إن وجود أعداد هائلة من الكتب والأوراق البحثية والمستندات في المكتبات العامة والأكاديمية، يجعل من الصعب على القرّاء والباحثين إيجاد المراجع والمعلومات التي يبحثون عنها. أدى ذلك إلى ضرورة أتمتة عمل المكتبات، فأدى الذكاء الاصطناعي دوراً كبيراً في هذا التحوّل.
استخدامات الذكاء الاصطناعي في المكتبات
يُطبَّق الذكاء الاصطناعي في المكتبات لإنجاز العديد من المهام التي كان يصعب أداؤها بدونه، أو أنها كانت تحتاج وقتاً طويلاً ليتم إنجازها، ومن هذه المهام:
-
فهرسة المحتوى
الفهرسة مهمة شاقة ويدوية، يتم فيها تصنيف الكتب والمجلات والأوراق بناءً على معيار معين يحدده القائمون على المكتبة، ما يتيح للقارئ إلقاء نظرة عامة على المضمون. في المقابل، لا يمكن للقارئ معرفة إن كان في الكتاب معلومات تفيد بتخصصات مختلفة عن تلك التي حددها القائمون على المكتبة، وقد يصبح التصنيف غير مناسب مستقبلاً مع تطور العلوم.
أصبح بالإمكان تجاوز تلك المشكلة بوجود أدوات الفهرسة القائمة على الذكاء الاصطناعي، فهي تعالج المستندات بدقة وسرعة، وتحدد المفاهيم وتعيّن الكلمات الرئيسية المقابلة لها، وتوفر مواد أكثر تحديداً ودقة للقرّاء. ستساعد أتمتة الفهرسة أيضاً القارئ على اكتشاف أدبيات جديدة بالإضافة إلى التنقل عبر تخصصات مختلفة، وهو أمر غير متاح من خلال الفهرسة اليدوية، كما تساهم في تخفيف العبء عن أُمناء المكتبات.
اقرأ أيضاً: الكتب الورقية أكثر فائدة للأطفال من جهاز أمازون الجديد: كيندل فور كيدز
-
تحديد التشابه والتطابق في الوثائق
مع استخدام أداة فهرسة تلقائية مناسبة للمحتوى، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد أوجه التشابه والاختلاف بين المستندات أو الوثائق، أو حتى تحديد التطابق بينها لمنع التكرار. ومن الممكن أيضاً ربط المستندات التي تصف نفس الموضوعات أو الحلول أو الظواهر.
يساعد ذلك الباحثين مثلاً على إيجاد آلاف الوثائق أو الكتب أو الدراسات ذات الصلة بموضوع البحث من خلال تحديد التطابق في الكلمات المفتاحية، أو بعض فصول الكتاب أو أقسام أوراق البحث. ثم مقارنة المحتوى في هذه الأقسام ليعثر الباحث بالضبط على ما يبحث عنه في المراجع بدلاً من الحصول على ملخص من خمس كلمات رئيسية في الفهرسة.
-
تلخيص المحتوى
يعتبر تلخيص المحتوى من الأمور المهمة بالنسبة للباحث الذي يريد معرفة الفكرة المطروحة في دراسة معينة ونتائجها، كما أنه مهم للقارئ أن يعرف ملخصاً عن الكتاب الذي يرغب بشرائه.
طُوِرت أدوات ذكاء اصطناعي يمكنها تلخيص المحتوى بشكل مستقل عن التدخل البشري، مع الحفاظ على العناصر الأساسية ومعنى النص الأصلي. وبدلاً من تلخيص الدراسة أو الكتاب بأكمله، تستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي تلخيص جزء من كتاب أو خمس مستندات في ثلاث جمل فقط.
