تلعب التكنولوجيا الآن دوراً مهماً في مجال تطوير وصناعة الأدوية، وقد تحققت العديد من الاختراقات في هذا المجال بفضل تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، التي ساهمت في تسريع وتحسين جهود اكتشاف الأدوية الجديدة وتطويرها وتصنيعها.
تسعى العديد من الشركات والمؤسسات البحثية والجامعات للاستفادة من الحواسيب الفائقة، وهي حواسيب تملك قدرات حوسبة هائلة تفوق الحواسيب الشخصية بملايين المرات، ويمكنها أن تساعد في تحليل كميات ضخمة من البيانات وبالتالي تلعب دوراً مهماً في تحديد كيفية تأثير المركبات الكيميائية المختلفة على خلايا وأنسجة الإنسان أو الحيوان، ومعرفة أي المواد مفيدة لعلاج الأمراض أو تخفيف أعراضها.
ما الذي تقدمه الحواسيب الفائقة لعلماء الأدوية؟
في العام الماضي، أطلقت شركة "إنفيديا" (NVIDIA) الأميركية العملاقة حاسوب "كامبريدج-1" (Cambridge-1)، الذي تم تصنيفه كأقوى حاسوب عملاق في المملكة المتحدة، وهو مخصص ليستخدمه العلماء والباحثون في مجال الرعاية الصحية في المملكة المتحدة لحل المشكلات الطبية الملحة باستخدام الذكاء الاصطناعي والمحاكاة الحاسوبية.
تبلغ تكلفة هذا الحاسوب نحو 100 مليون دولار أميركي، وسوف يمكن العلماء والباحثين من الحصول على فهم أعمق لبعض الأمراض مثل أمراض الدماغ، كما سيساعدهم في تحديد الاختلالات والتشوهات في الحمض النووي والتي تؤدي لظهور الأمراض الوراثية.
بالإضافة إلى ذلك، سيستخدم هذا الحاسوب الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوية جديدة، وقد أبدت عدة شركات ومراكز بحثية وجامعات اهتمامها به، من بينها شركة "أسترازينيكا" (AstraZeneca) وشركة "غلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline) وشركة "أكسفورد نانوبور تكنولوجيز" (Oxford Nanopore Technologies) و"كلية كينجز لندن" (King's College London).
اقرأ أيضاً: أقوى حاسوب فائق في العالم مصمم خصيصاً للذكاء الاصطناعي
اكتشاف الأدوية عن طريق تحليل البيانات
للحوسبة الفائقة قيمة هائلة في كافة المجالات، إنها تمنح علماء الكيمياء الحيوية رؤية واضحة ودقيقة ومفصلة للخلايا والمركبات الكيميائية وتأثيراتها.
من خلال رؤية الخلايا الصغيرة، وكيف تدخل إليها المركبات وتتحرك فيها وتؤثر عليها، يمكننا تحديد أنواع المركبات التي تحدث أفضل التأثيرات بأقل الأضرار، هذا الأمر ليس سهلاً، ويتطلب قدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات.
في هذه المرحلة، يأتي دور التكنولوجيا، فقد بينت دراسة أجراها باحثون في معهد الهندسة الحيوية في كاتالونيا بإسبانيا، أن استخدام تكنولوجيا التعلم الآلي بدلاً من طرق معالجة البيانات التقليدية يقلل من المدة التي تستغرقها معالجة البيانات من عدة أشهر إلى عدة ثوانٍ فقط.
بالإضافة إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق، تساعد الحواسيب العملاقة مثل كامبريدج-1 وغيرها على إجراء أبحاث معقدة للغاية في مجال الأدوية، من خلال قدرتها على معالجة بيانات لا تستطيع الحواسيب العادية معالجتها. ما يعزز قدرة العلماء على تطوير أدوية فعالة لعلاج الأمراض بسرعة أكبر.
