اكتسبت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين مسحة من البرود مؤخراً؛ فبعد اتهامات تتسم بالمصداقية بأن الصين سرقت الملكيات الفكرية، وما تبعها من نزاع حول الرسوم الجمركية، أصبحت جميع الاستثمارات الخارجية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة خاضعة لمستوى مشدَّد من الرقابة والتدقيق، كما يجب أن يحدث.
ولكن السيارات ذاتية القيادة أمر آخر.
تمثل السيارات المؤتمتة توجهاً معاكساً، حيث يرتبط نجاح الشركات بقدرتها على العمل في كلا البلدين. لماذا؟ لأن تصنيع السيارة ذاتية القيادة يتطلب الذهاب إلى كاليفورنيا لتوظيف مختصين بالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الرادار الضوئي، ويتطلب أيضاً الاستفادة من الاستثمار التجاري السريع في الصين، وطرقاتها الصعبة التي تتيح تطويراً أفضل للسيارات، وسوقها الهائلة. وباختصار: إن الفوز يحتاج إلى العمل بشكل جيد في كلا المكانين.
ومن الشركات التي ينطبق عليها هذا التوصيف شركة رودستار إيه آي "Roadstar.ai"، التي يقع مقرها في شينجن، مع مكتب فرعي في كوبرتينو بكاليفورنيا حيث بنت سيارتها الأولى. وقد زرت مكتب الشركة في كوبرتينو مؤخراً، ووجدت نفسي في مكان جنوني تُسمع فيه الأحاديث بالإنجليزية والصينية و"الإنجليصينية" في مطبخ يحتوي على مأكولات متنوعة مثل اللحم المقدد التايواني وخبز تورتيا الذرة.
وقد ركبت سيارة هوي من رودستار في جولة في كوبرتينو، حيث يسير المشاة على الرصيف ويلتزم السائقون بقوانين السير بشكل عام، وهو ما يختلف كثيراً عن القيادة في طرقات الصين ذات الجسور المتفرعة متعددة الطبقات، التي ينظر إليها جميع الصينيين من ركاب الدراجات وسائقي الحافلات والشاحنات والمشاة على أنها أقرب إلى ميدان معركة منها إلى مجرد وسيلة للتنقل من مكان إلى آخر. وقد أخبرني ليانج هينج (وهو أحد مؤسسي رودستار ومسؤولها التكنولوجي الأساسي) أن ظروف الحركة المرورية فائقة التعقيد في الصين تقدِّم للشركة مجموعات بيانات أكثر تنوعاً من أجل تدريب خوارزميات السيارات ذاتية القيادة.
وإن مؤسسي رودستار الثلاثة قد ولدوا في الصين، وأتوا إلى الولايات المتحدة للحصول على درجات الدكتوراه، وبقوا هناك للعمل في شركات رائدة في مجال السيارات ذاتية القيادة، مثل جوجل وتسلا وبايدو يو إس إيه. ويتمتع فرع شركة بايدو للسيارات ذاتية القيادة في سانيفيل بكاليفورنيا -حيث التقى مؤسسو رودستار الثلاثة- بعلاقات قوية في الولايات المتحدة والصين، وتُعتبر إستراتيجية رودستار في العمل في كاليفورنيا والصين معاً شبيهة بإستراتيجية بايدو على عدة صعد.
وهناك أيضاً شركتان صينيتان ناشئتان بمقرات في وادي السيليكون، وهما بوني إيه آي ووي رايد. وقد عمل جيمس بينج وتيانشينج لو (وهما مؤسسا بوني) في شركة بايدو سابقاً، وكذلك وانج جينغ وتوني هان (مؤسسا وي رايد).
يقول مايكل دان (المدير التنفيذي لشركة زوزو جو، وهي شركة استشارية تركز على سوق السيارات ذاتية القيادة): "تلعب كاليفورنيا دور مركز البحث والتطوير، وتلعب الصين دور الميدان العملي حيث يلتقي مطاط العجلات مع إسفلت الطريق؛ إنها معادلة رائعة للنجاح".