هل تعتبر معارك المدن ضد كاميرات المراقبة في شوارعها خاسرة؟

10 دقائق
هل تعتبر معارك المدن ضد كاميرات المراقبة في شوارعها خاسرة؟
حقوق الصورة: غابرييل فوانو

أثناء الذهاب إلى محطة القطار المركزية في مارسيليا، أشارت إيدا نانو إلى ما يبدو كعمود إنارة خارجي في شارع آبييه. وكان العمود الطويل ينحني نحو الأعلى متجهاً إلى قبة بيضاء تظلل كرة سوداء. ولكن هذه القطعة الأنيقة من الديكور الحضري ليست بمصباح. بل هي كاميرا فيديو، بزاوية رؤية 360 درجة للشارع الضيق.

ترغب نانو، وهي مطورة بعمر 39 سنة، أن تنشر التوعية بين مواطني مارسيليا حول خضوعهم للمراقبة. وهي جزء من مجموعة تحمل اسم تكنوبوليس، وقد كانت هذه المجموعة تنظم الجهود لمتابعة تزايد انتشار المراقبة بالفيديو. وبوجود ما يقارب 1,600 كاميرا في المدينة، هناك الكثير مما يمكن العثور عليه. وتقول نانو إن هذه الكاميرات تتضمن 50 كاميرا ذكية مصممة لكشف السلوك المريب والتركيز عليه، على الرغم من أنها ليست متأكدة من أماكن وجودها، أو كيفية استخدامها.

اقرأ أيضاً: توزع كاميرات المراقبة في مدينة أميركية يثير مخاوف الخصوصية والتمييز

كاميرات المراقبة تغزو شوارع المدن

لقد أصبحت كاميرات الفيديو ميزة مقبولة في الحياة الحضرية في الكثير من أنحاء العالم. فهناك الكثير من المدن الصينية التي تغطيها شبكات كثيفة من هذه الكاميرات. كما أن لندن ونيودلهي تحذوان حذو هذه المدن.

أما الآن، فقد انضمت فرنسا إلى الركب. فمنذ 2015، وهي السنة التي شهدت هجوم باتاكلان الإرهابي، ازداد عدد كاميرات المراقبة في باريس إلى أربعة أضعاف. وقد استخدمت الشرطة هذه الكاميرات لفرض إجراءات الحجر أثناء الوباء، ومراقبة المظاهرات والاحتجاجات، مثل مظاهرات السترات الصفراء. كما تم إقرار قانون أمني جديد على مستوى البلاد في العام الماضي للسماح بمراقبة الفيديو باستخدام طائرات الدرون التابعة للشرطة خلال الأحداث الكبيرة، مثل المسيرات والاعتصامات.

هل تعتبر معارك المدن ضد كاميرات المراقبة في شوارعها خاسرة؟
حقوق الصورة: غابرييل فوانو

وبالنسبة لنانو، فإن الانتشار المتواصل للمراقبة يمسها على المستوى الشخصي. فقد ترعرعت في ألبانيا التي تنقلت بين أنظمة سياسية مختلفة في التسعينيات. وقد كان أبوها سياسياً معارضاً للحزب الذي كان في موقع السلطة لبعض الوقت. وتقول: "لقد كانت فترة صعبة بالنسبة لنا جميعاً، لأننا كنا جميعاً تحت المراقبة". وكانت عائلتها تشتبه بأن السلطات قامت بزرع أجهزة تنصت في جدران المنزل. ولكن حتى في فرنسا، ما زالت الحريات ضعيفة. وتقول: "لقد عاشت فرنسا حالة الطوارئ أغلب الوقت خلال السنوات الخمس الماضية. وقد شهدت زيادة في القيود المفروضة على الحريات".