اقرأ أيضاً: ذكاء اصطناعي يساعدك في تلخيص أحدث ما توصل إليه العلم في مجال الذكاء الاصطناعي
أدوات الذكاء الاصطناعي لتلخيص المحتوى متاحة بالفعل على الإنترنت وتكتسب شعبية بالإضافة إلى خوارزميات التعلم الآلي التي تعمل باستمرار على تحسين هذه المهمة. في الحقيقة، يوجد نوعان من التلخيص التلقائي:
- التلخيص الاستخراجي: يعتمد هذا النوع على استخراج الجمل من النص الأصلي بناءً على ما يُدخِله الباحث. ويختار أهم أقسام المدخلات بناءً على المسح الإحصائي ويعيد ترتيبها معاً لإنتاج نسخة مكثفة جديدة من المستند.
- التلخيص الموجز: ويستخدم تقنيات لغة طبيعية متقدمة لإنتاج نسخة مختصرة جديدة من المستند تختلف عن النسخة الأصلية. يهدف إلى الحفاظ على الجمل الأكثر أهمية أثناء إعادة صياغتها ودمج المعلومات المهمة، مثل الملخص المكتوب من قبل الإنسان.
تستخدم معظم الملخصات اليوم النهج الاستخراجي لأنه أسهل ويتطلب تحليلاً لغوياً أقل.
-
بوتات الدردشة
تتكرر بعض الأسئلة البسيطة التي يوجهها القراء والباحثون لأُمناء المكتبات، ما يُضيع الكثير من وقتهم، لكن مع وجود بوتات الدردشة، التي أصبحت تقوم بهذه المهمة، أصبح بالإمكان توفير وقت أمناء المكتبات الذي كانوا يقضونه في الإجابة عن الأسئلة المتكررة، وأصبح عليهم التركيز على الإجابة عن الأسئلة الأكثر صعوبة. بالإضافة إلى ذلك، تُنبه البوتات القرّاء والباحثين عند نشر كتاب جديد يناسب اهتماماتهم.
اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل اعتماد بوتات الدردشة بدلاً من محركات البحث فكرة سيئة؟
-
التحقق من الأبحاث مستقبلاً
من المتوقع مستقبلاً أن تصبح خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة على تقسيم البحث العلمي إلى حجج، والتحقق من صحتها مقابل أجزاء أخرى من البحث. أو يمكن أن تبني لكل وثيقة شجرة حقيقة من الحجج والأدلة، والتحقق من كل فرع، ثم العثور على درجة الموثوقية الإجمالية. يعد التحقق من صحة البحث أو إعادة صياغته أكثر أهمية من عدد قرائه.
-
تحسين جودة الخدمة وتقليل النفقات
يحسّن استخدام الذكاء الاصطناعي في المكتبات من جودة الخدمة، ويقلل من التكاليف من خلال أتمتة العمليات وإدارة بيانات البحث المحسّنة وإدارة الأصول الرقمية. بالإضافة إلى تحسين تحليل مجموعات المستندات والصور والحفظ.
اقرأ أيضاً: كيف ستكون المكتبات في عام 2100؟
أسباب تعيق اعتماد الذكاء الاصطناعي في المكتبات
على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يقدمها نشر الذكاء الاصطناعي في المكتبات، لكنه لم يُعتمد بالشكل المطلوب حتى الآن، وذلك لعدة أسباب:
- نقص الخبرة والتدريب.
- مخاوف تتعلق بالتحيز والخصوصية والسلامة.
- مخاوف العاملين في المكتبات من فقدان وظائفهم، أو التغيرات في مسؤولياتهم الوظيفية.
- القيود المالية.
لذلك يعمل المختصون في الذكاء الاصطناعي على تخطي هذه العقبات، على سبيل المثال، يركز معهد "أيديا" (IDEA) للذكاء الاصطناعي على توفير تدريب احترافي لأمناء المكتبات وغيرهم من المتخصصين في مجال المعلومات، ويشرح أهمية تطبيق الذكاء الاصطناعي في المكتبات. كما يهتم بالقضايا المتعلقة بالمساواة والتنوع والشمول وإمكانية الوصول للجميع.
والمطلوب الآن هو تبني القائمين على المكتبات للذكاء الاصطناعي لخدمة الأجيال القادمة من القرّاء والباحثين في تلبية احتياجاتهم المتطورة.