تخيل العالم بعد أن تم تحويل كل متجر من سلسلة "بلوك باستر" (Blockbuster) إلى متجر جديد ولامع لشركة "نيتفليكس" (Netflix). ويمكن للعملاء بفضل هذه الأعاجيب التكنولوجية أن يدخلوا إلى المتجر لمشاهدة بث رقمي غير محدود للمحتوى، وكل هذا مقابل رسم شهري ثابت.
تبدو هذه الفكرة سخيفة، أليس كذلك؟ فليس هناك أي مغزى لمشاهدة البث الرقمي من مكان ثابت. ويكمن جمال البث الرقمي في إمكانية الاستفادة منه في أي مكان يحتوي على اتصال بالإنترنت.
اقرأ أيضاً: لماذا أُفرغت مناطيد “جوجل” لبثّ الإنترنت من الهواء؟
نقص البنى التحتية من أهم العوامل التي تمنع انتشار السيارات ذاتية القيادة
وفي الوقت الحالي، يبدو الحوار حول كيفية شحن السيارات الكهربائية شبيهاً جداً بفكرة متجر نيتفليكس. وتتلخص الرواية الشائعة بما يلي: السيارات الكهربائية رائعة، ولكن نقص البنى التحتية اللازمة للشحن هو ما يعيق انتشارها. وستُحَل كل مشكلاتنا المتعلقة بالشحن إذا تمكنا من الاستعاضة عن جميع محطات الوقود قديمة الطراز بمحطات شحن متألقة وعالية الاستطاعة.
ولكن، ماذا لو كان كل هذا خاطئاً؟ فمن السهل أن نقع في فخ عقلية التمسك بالمألوف، والتخطيط للمستقبل بناء على الماضي، وهي عقلية ستقودنا إلى حلول غير ملائمة، مثل متاجر نيتفليكس الافتراضية. وما نحتاجه فعلاً هو مقاربة قادرة على الاستفادة من إحدى نقاط قوة السيارات الكهربائية، أي قدرتها على الشحن في أي مكان وأي وقت. وليس من الضروري أن يكون هذا الحل مكلفاً كما قد نتخيل.
تقول الفرضية الشائعة إن السيارات الكهربائية تحتاج إلى تجهيزات شحن خاصة. وفي استبيان تم إجراؤه مؤخراً، قال 78% من الناس إنهم يعتقدون أنهم لا يمتلكون منفذاً للشحن في منازلهم. ولكن هذا المنفذ موجود في الواقع لدى الأغلبية. فهناك ثلاثة "أنواع" من الشحن، ويمكن إجراء أحدها في أي منزل تقريباً، دون أي تعديلات أو تجهيزات جديدة.
ويحدث أسرع نوع من الشحن مع محطات الشحن من المستوى الثالث. وهي بمثابة "محطات الوقود" الخاصة بعالم السيارات الكهربائية. وتستطيع شواحن المستوى الثالث شحن السيارة بما يكفي لمدى 160 كيلومتراً تقريباً خلال عدة دقائق. وهي بالطبع الأكثر تكلفة، حيث يصل سعر الشاحن الواحد إلى 30,000 دولار على الأقل. (وللمقارنة، نذكر أن سعر مضخة الوقود الواحدة يبلغ 20,000 دولار تقريباً) لن تجد أحد هذه الشواحن عالية الاستطاعة في منزل أحدهم، ولكن يمكن أن تجد شاحناً من المستوى الثاني. وهذا النوع من الشواحن، والذي يكلف بضعة مئات من الدولارات، يتم وصله مع "منفذ آلة التجفيف" بجهد 240 فولت، ويستطيع شحن السيارة بما يكفي لمدى 160 كيلومتراً خلال بضع ساعات. وقد لا يكون هذا مثالياً لرحلة طويلة، ولكنه رائع لشحن سريع في المنزل أو المطعم، أو أثناء التسوق. وأخيراً، نقدم الشاحن من المستوى الأول البليد بعض الشيئ، والذي غالباً ما يتم تجاهله. وهذا الشاحن المرفق مجاناً مع معظم السيارات الكهربائية يمكن وصله مع أي منفذ عادي، ويحتاج إلى 20 ساعة تقريباً لشحن السيارة بما يكفي لمدى 160 كيلومتراً. قد يبدو هذا بطيئاً إلى درجة مروعة، ولكن معظم السائقين لا يتجاوزون 64 كيلومتراً (40 ميلاً) وسطياً من حيث المسافات المقطوعة يومياً، وهو مستوى يمكن تعويض شحنه بسهولة باستخدام شاحن من المستوى الأول أثناء العمل أو الجلوس في المنزل أو النوم.