وقد عبر الكثير عن مخاوفهم في كافة أنحاء البلاد. ولكن نشر شبكات المراقبة واجه مقاومة كبيرة على وجه الخصوص في مارسيليا، وهي ثاني أكبر مدينة في فرنسا. فهذه البلدة المتوسطية الصاخبة والثائرة تمثل نقطة تقاطع لخطوط الزلازل التي تنتشر عبر فرنسا الحديثة. فهي معروفة بمقاهيها العصرية، وستوديوهاتها الفنية، ومراكز الشركات الناشئة، كما أنها تتمتع بسمعة سيئة وواسعة الانتشار من حيث المخدرات، والفقر، والنشاط الإجرامي. ومع أن سكانها يتميزون بأعلى درجة من التنوع في أوروبا، إلا أنها تقع في إقليم ألب كوت دازور، وهي منطقة تتسم بتوجهات يمينية قوية للغاية. وقد عبرت المدينة عن مقاومتها ورفضها. ويمكن تلخيص موقف المدينة بكتابة على الجدران (غرافيتي) يمكن رؤيتها على الطريق "A7: La Vie Est Bell" (الحياة جميلة).

اقرأ أيضًا: هل ينجح الذكاء الاصطناعي حقاً في مراقبة خطاب الكراهية؟

وهو ما يجعل من مارسيليا خياراً غريباً لاختبار تكنولوجيا المراقبة. فعندما زار الرئيس إيمانويل ماكرون المدينة في سبتمبر/ أيلول من العام 2021، أعلن عن تقديم 500 كاميرا إضافية من كاميرات المراقبة إلى مجلس المدينة. وستوضع في منطقة من المدينة تمثل موطناً لعدد كبير من المهاجرين، وقد أصبحت مشهورة بالعنف ونشاطات العصابات. وأطلق عندها تصريحاً صارماً: "إذا لم نتمكن من النجاح في مارسيليا، فلن نتمكن من النجاح في فرنسا".

كان هذا الإعلان مجرد أحدث حلقة في سلسلة من التطورات في مارسيليا، والتي تبين تزايد الاعتماد على الكاميرات في الأماكن العامة.

وقد بدأ الناشطون بمواجهة هذا الانتشار، مركزين على الانتشار الواسع والأداء الضعيف للنظام الحالي. ويبدو أن رسالتهم تلاقي صدى لدى الآخرين. ففي 2020، انتخبت المدينة إدارة جديدة تعهدت بفرض إيقاف مؤقت على استخدام أجهزة المراقبة بالفيديو. ولكن، هل نجح سكان مارسيليا في مسعاهم، أم أنهم يخوضون معركة خاسرة مسبقاً؟

معركة مارسيليا ضد الرقابة

قامت مجموعة مناصرة الحقوق الرقمية "لا كوادراتيور ديو نيت" (La Quadrature du Net) بإطلاق حملة وشبكة الناشطين تكنوبوليس، وذلك بالتعاون مع مجموعات أخرى، وبدأت هذه الحملة عملها في 2019. وكان الباحث المساعد في مركز الإنترنت والمجتمع في المركز الوطني للأبحاث العلمية "CNRS" فيليكس تريغيه أحد الذين أطلقوا هذه الحملة. وقد شهد فيليكس زيادة في أعداد المقالات في وسائل الإعلام الفرنسية حول مشاريع المراقبة الجديدة، وأصيب بالصدمة من درجة افتقار هذه المقالات إلى الطابع النقدي، ويقول: "لقد كانت إحدى المقالات عبارة عن إعادة صياغة بسيطة للبيان الصحافي لمجلس مدينة مارسيليا".

أما ما دفعه إلى التحرك فهو مقال في صحيفة "لو موند" (Le Monde) في 2017 للإعلان عن مشروع البيانات الكبيرة للسلام العام، والذي تم تمويله باستثمار بقيمة 1.5 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي ومدينة مارسيليا ومنطقة بوش دو رون. ويقوم هذا المشروع على استجرار البيانات من الشرطة المحلية والمطافئ والمستشفيات وكاميرات الفيديو، ويعتمد على الذكاء الاصطناعي في محاولة لتحسين التعامل مع المخاطر الأمنية وتوقعها.

