كيف سيواجه مناصرو العملات المشفرة المحنة التي تمر بها؟

7 دقائق
كيف سيواجه مناصرو العملات المشفرة الشتاء الذي تمر به؟
حقوق الصورة: أنسبلاش

هناك الكثير من الأفكار البراقة التي يَعِد مفهوم التعامل المالي اللامركزي "دي فاي" -وهو مصطلح شامل لجميع مشاريع العملات المشفرة والبلوك تشين المتعلقة بتبادل القيمة- بتطبيقها، ومن أهمها الفكرة التي تقول إن نشر وأتمتة العمليات وسحب النفوذ من الوسطاء مثل البنوك يمكن أن يؤدي إلى بناء نظام أكثر قدرة على مقاومة القوى العالمية، وأكثر قدرة على الصمود في وجه أحداث مثل الحروب وفترات الركود الاقتصادي، والتي تؤثر بشدة على الأسواق التقليدية. وقد أشار بعض خبراء الصناعة حتى إلى أن العملات المشفرة قد تكون رهاناً استثمارياً جيداً يصلح لتجاوز الركود المحتمل. والآن، وفي هذا المناخ المالي الحساس والمتقلب، حيث بدأت الأسواق التقليدية بالتراجع وأخذت قيم أسهم الشركات التكنولوجية الكبرى بالهبوط بشكل كبير، يبدو أن نظرية المقاومة هذه ستوضع على المحك في اختبار حقيقي. ويبدو أن النتائج ليست مبشرة.

تراجع غير مبشر في قيم العملات المشفرة

فقد شهدت بيتكوين تراجعاً خاصاً بها في الفترة الماضية، شأنها شأن إيثيريوم وغيرها من العملات المشفرة. ومع هبوط أسهم شركات "الويب 2.0"، مثل "أمازون" (Amazon) و"نيتفليكس" (Netflex)، فقد شهدت "كوينبيس" (Coinbase) –وهي إحدى أهم منصات صرف العملات المشفرة- و"روبن هود" (Robinhood) –التي تدعم التجارة بالعملات المشفرة- انهياراً في قيمة أسهمها أيضاً. وحتى شبكة إثبات الرهان (proof-of-stake) "سولانا" (Solana) تعرضت إلى هبوط كبير في قيمة عملتها بنسبة وصلت إلى 80% بعد أن وصلت إلى أعلى قيمة لها في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت. ولكن الانهيار الكبير وقع مؤخراً، عندما شهدت العملة المستقرة الخوارزمية الكبيرة "تيرا يو إس دي (يو إس تي)" (TerraUSD (UST)) انخفاضاً كبيراً. فقد انخفض السهم الذي تعادل قيمته 100 دولار من عملة "يو إس تي" إلى قيمة 18 دولار فقط خلال أقل من أسبوع، بل إن عملتها الرمزية الشقيقة لونا أصبحت تساوي بنسات قليلة وحسب.

اقرأ أيضاً: هل ينجح مليارديرات العملات المشفرة في بناء مدنهم الخاصة؟

وقد صُممت العملات المستقرة، كما يشير اسمها، حتى تكون أساساً لاستقرار نظام العملات المشفرة، حيث ترتبط بشكل وثيق بأصول حقيقية مثل الدولار. وتعتمد منصات التحويل على العملات المستقرة لتعديل تقلبات العملات الأخرى، وقد يفضلها مستثمرو العملات المشفرة كاستثمار أكثر أماناً من تجميد الأموال. وقد حققت هذه العملات غرضها بشكل جيد حتى الآن، على الرغم من أن التساؤلات حول أمان المستهلك وإمكانية استخدامها للنشاطات الخبيثة لفتت نظر المشرعين.

تجربة العملات المستقرة الخوارزمية

ولكن العملات المستقرة الخوارزمية أمر مختلف. فهي عبارة عن تجربة "دي فاي" لعملة مستقرة لا ترتبط بمال نقدي إلزامي أو أصول مرهونة. وبدلاً من ذلك، فهي عادة مدعومة بعملة ثانية، في معادلة رياضية تعتمد على التجاذب بين طرفين. وعلى سبيل المثال، تقوم تيرا بموازنة التغيرات في قيمة العملة المستقرة بزيادة أو إنقاص العرض من عملات لونا عبر الحوافز، ويستطيع المستثمرون الاستفادة من عمليات المقايضة هذه، والتي تحافظ -نظرياً- على حالة من المتاجرة بالعملات في القيم التي تتنبأ بها الخوارزمية. ولكن هذا التفكير، في أغلب الأحيان، تفكير متفائل من دون أساس متين.