اقرأ أيضاً: ما هي بطاريات الجرافين؟ وكيف ستجعل صناعة السيارات الكهربائية والهواتف الذكية أكثر صداقة للبيئة؟
وحالياً، يعتبر مجرد تركيب بضعة شواحن أو التخطيط لها أمراً يستحق الظهور في الأخبار المحلية في الكثير من الأماكن. ولكن من المرجح أن تتسارع عملية تركيب الشواحن الجديدة، خصوصاً شواحن المستوى الثالث. وتعكف عدة شركات سيارات على التخطيط لبناء شبكات الشحن، كما أن الحكومة الفدرالية تخطط لإنفاق 7.5 مليار دولار من المبالغ المخصصة لقانون البنية التحتية على الشواحن. ومن سوء الحظ، تركز معظم هذه الخطط على محاكاة النموذج الحالي الذي يعتمد على محطات الوقود، بدلاً من التركيز على نقاط قوة السيارة الكهربائية.
خطوة واعدة نحو شحن السيارات الكهربائية
لنعد قليلاً إلى مثالنا حول متجر نيتفليكس. النقطة الأساسية هي أن التكنولوجيا الجديدة –وهي في هذه الحالة الإنترنت ذات السرعات العالية والمنتشرة في كل مكان- تسهل الاستفادة من تجربة مختلفة كلياً عن التجربة التي سبقتها. فمن الممكن الاستمتاع بالبث الرقمي في المنزل وفي عيادة الطبيب وفي العمل. وينطبق نفس الشيء على السيارات الكهربائية. فالحل لمشكلة شحن السيارات الكهربائية يجب أن يناسب التكنولوجيا الحالية، لا تكنولوجيا القرن المنصرم. لماذا يحاول المشرعون استنساخ نموذج محطات الوقود إذا كان بالإمكان بناء حل أفضل؟
ليس المقصود هنا الاعتراض على تركيب المزيد من شواحن المستوى الثالث على الطرقات الأميركية، فزيادة عددها أمر إيجابي بطبيعة الحال. ولكن الشركات بدأت بناءها بنفسها. وفي المستقبل القريب، سيصبح من السهل للغاية ركوب سيارة تسلا والذهاب إلى أي مكان في البلاد. وسيتوجب على السيارة التوقف كل بضع ساعات في محطة شحن فائقة الاستطاعة، وستكون التجربة مشابهة لدرجة كبيرة لقيادة سيارة تعمل بالوقود. (وإذا كنت تقود السيارة مصطحباً أولادك، فمن المرجح أن تكون السيارة جاهزة للانطلاق قبل أن تنال ما يكفيك من الراحة). وبدأت شركات أخرى بتقليد شركة تسلا، حيث ترغب كل منها في الإعلان عن امتلاك سياراتها لهذه الإمكانات. إضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن تقوم تسلا بفتح شبكتها أمام سيارات الشركات الأخرى قريباً. وباختصار، فإن مسألة قدرة جميع السيارات الكهربائية على السفر عبر البلاد بسهولة هي مسألة وقت لا أكثر.
وما نحتاجه فعلاً هو تأمين قدرة الشحن للناس غير القادرين على شحن سياراتهم يومياً، أي الأشخاص الذين لا يعيشون في منازل. فإذا كنت تعيش في منزل، سواء أكان مُستأجراً أو عائداً إليك، فمن المرجح للغاية أنك تمتلك حالياً إمكانية شحن سيارتك أثناء النوم، فكل ما تحتاجه هو منفذ كهربائي آمن ويمكن الوصول إليه. بل ويمكنك حتى أن تختار إضافة شاحن من المستوى الثاني، وهو ما سيزيد من سرعة الشحن بدرجة كبيرة. ولكن، وفي معظم الحالات، فإن المنفذ الكهربائي العادي سيشحن السيارة بشكل أكثر من كافٍ خلال الليل. وهناك الكثيرون ممن لن يستخدموا سياراتهم للسفر عبر البلاد، ولكن الجميع يحتاج إلى القيادة ضمن المدينة.
ولهذا، يجب أن تركز سياسات السيارات الكهربائية على الأشخاص الذين لا يستطيعون شحن سياراتهم كل يوم ضمن المرآب. وبشكل أساسي، يجب أن نحرص على إمكانية شحن السيارات في كل مكان تقريباً: في المنزل والعمل وأثناء التسوق. وليس من الضروري أن يكون هذا النوع من الشحن سريعاً، ولكن يجب أن يكون واسع الانتشار. ويجب أن يكون الاستغراب من عدم إمكانية الشحن مماثلاً للاستغراب من عدم وجود تغطية واي فاي. يمكن شحن السيارات الكهربائية في كل مكان، ما يعني أن الشواحن يجب أن تكون موجودة في كل مكان.
