شركة ناشئة تعمل على استنساخ البشر لأغراض التبرع بالأعضاء

5 دقائق
شركة ناشئة تعمل على استنساخ البشر لأغراض التبرع بالأعضاء
مصدر الصورة: إم إس تيك

في بحث عن أشكال جديدة من الأساليب الطبية لإطالة العمر، تقول شركة تكنولوجيا حيوية في إسرائيل إنها تريد إنشاء نسخ جنينية من الأشخاص للحصول على ما يلزم لعلاج نقل الأعضاء.

وتحاول الشركة التي تحمل اسم رينيوال بايو (Renewal Bio) الاستفادة من التطورات الجديدة في مجال تكنولوجيا الخلايا الجذعية والأرحام الاصطناعية، كما يقول العالم البيولوجي جايكوب هانا في معهد وايزمان للعلوم. ومؤخراً، بيّن هانا أنه يمكن لمختبره، انطلاقاً من الخلايا الجذعية للفئران، تشكيل أجنة فئران بمظهر واقعي للغاية، والحفاظ على نموها ضمن أرحام صناعية لعدة أيام حتى تتمكن من تشكيل قلوب نابضة، ودماء متدفقة، وطيات قحفية.

هذه المرة الأولى التي تمت فيها محاكاة جنين في مرحلة متطورة من التشكل دون سائل منوي أو بويضات أو حتى رحم. وقد تم نشر تقرير هانا في مجلة سيل (Cell) مؤخراً.

يقول المدافع عن المرضى ومؤسس القمة العالمية للخلايا الجذعية، برنارد سيغل: "هذه التجربة تحمل نتائج مهمة للغاية". "وتدفع بالتساؤل عن ماهية الكائن التالي الذي ستُجرى عليه التجربة من فصيلة الثدييات".

اقرأ أيضاً: من أبوظبي: تجارب سريرية ناجحة لعلاج كوفيد-19 باستخدام الخلايا الجذعية

هذا الكائن، هو الإنسان. وقد قال هانا لإم آي تي تكنولوجي ريفيو إنه بدأ مسبقاً بالعمل على تعديل التكنولوجيا لتبدأ بالعمل اعتماداً على الخلايا الجذعية البشرية، ويأمل في نهاية المطاف إنتاج نماذج اصطناعية من الأجنة البشرية المكافئة للأجنة العادية بعد 40-50 يوم حمل. وفي هذه المرحلة تكون الأعضاء الأساسية قد تشكلت، إضافة إلى الأصابع والأطراف الصغيرة.

يقول هانا: "نحن نعتبر الجنين بمثابة أفضل آلة طباعة حيوية ثلاثية الأبعاد". "وهو أفضل كيان لتصنيع الأعضاء والنسج بشكل صحيح".

ويستطيع الباحثون منذ الآن طباعة أو استنبات نسج بسيطة، مثل غضاريف العظام، ولكن صنع أنواع أكثر تعقيداً من الخلايا والأعضاء لم يكن بالأمر السهل. ولكن الجنين، من ناحية أخرى، يبدأ ببناء الجسم بصورة طبيعية.

"تقوم رؤية الشركة على استخدام هذه الكيانات الجنينية المنظمة، والتي توجد فيها أعضاء بدئية، للحصول على خلايا يمكن استخدامها في عمليات الزرع". "ونحن ننظر إليها كنقطة بدء شاملة"، كما يقول هانا.

فمن الممكن جمع خلايا الدم الجنينية، ومضاعفتها، ونقلها إلى جسم شخص كبير في السن لإعادة تفعيل الجهاز المناعي. كما يمكن بناء عدة نسخ جنينية للنساء اللواتي يعانين من مشكلات الخصوبة المتعلقة بالسن. وبعد ذلك، يمكن للباحثين الحصول على الغدد التناسلية للنموذج الجنيني، وإنضاجها إما في المختبر وإما عبر النقل إلى جسم المرأة، وذلك لإنتاج بيوض شابة.

حصلت الشركة على تمويلها الأولي حتى اللحظة من شركة إن إف إكس (NFX)، ولكنها كانت تتواصل مع مستثمرين آخرين، ويقول عرض الشركة إن مهمتها هي "تجديد البشرية، وجعلنا جميعاً نتمتع بالشباب والصحة الجيدة".