فقبل انهيار تيرا بفترة طويلة، كانت وجهة النظر العامة حول العملات المستقرة الخوارزمية تقول إنها أقل استقراراً بكثير من العملات العادية. وحتى سام بانكمان فرايد، وهو الرئيس التنفيذي لشركة صرافة العملات "إف تي إكس" (FTX) وأحد مشاهير "مليارديرات العملات المشفرة"، قال على تويتر مؤخراً إن نوعي العملات المستقرة مختلفات عن بعضهما بعضاً من وجهة نظر طريقة العمل والمخاطرة إلى درجة أنه "يجب حقاً ألا نستخدم نفس المصطلح لتوصيف هذين الشيئين".

اقرأ أيضاً: قواعد جديدة قد تُنهي حقبة الانفلات القانوني بشأن استغلال العملات المشفرة في غسيل الأموال

إذاً، ما الهدف من العملات المستقرة الخوارزمية؟ كان يفترض بأن تكون العملات المستقرة الخوارزمية الهدف الأسمى لأنظمة "دي فاي"، وهو تصميم عملة مستقرة القيمة تقوم بتصحيح نفسها بنفسها بصورة مستقلة ورائعة، مثل الماء الذي يستقر على المستوى الصحيح بنفسه. وكانت هذه العملة جذابة بالنسبة لعشاق البيتكوين المخلصين، لأنها تهدف إلى تفادي العنصر الذي تعتمد عليه العملات المستقرة العادية، مثل "تيذر" (Tether) و"يو إس دي سي" (USDC) في عملهما، وهو الصلة مع العالم الحقيقي والأسواق التقليدية. فهذه العملات تعتمد فقط على الوظائف البرمجية، إضافة إلى المتعاملين البشر الذين يفترض النظام أنهم سيتصرفون بطريقة قابلة للتوقع. وإذا حققت العملات المستقرة الخوارزمية الأداء المتوقع منها، فقد تثبت أن البرمجيات هي مستقبل الأنظمة المالية، وتمنح مزيداً من المصداقية لوجهات النظر الداعمة للعملات المشفرة.

تجربة تيرا

ولفترة من الوقت، بدا أن تجربة تيرا قد تنجح. ففي فبراير/ شباط الفائت، عقدت تيرا اتفاق رعاية بقيمة عدة ملايين من الدولارات مع فريق كرة السلة واشنطن ناشيونالز. ومنذ أكثر من شهرين، في مارس/ آذار، انتقل نظام البلوك تشين الخاص بها –والذي كان يحتل حينها المرتبة السابعة عالمياً من حيث القيمة- إلى المرتبة الثانية بين الشبكات من حيث الاستخدام، مزيحاً إيثيريوم من مرتبتها.

ولكن، وفي يوم الاثنين 9 مايو/ أيار، خرجت الأمور عن مسارها. فمن المرجح أن أحدهم دفع قيمة "يو إس تي" نحو الانخفاض باتخاذ سلوك يتضارب مع توقعات الخوارزمية. وبعد ذلك، انهارت العملة إلى قيمة أقل بكثير من قيمة 1 دولار التي صُممت للحفاظ عليها، مدفوعة بالسلوك البشري الناجم عن الخوف في هذه الحالات، والذي يتلخص بمسارعة الجميع لسحب أموالهم. وعندما وصلت "يو إس تي" إلى 0.37 دولاراً يوم الخميس، قامت الشركة التي تديرها "تيرافورم لابز" (Terraform Labs)، بمحاولة أخيرة لإيقاف المعاملات مؤقتاً على شبكتها لحماية العملة من المزيد من التراجع، ومن ثم قامت بتجميدها خلال الليل، وذلك لمنع أي من حاملي العملات الرمزية من أخذ قيمة عملاتهم، التي أصبحت قليلة للغاية، والانسحاب. ومنذ إعادة إقلاع الشبكة، استمرت عملة "يو إس تي" من تيرا بالتقلب تحت قيمة 0.5 دولار بهامش كبير، أما لونا فبقيت بالكاد فوق قيمة الصفر.