اقرأ أيضاً: كيف سيكون تأثير السيارات الكهربائية على أنظمة الطاقة العالمية؟
مواقف السيارات بمقابس شحن سريعة
ولكن، أين نبدأ؟ يجب أن يبدأ التركيز على مواقف السيارات الخاصة بأماكن العمل ومجمعات الشقق السكنية. فالسيارات تقبع في تلك الأماكن فترات طويلة من الزمن، ما يعني أن الشواحن البطيئة وزهيدة التكاليف من المستوى الأول مثالية لها. وبالتالي، يجب الإكثار إلى درجة الإشباع من المآخذ الكهربائية في هذه المواقف حتى يستطيع الموظفون والسكان استخدامها للشحن.
كما أن أماكن العمل ومجمعات الشقق السكنية مثالية أيضاً لأن المآخذ يمكن أن تستخدم كحوافز. أما التكلفة بالنسبة للمؤسسات فستكون قليلة. فسوف تبلغ تكلفة الكهرباء على الموظف أو شركة ما لإدارة العقارات أقل من 8 دولار في الأسبوع، وذلك بافتراض أن ساعات العمل في الأسبوع تبلغ 40 ساعة، ووفق السعر الوسطي للكهرباء والمعدل الوسطي لعمليات الشحن. إنها ليست تكلفة معدومة تماماً، ولكنها منخفضة للغاية مقارنة بغيرها من حوافز مكان العمل أو مرافق البناء.
كما أنه مجال يمكن أن يحدث الإنفاق الحكومي أثراً كبيراً فيه. فقد تكون بعض الشركات مترددة بإضافة مآخذ إلى مواقف سياراتها، ولكن الدعم الفدرالي أو دعم الولايات قد يمثل دفعة كافية لتحقيق هذا الأمر. كما أن السعر الزهيد نسبياً لهذه المقابس سيسمح للدعم الحكومي بإحداث أثر كبير للغاية.
ولكن، من الواضح أن مواقف السيارات ليست موجودة في كل مبنى. إلا أنها فرصة للمدن لتوفير أنظمة شحن على جوانب الشوارع في المناطق التي تفتقر إلى مواقف السيارات والمرائب. ويمكن لسكان هذه المناطق أن يقفوا بسياراتهم في الشارع خلال الليل، ويقوموا بمسح بطاقاتهم للدفع لقاء الشحن (تماماً مثل عملية الدفع لقاء ركن السيارة)، ويتركوا سياراتهم حتى الصباح في وضع الشحن. ومرة أخرى، لا داعي للشحن بسرعات عالية. قد تكون هناك بعض العوائق القانونية التي يجب تجاوزها، ولكنها جميعاً مشكلات قابلة للحل.
اقرأ أيضاً: إشارات مرور ذكية طورتها شركة فورد لتسهيل حركة السيارات
ويمكن أن تتضمن البنية التحتية واسعة الانتشار للشحن نشر الشواحن في المطاعم ومراكز التسوق ودور السينما ومواقف السيارات وغيرها من مناطق التجمعات. وهناك الكثير من الأماكن التي يرغب الناس بإمضاء بضع ساعات فيها، وهو الوضع المناسب لاستخدام الشواحن المتوسطة من المستوى الثاني. فالشحن أثناء مشاهدة فيلم أو مسرحية في متنزه ما تجربة أكثر متعة من الذهاب إلى محطة خاصة بالشحن (كما في حالة السيارة التي تعمل بالوقود) والجلوس داخل السيارة أثناء الشحن.
وباختصار، يجب أن نضع الشواحن المناسبة في الأماكن المناسبة، وليس من الضروري أن تكون أغلب هذه الشواحن سريعة للغاية. نحن نسمع باستمرار أن السيارات الكهربائية ستحقق انطلاقتها الحقيقية عندما تصبح سرعة الشحن تعادل سرعة ملء خزان وقود السيارة في محطة الوقود. ولكن هذا غير ضروري. فالشحن عند محطات الوقود يعتبر بطيئاً، لأن الدقائق العشر اللازمة لملء الوقود تعني تضييع الوقت أكثر من الشحن لعشر ساعات أثناء النوم. وبالتالي، يجب ألا نسعى إلى تخفيض الوقت اللازم للشحن، بل يجب أن نسعى إلى التخلص من أسلوب تخصيص بعض الوقت للشحن بصورة كلية. وقد تكون أبطأ الشواحن على الإطلاق –أي المقبس الكهربائي البليد- هو الذي يسمح لنا بتحقيق هذا.