اقرأ أيضاً: زرع للخلايا الجذعية قد يوقف السبب الأكثر شيوعاً للإصابة بالعمى

بالعودة إلى البشر

فما زالت تفاصيل الخطة التقنية لرينيول بايو سرية، كما أن موقع الشركة الإلكتروني ليس سوى مجرد دعاية سطحية. "إن التفاصيل شحيحة لسبب معين. كما يقول الشريك في إن إف إكس، والذي يقوم بدور الرئيس التنفيذي للشركة الجديدة، أومري أميراف دروري: "فنحن لا نرغب في المبالغة بالوعود، كما لا نريد إثارة مخاوف الناس". "فالصورة حساسة للغاية هنا".

يقول بعض العلماء إنه سيكون من الصعب استنبات نماذج جنينية بشرية بمرحلة متقدمة، وإنه سيكون من الأفضل تفادي الجدل الناجم عن محاكاة الأجنة الحقيقية بهذا الشكل الدقيق.

يقول عالم الخلايا الجذعية في معهد التكنولوجيا الحيوية الجزئية في فيينا، نيكولاس ريفرون: "إنه أمر غير ضروري على الإطلاق، فلمَ القيام به؟". ويضيف قائلاً إن العلماء يجب أن يركزوا فقط على "الحد الأدنى من البنية الجنينية الضرورية" للحصول على الخلايا المطلوبة.

أما أميراف دروري، فيقول إنه لم يرَ تكنولوجيا تحمل هذا القدر من الاحتمالات الواعدة منذ ظهرت تكنولوجيا كريسبر (CRISPR) لتعديل الجينات أول مرة. ويقول: "إن القدرة على بناء جنين اصطناعي من الخلايا دون بويضات أو سائل منوي أو رحم، أمر مذهل حقاً". "ونعتقد أنها ستكون منصة تكنولوجية ضخمة وعميقة الأثر، ويمكن تطبيقها في مجالي الخصوبة الإنجابية وإطالة العمر".

رحم ميكانيكي

لتحقيق سلسلة النجاحات، كان مختبر هانا يعمل على الجمع بين علوم الخلايا الجذعية المتقدمة وأنواع جديدة من المفاعلات الحيوية.

فمنذ سنة، عرض أخصائي الخلايا الجذعية لأول مرة ما أطلق عليه اسم "الرحم الميكانيكي"، حيث تمكن من استزراع أجنة فئران طبيعية خارج أنثى فأر لعدة أيام. ويتضمن النظام أوعية دوارة تحافظ على غمر الأجنة بمصل دموي مغذٍّ مع الأوكسجين.

جهاز الرحم الميكانيكي
أجنة فئران في الرحم الميكانيكي من دراسة عام 2021. مصدر الصورة: أيه. أغيليرا كاستريون وآخرون، نيتشر 2021

وفي البحث الجديد المنشور مؤخراً، استخدم هانا نفس الرحم الميكانيكي، ولكنه استخدمه هذه المرة لاستنبات أجنة متماثلة مصنوعة من الخلايا الجذعية.

ومن المثير للاهتمام أن الخلايا الجذعية، وعندما تنمو معاً في حاويات مصممة بشكل خاص، تلتحم معاً تلقائياً وتحاول أن تتحول إلى جنين، ما يؤدي إلى إنتاج أجسام جنينية تسمى مضغيات الشكل، أو البراعم، أو النماذج الجنينية الاصطناعية. ويصر الكثير من الباحثين أنه، وعلى الرغم من المظهر، فإن هذه البنى لا تتعلق بالأجنة الحقيقية سوى بدرجة قليلة، ويستحيل أن تتطور بصورة كاملة.

اقرأ أيضاً: هل تعاني من الصلع؟ علاج جديد واعد عبر تقنية الخلايا الجذعية

ولكن، وبإضافة هذه الأجنة الاصطناعية للفئران إلى الرحم الميكانيكي، تمكن هانا من إنباتها إلى درجة أكبر من ذي قبل، وإيصالها إلى مرحلة بدأت فيها القلوب بالنبض، والدم بالحركة، مع بدء ظهور الدماغ والذيل.

يقول هانا، والذي أثار تقريره الجديد إعجاب العلماء: "هذه الأجنة تبدو رائعة حقاً". "وهي تشبه الأجنة الحقيقية إلى درجة كبيرة". يبين التحليل أن النسخ الاصطناعية شبيهة بأجنة الفئران الطبيعية بنسبة 95% تقريباً، وذلك بناء على تركيبة أنواع الخلايا في كلا النوعين.