اقرأ أيضاً: هل سيصمد المال النقدي في وجه إغراء العملات الرقمية؟

لقد توصلت كل شركة في النظام البيئي للعملات المشفرة إلى تفسيرها الخاص لهذه المشكلات. فبعد انتظار طويل، قامت كوينبيس بإطلاق سوقها الجديد للرموز غير القابلة للاستبدال في نهاية أبريل/ نيسان الفائت بزخم ضعيف، ومن المحتمل أن هذا أدى إلى نفور المستثمرين، والتأثير سلباً على سعر أسهمها. أما منظمة "ذا لونا فاونديشن غارد" (The Luna Foundation Guard) اللاربحية، التي تدعم تيرافورم لابز، فقد راكمت قيمة 3.5 مليار من البيتكوين بحلول بدايات شهر مايو/ أيار، وبعد ذلك، قامت على ما يبدو ببيع جزء من هذا المخزون حتى تحافظ على عملها مع بدء أسعار "يو إس تي" بالهبوط، ومن المحتمل أن كلا السببين ساهما في انخفاض قيمة بيتكوين. بل إن بعض مؤيدي تيرا/ لونا اتهموا "بلاك روك" (BlackRock) و "سيتاديل" (Citadel) بالتلاعب بالسوق عمداً لدفع العملة "يو إس تي" إلى الانهيار، وهي شائعة شنيعة لدرجة دفعت بالشركتين إلى الرد عليها، والتأكيد بأن لا علاقة لهما بما حدث. هناك أيضاً مسألة الإدارة. فقد أفاد موقع "كوين ديسك" (CoinDesk) بأن الرئيس التنفيذي لتيرافورم لابز كان مسؤولاً أيضاً عن تجربة سابقة فاشلة للعملات الخوارزمية، ومن المحتمل أن أسلوبه الإداري كان أحد أسباب فشل العملة المستقرة.

نظام مالي مشفر يتأثر بتقلبات السوق كالعملات النقدية التقليدية

ولكن كل هذه العناصر من الأخطاء تؤدي معاً إلى نظام تجريبي مماثل للنظام المالي التقليدي من حيث تأثره بتوجهات السوق، ولكن دون التنظيم الصارم وطرق الوقاية الفعالة. وبشكل عام، وصل إجمالي خسائر أصول العملات المشفرة في التقلبات الأخيرة إلى ما يقارب 270 مليار دولار. وحتى العملة المستقرة القوية غير الخوارزمية تيذر انخفضت بشكل مؤقت تحت قيمتها المعيارية 1 دولار لفترة وجيزة مؤخراً، ما يشير إلى أن العملات المستقرة العادية قد لا تكون منيعة ضد التقلبات.

اقرأ أيضاً: ما التغييرات الكبرى التي ستحدثها العملات الرقمية في النظام المالي العالمي؟

ويبدو أن الأثر الناجم عن كل هذه التقلبات لا يقتصر على العملات المشفرة. فمع إطلاق البنوك لمنتجات العملات المشفرة والعملات المستقرة غير الخوارزمية التي تعتمد على الدولار في استقرارها، أصبحت صناعة العملات المشفرة "مرتبطة" بوضوح بالأجزاء الأخرى من السوق المالية بعدة طرق، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول احتمال تسبب تراجع قيمة العملات الرقمية بتراجع قيمة الأسهم التقليدية أيضاً. ففي يناير/ كانون الثاني الفائت، توقع بول كروغمان في صحيفة "ذا نيويورك تايمز" (The New York Times) أن الأصول المشفرة قد تتحول إلى شكل جديد من الرهون منخفضة الجودة، وهي أقرب ما تكون إلى ثمار عفنة يمكن أن تفسد السوق بأكملها. وقد ادعى بعض المستثمرين الأفراد في العملات المشفرة أنهم فقدوا كامل مدخرات حياتهم. ولكن المشكلات قد لا تنتهي عند هذا الحد.

فمع امتلاء وسائل التواصل الاجتماعي بالميمات الساخرة واندفاع وسائل الإعلام المشككة نحو توصيف هذا الوضع بأنه بداية "شتاء" العملات المشفرة –وهو مصطلح يُستخدم مع التكنولوجيات التي تمر بفترة طويلة من اللامبالاة من قبل العامة وتراجع الابتكار- فإن المسؤولين التنفيذيين والمستثمرين في مجال العملات المشفرة لا يراهنون فقط على عودة الأنظمة البيئية للعملات المشفرة إلى أيام مجدها السابق، بل يخططون أيضاً لتحقيق هذا. بل إن كلمة "شتاء" تقتضي وجود ربيع سيأتي بعده وسيشهده المخلصون المستعدون لتحمل قسوة الشتاء.