اقرأ أيضاً: في زمن فيروس كورونا: أبرز النصائح والخطوات لحماية المعلومات والبيانات

ولم تركز مقالة لو موند بشكل جيد على حماية الخصوصية، أو احتمالات تسريب المعلومات، أو مخاطر التحيز، وهو مشكلة كبيرة نظراً لعدد سكان مارسيليا من أصول من شمال إفريقيا. وكتب تريغيه إلى الصحيفة، وتم تصحيح المقالة لاحقاً. ولكنه أصبح مقتنعاً بأن ما كان يحدث في مارسيليا كان مجرد عارض ناجم عن ظاهرة أكثر انتشاراً. ويقول: "بدأ تطبيق الكثير من هذه المشاريع على المستوى المحلي. ولم يدرك أحد من المجتمع المدني ما كان يحدث، حتى من ينتمون إلى أوساط الناشطين والمدافعين عن حق الخصوصية".

وفي فبراير/ شباط من العام 2019، نجحت لا كوادراتيور ديو نيت ومجموعة الحقوق المدنية في مواجهة خطة لإطلاق نظام تعرف على الوجوه لمراقبة المداخل والمخارج في مدرستين ثانويتين، إحداهما في مارسيليا والأخرى في نيس. وفي نفس السنة، انطلقت تكنوبوليس لتوثيق ومقاومة هذا الانتشار عبر فرنسا لمشاريع "المدن الآمنة"، وهو توصيف يحمل شيئاً من مواصفات العلامة التجارية (تستخدمه الشركات في أغلب الأحيان) للتحدث عن الجهود الرامية إلى استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي والمراقبة للتخفيف من الجريمة.

اقرأ أيضاً: منظومة المراقبة الخاصة في جنوب إفريقيا تعزز نظام فصل عنصري رقمي

وفي مارسيليا، قامت تكنوبوليس ببناء خريطة حية يستطيع المتطوعون تحديد أماكن الكاميرات عليها. كما بدأت المجموعة أيضاً بتتبع مشاريع المراقبة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في عدة مدن. وحالياً، توجد مجموعة تكنوبوليس في مونبلييه وأخرى في بلجيكا، وسيكون هناك قريباً ثالثة في باريس. ويقوم المتطوعون بالعثور على سجلات مبادرة المراقبة وتدقيقها في البيانات الصحافية والتقارير الصحافية والمنشورات التجارية والمهنية المختلفة. أما الهدف فهو بناء "سجل لهذه المشاريع، والتي تتسم بدرجة عالية من التعتيم" كما يقول تريغيه. ويضيف: "لدينا مشكلة حقيقية من حيث الشفافية الديمقراطية".

وتعتقد المجموعة أن ناشطيها ساهموا بزيادة التوعية حول هذه المسألة. ففي 2019، قامت بالاشتراك مع مجموعة محلية بفضح خطط في سانت إتيان، وهي بلدة قرب ليون، لاستخدام ميكروفونات تعمل بالذكاء الاصطناعي لكشف الأصوات المريبة في مركز البلدة، وقامت المجموعتان بإطلاق حملة ضدها. وفي نهاية المطاف، تم التخلي عن هذه الخطط. كما أن المرشحين الفائزين في الانتخابات المحلية في 2020 في مارسيليا خاضوا الانتخابات وفق برنامج يتضمن فرض إيقاف مؤقت على المراقبة بالفيديو، وتأسيس "مجالس مواطنين" لتقييم ممارسات الشرطة. ولكن الفريق لم ينجح في معرفة المزيد حول مشروع البيانات الكبيرة للسلام العام، على الرغم من تقديم عدة طلبات تتعلق بحرية المعلومات. وما زال توصيف المشروع على موقع المجلس يحمل صيغة المستقبل، وكأنه لم يتم إطلاقه. وفي هذه الأثناء، فقد ازداد عدد كاميرات المراقبة في المدينة إلى العدد الحالي الذي يكاد يصل إلى 1,600 من أقل من 900 في 2016. أما بالنسبة للكاميرات الذكية، فما زالت منتشرة في مارسيليا على الرغم من استخدامها في الاختبارات وإيقافها عن العمل بعد ذلك، وفقاً لعضو المجلس المحلي كريستوف هيوغون. وعلى الرغم من الجهود المتكررة، لم يجب مجلس مدينة مارسيليا عن الأسئلة الموجهة إليه عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني.

