تعد الخوارزميات الجينية أو الخوارزميات الوراثية (Genetic Algorithms) المعروفة اختصاراً بـ (GA) من أفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي، لأنها قادرة على إيجاد أفضل الحلول الممكنة. تعتمد هذه الخوارزميات على مبادئ علم الوراثة ونظرية الانتقاء الطبيعي (تُعرف أيضاً باسم الانتخاب الطبيعي أو الاصطفاء الطبيعي) التي تحدث عنها العالم البريطاني تشارلز داروين.
تستخدم الخوارزميات الجينية من أجل حل المشكلات المعقدة، والتي تشتمل على عدد كبير من المتغيرات، وبالتالي عدد كبير من النتائج والحلول الممكنة، حيث تقوم بإيجاد كل الحلول الممكنة وانتقاء الأفضل منها.
تعمل هذه الخوارزميات بشكل فعالٍ جداً، وتعطي حلولاً للمشكلات المعقدة التي يصعب إيجاد حلول لها باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي العادية.
اقرأ أيضاً: كيف تتحكم الخوارزميات فيما نراه على فيسبوك؟
فكرة الخوارزميات الجينية
حين بدأ المطورون بتطوير الذكاء الاصطناعي، كانوا يعملون على محاولة مقاربة الذكاء البشري، فالبشر هم أذكى الكائنات الحية على الأرض، وقد تم تحقيق نجاح كبير في هذه المجالات. على سبيل المثال، نجح برنامج ديب بلو (Deep Blue) الذي طوّرته شركة آي بي إم (IBM) الأميركية في التفوق على أفضل لاعب شطرنج في العالم عام 1997.
لكن على الرغم من ذلك، كان الذكاء الاصطناعي الذي بُني على أساس محاكاة ذكاء البشر محدود القدرات، وتبين أنه عاجز على حل المشكلات المعقدة للغاية. عندها ظهرت فكرة الخوارزميات الجينية، وهي خوارزميات تم بناؤها بالاعتماد على مبادئ التطور والانتقاء الطبيعي.
فكما يحدث في الطبيعة، حين تبقى الكائنات الحية الأصلح والأكثر قدرة على التكيف، تقوم الخوارزميات الجينية بانتقاء الحلول الأفضل والأكثر قدرة على التطبيق والنجاح. باختصار، يمكن القول إن مبدأ عمل الخوارزميات الجينية هو إسقاط أو محاكاة عمل الطبيعة في تطور الكائنات الحية وانتقاء الأصلح منها.
اقرأ أيضاً: عندما تخفق الخوارزميات، يقع اللوم على أقرب إنسان في محيطها
آلية عمل الخوارزمية الجينية
العمليات الأساسية للخوارزميات الجينية تتم على عدة مراحل هي:
1. المبادرة Initialization
تبدأ الخوارزمية الجينية عملها بتوليد مجموعة أولى من الحلول. تشمل هذه المجموعة جميع الحلول المحتملة للمشكلة.
2. الانتقاء Selection
الانتقاء يعني اختيار أفضل الحلول من المجموعة الأولى، وهي الحلول الأقرب إلى النتيجة المرغوبة، توضع هذه الحلول في مجموعة ثانية.
3. الدمج أو التقاطع Crossover
تشبه هذه العملية التزاوج بين الكائنات الحية، وتتمثل في اختيار حلين (الآباء) من المجموعة الثانية عشوائياً ودمجهما لإنتاج حل جديد (أبناء). وهكذا يتم الحصول على عدد من الحلول الجديدة الأقرب للنتيجة المرغوبة.
4. الطفرة Mutation
تضيف الخوارزمية متغيرات جديدة إلى الأبناء. ما يؤدي لظهور حلول أخرى غير متوقعة. تماماً كما يحدث في الطبيعة حين يولد فرد يحمل صفة جديدة (طفرة) غير موجودة في الآباء.
