لماذا لم نشهد الثورة التي تعد بها مركبات البيروفسكايت في صناعة الطاقة الشمسية بعد؟

3 دقائق
لماذا لم نشهد الثورة التي تعد بها مركبات البيروفسكايت في صناعة الطاقة الشمسية بعد؟
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز.

عادة ما تقترن الألواح الشمسية بالسيليكون، وتُستخدم هذه المادة في 95% تقريباً من الألواح الشمسية في السوق حالياً. ولكن الخلايا الشمسية السيليكونية محدودة من حيث مقدار الطاقة التي تستطيع استخلاصها من أشعة الشمس، كما أن تصنيعها ما زال باهظ التكاليف نسبياً. 

وبالنسبة للكثيرين، فإن المركّبات التي تحمل اسم البيروفسكايت (perovskites) كانت تعد بأن تجعل الألواح الشمسية أقل تكلفة وأكثر خفة وفعالية. ولكن، وعلى الرغم من كل هذا الحماس -وتدافع الشركات الناشئة للاستفادة من هذه التكنولوجيا تجارياً- يحذر بعض الخبراء من أن الألواح الشمسية المصنوعة من البيروفسكايت ما زالت تبعد عقداً من الزمن على الأقل عن التطبيق التجاري الفعلي، على فرض حدوث هذا الأمر.

اقرأ أيضاً: كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع اكتشاف المواد الجديدة؟

تقدم ملحوظ للبيروفسكايت

وعلى حين أثبتت الدراسات الحديثة أن خلايا البيروفسكايت حققت تقدماً ملحوظاً في المؤشرات الأساسية مثل الفعالية، فإن الواقع يقول إن هذه المواد ما زالت على الأرجح أبعد ما تكون عن تحمل ظروف العالم الحقيقي. 

يقول مارتن غرين، وهو باحث في مواد الطاقة الشمسية في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا: "أعتقد أن الأوساط المؤيدة لاستخدام البيروفسكايت بشكل عام تعبر عن انطباع خاطئ بأن الأمور بدأت تتخذ منحى التطبيق التجاري". 

تُعرف مواد البيروفسكايت بأنها مجموعة من المواد الاصطناعية التي تمتص ضوء الشمس بفعالية، ويمكن استخدامها بسهولة نسبية لطلي الأسطح، ما يتيح إنتاج خلايا شمسية زهيدة التكاليف، وقادرة على استخلاص الطاقة من الشمس وتحويلها إلى كهرباء.

وعلى الرغم من أن السيلكون حقق تقدماً سابقاً في العديد من المؤشرات التي يستخدمها الباحثون لتقييم المواد الشمسية، فقد بدأت البيروفسكايت بالتقدم أيضاً. وهذا صحيح على وجه الخصوص بالنسبة للفعالية، أي مقدار الطاقة الشمسية التي تحولها الخلية إلى كهرباء، فقد حقق السيليكون والبيروفسكايت مؤخراً رقماً قياسياً يزيد على 25%. 

وقد أدى التقدم السريع في العمل على البيروفسكايت إلى تزايد عدد الباحثين الذين يأملون بالاستفادة من هذه المواد. فقد جلبت الأبحاث العلمية إنجازات جديدة، وتبعها التمويل المالي. وعلى سبيل المثال، تعرض وزارة الطاقة الأميركية جائزة للشركات الناشئة في مجال البيروفسكايت.

كما تمكنت عدة شركات ناشئة، مثل "مايكروكوانتا سيميكوندكتور" (Microquanta Semiconductor) و"أكسفورد بي في" (Oxford PV) و"سول تكنولوجيز" (Saule Technologies)، من جمع تمويل بقيمة عدة ملايين، بل وقامت حتى بتركيب بعض المشاريع التجريبية. 

اقرأ أيضاً: فشل ذريع لتسلا في بلاطات الأسطح الشمسية، لكن ما السبب؟

البروفسكايت ومشكلة الاستقرار

ولكن، وعلى الرغم من كل الحماس والضجيج الإعلامي، فهناك بضعة أسباب أساسية تمنع ظهور ألواح البيروفسكايت على سطح منزلك قريباً. والسبب الأول والأكثر أهمية هو أنها هشة للغاية.

