على مدار الأشهر القليلة الماضية، عجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور مذهلة لحيوانات ترتدي أزياء علماء ورواد فضاء يمتطون أحصنة وغيرها من الصور كرتونية الطابع التي رسمتها برامج الذكاء الاصطناعي. على الرغم من أن معظم استخدامات هذه الأدوات لم تتجاوز حتى الآن حدود المتعة والإبهار البصري، مع بعض التطبيقات المحدودة في مجالي التسويق والإعلان، فإن هذا الجيل الجديد من أدوات توليد الصور من خلال النصوص يحمل في طياته إمكانات كبيرة قد تساهم في تغيير مستقبل فن العمارة.
ميد جيرني تخلق إبهاراً معمارياً
في نهاية الشهر الماضي، أعلنت منصة ميد جيرني (Midjourney)، أنها أتاحت للجمهور نسخة تجريبية من أداتها المخصصة لتوليد الصور عبر الأوامر النصية، لتصبح بذلك المنافس الأبرز لبرنامج دال-إي 2 (DALL-E 2) الذي طورته شركة أوبن إيه آي (OpenAI)، ونظام إيماجن (Imagen) التابع لجوجل.
في الواقع تطور أداة ميد جيرني صوراً أكثر واقعية بقليل من منافساتها، على الأقل مقارنة بأدوات الرسم المجانية المتاحة للعموم، مثل كرايون (Craiyon) (التي عرفت سابقاً باسم دال-إي ميني سابقاً) وستراي إيه آي (StarryAI)، وهو ما دفع المهندس المعماري ومؤسس استوديو "إيكوسيستما" (Ecosistema Studio)، ماريو كوبولا، إلى استخدامها في أحدث دراساته المعنونة "هلوسة الآلة" (Machine Hallucination).
يرى كوبولا أن ميد جيرني "مثالية لخلق حالة إبهار معماري"، مضيفاً أنه حتى وقت قريب، كان أكثر أجزاء عملية التصميم والإبداع صعوبة هو التصور. لكن ميد جيرني تنجح من خلال استخدام مجموعة من الكلمات المفتاحية. على سبيل المثال: "فيلا ذات غطاء نباتي"، في تقديم مجموعة من الصور المقترحة. بعد ذلك، يمكنك تطوير مشروعك الخاص من واحد أو أكثر من هذه الخيارات. وبشكل عام، للحصول على نتائج جيدة، على تصميمك أن يمر بعدد من التكرارات أو "التغييرات" التي توفرها المنصة، وربما تحتاج إلى تحسين الصورة سبع أو ثماني مرات. لكن كوبولا يقول إن "ما تحصل عليه في النهاية يكون مثيراً للإعجاب في بعض الحالات".
وقد استخدمت إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية كلمات مرادفة لما استخدمه كوبولا، فحصلنا على بعض التصميمات "المختلفة":
اقرأ أيضاً: أداة جديدة لتحسين دقة الصور تعزز المخاوف المرتبطة بنتائج عمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي
الهندسة المعمارية قد تتغير بعشرة سنتات
في السنوات الأخيرة، تزايدت استخدامات التكنولوجيا والأتمتة في الهندسة المعمارية، لتشمل جميع الجوانب بما في ذلك تسليم المشروع والأداء والتقييم وحتى الفواتير. وثمة شعور متزايد بأنه إذا لم تدمج الشركات الذكاء الاصطناعي في ممارساتها العملية، فسوف تتخلف عن الركب. وفي هذا الإطار، تحذر مديرة التقنيات الناشئة واستراتيجيات الابتكار في مجموعة جاكوبس الهندسية، ناتاشا لوثرا، من أن مجال الهندسة المعمارية "يمكن أن يتغير بأكمله على نحو مضر لنا بسعر عشرة سنتات. علينا أن نجد طريقة لنسبق هذه الثورة قبل أن تدهسنا".
يخشى البعض من أن التكنولوجيا تتطور بسرعة كبيرة بطريقة تجعل من المستحيل على المهندسين المعماريين التفوق على منحنى تعلم الآلات، كما يخشى آخرون من أن يتم استبدال المبدعين البشر بخوارزميات حاسوبية لتصميم المباني أو المركبات أو إنتاج الفن.
بيد أن الخبراء يستبعدون هذا الاحتمال، حيث يقول أستاذ الدراسات العليا بجامعة نيويورك ومصمم تجربة المستخدم في شركة " أدوبي" باتريك هيبرون: "إن فكرة حلول الذكاء الاصطناعي محل البشر، خاصة المصممين لا أساس لها من الصحة. فالذكاء الاصطناعي له نطاق محدود بالنسبة لطبيعة وميول التجربة البشرية"، مضيفاً أن العنصر البشري مهم لأن ترك التصميم للآلات وحدها من شأنه أن يخلق بيئة معمارية غير صالحة للعيش.