5. التكرار Repetition
تكرر الخوارزمية مرحلة الانتقاء، حيث تنتقي أفضل الأبناء (أفضل الحلول الناجمة عن مرحلتي الدمج والطفرة)، ثم تخضعهم مجدداً لمرحلتي الدمج والطفرة، وهكذا تستمر العملية التي تؤدي إلى توليد عدد كبير من الحلول.
6. الإنهاء Termination
تستمر الخوارزمية في تكرار المراحل حتى يحدث الإنهاء عند الوصول إلى الحل الأفضل أو الحل الأقرب للنتيجة المرغوبة.
اقرأ أيضاً: كيف تعمل خوارزميات التوصية في منصة يوتيوب؟
مجالات استخدام الخوارزميات الجينية
تستخدم الخوارزميات الجينية في العالم الحقيقي بصناعات مختلفة ولمهام مختلفة. إليك بعض الأمثلة على استخداماتها:
علم الروبوتات
تساعد الخوارزميات الجينية في تشغيل الروبوتات المستقلة، وتُستخدم لجعلها قادرة على اتخاذ القرارات الصحيحة. على سبيل المثال، يمكن توجيه الروبوت ليصل إلى مكان معين باستخدام أقل قدر من الطاقة.
الاقتصاد
تُستخدم الخوارزميات الجينية لإنشاء نماذج العرض والطلب وسلاسل التوريد خلال فترات زمنية، وتعطي الخبراء الاقتصاديين مجموعة من الحلول المثلى لتطبيقها.
التصميم الآلي
تستخدم لتصميم آلات قادرة على توفير شروط معينة مرغوبة، مثل نماذج وتصاميم السيارات والطائرات التي تستهلك حداً أدنى من الوقود.
جدولة المهام
يتم استخدام الخوارزميات الجينية لإنشاء جداول زمنية تراعي بعض الشروط، مثل عدد الطلاب والغرف في الجامعة، أو عدد العمال والموظفين في المصنع.
اقرأ أيضاً: خوارزمية تعلم عميق يمكنها كشف الزلازل بفلترة ضجيج المدينة
النقل
تُستخدم الخوارزميات الجينية لتحديد طرق التوصيل الأقصر، هذا الأمر يساعد في توفير الوقت وتقليل استهلاك الوقود.
التسويق
تُستخدم الخوارزميات الجينية لتحديد مواصفات المنتجات والخدمات التي تجعلها جذابة لمعظم العملاء، ما يساهم في إنجاح حملات التسويق.
حدود الخوارزميات الجينية
الخوارزميات الجينية ليست مناسبة لحل أي مشكلة، هناك عدد من القيود على عملها فهي:
- ليست فعّالة في حل المشكلات البسيطة.
- قد يؤدي عدم تنفيذها بشكلٍ صحيح إلى الحصول على حل غير مثالي.
- لا توجد ضمانات بالحصول على أفضل الحلول.
- قد يؤدي الانتقاء المتكرر لأفضل الحلول إلى حدوث بعض المشكلات.
اقرأ أيضاً: العلماء يسابقون الزمن لتطوير خوارزميات تشفير ما بعد الكم
إيجابيات وسلبيات الخوارزميات الجينية
من إيجابيات الخوارزميات الجينية أن تعطينا عدداً أكبر من الحلول، وتختار من هذه الحلول الأفضل والأقرب إلى النتيجة المرغوبة، كما أنها سهلة التنفيذ ولا تحتاج للكثير من الخبرة والمعرفة في علم الرياضيات.
سلبياتها أنها تتطلب قدرات حوسبة أكبر من خوارزميات الذكاء الاصطناعي العادية، وعادةً ما تكون أبطأ وتستغرق وقتاً أطول لإيجاد الحلول. لكن مع تطور الحواسيب تدريجياً وتحسن قدراتها، يمكن القول إن هذه السلبيات لم تعد بتلك الأهمية.