كيف يمكن لنيوم أن ترسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية؟

7 دقائق
كيف يمكن لنيوم أن ترسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ PopTika

أصبحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات الابتكار الوطنية للحكومات. حيث يحمل الاستخدام الواعد لنماذج التعلم العميق المنفذة في الذكاء الاصطناعي استخدامات جديرة بالاعتبار  على المستويين الكلي والجزئي للمجتمعات. بالإضافة إلى ذلك يعتبر الذكاء الاصطناعي أيضاً عنصراً من عناصر النفوذ الاستراتيجي ضمن سباق دولي لتحقيق التفوق في هذا المجال.

وفي حين أن الولايات المتحدة والصين قد برزتا كقادة عالميين في مجال الذكاء الاصطناعي وتقودان العالم في هذا المجال، فإن معظم الدول التي لديها بنى تحتية تكنولوجية واعدة مثل المملكة العربية السعودية تنظر إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على أنه فرصة للظهور على الساحة العالمية ومتابعة رؤاها للابتكار والتقدم.

جهود المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي

منذ فترة طويلة أصبح المجتمع السعودي يتقبل بدرجة كبيرة التعامل مع الأجهزة والخدمات المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حيث وجدت دراسة أجرتها شركة "أكسينتشر" (Accenture) للأبحاث أن 77% من الذين شملهم الاستطلاع من المجتمع السعودي أفادوا بأنهم مرتاحون للتعامل مع الخدمات والتطبيقات المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ويعود ذلك لثلاثة أسباب رئيسية هي:

  • الوجود الدائم لهذه الخدمات على مدار الساعة.
  • سرعة الاستجابة للأوامر والاستفسارات.
  • التعامل الجيد واللبق في الرد على الاستفسارات.

وهذا يعود إلى ريادة المملكة العربية السعودية في تبني أحدث التكنولوجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي منذ فترة طويلة، حيث أصبحت معظم الخدمات في البلاد تقريباً مؤتمتة، خاصة تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجياته التي تُسهّل على حجاج بيت الله أداء مناسكهم بكل سهولة وأمان، مثل آلية إدارة التفويج الذكي لقطار المشاعر المقدسة، التي تعمل على متابعة الحشود باستخدام تكنولوجيا الرؤية الحاسوبية (Computer Vision) لتحليل الحركة في جميع أدوار القطار والمسارات الرئيسية المؤدية له.

اقرأ أيضاً: باحثون سعوديون يبتكرون نظام ذكاء اصطناعي يعلق على اللوحات الفنية كما يفعل البشر

وتماشياً مع نهجها في معالجة مشكلات المجتمع من خلال الحلول الذكية الإبداعية، بدأت حكومة المملكة العربية السعودية في عمليات تعاون طويلة الأمد مع شركات التكنولوجيا محلية و عالمية للحصول على أفضل الحلول، ومن هذه الشركات شركة "هيزن" (Hazen) التي تعمل على مراقبة سلوك السائقين في الطرق، حيث تستخدم الشركة تكنولوجيا الرؤية الحاسوبية لفرض ارتداء حزام الأمان وتسجيل انتهاكات المرور.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل الشركة أيضاً على بناء كاميرات حركة مرور متطورة تتمتع بإمكانية اكتشاف سلوك القيادة الخطير من خلال تكنولوجيا تحليل الفيديو (Video Analysis)، كما تعمل الذراع الاستثمارية السعودية شركة وادي مكة (Wadi Makkah Company) في الاستثمار في الشركات الناشئة المحلية والعالمية التي تقدم خدمات وتكنولوجيات لتحسين جودة الخدمات في مدينة مكة المكرمة وتطويرها.

اقرأ أيضاً: إشارات مرور ذكية طورتها شركة فورد لتسهيل حركة السيارات

الذكاء الاصطناعي ورؤية السعودية 2030

تُعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أحد الأعمدة الرئيسية لتحقيق رؤية السعودية 2030 (Saudi Vision 2030) التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عام 2016، حيث تعتبر رؤية  استراتيجية للمملكة من أجل التطور والتحول إلى مجتمع قائم على المعرفة، وتنويع اقتصادها، وأن تصبح مركزاً عالمياً للتطور التكنولوجي. حيث إن 70% من الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030 والبالغة 96 هدفاً، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

 حيث تقود المملكة العربية السعودية جهوداً متضافرة لتعزيز قدراتها التكنولوجية، وإنشاء نظام بيئي رقمي محلي مدعوم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، مدفوعاً ببنية تحتية وطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تدعم تكنولوجيا الجيل الخامس والاستخدام المكثف للبيانات، حيث من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بما يقدر بنحو 500 مليار ريال سعودي (133 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول عام 2030.

من أجل ذلك تعمل وزارة التكنولوجيا والصناعة والقدرات الرقمية الآن على تعزيز القدرات الرقمية للقوى العاملة لتتماشى مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل إنترنت الأشياء وسلاسل الكتل (البلوك تشين)، بالإضافة إلى اعتماد استراتيجيات متقدمة لإصلاح المنظومة التعليمية من خلال إدخال المهارات الرقمية في مرحلة التعليم الابتدائي، وإصلاح المناهج الجامعية لجعلها تتناسب مع الاحتياجات المستقبلية.

