مع تزايد الهجرة إلى المدن، بدأت العديد من الحكومات في أخذ مفهوم المدن الذكية (Smart Cites) على محمل الجد، لما تقدمه من مزايا كثيرة؛ أهمها القدرة على توزيع الموارد بطريقة مدروسة ومستدامة. وقد بدأت حكومة المملكة العربية السعودية منذ فترة بوضع استراتيجياتها لتحويل مدنها إلى مدن ذكية وإنشاء أخرى جديدة تُلبي طموحات ساكنيها بعد أن شهدت ارتفاعاً حاداً في عدد سكان المدن لديها، حيث يعيش أكثر من 83% من السكان الآن في المدن.
ولكن بفضل الاستثمارات الكبيرة في مشاريع المدن الذكية والتقدم التكنولوجي، وتماشياً مع أهداف الرؤية السعودية 2030، بدأت السلطات السعودية في بتنفيذ مشروع المدينة الذكية في 10 مدن في جميع أنحاء المملكة. وبشكل أساسي، تستهدف المبادرة 5 مدن سعودية هي: مكة المكرمة والرياض وجدة والمدينة المنورة والأحساء على التوالي.
وتشمل المبادرات: تطوير مواقف وأنظمة ذكية للحفاظ على البيئة والتخلص من النفايات، وإدارة الإسكان والمجتمع الذكي، وإدارة الأراضي والأصول، وتحسين المناظر الطبيعية الحضرية، والتخطيط الحضري، حيث أكدت السلطات أنها تهدف من خلال الاستراتيجية إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية هي: تحسين نوعية حياة المواطنين، وتحقيق الاستدامة، وتحسين جودة الخدمات.
اقرأ أيضاً: ما هي فرص السعودية في قيادة تطوير المدن الذكية في المنطقة؟
مجتمع سعودي على أهبة الاستعداد
بحسب الدراسات الأخيرة، تُعتبر المملكة العربية السعودية من بين أكثر 10 بلدان في معدل انتشار الإنترنت بنسبة 97.9% على مستوى العالم. ومن هذه النقطة تعمل السلطات على الانطلاق في عملية التحول الرقمي للخدمات الحكومية، والتي تعتبر عاملاً مهماً في تحول المدينة إلى مدينة ذكية فعلاً، حيث استثمرت نحو 4 مليارات دولار لتطوير بنيتها التحتية الرقمية، في إطار سعيها لتحقيق رؤية 2030، والتي تهدف إلى إعادة صياغة الاقتصاد والمجتمع بشكل جذري.
حيث تتطلع الدولة من خلال التركيز على بناء وتحديث مدنها الحالية لتصبح مدناً ذكية إلى تنويع اقتصادها بشكل أساسي، بدلاً من الاعتماد على النفط كمورد أساسي. على سبيل المثال، تتطلع المملكة إلى زيادة حصة الصادرات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 16% إلى 50% بحلول عام 2030، كما تتوقع أيضاً أن تضيف المدن الذكية مئات الآلاف من الوظائف بحلول عام 2030، ومن ثم من المتوقع أن تقود المدن الذكية استراتيجية التنويع والمساهمة بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي المحلي بحلول عام 2030.
اقرأ أيضاً: لماذا تنفر بعض المجتمعات من فكرة المدن الذكية؟ دراسة حالة في تورنتو
الرياض حالياً ونيوم مستقبلاً: نموذجان رائدان للمدينة الذكية في السعودية
وفقاً لمرصد المدن الذكية التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، تعد العاصمة السعودية الرياض في المرتبة 30 عالمياً من أصل 118 في 2020 وثالث أذكى مدينة بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين. وفي عام 2021 قفزت إلى المرتبة الثالثة، كما احتلت المدينة المنورة المرتبة 73 عالمياً والرابعة عربياً في قائمة أذكى المدن في العالم وبين الدول العربية
بالإضافة إلى ذلك، تعمل المملكة العربية السعودية على إنشاء مدينة ذكية جديدة بالكامل على ساحل البحر الأحمر وهي مدينة نيوم (NEOM) بمساحة تصل إلى نحو 26 ألف كيلومتر مربع أعلن عنها في عام 2016 وفق رؤية السعودية 2030، حيث تهدف السلطات إلى إنشاء المدينة لتحقيق نقلة نوعية في المجتمع والاقتصاد السعودي، تحقّق فيه الانفتاح على العالم ومواكبة العصر والتقليل من اعتمادية الاقتصاد السعودي على النفط وبالتالي التنويع من مصادر دخلها الاقتصادية.
