كيف يتم جمع بيانات عنك من سيارتك؟

5 دقائق
كيف تعمل شركات بيانات السيارات على جمع بيانات السائقين وبيعها لمن يدفع أكثر؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Zapp2Photo

مع ازدياد عدد السيارات المتصلة (Connected Cars) على الطرقات، ظهرت شركات ناشئة جديدة وسوق بدأ بالنمو بقوة. تريد هذه الشركات الاستفادة من نمو صناعة السيارات المتصلة بالإنترنت لجني الأرباح، وذلك من خلال جمع البيانات الضخمة التي توفرها التطبيقات المتصلة بهذه السيارات وبيعها لمن يدفع أكثر.

من المتوقع أن يتجاوز عدد السيارات المتصلة بالإنترنت في الولايات المتحدة 305 ملايين سيارة بحلول عام 2035، بينما يتوقع تقرير آخر أن 96% من جميع السيارات الجديدة المشحونة في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030 ستكون سيارات متصلة.

ما هي شركات بيانات السيارات المتصلة؟

سوق بيانات السيارات المتصلة هو نظام بيئي يضم عشرات الشركات التي لا يعلم الكثيرون بوجودها، وهي شركات سريعة النمو تسعى إلى تحقيق الأرباح في بيئة ناشئة، وليست لديها لوائح قانونية وتشريعات منظمة بشكل شامل حتى الآن تحكم بشكل كامل كيفية استخدام هذه الشركات للبيانات التي تجمعها أو لمن تبيعها.

حدد تقرير نشرته غرفة الأخبار الاستقصائية "ذا مارك آب" (The Markup) 37 شركة تشكل جزءاً من هذه الصناعة تقوم بجمع البيانات من السيارات المتصلة وتحليلها وبيعها للأطراف الأخرى في السوق، وبينما تؤكد العديد من هذه الشركات أنها تستخدم بيانات مجمعة أو مجهولة المصدر، فإن الطبيعة الفريدة للبيانات التي يتم جمعها، مثل الموقع والحركة، يمكن أن تساعد في تحديد هوية السائقين ما يشكل انتهاكاً لخصوصيتهم.

حيث يواجه سوق صناعة السيارات الناشئ تحديات كثيرة، مثل تعرضه لضغوط شديدة لجني الأرباح من أجل جذب المستثمرين وإرضائهم. بالإضافة إلى ذلك، دفع الكشف عن معلومات حساسة من السيارات المتصلة المشرعين الأميركيين إلى التهديد بفرض حظر شامل على جمع بيانات الموقع ونقلها وبيعها، وهو جهد يمكن أن يخلق حواجز أمام شركات تصنيع السيارات الكبرى التي لا تريد المجازفة بسمعتها، ما يجبرها على التعامل مع هذه الشركات.

اقرأ أيضاً: هل ستطغى السيارات الكهربائية على سيارات الوقود بحلول عام 2030؟

أبرز اللاعبين في سوق بيانات السيارات المتصلة  

لا تشكل الشركات الـ37 التي تم تحديدها في التقرير العام كل اللاعبين في صناعة السيارات المتصلة، لكن المنتجات والخدمات التي تقدمها توضح كيفية عملها ومدى انتشارها، حيث تؤدي كل شركة دوراً فريداً، وبعضها يؤدي أدواراً متعددة، ويمكن تصنيف اللاعبين الرئيسيين لعدة فئات، هي:

  • شركات تصنيع معدات السيارات الأصلية Original Equipment Manufacturers: تتحمل هذه الشركات المسؤولية المباشرة عن جمع معظم بيانات السيارات المستخدمة، من أجل تحسين عمليات الصيانة والمساعدة الطارئة على الطريق وخدمات راحة السائق الأخرى والتحكم فيها.
  • شركات مراكز بيانات السيارات Vehicle Data Hubs: تجمع بيانات السيارات والحركة من مصادر متعددة، مثل مصنعي السيارات، وموفري بيانات السيارات الآخرين المتصلين مباشرة التي تستخدم أجهزة ما بعد البيع مثل أجهزة التشخيص في السيارة (On board Diagnostics)، أو من تطبيقات الهواتف الذكية. ثم تقوم بدمج هذه البيانات وتوحيدها في مكان واحد لتحليلها واستخلاص الرؤي منها.
  • شركات الملاحة والترفيه داخل السيارات: توفر لوحات معلومات متنوعة، بما فيها اتجاهات القيادة والموسيقى قيد التشغيل، وتطبيقات الطرف الثالث.
  • شركات تأمين السيارات: تستخدم البيانات من أجل إنشاء منتجات تأمين على أساس الاستخدام، يتم تسعيرها وفق بيانات السائق، من أجل تقديم خصومات أو زيادات في الأقساط بناءً على بيانات القيادة الفعلية.
  • شركات مشغلي حلول الاتصالات: التي تقدم حلول اتصال لشركات تصنيع السيارات، سواء كانت مدمجة في السيارة أو في شكل جهاز يتم توصيله بالمنفذ في السيارة، للعمل كنقطة اتصال عبر شبكة واي فاي للاستفادة من بيانات السيارة عن بعد.
  • مقدمو خدمات الاتصالات عن بُعد: الذين يقومون بصنع أجهزة وبرامج تتبع ما بعد البيع التي تجمع البيانات مباشرة من السيارات، لتلبية احتياجات مشغلي شركات سيارات الأساطيل التجارية، وكذلك مصنعي المعدات الأصلية.

اقرأ أيضاً: ما هي مستويات الاستقلالية في السيارات ذاتية القيادة؟ وما هو المستوى الذي وصلنا إليه الآن؟

كيف تتم عملية جمع البيانات من السيارات المتصلة؟

على الرغم من بدء المشرعين في وضع قوانين رادعة تخفف أو تُنظم عمليات جمع البيانات من السيارات المتصلة، فإن السباق مستمر بين الشركات لجمع الكميات الهائلة من نقاط البيانات حول السائقين لتغذية سوق السيارات المتصلة المتنامي بهذه المعلومات. وفيما يلي سيناريو نموذجي لكيفية جمع البيانات من السيارات:

بمجرد أن يركب السائق السيارة، تصدر العشرات من أجهزة الاستشعار المتصلة بالسيارة نقاط بيانات تتدفق إلى حاسوب السيارة، مثل ما إذا كان باب السائق مفتوح، ودرجة حرارة المقصورة الداخلية، يتم الضغط على زر الإشعال، بدأت الرحلة من هذا الموقع، حيث تتم معالجة نقاط البيانات هذه بواسطة حاسوب السيارة ويتم إرسالها لاسلكياً إلى خوادم الشركة المصنعة للسيارة في الوقت الفعلي.

مع استمرار الرحلة، يتم جمع معلومات إضافية، مثل موقع السيارة الجغرافي وسرعتها، وما إذا كانت حالات الضغط على الفرامل مطبقة، والأغنية التي يتم تشغيلها على نظام الترفيه، وما إذا كانت المصابيح الأمامية مضاءة وما هو وضع مستوى الزيت، ثم تبدأ البيانات رحلتها الخاصة من الشركة المصنعة للسيارات إلى شركات مراكز بيانات السيارة (Vehicle Data Hub) التي تقوم بمعالجة هذه البيانات، وتوزيعها إلى اللاعبين الآخرين المرتبطين بصناعة السيارات المتصلة وسوقها.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل من ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية أمراً لا مفر منه؟

العلاقة بين الشركات المصنعة وشركات بيانات السيارات

بحسب العديد من الخبراء، فإن معظم شركات تصنيع السيارات وجدت نفسها في دور غير مألوف، حيث أدركت أن أداءها سيكون أفضل لدى معالجة البيانات وتحليلها، ما أدى إلى إجبارها على التعامل مع نوع جديد من الشركات وهي شركات بيانات السيارات وتحليلاتها المستقلة، والتي تعتبر القلب النابض لسوق بيانات السيارات المتصلة.

حيث تعمل هذه الشركات على جمع بيانات السيارات والحركة من مصادر مختلفة ومتعددة، بما في ذلك شركات تصنيع السيارات نفسها، ثم تقوم بتحليلها وتقديمها للعملاء في شكل لوحة معلومات أو رؤى مستمدة من التحليل أو منتجات البيانات الأخرى، وذلك على العكس تماماً في حالة شركات تصنيع السيارات، حيث تجمع كل شركة لوحدها البيانات وتُخزنها بطريقتها الخاصة، ما يُنشئ عقبات أمام تحليل البيانات عبر الصناعة.

