الصين تعمل على تدقيق كل التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي قبل نشرها

4 دقائق
الصين تعمل على تدقيق كل التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي قبل نشرها
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز.

تواصل الصين تعزيز آلتها الضخمة للرقابة، وهذه المرة، تقترح تغييرات في طريقة تنظيم الملايين من التعليقات المنشورة على الإنترنت في الصين كل يوم.

ففي 17 يونيو/ حزيران، قامت إدارة الفضاء السيبراني الصينية المسؤولة عن تنظيم الإنترنت بنشر تحديث أولي حول مسؤوليات المنصات ومنتجي المحتوى من حيث إدارة التعليقات على الإنترنت. وفي هذه المسودة، هناك سطر بارز وواضح: يجب تدقيق جميع التعليقات على الإنترنت قبل نشرها. ويشعر المستخدمون والمراقبون أن هذا الإجراء يمكن أن يُستغل لزيادة التضييق على حرية التعبير في الصين.

قانون إدارة التعليقات قيد التنفيذ

تمثل التغييرات الجديدة تعديلات على إدارة خدمات التعليقات على منشورات الإنترنت، وهو قانون دخل حيز التنفيذ أول مرة في 2017. وبعد خمس سنوات، ترغب إدارة الفضاء السيبراني بتحديثه.

يقول أحد كبار الباحثين في مركز بول تساي للصين في مدرسة القانون بجامعة يال، جيريمي داوم: "إن التعديلات المقترحة تتضمن بشكل أساسي تحديثاً لمجموعة "قواعد التعليقات" الحالية حتى تتوافق مع لغة وسياسات السلطة الحديثة، مثل القوانين الجديدة حول حماية المعلومات الشخصية، وأمن البيانات، وقوانين المحتوى العامة".

وتغطي التعديلات نطاقاً واسعاً من "التعليقات"، بما فيها أي شيئ من منشورات المنتديات، والردود، والرسائل المتروكة على لوحات الرسائل العامة، و"الدردشات السريعة" (وهي طريقة مبتكرة تستخدمها منصات الفيديو الصينية لعرض التعليقات في الزمن الحقيقي على الفيديو). وتقع جميع أشكال التواصل ضمن التعليقات في إطار هذا القانون، بما فيها النصوص المكتوبة، والرموز، وصور "جيف" (GIF)، والصور العادية، والصوت، ومقاطع الفيديو.

اقرأ أيضاً: إنستقرام يستخدم الذكاء الاصطناعي لمحاربة التعليقات المسيئة

وتوجد حاجة إلى قانون مخصص للتعليقات، وذلك بسبب العدد الهائل الذي يجعل من المستحيل مراقبتها بنفس دقة مراقبة الأشكال الأخرى من المحتوى، مثل المقالات أو مقاطع الفيديو، كما يقول المراقب السابق في موقع "ويبو" (Weibo) والذي يبحث حالياً في الرقابة الصينية في "تشاينا ديجيتال تايمز" (China Digital Times)، إريك ليو.

ويقول ليو: "من الأشياء التي يعرفها الجميع في مجال صناعة الرقابة هو أنه لا أحد يعير انتباهاً للردود والدردشات السريعة. وتتم مراقبتها دون اهتمام وبأقل قدر من الجهد".

ولكن مؤخراً، كانت هناك عدة حالات غريبة لتعليقات متفلتة من حسابات حكومية على ويبو، حيث أشارت إلى كذب الحكومة، أو رفضت رواية رسمية. وهو ما يمكن أن يكون قد دعا السلطات المسؤولة إلى هذا التحديث.

تُعتبر منصات التواصل الاجتماعي الصينية في المقدمة من حيث الرقابة، حيث تعمل بشكل فعال على إزالة العديد من المنشورات قبل أن تتمكن الحكومة والمستخدمون الآخرون من رؤيتها. وقد اشتهرت شركة "بايت دانس" (ByteDance) بتوظيف الآلاف من مراقبي المحتوى، والذين يمثلون النسبة الأكبر من موظفي الشركة. كما تعتمد شركات أخرى على التعهيد من شركات "خدمات الرقابة"، بما فيها شركة تمتلكها صحيفة "بيبولز ديلي" (People’s Daily) الناطقة باسم الحزب في الصين. كما أن المنصات تتعرض بشكل متواصل إلى العقوبات بسبب أخطائها في ترك بعض المنشورات تفلت من الرقابة.

اقرأ أيضاً: كيف يتحكم الذكاء الاصطناعي فيما تراه على وسائل التواصل الاجتماعي؟

وتعمل حكومة بكين بشكل متواصل على تطوير سيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وإصلاح الثغرات، وفرض قيود جديدة. ولكن الغموض الذي تتميز به التعديلات الأخيرة أثار المخاوف من تجاهل الحكومة للمشكلات العملية. وعلى سبيل المثال، إذا توجب فرض قاعدة جديدة حول وجوب مراجعة التعليقات قبل النشر –ما يعني ضرورة قراءة المليارات من الرسائل العامة التي ينشرها الصينيون يومياً- فقد يؤدي هذا إلى إجبار المنصات على زيادة عدد الموظفين المختصين بالرقابة بنسبة كبيرة. أما السؤال الصعب فهو ما إذا كانت الحكومة تنوي فرض هذه القاعدة على الفور.