اقرأ أيضاً: جوجل تطلق أداةً لكشف الصور المفبركة والمزيفة
ليست مجرد جوانب فنية
هناك دائماً عنصر فني عندما يتعلق الأمر بتصميم المباني والمساحات الخارجية، لكن هناك الكثير من الحسابات التي تجب مراعاتها أيضاً. بالنسبة للمهندس المعماري، فإن البدء في مشروع يتطلب ساعات لا حصر لها من البحث، سواء لفهم المقصد التصميمي من المشروع أو من المشروعات السابقة. وهنا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي دوراً مهماً.
مع قدرة الذكاء الاصطناعي على أخذ كميات غير محدودة من البيانات في الحسبان، يمكن للمهندس المعماري أن يبحث في العديد من الأفكار ويختبرها في نفس الوقت بسهولة. في مثال عملي، تخيل أنك بحاجة إلى تصميم منزل عائلة. ستحتاج إلى التفكير في احتياجات العميل وتوقعاته ونوعية التصميم، ناهيك عن أنك يجب أن تفهم القوانين التي تحكم طريقة بناء المنزل. ستكون لديك بيانات حول العائلة تتضمن أشياء مثل العمر والجنس وعدد الأفراد وما إلى ذلك. باستخدام نظام ذكاء اصطناعي، يمكن للمهندس استخراج جميع بيانات التقسيم العمراني وقوانين البناء وتوليد تصميمات مختلفة، وتقديم خيارات لا حصر لها.
كل نموذج له شخصيته الخاصة
إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي الواعدة في مجال الهندسة المعمارية هي الشبكات التوليدية التنافسية (GANs)، التي تعمل فيها شبكتان عصبونيتان بشكل متعاكس، تقوم الشبكة الأولى المعروفة باسم المولِّد بإنتاج خرج مصطنع، مثل الكتابة بخط اليد أو الفيديوهات أو الأصوات، وذلك بدراسة بيانات التدريب ومحاولة تقليدها. أما الشبكة الأخرى المعروفة باسم الحَكَم، فتقوم بتحديد ما إذا كان الخرج حقيقياً عن طريق مقارنته في كل مرة مع نفس بيانات التدريب.
كان ستانيسلاس تشايلو واحداً من بين الكثيرين الذين جربوا الشبكات التوليدية التنافسية لإنشاء تصميمات معمارية. في أطروحة الماجستير الخاصة به في كلية الدراسات العليا للتصميم بجامعة هارفارد، استخدم تشايلو هذه التقنية لإنشاء وتحسين تصميم مخطط أرضية (Floorplan) (الرسم المصغر لأرضية مبنى كما يُرى من مسقط أفقي). وقد وجد أن قيود المساحة والوظيفة لن تؤثر على التصميم فحسب، بل أيضاً على النمط المستخدم لتوجيه مخططات الأرضية التي تم إنشاؤها بواسطة الشبكات التوليدية التنافسية.
من ضمن النتائج التي توصل إليها تشايلو أن "كل نموذج أو خوارزمية يأتي بنكهته وشخصيته ودرايته الفنية". إذا فكرت في الأمر، ستجد أن هذه فكرة جذابة، وسيكون لديك، على سبيل المثال، بعض النماذج التي تفضل لمسات تصميمية تنتمي للهندسة المعمارية الحديثة التي يمثلها أشخاص مثل زها حديد وفرانك جيري، وأخرى متأثرة بهندسة الباوهاوس (Bauhaus) الألمانية، بينما تمزج نماذج أخرى بين أنماط متعددة.
اقرأ أيضاً: كيف تستطيع تطبيقات كشف التزييف العميق تمييز الصور المعدَّلة عن غيرها؟
يلخص المهندس والباحث في كلية لندن الجامعية (UCL)، نيكولو كاساس، العلاقة بين المهندس المعماري والذكاء الاصطناعي، قائلاً: "شعورنا بالحماس يترافق مع شعورنا بالذعر. ففي نهاية المطاف، دور المهندس المعماري والمصمم هو تقديم شيء لم يكن موجوداً من قبل. ثم يقوم المهندسون والمسَّاحون بتنفيذ هذه الفكرة. من الواضح أن الذكاء الاصطناعي يعمل في هذا الجزء بالذات: الحدس والتصور. هذا لا يعني أنه لن يكون هناك المزيد من العمل بالنسبة لنا في المستقبل، لكنه بالتأكيد سيتغير بشكل هائل".