اقرأ أيضاً: كاميرات تعمل بالذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمحاولات الانتحار على الجسور

مراقبة مستمرة في مارسيليا

تمثل ساحة جون جوريس في مارسيليا نموذجاً جديداً حول المراقبة المنتشرة. ففي السنة الماضية، أعيد افتتاح الساحة التي كانت بائسة بعد سنتين من أعمال التطوير. والآن، توجد فيها مناطق للجلوس وملعب. كما تم ترتيب الأشجار بشكل هندسي. وتقوم أكثر من 20 كاميرا بمراقبة الساحة ذات التصميم المفتوح.

تقول الباحثة المختصة بالمدن والمراقبة في جامعة ساينسز بو في مارسيليا، ميرتي بيكو: "تستطيع الكاميرات رؤية جميع مناطق الساحة تقريباً، لأن سهولة الرؤية هي أحد أسس هذا التصميم".

وتمثل هذه الكاميرات، مهما كانت مخفية، مشكلة بالنسبة للبعض. يقول أحد السكان القدامى: "إنه تلصص"، مشبهاً النظام بأبراج مراقبة حول السجن. ولكن السجناء في هذا السجن ذي المراقبة الخفية ليسوا متعاونين على الدوام. فعندما يحل الليل، ينتشر الصخب إلى درجة أن بعض المقاهي تغلق مساحاتها الخارجية. كما أن الأرصفة مغطاة بكتابات الغرافيتي المناهضة للرأسمالية، والمساندة للمرأة، والمناهضة للعنصرية، وحتى الطريفة ببساطة. وخلال احتفالات "فيستيفال دو لا بلين" الصاخبة، والتي أقيمت هذا العام بشكل مخالف للقانون لانتهاكها قيود كوفيد، تم تثبيت علب بخاخات الطلاء على عصي طويلة واستخدامها لرش عدسات الكاميرا وتغطيتها بالطلاء.

لم تصدر الجهات الرسمية أي إحصاءات حول تأثير كاميرات المراقبة في مارسيليا على الجريمة. ولكن توجد هناك أسباب تدعو إلى الشك بأن هذا التأثير لم يصل إلى المستوى الذي يطمح إليه المسؤولون. وعندما درس عالم الاجتماع لوران موتيلي تأثير المراقبة بالفيديو على مدينة ساحلية غير محددة، ولكنها تحمل تشابهات واضحة مع مارسيليا، وجد أنه في 2015 كانت الكاميرات مفيدة في التحقيقات في 2.2% من الجرائم، حيث طلبت الجهات المختصة إجراء بحث بالصور. ويبدو أن دراسات أخرى توصلت إلى أرقام مشابهة، ففي 2020، أجرى قسم الأبحاث التابع لكلية الشرطة في فرنسا بحثاً توصل أيضاً إلى أن نسبة تقديرية تبلغ 1% من الجرائم تم حلها بمساعدة صور الفيديو.

وغالباً ما يُشار إلى أن هذه الكاميرات تهدف إلى ردع الجريمة. ولكن الدراسات لم تحسم هذه النقطة. وبالفعل، يبدو أن الكاميرات تؤثر على المساحات المغلقة، مثل مواقف السيارات ومحطات قطار الأنفاق، ولكن في بعض الحالات يبدو أن الجريمة تنتقل ببساطة إلى مكان آخر يحتوي على عدد أقل من الكاميرات.

اقرأ أيضاً: أمازون تراقب سائقي شاحنات التوصيل بكاميرات ذكية

وبشكل عام، يبدو أن نظام المراقبة في المدينة يركز على نوع معين من المجرمين، كما تقول بيكو، وهم الذين يرتكبون الجرائم في الأماكن العامة، حتى لو كانت مخالفاتهم طفيفة. وتقول: "يمكن أن نرى المبالغة في الاستثمار في هذه الأجهزة التي تستهدف المساحات العامة بدلاً من تكنولوجيات أخرى يمكن أن تركز على جرائم أخرى بدلاً منها، مثل التهرب الضريبي".

