تخيل أنك تتواصل مباشرة مع ملابسك لتنظيم درجة الحرارة، وأن ملابسك تستجيب لحالات التبريد أو التسخين تلقائياً. أو عند ممارسة الجري يمكن للقميص الذي ترتديه إرسال بيانات حول أدائك والمسافة التي قطعتها إلى مدربك، أو بيانات معدل ضربات قلبك إلى طبيبك في الوقت الفعلي، أو توفر القبعة التي ترتديها تحذيراً بشأن التعرض إلى غازات أول أوكسيد الكربون بناءً على السوائل الخارجة من جلدك.
في واقع الأمر ما ذُكر أعلاه ليس خيالاً، حيث تسارع الشركات للكشف عن جهودها في تطوير الأقمشة الذكية، آخرها شركة مايكروسوفت التي نشرت مسودة براءة اختراع جديدة عن تكنولوجيا الأقمشة أو المنسوجات الذكية، فما هي هذه التكنولوجيا، ولماذا هي مهمة، وما أبرز حالات استخدامها؟ والسؤال الأهم: إلى أين وصلت عمليات تطويرها حتى الآن؟
ما هي الأقمشة الذكية وكيف تُصنع؟
الأقمشة الذكية (Smart Fabrics)، وتُسمى أيضاً المنسوجات الذكية (Smart Textiles)، هي أنظمة ذكية يمكنها مراقبة الظروف المحيطة أو التواصل معها واكتشاف حالة مرتديها ومعالجتها، ظهرت كتكنولوجيا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وهي تحتوي على مكون رقمي مدمج فيها، يمكن أن تكون بطارية أو مصباحاً أو شريحة إلكترونية أو جهاز استشعار.
حيث يتم دمج هذه التكنولوجيا في النسيج من خلال طرق مختلفة، مثل الألياف الموصلة أو الطباعة ثلاثية الأبعاد متعددة الطبقات، ويتم تصنيعها وتصميمها لدمج التكنولوجيات التي توفر للمستخدم وظائف أكبر. والغرض الأساسي منها هو توفير قيمة مضافة للمستخدم، سواء من أجل المتعة أو الأداء أو السلامة.
اقرأ أيضاً: هل يمكن للبدلات الفضائية الأكثر ذكاءً مساعدة رواد الفضاء على تجنب الاكتئاب؟
ويتم تصنيع الأقمشة الذكية من مواد مثل القطن التقليدي والبوليستر والنايلون ومادة كيفلر (Kevlar)، وما يجمع كل هذه المواد أن لديها قابلية التوصيل الكهربائي والغسل بالماء، وبهذه الطريقة يمكنها تشغيل التكنولوجيا. وتتمثل إحدى طرق صنع نسيج ذكي في نسج خيوط موصلة للكهرباء في قماش يمكن ارتداؤه يمكنه توصيل أجهزة استشعار متعددة بالجسم.
وفي حالة براءة اختراع شركة مايكروسوفت والتي أطلقت عليه اسم النسيج الذكي الذي يتعرف على الأشياء ويدخل اللمس (Smart fabric that recognizes objects and touch input)، فهو نسيج مضمن بطبقات من أجهزة الاستشعار المتصلة التي يمكنها التعرف على كائن أو إيماءة، ويتضمن أيضاً دوائر كهربائية لمعالجة البيانات يمكنها استقبال ومعالجة ونقل البيانات من النسيج الذكي، بعد ذلك هناك نظام حوسبة يحتوي على وحدة تعلم الآلة يستقبل البيانات الواردة ويعالجها ويبني نماذج التنبؤ.
والنتيجة النهائية هي إمكانية تعرف النسيج على كائن موضوع بجانب قطعة قماش ذكية أو إيماءة لمس مطبقة عليه، وفي حالة وجود النسيج داخل الجيب يمكن لنظام الكمبيوتر التعرف على الأشياء الموجودة فيها أو عدمها. على سبيل المثال، يمكن للجيب إرسال تذكير إلى هاتفك عند عدم وجود سلسلة المفاتيح أو عملات معدنية، وبالنسبة إلى التعرف على الإيماءات، يمكن أن يؤدي فرك الهاتف بجيبك إلى تشغيل أمر سريع على هاتفك.
هل يمكن أن تحل الأقمشة الذكية مشكلات موجودة فعلاً؟
يمكن للأقمشة الذكية أن تحل المشكلات الشائعة في العديد من الصناعات. على سبيل المثال، يعد تنظيم درجة حرارة الجسم أمراً بالغ الأهمية في مهن مثل المهن العسكرية أو الرياضية، ومن ثم بدلاً من الاعتماد على الطرق التقليدية، يمكن للأقمشة الذكية أن تتكيف مع تغيرات درجات الحرارة بسلاسة. وفي المجال الطبي تعمل الشركات الكبرى على تطوير أقمشة ذكية لحالات استخدام مختلفة، مثل قياسات السمات الجسدية أو السلوكيات مثل معدل ضربات القلب، والتي يمكن أن تساعد الرياضيين وأخصائي التغذية والأطباء على مراقبة العلامات الحيوية للمرضى. ومع ذلك يمكن حتى الآن تصنيف الأقمشة الذكية إلى فئتين رئيسيتين، هما:
-
صناعة الأزياء والموضة
الأقمشة الجمالية الذكية هي تلك التي تستخدم التكنولوجيا لأغراض الموضة والتصميم، ويكون لها عنصر تفاعلي أو تتغير مع بيئتها، مع وجود إمكانية إضافة تجربة متعددة الحواس، من خلال الإضاءة والأصوات وغيرها. ومن الأمثلة على ذلك الأحذية الرياضية التي تضيء والأقمشة التي يتغير لونها مع حرارة الجسم.