وهناك تغيير محدد حول "先审后发" أو (Trial before release) ويعني المحاكمة قبل الإطلاق، وهو أسلوب في الرقابة تستخدمه بعض منصات التواصل الاجتماعي الصينية لتدقيق المحتوى قبل نشره حتى، وقد لفت هذا التغيير انتباه الكثيرين. فعلى ويبو، وهي خدمة ذائعة الصيت وشبيهة بمنصة "تويتر" (Twitter)، يتم تطبيق هذه الإجراءات الصارمة فقط على الحسابات التي سبق لها أن انتهكت قواعد الرقابة، أو عند وجود نقاش متواصل ومحتدم حول موضوع حساس. وقد اقتصرت نسخة 2017 في تطبيق هذه الإجراءات على "التعليقات حول المعلومات الجديدة"، بحيث لا داعي لتطبيقها على كل شيئ. ولكن التحديث الجديد لا يتضمن هذا الشرط.

تعديلات قيد الدراسة!

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يشعر بعض المستخدمين الصينيين بالقلق من أن هذا يعني توسيع هذا الأسلوب لتغطية جميع التعليقات على الإنترنت. وتحت منشور ويبو حول هذا التغيير، يقول أكثر التعليقات حيازة على الإعجابات: "هل هذا القيد ضروري؟ نتمنى وجود ضمانة لعدم إساءة استخدامه".

يقول ليو إن هذا التأويل للتغيير المقترح يتسم بالتطرف، لأن مراقبة جميع التعليقات ستحتاج إلى إنفاق مبالغ فلكية من قبل منصات التواصل الاجتماعي. ومن غير المرجح أن تصل الأمور ببكين إلى فرض رقابة شاملة قبل النشر، ولكن ليو يقول إن هذه التعديلات تهدف على الأرجح إلى دفع المنصات إلى تحمل المزيد من المسؤولية في مراقبة التعليقات، وهو أمر كانت تتجاهله من قبل.

ويمكن أن يحدد وجود نظام رقابة قبل النشر ما إذا كانت الاحتجاجات ستندلع على الإنترنت في وسائل التواصل الاجتماعي. ففي أبريل، حقق فيديو حول إجراءات الحجر في شنغهاي بسبب كوفيد انتشاراً واسعاً على قنوات "وي تشات" (WeChat) فقط، ولكن ليس على "دويين" (Douyin) (وهو النسخة الصينية من "تيك توك" (TikTok))، ويُعزى هذا جزئياً إلى قيام المنصة الثانية بتدقيق كل مقطع فيديو قبل النشر، على عكس الأولى في ذلك الوقت.

تقوم الجهات المسؤولة بدراسة التعليقات العامة حول التعديلات المقترحة حتى 1 يوليو/ تموز، 2022، وقد تحتاج إلى عدة أشهر قبل التطبيق. وحالياً، ما زالت النقاشات حول مدى صرامة تطبيق هذا التعديل في حيز التوقعات والتخمينات. ولكن من الواضح أن الصين تعمل على اكتشاف جميع الثغرات في الجدار الناري العظيم، وتحدث قوانينها لمعالجتها. ويقول جيريمي داوم إن أحدث التغييرات "جزء فج وفاقع الوضوح من التوسع الصيني المستمر لقوانين المحتوى، والتي تجاوزت الوسائط الأساسية لتغطي أيضاً محتوى المستخدمين المولّد عبر التعليقات وغيرها من الميزات التفاعلية".

وستقوم هذه التغييرات أيضاً بتوسيع نطاق الجهات المخولة بتطبيق الرقابة على التعليقات على الإنترنت. وحالياً، تطلب إدارة الفضاء السيبراني الصينية من المنصات مشاركة صلاحيات مراقبة التعليقات مع منتجي المحتوى، أو كما يقال في مصطلحات الإنترنت الصينية "مشغلي الحسابات العامة". وحالياً، أصبحت الحسابات المرتبطة بالحكومة مخولة بهذه الصلاحيات في مواقع مثل ويبو. وإذا تحول هذا التعديل إلى قانون، فسوف يصبح المنتجون أيضاً جزءاً من آلة الرقابة، ويصبحون مسؤولين عن تحديد المحتوى "غير القانوني أو السلبي" والتبليغ عنه.

اقرأ أيضاً: الإنترنت تتغير بشكل جذري بالنسبة لمواطني هونغ كونغ

"مع أن شبكة الإنترنت الصينية تخضع لأشد أنواع الرقابة صرامة في العالم، إلا أنه ما زالت هناك بعض المساحات المتاحة لمناقشة المواضيع الحساسة. حيث يستطيع الناس مراوغة المراقبين بذكاء، وذلك بإجراء تعديلات مبتكرة على المنشورات المحذوفة"، كما يقول الباحث ومستشار التنسيق في منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في الصين، ويليامز ني.

ويكمل قائلاً: "ولكن النظام الجديد يمكن أن يجعل تطبيق هذا الأسلوب مستحيلاً، ويزيد من تضييق الخناق على مساحة الحرية الصغيرة للتعبير عن المواضيع الحساسة".

المحتوى محمي