من المسلم به أنها أصبحت أكثر تماسكاً من ذي قبل، فقد كانت البيروفسكايت هشة إلى درجة أن عيناتها المصنوعة حديثاً كانت تتفتت أثناء حملها في أرجاء المختبر لاختبارها. يقول جوزيف بيري، وهو باحث في مجال البيروفسكايت في المختبر الوطني للطاقة المتجددة: "لم يحدث هذا في المختبرات منذ عقد من الزمن تقريباً".

ولكن الاستقرار ما زال مشكلة كبيرة. 

ففي دراسة حديثة نشرتها مجلة "ساينس" (Science) في أبريل، اكتشف الباحثون طريقة جديدة لبناء الخلايا الشمسية من البيروفسكايت باستخدام مواد مضافة تحسن الفعالية وتزيد العمر التشغيلي. وقد تمكنت هذه الخلايا من تحمل 1,500 ساعة من الحرارة والرطوبة العاليتين في المختبر. 

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لارتفاع درجة الحرارة أن يؤثر على توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية؟

ولكن المشكلة تكمن في تطبيق هذه النتائج في العالم الحقيقي، فمن الصعب على الباحثين محاكاة ظروف العالم الحقيقي، كما أن السيليكون حقق نتائج تصعب مجاراتها، حيث يضمن معظم المصنعين حفاظ ألواحهم على 80% من أدائها لفترة تصل إلى 30 أو حتى 40 سنة. 

وفي اختبار ميداني حديث، وجد الباحثون أن الخلايا المبنية على البيروفسكايت تقدم أداء يبلغ 90% من أدائها الأولي بعد مضي عدة أشهر على استخدامها. ولكن خسارة 10% تقريباً من أداء الخلية في هذه الفترة يمثل مشكلة في مواصفات الألواح.

أما المشكلة الأخرى في هذه الاختبارات فهي أنها تمت باستخدام خلايا صغيرة. ويمكن أن يؤدي تضخيم خلايا البيروفسكايت إلى حجم أكبر يسمح بتجميعها ضمن ألواح شمسية كاملة الحجم إلى تراجع في الفعالية والعمر التشغيلي. 

اقرأ أيضاً: رفع درجة الحرارة يزيد من معدل عمل الطاقة الشمسية

الاستخدام التجاري للبيروفسكايت قد لا يكون قريباً

ويقول غرين إن هذه المشكلات تعني أن هيمنة البيروفسكايت على سوق الطاقة الشمسية ليست قريبة، أو حتى محتومة، كما يزعم بعض الباحثين. 

ويقول ليتيان دو، وهو باحث في مجال البيروفسكايت في جامعة بوردو، إن تعديل البيروفسكايت باستخدام طرق مثل إضافة مواد تعزز الاستقرار وتوفر الحماية من عناصر الطبيعة يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تمكين هذه الخلايا من العمل لعقدين من الزمن تقريباً في ظروف التشغيل الطبيعية. ولكنه يتوقع مرور عقد أو أكثر من الزمن قبل أن تحقق البيروفسكايت أي تقدم تجاري ملموس.

وعلى الرغم من التحديات، هناك حاجة حقيقية لنوع مختلف من الخلايا الشمسية. وتبرز هذه الحاجة على وجه الخصوص في هذه الفترة، مع الارتفاع الهائل في الطلب على المواد الشمسية، كما تقول جيني تشيس، وهي مديرة تحليل صناعة الطاقة الشمسية في مؤسسة "بلومبرغ نيو إينيرجي فاينانس" (Bloomberg New Energy Finance).  

كما أنه ليس من الضروري أن تكون البيروفسكايت مادة منافسة للسيليكون بصورة مباشرة، حيث يمكن استخدامها في خلايا مركبة تتضمن طبقة من البيروفسكايت فوق خلية من السيليكون. ونظراً للاختلاف في الأطوال الموجية التي تلتقطها كل من المادتين، فيمكن أن تعملا بشكل متكامل.  

ولكن لن يحدث أي من هذا على الأرجح ما لم تصبح خلايا البيروفسكايت الشمسية أكثر استقراراً بكثير. ومن المؤكد أن الباحثين لن يستسلموا بسهولة في مساعيهم لتحقيق هذا الأمر. وكما يقول غرين: "ما زالت هناك فرصة لتحقيق نجاح حقيقي في هذا المجال".

المحتوى محمي