ومؤخراً، كتب دو كوون مؤسس تيرا سلسلة من التغريدات الموجهة إلى مجتمع تيرا واصفاً فيها خطته لإنعاش العملة المستقرة، مؤكداً للمجتمع أن حالتها ستتغير جذرياً. وكتب قائلاً: "ليست العثرات قصيرة الأمد هي ما يحدد إمكاناتك، بل كيفية تعاملك معها". أيضاً، يزعم مؤسس كوينبيس بريان أرمسترونغ أنه يركز بشكل كامل على المستقبل، وذلك بعد أن بدأت أسهم الشركة بالارتفاع مؤخراً بعد خسارتها نصف قيمتها. وفي مذكرة داخلية نشرها أرمسترونغ للعامة، كتب قائلاً: "إن التقلب أمر حتمي. ولا يمكننا التحكم فيه، ولكن يمكننا التخطيط لمواجهته، وأنا متأكد من قدرتنا على مواجهة هذا الوضع، والعودة إلى حال أفضل من قبل إذا ركزنا على الأمر المهم، وهو البناء".

تشبثوا: شعار مناصري العملات المشفرة في هذه المرحلة

وهكذا، يبدو أن الكثيرين من المخلصين للعملات المشفرة مستعدون لهذه الرحلة الصعبة، حيث تتجسد الفلسفة السائدة لدى أنصار شبكة "الويب 3.0" في شعار اختصاره بالإنجليزية هو "HODL": أي "التشبث بكل قوة"، حفاظاً على مجتمع العملات المشفرة، ولحفظ قيمة المدخرات الشخصية خلال هذا التراجع. وفي الواقع، فإن بعض معجبي ومالكي عملات تيرا/ لونا، والذين أطلقوا على أنفسهم اسم "LUNAtics" (مهووسي لونا) يحاولون التماسك بكل قوة. وتقوم خطة دو كوون لإعادة تيرا إلى وضعها الطبيعي على إنفاق كمية هائلة من عملات تيرا، ما يعني خسارة مالكي تيرا ولونا لقيمة كبيرة. وقد وافق أكثر من 60% مؤخراً من حاملي العملة الذين يديرونها على الخطة، والتي لا تحتاج إلى أكثر من 40% حتى تصبح سارية المفعول، وذلك قبل انتهاء فترة التصويت.

اقرأ أيضاً: ما هي أشهر طرق الاحتيال المرتبطة بعملة البيتكوين المشفرة؟ وكيف تتجنبها؟

أما الإجراء التالي للمستثمرين والمسؤولين التنفيذيين فيتلخص في إقناع بقية العالم بأن العملات المشفرة –البيتكوين والعملات المستقرة على وجه الخصوص- ما زالت تجربة جيدة ومفيدة. وهناك سبب وجيه للقيام بهذا، فالدعم المعنوي يمكن أن يؤدي فعلياً إلى زيادة قيمة أسواق العملات المشفرة غير المدعومة. وفي تصريح صدر في التوقيت المناسب، أعلنت الشركة الناشئة "لايت سبارك" (Lightspark) المختصة بشبكة لايتنينغ لعملة بيتكوين –والتي أسسها أحد مخضرمي مشروع العملة المستقرة المتوقف لشركة "ميتا" (Meta)- أنها تلقت تمويلاً من أطراف مؤثرة في مجال شبكة "الويب 3.0"، مثل أندريسين هورويتز وشركة "بارادايم" (Paradigm)، وغيرهم. وفي نفس اليوم، صرح بانكمان فرايد أنه استثمر مؤخراً مبلغاً كبيراً في منصة الاستثمار روبن هود، والتي قفزت أسهمها بسرعة بنسبة 22%. ومن المرجح أن نشهد المزيد من التصريحات والإعلانات التي تدعم الثقة (والأسهم أيضاً) من الشخصيات والمؤسسات الكبيرة في مجال العملات المشفرة قريباً.

ويبقى أمامنا أن نرى ما إذا كانت الأموال الحقيقية التي ما يزال المخلصون وكبار المستثمرين يضخونها في الصناعة ستساعدها على تجاوز هذه الفترة الصعبة. وما إذا كانت عودة العملات المشفرة إلى سابق عهدها ستعني التضحية بالكثير من مريديها، وربما حتى بعض من كبار مستثمريها.

المحتوى محمي