ليس هذا فقط، تساعد الحواسيب العملاقة على تحليل البيانات الطبية الوراثية وفهم تأثير الأدوية على كل مجموعة من البشر، وقد رأينا ذلك مع بعض لقاحات كوفيد-19، التي عملت بشكل فعال للغاية على بعض المجموعات العرقية، فيما لم تعطِ نفس النتيجة على مجموعات عرقية أخرى.
يقول مسؤول الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية وعلوم الحياة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا بشركة إنفيديا كريج رودس إن جينوماً بشرياً واحداً يعطينا بيانات بحجم 1 جيجابايت تقريباً، أي بحجم فيلم قصير تقريباً، لكن عندما يكون العلماء بحاجة لتحليل ومعالجة بيانات الكثير من الجينومات، لن تكون الحواسيب العادية قادرة على فعل ذلك، لهذا السبب، يلجأ العلماء للحواسيب العملاقة ذات القدرات الفائقة مثل حاسوب كامبريدج-1.
بفضل قدرات المعالجة الكبيرة للحواسيب العملاقة، يستطيع العلماء تحديد الأدوية التي من المحتمل أن تكون مفيدة وفعالة. هذا يوفر على شركات الأدوية الكثير من الوقت والمال، كما يساعد في تطبيق تجارب سريرية أكثر تنوعاً ودقة.
اقرأ أيضاً: هل الحواسيب الخارقة التي تحاكي الدماغ البشري خرافة؟
هل الحواسيب العملاقة ستشكل مستقبل علم الأدوية؟
كامبريدج-1 ليس الحاسوب العملاق الوحيد الذي يتم استخدامه في الأبحاث المتعلقة بعلم الأدوية، فقد حصلت كلية الكيمياء بجامعة نوتنغهام على حق الوصول إلى حاسوب "ماركوني 100" (Marconi100) العملاق الذي طورته شركة "آي بي إم" (IBM) و"إنفيديا" (NVIDIA) في إيطاليا، وقال الأستاذ جوناثان هيرست الذي يقود المشروع إنهم سيستغلون قدرات التعلم الآلي والمحاكاة الجزيئية لاكتشاف المركبات التي لها قيمة علاجية متوقعة، وقيادة جهود اكتشاف الأدوية.
وفي اليابان، يستخدم باحثون يابانيون حاسوب "فوجاكو" (Fugaku) الذي يعد واحداً من أقوى الحواسيب العملاقة في العالم لإيجاد علاجات للأمراض. أحد أشهر إسهامات هذا الحاسوب كانت تحديد الأدوية المتوفرة في السوق التي يمكن استخدامها لعلاج كوفيد-19، وقد ساعد ذلك في تضييق الاحتمالات المتاحة من 2000 دواء متوقع إلى عشرات الأدوية فقط.
في عام 2019، تم اختيار 8 أماكن في القارة الأوربية لتكون مواقعَ لحواسيب عملاقة ستستخدم في تحسين تشخيص الأمراض وتطوير أدوية جديدة،
تشير هذه التوجهات والمساعي إلى أن الحواسيب العملاقة ستؤدي دوراً مهماً في البحث العلمي الطبي، وسوف تغير عمل شركات الأدوية والباحثين بشكلٍ جذري، وربما ستمكننا قريباً من إيجاد علاجات فعّالة للأمراض المستعصية.
اقرأ أيضاً: حاسوب عملاق جديد يعيد الصدارة للولايات المتحدة في مجال الحوسبة الفائقة
تعتبر الحواسيب الكمومية أيضاً تكنولوجيا واعدة لتطوير الأدوية والعلاجات، نظراً لقدرتها على محاكاة جزيئات أكبر حجماً وأكثر تعقيداً، ما قد يساهم في تغيير قواعد البحث العلمي. هذه الحواسيب ما تزال قيد التطوير وليست متاحة حالياً للاستخدام، لكن شركة ماكينزي الأميركية للاستشارات الإدارية توصي شركات الأدوية بأن تستعد لاستخدام الحواسيب الكمومية، كونها توفر قدرات حوسبة أقوى من أي حاسوب عملاق بملايين المرات.