كما يهدفالمشروع للارتقاء بمعايير نمط العيش لتواكب العالم فنياً وثقافياً والتوافق بينها وبين التخطيط العمراني المتطوّر إلى جانب توفير خدمات مدنية تكنولوجية على أعلى مستوى في مجالات الصحة والتعليم والنقل والترفيه.
وبحسب الخطة، فمن المتوقع أن يتم تشغيل المدينة بالكامل بالطاقة المتجددة، مع الاستفادة أيضاً من تكنولوجيا القيادة الآلية وطائرات الركاب بدون طيار. وسيكون الإنترنت اللاسلكي عالي السرعة مجانياً، وستكون جميع الخدمات والعمليات في المدينة الذكية مؤتمتة بالكامل بنسبة 100%، حيث تخطط السلطات لضخ ما يصل إلى 500 مليار دولار بهدف أن تصبح مدينة نيوم الوجهة الأكثر كفاءة في العالم.
اقرأ أيضاً: ما هي المدن الذكية؟ وما هي أبرز التكنولوجيات التي تجعلها ذكية حقاً؟
وتهدف السلطات إلى أن تكون المدينة الذكية الجديدة حجر الزاوية في رؤية السعودية 2030 ومحركاً اقتصادياً للمملكة، حيث سيقود التنويع ويهدف إلى المساهمة بـ 380 ألف وظيفة و48 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. ووفقاً للمطورين، يركز التصميم الحضري للمدينة على الأشخاص وليس على البنى التحتية، وسيكون المشي هو المحدد للحياة اليومية في المدينة، حيث إن جميع الخدمات اليومية الأساسية، مثل المدارس والعيادات الطبية والمرافق الترفيهية، وكذلك المساحات الخضراء، ستكون على بعد 5 دقائق سيراً على الأقدام.
أبرز التحديات
وفقاً للباحث المشارك في مركز الإدارة المحلي، وهو مركز أبحاث في السياسة العامة مقره مدينة الرياض بلال صغير (Bilal Saghir)، فإن مساهمة البلديات المحلية في التخطيط الحضري ضرورية للغاية لتحويل المدن إلى مدن ذكية حقيقية.
حيث يشير الباحث في مقال له إلى أن البلديات يجب أن تختار طرقاً ذكية ومبتكرة وفعّالة لتنفيذ وظائف التخطيط بما في ذلك تخطيط استخدام الأراضي، وتطوير البنية التحتية، وتقسيم المناطق، وإنشاء الأماكن العامة، والإسكان وتوسيع الخدمات، والحفاظ على المواقع التراثية، وتحسين البيئة، وتشجيع المشاركة العامة على المستوى المحلي.
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد المدن الذكية من الحوسبة الموزعة لتسهيل الوصول إلى الخدمات؟
ويضيف في المقال نفسه إلى إن نجاح المدن في دخول العصر الرقمي يتطلب مشاركة فعّالة من السلطات المحلية لتوطين الأجندة الوطنية من خلال تنفيذ تدخلات ذكية على مستوى الأحياء. حيث إن تطوير التخطيط الحضري وممارسات الإدارة أمر حتمي للغاية ويتطلب أن تكون السلطات المحلية مجهزة باستقلالية محلية كافية وأدوار ووظائف محددة بوضوح إلى جانب القدرات المالية والتكنولوجية لتتمكن من تنفيذ الخطط بشكل كامل.
وبعكس المجالس البلدية الأوروبية التي تعتمد على إيراداتها الخاصة، فإن معظم المجالس البلدية السعودية تفتقر إلى كل من الميزانية والرقابة اللازمتين لأداء وظيفتها؛ ومن ثم تعتبر قيود الميزانية إلى جانب عدم قدرة المجالس على إنفاقها بأفضل طريقة ممكنة، عائقاً بارزاً في التمويل المستدام للمشاريع الذكية. كما تعاني المجالس الإقليمية من عدم كفاية الميزانيات لإجراء البحوث الخاصة بها أو التحكم في الميزانية الإقليمية لتحديد أولويات التنمية.
اقرأ أيضاً: كيف تخطط مصر لإنشاء عشرات المدن الذكية لاستيعاب الزيادة السكانية المتوقعة؟
ومن ثم بحسب الكاتب، فإن هذا يتطلب الحاجة إلى إصلاحات عبر المؤسسات المحلية؛ حيث تحتاج الهيئات المحلية إلى التمكين بمزيد من الاستقلالية الإدارية والمالية حتى تتمكن من تخطيط برامج المدن الذكية وتنفيذها بنجاح.