اقرأ أيضاً: 10 أمثلة ناجحة لاستخدام الشركات الذكاء الاصطناعي لتحسين أعمالها وتطويرها

علاوة على ذلك، تعمل العديد من الوكالات الحكومية والخاصة معاً لدعم فكرة ريادة الأعمال والابتكار، ويتمثل أحد أهداف هذه الجهود في بناء شبكة من معامل الابتكار، حيث يمكن للطلاب ورواد الأعمال استكشاف الأفكار والتعرف على نماذج الأعمال المبتكرة واختبارها. على سبيل المثال، أطلقت الوزارة منصة تسمى فكرة تك (FekraTech)، تهدف إلى تشجيع المجتمع على مشاركة أفكاره من أجل إيجاد حلول رقمية للتحديات في مختلف القطاعات خاصة التكنولوجيات الناشئة (Emerging Technologies) من أجل توظيفها في تحسين ظروف حياة الشعب السعودي.

أبرز الخطوات المتخذة لتمكين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في رؤية 2030

عملت حكومة المملكة العربية السعودية على اتخاذ العديد من الخطوات العملية لتطوير جهودها المتعلقة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وبما يتماشى مع رؤية 2030. ومن أبرز هذه الخطوات ما يلي:

الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي:

تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي ساديا (SADIA) في عام 2019 بمهمة أساسية وهي دعم أجندة البيانات والذكاء الاصطناعي وتوجيهها داخل المملكة، وتتمثل رؤيتها في وضع المملكة العربية السعودية كرائد عالمي في الاقتصاد القائم على البيانات، وتتكون الهيئة من ثلاثة كيانات داخلية أساسية هي:

  • المكتب الوطني لإدارة البيانات National Data Management Office، اختصاراً (NDMO).
  • مركز المعلومات الوطني National International Center، اختصاراً (NIC).
  • المركز الوطني للذكاء الاصطناعي National Center for Artificial Intelligence، اختصاراً (NCAI).

تساعد هذه الكيانات الثلاثة في تحقيق الهدف بحكومة واقتصاد يعتمدان على البيانات بدعم من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حيث يهدف (NDMO) إلى رقمنة البيانات الوطنية كأصل وطني، في حين من المتوقع أن يشارك (NCAI) في إنشاء مجموعة من حالات استخدام الذكاء الاصطناعي على القطاعات ذات الأولوية، مثل الصحة. بينما يوفر (NIC) أحدث الخدمات التكنولوجية والحلول الرقمية للجهات الحكومية في المملكة. وتعتمد الكيانات الثلاثة  بشكل كبير على الدور الذي تؤديه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تطوير الألعاب الرياضية والرياضيين؟

الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي

تمكّن الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي (Saudi Company for Artificial Intelligence) اختصاراً (SCAI)  النظام البيئي من تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي من خلال الشراكات والاستثمارات المستهدفة والقدرات الاستراتيجية التي تعالج فجوات السوق على مستوى العالم، وقيادة عمليات تنمية صناعات التقنيات الناشئة في المملكة وتطويرها، لتعزيز الابتكار في القطاعات الاستراتيجية وتسريع الأولويات التكنولوجية الوطنية الرئيسية.

الهيئة السعودية للملكية الفكرية

مهمة الهيئة السعودية للملكية الفكرية (Saudi Authority for Intellectual Property) اختصاراً (SIPA)، هي تنظيم حقوق الملكية الفكرية وتعزيزها وحمايتها في المملكة. وتتمثل استراتيجيتها في تطوير نظام بيئي وطني للملكية الفكرية يدعم إنشاء بيئة مواتية للابتكار وتطوير الأعمال، ومن شأنه أن يعزز نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ويجذب الاستثمار الأجنبي، ويعزز أهداف التنمية الاقتصادية للمملكة.

وتعكس استراتيجية الملكية الفكرية الخاصة بالهيئة أفضل ممارسات الملكية الفكرية الدولية، وهي مصممة لتعزيز الابتكار. فمع وجود نظام قوي للملكية الفكرية ستتمكن الشركات من الاستفادة من القيمة الاقتصادية لأفكارها والدفاع عن نفسها بشكل أفضل ضد سرقة أفكارها وممتلكاتها الفكرية، تحقيقاً للهدف الأكبر وهو أن تصبح المملكة وجهة جذابة للمبتكرين ورواد الأعمال.

اقرأ أيضاً: في عصر الذكاء الاصطناعي: كيف يمكنك العيش طويلاً؟

مذكرات تفاهم مع شركات تكنولوجيا عالمية

 تحرص المملكة العربية السعودية أيضاً على الشراكة مع الشركات العالمية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق رؤية 2030. على سبيل المثال وقّعت المملكة ضمن قمة الذكاء الاصطناعي 2020 التي عقدت في مدينة الرياض سلسلة من مذكرات الشراكة مع شركات التكنولوجيا العالمية، حيث وقّع المركز الوطني للذكاء الاصطناعي  (NCAI) مذكرة تفاهم مع شركة هواوي لتمكين التعاون الاستراتيجي في البرنامج الوطني لتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي في المملكة.