تكاليف باهظة لعمليات المراقبة

وبعد فترة قصيرة من انتخابات 2020، دعا عمدة مارسيليا الجديد إلى تقييم لعملية مراقبة الفيديو في المدينة. وما زال المجلس يحتفظ بهذه الدراسة، والتي تم تسليمها في أكتوبر/ تشرين الأول، ولكن النتائج الأولية نُشرت في صحيفة "ذا بروفينس" (The Province) المحلية. يشرف على عمل الكاميرات 42 عميلاً مختصاً، وفي أي لحظة، يكون هناك أقل من خمسة في موقع العمل، وكل واحد منهم مسؤول عن 35 شاشة. ويتسم النظام بتكلفة عالية، وقد بينت الصحفية تكلفة تركيب كل كاميرا (أكثر من 20,000 يورو للكاميرا الواحدة) واستئجار الكابلات الضوئية (6.5 مليون يورو في السنة) وصيانة الكاميرات، بما فيها التنظيف وتبديل الرؤوس والعدسات (2.8 مليون يورو في السنة). علاوة على ذلك، فإن أغلبية الصور لا تتمتع بجودة كافية تسمح بالاستفادة منها. كما توجد هناك 272 كاميرا –أكثر من 15% من الإجمالي- لا يتم استخدامها إلا نادراً.

"إنها حالة واضحة من الميل إلى استخدام التكنولوجيا لحل جميع المشكلات. فعند التعرض لمشكلة سياسية، يعدون بإيجاد تكنولوجيا –أو تطبيق ما- للسيطرة عليها" كما يقول تريغيه. ويضيف: "إنها باهظة التكاليف، وتستهلك جزءاً كبيراً من أموال دافعي الضرائب لتطبيق حلول خطيرة على الحريات، وتزيد من السيطرة والقمع، وليست حتى فعالة بما يكفي".

ولكن الوضع في مارسيليا لا يبدو مختلفاً عن غيره. ففي فبراير/ شباط، على سبيل المثال، أوردت محكمة الحسابات والتدقيق، وهي هيئة إدارة مختصة بتدقيق الإنفاق العام، تساؤلات مشابهة في تقرير حول شبكة المراقبة بالفيديو في باريس. ووصف المدققون تمويل هذه الشبكة بأنه "غير ملائم وباهظ التكاليف" كما قالوا إن تأثير الكاميرات على الجريمة لم يخضع للتقييم.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز مشكلات الخصوصية الرقمية التي ستعالجها شبكة الويب 3؟

ويبدو أن حكومة مارسيليا غير مستعدة للتخلي عن فكرة المراقبة بالفيديو. فمشروع البيانات الكبيرة للسلام العام، والذي كانت مرحلته التجريبية تمتد من 2018 إلى 2020، كان المشروع الأساسي للعمدة السابق، والذي كان يميني التوجه. أما تحالف الاشتراكيين والبيئيين والناشطين الذي وصل إلى السلطة في انتخابات المدينة في 2020 فقد وعد بإيقاف المشروع مؤقتاً. ولكن تنفيذ هذا الوعد لم يكن بالسهولة المتوقعة، كما يقول هيوغون، بسبب المشكلات الناتجة عن إلغاء العقود قبل وقتها.

وفي نفس الوقت، عبر مسؤولو المدينة عن رغبتهم في جعل النظام أكثر فعالية. ومن المرجح أن الذكاء الاصطناعي سيكون الوسيلة الوحيدة لتنفيذ هذه الفكرة على نطاق واسع دون إضافة عدد كبير من الموظفين. ولكن تريغيه لا يتطلع إلى تنفيذ هذه الفكرة، مع زيادة تطور هذه التكنولوجيا: ويقول: "وفق وجهة نظر معينة، نحن نعمل على إعادة تأسيس الدولة البوليسية البيروقراطية واسعة الانتشار دون أن نضطر إلى توظيف المئات من الأشخاص".

إن التكنولوجيا المتاحة تتطور بسرعة. وعلى سبيل المثال، تقدم الشركة الناشئة الفرنسية "تو آي" (Two-i) وظيفة تحقيق للنظام، بحيث تتيح لفريق المراقبة استخدام الذكاء الاصطناعي للبحث في الصور عن أجسام محددة، مثل رجل يرتدي حقيبة ظهر أو حتى حذاء رياضياً.

"توجد مجموعة محددة من الصحافيين المشاغبين الذين قرروا إطلاق معركة وكتابة أشياء خاطئة لإخافة الناس".