وعلى الرغم من هذا، فإن تقنيات استنبات الأجنة الاصطناعية ما زالت غير فعّالة. فقد بقيت نسبة النجاح في محاكاة جنين الفأر أقل من محاولة واحدة من أصل 100 محاولة، بل وظهرت العيوب حتى في نماذج الأجنة التي تطورت لأطول وقت، بما في ذلك مشاكل القلب، وقد يعزى هذا لعدم قدرتها على تحقيق المزيد من النمو دون تغذية دموية مناسبة.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا جديدة تعتمد على كريسبر والذكاء الاصطناعي لإجراء تعديلات جينية وتطوير علاجات مستقبلية

نسخة مصغرة من الإنسان

في المجموعة التالية من التجارب، سيستخدم هانا دمه أو خلايا بشرته (إضافة إلى عينات مماثلة من بعض المتطوعين الآخرين) كأساس لصنع أجنة بشرية اصطناعية. وهذا يعني أن مختبره قد يعج قريباً بالمئات أو الآلاف من النسخ المصغرة، وهي نسخ جينية عنه.

ولا يشعر هانا بأي مشكلة بسبب هذه الفكرة. وعلى الرغم من أنه تمكن من محاكاة بدايات الثدييات في أنابيب الاختبار، فهو ينظر إليها ككائنات لا مستقبل لها. ويقول إنه من المرجح أنها غير قادرة على الاستمرار. علاوة على ذلك، ليست هناك وسيلة للانتقال من الحياة ضمن مرطبان إلى الحياة الحقيقية. وبغياب المشيمة والحبل السري المتصلين بالأم، فلن يستطيع أي جنين اصطناعي البقاء على قيد الحياة في حال تم نقله إلى رحم.

يقول هانا: "نحن لا نحاول صنع مخلوقات بشرية". "هذا ليس ما نعمل عليه". "وليس من الممكن أن تعتبر جنيناً بعمر 40 يوماً نسخة مصغرة عنك".

الجدل الأخلاقي حول استنساخ البشر لأغراض التبرع بالأعضاء

وعلى الرغم من هذا، ومع تطور هذه التكنولوجيا، فقد يظهر جدل حول ما إذا كانت هذه الأجنة الاصطناعية تتمتع بأي حقوق، أو ما إذا كان بالإمكان، من الناحية الأخلاقية، استخدامها لأغراض علمية وطبية. ففي الولايات المتحدة، قامت المعاهد الوطنية للصحة، في بعض الحالات، برفض تمويل دراسات حول الأجنة الاصطناعية، حيث بدت هذه الأجنة قريبة للغاية من الأجنة الحقيقية.

وعلى الرغم من أن هانا لا يعتقد أن الجنين الاصطناعي المصنوع من الخلايا الجذعية، والمحفوظ في مختبر، يمكن أن يُعتبر مخلوقاً بشرياً على الإطلاق، فقد قام -تحسباً- بوضع خطة احتياطية لتفادي أي ارتباك. فمن الممكن، على سبيل المثال، تصميم الخلايا الأولية جينياً بحيث لا يقوم النموذج الجنيني الناتج بتطوير رأس. ويمكن أن يساعد وضع القيود على عملية التطوير في تفادي المشكلات الأخلاقية. يقول هانا: "نعتقد أنه أمر مهم، وقد استثمرنا الكثير في هذا العمل". ويمكن تطبيق تعديلات جينية تؤدي إلى "عدم ظهور الرئتين والقلب والدماغ".

قامت الشركة الناشئة الجديدة رينيوال بتوظيف بعض من طلاب هانا، وقامت بترخيص تكنولوجيته من معهد وايزمان. وستبدأ بإنفاق الأموال على تحسين الحاضنات، وتطوير أجهزة الاستشعار لتتبع تطور الأجنة الاصطناعية، وابتكار وسائل لإطالة عمرها في المختبر.

اقرأ أيضاً: باحثون صينيون يطورون روبوتاً لمراقبة الأجنة البشرية ضمن رحم اصطناعي

يقول أميراف دروري إن الشركة ما زالت في مرحلة مبكرة من العمل، وإنها ما زالت تدرس استخدامات هذه التكنولوجيا والتطبيقات الواعدة أكثر من غيرها. وقد كان يعمل مع هانا، وهو المؤسس العلمي لرينيوال، على التواصل مع علماء وأطباء آخرين لرؤية ما يمكنهم القيام به إذا تمكنوا من الحصول على عدد كبير من الأجنة الاصطناعية التي تم تطويرها لأيام، أو حتى لأسابيع.

ويقول: "لقد كنا نسأل الناس عن إمكانية تحقيق هذا الإنجاز المفصلي أو ذاك. ما الاحتمالات التي يمكن أن تتفرع عنه؟. وكنا نرى عندها بريق التفاؤل في أعينهم".

المحتوى محمي