كما وقّعت ساديا (SDAIA) مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة، لدعم الاتحاد الدولي للاتصالات في تطوير المشاريع والأنشطة والمبادرات التي من شأنها تسهيل مشاركة أصحاب المصلحة المتعددين والتعاون الدولي وتبادل المعرفة. بالإضافة إلى مذكرة تفاهم مع شركة على بابا للحوسبة السحابية (Alibaba Cloud) لتطوير الخدمات الرقمية وخدمات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل السلامة والأمن، والتنقل، وتخطيط المدن، والطاقة، والتعليم، والصحة. ومن خلال الشراكة ستعمل الشركة الصينية أيضاً على تمكين الإدارة الذكية لمدن المملكة وتوفير حلول ذكية أخرى للمواطنين.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم جوجل خوارزميات الذكاء الاصطناعي في إظهار نتائج البحث لك؟

الاستفادة من ثورة البيانات

نظراً إلى أن البيانات هي الوقود الرئيسي لتمكين عمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن إنشاء منصات متكاملة لجمعها وتحليلها أمر بالغ الأهمية. بالإضافة إلى ذلك، تسمح الرقمنة للكيانات العامة بجمع متزايد للبيانات من قبل السلطات العامة. حيث قدرت SADIA قيمة البيانات في المملكة واقتصاد الذكاء الاصطناعي بما يتراوح بين 4 – 5 مليارات دولار، مع وجود فرصة لتوليد إيرادات حكومية إضافية ومدخرات تزيد على 10 مليارات دولار أميركي من خلال تسخير رؤى البيانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في توجيه قرارات الحكومة.

وحتى الآن، أحرزت (SADIA) الكثير من التقدم للاستفادة من هذه البيانات، حيث أنشأت بنك بيانات وطنياً وحد بيانات أكثر من 190 جهة حكومية، كما تهدف الهيئة إلى بناء واحدة من أكبر مركز بيانات للخدمات السحابية في المنطقة العربية بالشراكة مع خدمة جوجل السحابية (Google Cloud) والمتوقع لها أن تكون في مدينة الدمام، وذلك من أجل دمج أكثر من 83 مركز بيانات مملوكة لأكثر من 40 جهة حكومية، واستخدام البيانات التي تم تحليلها بواسطة الذكاء الاصطناعي للكشف عن الفرص التي يمكن أن تولد المزيد من الإيرادات الإضافية.

اقرأ أيضاً: كيف قرر مهندس في جوجل أن نظام الذكاء الاصطناعي لديها أصبح واعياً؟ ولماذا أوقفته الشركة؟

مدينة نيوم الذكية ترسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في السعودية

تعتبر مدينة نيوم (Neom) الذكية التي أُعلن عن إنشائها أيضاً ضمن رؤية 2030، مستقبل الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية، حيث تمثل المدينة الذكية التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار رأس الحربة لكيفية تصور المملكة لمستقبل الذكاء الاصطناعي ومستقبلها. وتقام المدينة على ساحل البحر الأحمر بمساحة إجمالية 26.500 كيلو متر مربع، وتمتد على حدود ثلاث دول هي المملكة العربية السعودية ومصر والأردن.

ومن المخطط أن تدمج المدينة بشكل كامل نماذج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء في كل جانب من جوانب حياة ساكنيها، وتخطط المملكة أن تكون المدينة مركزاً للابتكار مدعوماً بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي في عدد من القطاعات الحيوية لاقتصاد البلاد، مثل الطاقة والمياه والتكنولوجيا الحيوية والصحة والغذاء.

اقرأ أيضا:

مستقبل الذكاء الاصطناعي في السعودية

لا يقتصر إطار رؤية السعودية 2030 على تنويع اقتصاد البلاد فحسب، بل تطمح المملكة العربية لتنفيذ عملية انتقال واسع النطاق لهيكلها الاقتصادي بشكل عام نحو حقبة جديدة من الحوكمة القائمة على الذكاء الاصطناعي لتكون واحدة من أكثر البلدان تنافسية من حيث الابتكار العلمي.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أعلنت الحكومة السعودية عن استثمار ما يصل إلى 20 مليار دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي حتى حلول عام 2030، كما تهدف الحكومة إلى الاستثمار في القوى العاملة المحلية من خلال تدريب وتطوير مجموعة تضم 20 ألف خبير في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات، 5000 منهم سيتم تزويدهم بمهارات قوية وسيكونون مؤهلين تأهيلاً عالياً بما يتماشى مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي (NSDAI) التي أُعلن عنها في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي التي استضافتها المملكة في عام 2020.

ختاماً، يكشف حجم الجهود والاستثمار المؤسسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية حول التبني الشامل لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عن واقع طموح للغاية، وعن سعي الحكومة السعودية الجاد في الحصول على مكان في الساحة العالمية للابتكار والدخول بشكل كامل في نموذج جديد للحوكمة والتحول الرقمي بشكل مبسط ومبتكر ومدعوم بالكامل بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: هل الذكاء الاصطناعي يهدد البشرية؟

المحتوى محمي