غيوم كازناف

ادعت المقالات الصحافية أن الشركة قامت بتطبيق التعرف على الوجوه في مدينة ميتز، وكانت تجري تجارب على قراءة تعابير وجوه الناس على متن عربات الترام في نيس. ويقول أحد مؤسسي تو آي، غيوم كازناف، إن هذه التقارير غير دقيقة. ويقول: "في فرنسا، توجد مجموعة محددة من الصحافيين المشاغبين الذين قرروا إطلاق معركة وكتابة أشياء خاطئة لإخافة الناس".

اقرأ أيضاً: هل ستصدر الولايات المتحدة هذا الأسبوع تشريعاً فدرالياً ينظم تقنية التعرف على الوجوه؟

ولكن توجد مؤشرات على سعي المشرعين والمؤسسات العامة في فرنسا إلى إيجاد وسائل لتسهيل استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة المساحات العامة. وقد نصح تقرير برلماني في 2019 بتأسيس هيكلية لاختبار أنظمة التعرف على الوجوه، والتي تُعتبر حالياً مخالفة للقانون. وفي نظام مترو الأنفاق في باريس في العام 2020، تم تزويد كاميرات المراقبة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة التزام الركاب بارتداء الكمامات، ومن الجدير بالذكر أن هذه التكنولوجيا لم تكن مستخدمة في تحديد هويات من لا يرتدون الكمامات، بل ببساطة لتقديم إحصائيات دون هويات. ويعمل الاتحاد الأوروبي على مجموعة من القوانين تحمل اسم قانون الذكاء الاصطناعي، ما يمكن أن يحد من استخدام تكنولوجيا المراقبة بالذكاء الاصطناعي. ولكن تكنوبوليس تشتبه بأن هذا القانون قد يحتوي على ثغرات يمكن استغلالها إذا لم يحظر استخدام التعرف على الوجوه بصورة صريحة وواضحة.

هل تعتبر معارك المدن ضد كاميرات المراقبة في شوارعها خاسرة؟
حقوق الصورة: غابرييل فوانو

قضايا قانونية لحماية الخصوصية

إن وكالة حماية البيانات الفرنسية "سنيل" (CNIL) هي المكلفة بضمان توافق تكنولوجيا المراقبة مع النظام الأوروبي العام لحماية البيانات، أو "GDPR" اختصاراً. وفي 2017، على سبيل المثال، قبلت بلدة فالينسين 240 كاميرا مزودة بتكنولوجيا التعرف على الوجوه من الشركة الصينية "هواوي" (Huawei). وأصرت البلدة على أن هذه التكنولوجيا لم تكن مستخدمة. وعلى الرغم من هذا، أعطت وكالة سنيل السلطات المحلية تحذيراً في 2021، وتم إلغاء المشروع بهدوء. ولكن، وفي وقت سابق من هذه السنة، قامت سنيل بإطلاق استشارة عامة حول استخدام الكاميرات الذكية في الأماكن العامة لتوضيح الإطار القانوني لاستخدامها. وينظر أفراد من تكنوبوليس إلى هذا الإجراء على أنه اعتراف ضمني بالحاجة إلى هذه الكاميرات.

وما زال الصراع مستمراً بالنسبة لتكنوبوليس. ففي الصيف، تخطط الحركة لعقد سلسلة من اللقاءات في بلدات روبيه وكاليه الشمالية، حيث يدرس مجلس البلدة الثانية تخصيص مبلغ إضافي مقداره نصف مليون يورو للمراقبة بالفيديو. وتعمل لا كوادراتيور دو نيت على رفع دعوى قضائية على الحكومة بسبب استخدام الكاميرات الذكية بصورة تنتهك القانون الأوروبي. وفي مارسيليا، تواصل المجموعة عملها على جمع الدعم والتأييد، وستعقد مؤتمراً في هذا الصيف، إضافة إلى عروض وثائقية. وسيتم تقديم المزيد من طلبات حرية المعلومات إلى مجلس مارسيليا. وما زالت خمسة من هذه الطلبات، والتي تم تقديمها خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة، قيد الانتظار. وفي هذه الأثناء، ستواصل الكاميرات عملها.

المحتوى محمي