وفي هذا الصدد يذكر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الخصوصية للسيارات (Privacy4Cars)، أندريا أميكو: "تروج شركات بيانات السيارات بشدة لأهمية عملها في تطوير صناعة السيارات، ليس فقط السيارات المتصلة بل حتى في تحسين التطبيقات المستقبلية للسيارات ذاتية القيادة، حيث تقوم بجمع كل هذه البيانات وإنشاء قواعد بيانات ضخمة، ومحاولة توحيدها قدر الإمكان ثم بيعها حرفياً. وهذا هو نموذج أعمالها الرئيسي".

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تكون السيارات ذاتية القيادة أكثر أماناً على الطريق؟

المخاطر لا تزال عالية في الحفاظ على خصوصية السائقين

تؤكد العديد من شركات مراكز بيانات السيارات أنها تتخذ خطوات مهمة لحماية خصوصية السائق، وتأتي وسائل الحماية هذه بشكل عام في شكلين، إخفاء الهوية، أو توفير ضوابط الموافقة الواضحة والصريحة. ولكن نظراً للطبيعة الحساسة لبيانات الحركة والموقع، فإن المخاطر لا تزال عالية في انتهاك خصوصية السائقين.

على سبيل المثال، تصف شركة بيانات السيارات أوتونومو (Otonomo) نظامها الأساسي بأنه يتمتع بالخصوصية والأمان حسب التصميم، وتستخدم تكنولوجيتها الحاصلة على براءة الاختراع "طمس البيانات" (Data Blurring) لحماية خصوصية المستخدم، وتقول إنها تتوافق مع اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات (GDPR)، وقانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA)، كما أنها تعد بالقدرة على السماح بالوصول إلى البيانات الشخصية أو إيقافها بسهولة، والشفافية مع العملاء حول مشاركة البيانات، والالتزام بأفضل الممارسات الأمنية.

على الرغم من هذه التأكيدات، اكتشف محرر موقع موذر بورد (Motherboard) في عام 2021، أنه من السهل نسبياً العثور على بيانات دقيقة تبين هوية صاحب السيارة ومتابعة تحركاتها، حيث أظهرت التجربة مدى هشاشة إخفاء هوية السائقين الحقيقية، على الرغم من أن الشركات لديها بند في شروط الاستخدام ينص صراحة على عدم الكشف عن هويات أشخاص حقيقيين في البيانات التي تجمعها.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في السيارات؟

وقد وجدت الشركة نتيجة لذلك نفسها هدفاً لدعوى جماعية ضدها في محكمة كاليفورنيا في مقاطعة سان فرانسيسكو الأميركية، بينما تم وصف هذا التسريب بأنه كابوس للخصوصية بحسب المحامي في مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF) التي تعمل على حماية الخصوصية والحريات المدنية على الإنترنت، آدم شوارتز.

كما ذكر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة (Privacy4Cars) أندريا أميكو: "بينما يكتسب الأفراد في جميع أنحاء العالم المزيد من الحقوق على بياناتهم، فإن الغموض الشديد للنظام الإيكولوجي لبيانات السيارات يعني أنه من الصعب جداً على السائقين وركاب السيارة ممارسة هذه الحقوق من الناحية العملية، لأنهم لا يعرفون من لديه بياناتهم في المقام الأول".

اقرأ أيضاً: شركة هيونداي تكشف النقاب عن سيارة طائرة مستوحاة من شكل الفراشة

كيفية تقليل عمليات جمع البيانات من السيارات المتصلة

بحسب الخبراء، فإن ممارسات جمع البيانات في صناعة السيارات المتصلة يمكن أن تتخذ نهجاً مماثلاً لما فعلت شركة أبل التي أنشأت عناصر تحكم دقيقة لمراجعة الأذونات الممنوحة للتطبيقات، حيث يجب منح السائقين القدرة على السماح أو منع الوصول إلى البيانات الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري وجود تقسيم واضح لضوابط الموافقة على الميزات الاختيارية، مقابل الميزات الأساسية.

على سبيل المثال، عندما تكون عملية جمع البيانات لميزة ترفيهية في السيارة، يجب ترك الخيار للسائق للموافقة عليها أو لا. وهذا يمنح السائقين الفرصة لمعرفة البيانات التي يمنحون الإذن بجمعها بالضبط وكيف سيتم استخدامها. وبهذه الطريقة سيكون لدي السائق المعرفة الكاملة بعمليات التحكم في معالجة البيانات في السيارة، مع ضوابط قياسية لإعدادات عناصر الخصوصية في سيارته بحسب اختياره.

المحتوى محمي