.
وعلى الرغم من أن عالم الواقع الافتراضي "ميتافيرس" يَعد بتوفير إمكانات هائلة، فإنه يتعين على الشركات مراعاة عدد من الاعتبارات عند اختيارها لتوفير خدماتها عبر هذا العالم الافتراضي الجديد:
الاقتصاد الرقمي
يشهد قطاع ألعاب الفيديو ازدهاراً كبيراً، فقد لامس عدد اللاعبين حاجز الـ3 مليارات في جميع أنحاء العالم، وقد تفوق هذا القطاع منذ فترة طويلة على شركات الترفيه الأخرى من حيث الحجم ومستوى التأثير الثقافي. الكثير من موظفينا الحاليين والمحتملين وحتى العملاء من محبي ألعاب الفيديو، وقد بات هذا الأمر يؤثر في كيفية تعريفنا لتجربة العملاء الجيدة، كما أنه بات يغيّر من مشهد الأعمال ومدى تقديرنا للخدمات الافتراضية.
اقرأ أيضاً: كيف سيعيد عالم الميتافيرس صياغة تجربة العملاء؟
كان هناك جدل كبير حول ما إذا الاقتصاد المستقبلي قائماً على ندرة وتفرد المنتج الذي أوجدته الرموز غير القابلة للاستبدال وتطبيقات البلوك تشين اللامركزية أو ما إذا كان قائماً على مبدأ الوفرة. بغض النظر عن الآراء المتضاربة حول هذا الموضوع، يجب على الشركات النظر في كيفية تناسب أعمالها مع الاتجاه العام للاقتصادات الافتراضية، وقيمة البيانات، وفي النهاية مواءمة أهدافها مع التقنيات المناسبة.
الانتباه
لن يساهم الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد "ميتافيرس" في إنشاء مواقع افتراضية فحسب، بل سيعمل أيضاً على إنشاء طبقات افتراضية فوق الواقع الماضي. كما ستعمل فلاتر الواقع الافتراضي الخاصة بالإعلانات على إزالة الملصقات الفعلية من البيئة المادية واستبدالها بملصقات افتراضية. ويجب استكشاف هذه السيناريوهات لتحديد كيف ومتى ستؤثر على الأعمال الخاصة للشركات. سيكون من المهم جداً امتلاك البيانات ومعرفة العملاء بشكل مباشر، والاستعداد للتعامل مع تقنيات الواقع الافتراضي بالزمن الحقيقي.
التفاعل الفوري
ما يلفت انتباهنا في البيئات الافتراضية هو مستوى التفاعل الفوري، والذي يشبه إلى حد كبير التفاعل الذي نراه في العالم الحقيقي. ونتيجة لقدرتنا على مراقبة نشاط المستخدم باستمرار في هذه المساحة، فقد أصبح لدينا فهم أكبر لاهتمامات مستخدمينا وأهدافهم. كما يشير هذا الأمر إلى أن لدينا سيطرة أكبر على أفكارهم وأفعالهم. هذا الأمر ينطبق بالقدر ذاته على تجربة التسوق الافتراضية، كما ينطبق على التدريبات الافتراضية أو غيرها من حالات الاستخدام الأخرى.
وعند تطوير الأنظمة القادرة على التعامل مع مستوى جديد من التحليلات، يجب أن نولي اهتماماً أكبر للسياق والنية، كما يجب إيلاء أهمية كبرى لخصوصية البيانات والثقة، إذ لن نتمكن من تحقيق هذه الإمكانات الهائلة دون تبني الخصوصية وتبني منظور جديد لهوياتنا الرقمية.
اقرأ أيضاً: شركات عربية نجحت في دخول عالم الميتافيرس الافتراضي والاستفادة منه
السياق والحوسبة المكانية
سيعمل الواقع المعزز على تضمين الأشياء والبيانات الافتراضية ودمجها بشكل متزايد في العالم الحقيقي. وسيكون فهم سياق المستخدم أمراً بالغ الأهمية لمواصلة تطور مفهوم الحوسبة الشاملة والمكانية، وكذلك لإنشاء تجارب استخدام مفيدة، وستحظى الحوسبة المكانية والواجهات المتقدمة مثل واجهات الواقع الافتراضي بالأهمية ذاتها التي تحظى بها تقنيات مثل التعلم الآلي والحوسبة المتطورة والسحابة. ومع ذلك، فإنه لا يمكن الوفاء بوعود الفائدة والقيمة الحقيقية إلا إذا عملت كل هذه التقنيات مع بعضها بعضاً بشكل سلس ومتناغم.
التعامل مع الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد "ميتافيرس"
يجب ألا نتناول التقنيات الجديدة بمعزل عن غيرها، بل يتعين علينا اعتبارها هيكلية تقنية جديدة تعمل بمثابة وسيط جديد يربط الواقع الافتراضي بالعالم الحقيقي والعكس في عالم "ميتافيرس" المترابط، أو أياً كان ما تريد تسميته. هذا فقط ما سيمكننا من استخدامها معاً بالشكل الأمثل.
اقرأ أيضاً: كيف سيغير الميتافيرس مستقبل العمل في المؤسسات؟
كما هو الحال عند تطوير لعبة جديدة، يجب أن تتعامل مع هذا التحدي بمنهجية مرنة ومترابطة. وبالرغم من ضرورة وجود استراتيجية عمل قوية، فإنه من المستحيل توقع كل شيء وحل اللغز بأكمله مرة واحدة. لذا، من الضروري مواصلة التعلم والتقدم، ومواجهة هذه العملية بشكل مباشر.