مع انتشار جائحة كورونا على مدى العامين الماضيين، شهدت المؤسسات المالية اضطراباً لا مثيل له وموجات صدمة عبر الأسواق المالية، حيث تحولت معظم عمليات البنوك الكبرى إلى العمل من المنزل. ومع ذلك لم تتأثر البنوك بشدة ولم يلاحظ العملاء أي انقطاع في العمل، وهذا يعود بصورة أساسية إلى عمليات التحول الرقمي التي قامت بها هذه المؤسسات قبل ظهور الوباء.
أحداث ما قبل الجائحة سرعت من عمليات التحول الرقمي
تعتمد التجارة العالمية بصورة أساسية على التمويل الذي توفره البنوك العالمية، وفي هذه العملية يُعد التمويل التجاري الذي تعتبر المعاملات الورقية فيه عنصراً أساسياً –مثل خطابات الاعتماد ومستندات الجمارك– هو الشائع بكثرة، لأسباب عديدة أقلها الوصول المحدود للبلدان النامية التي تمثل حلقة ضرورية في سلاسل التوريد، بالإضافة إلى بنية تحتية رقمية مناسبة تساعد على رقمنة الأعمال.
ومع ذلك، تمكنت العديد من المؤسسات المالية من الاستمرار في العمل، ويرجع السبب في ذلك إلى حد كبير إلى خطط استمرارية الأعمال القوية الموضوعة مسبقاً لحماية العمليات التشغيلية من مثل هذه الاضطرابات، حيث عملت المؤسسات المالية على رقمنة العمليات قبل فترة طويلة من ظهور الجائحة، بعد تأثرها سابقاً بأحداث عالمية مثل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. حيث تحدت أحجام التجارة العالمية في عام 2020 التوقعات الأولية التي توقعت انخفاضاً محتملاً بنسبة 20%، وبدلاً من ذلك انخفضت بنسبة 5.3% فقط. علاوة على ذلك، بلغت قيمة الواردات والصادرات العالمية من السلع 5.6 تريليون دولار في الربع الثالث من عام 2021، مسجلة رقماً قياسياً فصلياً جديداً.
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد العلامات التجارية من المؤثرين الافتراضيين في التسويق؟
حلول الذكاء الاصطناعي في التجارة العالمية
يمتاز الذكاء الاصطناعي بإمكانات قوية لتحفيز الابتكار ومساعدة الشركات على إنشاء قيمة جديدة من البيانات وتقليل تكاليف حركة التجارة العالمية، حيث بدأت بالفعل الحكومات والشركات في الاستفادة منها وتطبيقها في العديد من المجالات، وتشمل أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستخدمة ما يلي:
-
فحص المستندات
مع ظهور الجائحة تأثرت التجارة الوثائقية، التي تعتمد تقليدياً على نظام البريد السريع لمعالجة المستندات المطلوبة، حيث أن التحقق من المستندات، وهو جزء مهم من العملية لتسهيل حركة البضائع وتقديم التمويل وضمان الامتثال ضد المخاوف المتعلقة بالعقوبات وغسل الأموال والاحتيال، لا يزال يعتمد إلى حد كبير على البشر العاملين في مراكز الخدمة لتنفيذ العمليات اليدوية.
ومع ذلك، أصبحت البنوك العالمية التي طبقت ممارسات أتمتة عمليات التحقق من المستندات باستخدام حلول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي مستعدة تماماً للعمل حتى مع استمرار الجائحة وعمليات الإغلاق المستمرة، حيث بدأت في استخدام التكنولوجيات لإجراء الفحص الأصلي لجميع الوثائق.
يتم ذلك من خلال مسح المستندات الورقية ضوئياً في النظام، حيث يقوم برنامج الذكاء الاصطناعي بقراءة محتوياتها والتعرف على الأنماط عبر تنسيقات الوثائق. ومن ثم يقارن النتائج مع القواعد المضمنة بناءً على المتطلبات القانونية المحددة دولياً، مع إمكانية إضافة المزيد من الشروط لتناسب الإرشادات أو العقوبات الخاصة بكل بلد، ووجود موظف يتدخل عند وجود أي حالات شاذة يكتشفها برنامج الذكاء الاصطناعي، ما يساهم في إزالة عبء يدوي كبير عن البنوك وموظفيها.
على سبيل المثال، تستخدم منصة "وورك فيوجن" (WorkFusion) الروبوتات المدربة مسبقاً وحلول الذكاء الاصطناعي لفهم المستندات المعقدة والبيانات غير المهيكلة لاستخراج المعلومات وتصنيفها ورقمنتها، ما يساعد مؤسسات التمويل والبنوك على تقليل التكاليف وتحسين الإنتاجية، وفي الوقت نفسه يمكن للموظفين التركيز على العمليات التي تتطلب ذكاءً بشرياً، بينما يمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي أن تتولى العمليات العادية.
-
إدارة المخاطر بشكل أكثر فعالية
تعمل حلول الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها الشركات المنخرطة في حركة التجارة العالمية على توفير الوقت والتكلفة والتعقيد في تحديد فرص التصدير وتقديمها، من خلال تحسين توقعات الاتجاهات المستقبلية، مثل تغيرات طلب المستهلك، وإدارة المخاطر بشكل أكثر فعالية في سلسلة التوريد.
على سبيل المثال يتم استخدام نموذج الشبكة العصبية "ديت" (DATE) لمساعدة إدارات الجمارك في اكتشاف الاحتيال والمعاملات المحفوفة بالمخاطر بشكل أفضل، حيث يستخدم النموذج وحدة ذكاء اصطناعي متطورة لاكتشاف المعاملات الاحتيالية المحتملة بدقة أكبر من نماذج التعلم الآلي التقليدية الأخرى. من خلال فحص البضائع فعلياً وصيانتها على طول سلسلة التوريد، وتحليل البيانات لتحديد الأنماط للتأكد فوراً من قانونية المعاملات التجارية.
اقرأ أيضاً: ماذا لو كانت جميع العمليات التجارية التي تجري بالبيتكوين مزيفة؟
-
المفاوضات التجارية
يُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضاً في تحسين نتائج مفاوضات التجارة الدولية، من أجل تحليل المسارات الاقتصادية لكل شريك مفاوض بشكل أفضل في ظل افتراضات مختلفة، بما في ذلك النتائج التي تعتمد على المفاوضات التجارية، وكيف تتأثر هذه النتائج في سيناريو متعدد اللاعبين حيث توجد حواجز تجارية بمعدلات مختلفة، وكذلك توقع استجابة التجارة في الدول غير الأطراف في المفاوضات.
على سبيل المثال، أنشأت البرازيل مبادرة تكنولوجية وتجارية ذكية تتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين المفاوضات التجارية وتوفير معلومات أكثر وضوحًا للمفاوضين، من خلال استخدام مجموعة متنوعة من المعلومات التي قد تكون مرهقة للغاية لتجميعها، مثل الضرائب المحلية، وحجم الواردات والصادرات، وظروف الاقتصاد الكلي لاتخاذ قرارات أفضل.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لعربات التسوق الذكية أن تشكل مستقبل تجارة التجزئة؟
أخيراً، على الرغم من أن الاضطرابات التي تؤثر على حركة التجارة الدولية متوقعة في أي لحظة، سواء بسبب الحروب العالمية أو انتشار جائحة أو أي سبب آخر، إلا أن الابتكارات التكنولوجية حين تعمل معاً يمكن أن تغير بشكل جذري طريقة عمل التجارة الدولية، ما سيؤدي إلى نمو تجاري أكثر شمولاً وكفاءة في السنوات القادمة.