-
تحسين الأداء
توفر الأقمشة الذكية المعززة للأداء للمستخدم تجربة فريدة تعتمد على الغرض منها. يتضمن ذلك تنظيم درجة حرارة الجسم، وتقليل مقاومة الرياح والماء، والحماية من الإشعاع، ومراقبة معدل ضربات القلب، وتقليل تأثيرات السفر عبر الفضاء، والتحكم في اهتزاز العضلات.
اقرأ أيضاً:شركات ناشئة تطور تقنيات تساعد كبار السن على العيش بسعادة وصحة
مشاريع ومنتجات الأقمشة الذكية
حتى الآن، اقتصرت معظم حالات استخدام الأقمشة الذكية على قطاعات محددة، بما في ذلك القطاعات الطبية والعسكرية والأزياء، وهذا التوجه مدفوع بشكل غير مباشر بتطوير أجهزة إلكترونية أصغر حجماً وإنتاجها أقل تكلفة. على سبيل المثال تستخدم صناعة الأزياء والترفيه الأقمشة الذكية لدمج جماليات فريدة في إبداعاتها، حيث يسمح قميص الصوت (Sound Shirt) لمن يعانون من إعاقة السمع بتجربة الموسيقى من خلال أجسادهم.
كما يعد مشروع جاكوار (Jacquard)، أحد أبرز مشاريع شركة جوجل بالتعاون مع شركة ليفي (Levi)، وهو عبارة عن سترة ذكية مصنوعة من قماش الجينز العادي، ومع ذلك فإن الأكمام مصنوعة من المنسوجات الذكية وتعمل باللمس، وتتيح للمستخدمين تغيير اختياراتهم الموسيقية وتنفيذ أوامر أخرى بلمسات خفيفة على الأكمام.
كما أن هناك قميص "عناق الدارة الرقيقة" (CuteCircuit Hug) الذي يتيح تجربة إحساس العناق البشري. لذا إذا كنت بعيداً عن شخص ما، فيمكنك استخدام تطبيق لإرسال عناق لشخص يرتدي القميص نفسه، حيث تقوم المنسوجات الذكية داخل القميص بالضغط عليك بشكل جيد مثل أي صديق.
كما فتحت المنسوجات الإلكترونية أبواباً وطرقاً جديدة للناس للتفاعل مع بعضهم بعضاً ومشاركة المعلومات، حيث طورت شركة جان سبورت (Jansport) حقيبة ظهر مصنوعة من نسيج ذكي قابل للبرمجة ومتصل بمنصات التواصل الاجتماعي، يتيح للمستخدمين مشاركة الأغاني ومقاطع الفيديو وصفحات فيسبوك وروابط مواقع الويب.
اقرأ أيضاً: كيف تعمل خوارزميات التوصية في منصة يوتيوب؟
كما تقوم شركة سبينالي للتصميم (Spinali Design) الفرنسية بتصنيع ملابس بحر متضمنة أجهزة استشعار تخبر مستخدميها بكمية تعرضهم للأشعة فوق البنفسجية، والوقت المناسب لوضع واقي الشمس، بالإضافة إلى قفازات ذكية يتم تطهيرها بالضوء باستخدام تحفيز ضوئي لثاني أوكسيد التيتانيوم.
وعلى الرغم من أن معظم هذه المشاريع أو المنتجات لم تجد رواجاً كبيراً لغرابتها أو تكلفتها العالية بالنسبة للمستهلك العادي، فإنها من ناحية أخرى تعتبر ابتكارات مهمة لصناعة الأقمشة الذكية، وتبدو أنها قد لامست أطراف ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا في المستقبل القريب.
المستقبل والتحديات
مع كل يوم تظهر العديد من المشاريع في صناعة الأقمشة الذكية، بما في ذلك الضمادات الذكية التي يمكنها مراقبة الجروح وعلاجها، والقمصان القادرة على خفض درجة حرارة الجسم، والأقمشة التي يمكنها أن تسمع، ومفارش المائدة التي تتعرف على أصناف الطعام، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسوق الاستهلاكية، هناك أمثلة قليلة لتطبيقات حقيقية، وبراءة اختراع شركة مايكروسوفت هي أحدثها.
ومع ذلك، فإن اهتمام الشركات الكبرى بالأقمشة الذكية ينبئ بمستقبل كبير ينتظر هذه الصناعة، حيث من المتوقع أن تحدث الأقمشة الذكية ثورة في سوق الأجهزة القابلة للارتداء الذكية. بحسب دراسة حديثة، وجدت أن سوق الأقمشة الذكية العالمية قد بلغت 878.9 مليون دولار في 2018، ومن المتوقع أن تصل إلى 5.55 مليار دولار بحلول عام 2025.
ومن ثم في حالة نجاح الشركات، خاصة الكبرى منها مثل شركة مايكروسوفت وجوجل وأبل، في إضافة التكنولوجيات إلى الأقمشة وتوليد قيمة للمستخدم النهائي، فإن الأقمشة الذكية كما هو الحال مع أي تكنولوجيا قد تتمكن من جذب انتباه المستهلكين واهتمامهم.