هل يمكن الحصول على وقود بديل نظيف ينافس الوقود العادي؟ شركة ناشئة تعد بذلك

6 دقائق
هل يمكن الحصول على وقود بديل نظيف ينافس الوقود العادي؟ شركة ناشئة تعد بذلك
(برومويثوس فيولز شركة ناشئة بقيمة 1.5 مليار دولار تعد بتحقيق ذلك، حيث عقدت صفقات لتقديم الملايين من الغالونات من الوقود الحيادي كربونياً.) ولكنها متأخرة عدة سنوات خلف جدولها الزمني، ويشك البعض بقدرتها على تحقيق مزاعمها على الإطلاق. مصدر الصورة: ماكس أو ماتيك

في الصيف الماضي، اجتمع المستثمرون في موقف سيارات لمستودع معدل خصيصاً لهذا الغرض في سانتا كروز بكاليفورنيا.

وكان روب ماكغينيس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "بروميثيوس فيولز" (Prometheus Fuels)، جاهزاً لاستعراض "نواة ماكسويل". كان الجهاز أنبوبي الشكل مجهزاً بغشاء رقيق مثقوب بالأنابيب النانوية الكربونية، والتي شكلت مسامات تفصل الكحول عن الماء. 

وفي ذلك اليوم، كان الجهاز متصلاً بخزان يحوي كلتا المادتين. وأثناء شرح ماكغينيس لطريقة عمل هذه التكنولوجيا، استخدمها طاقمه لملء خزان دراجة هارلي ديفيدسون نارية. وقال إن الكحول تسرب عبر الغشاء الرقيق لاكتساب تركيز كافٍ لتشغيل الدراجة، والتي تم تعديلها حتى تعمل بهذا الوقود.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: المملكة المتحدة تحصل على الطاقة من المصادر المتجددة بنسبة أكبر من الوقود الأحفوري

وبعد ذلك، دعا الحضور إلى تجربة ركوب الدراجة.

كان هذا استعراضاً مسرحياً للتكنولوجيا الأساسية التي يتمحور حولها عرض ماكغينيس المغري: ستقوم بروميثيوس بإحداث تغيير في قطاع الطاقة العالمي بسحب غازات الدفيئة من الهواء وتحويله إلى وقود حيادي كربونياً بتكلفة زهيدة تضاهي تكلفة أنواع الوقود التقليدية والتي تتسبب بالتلوث.

وهكذا، أغدق المستثمرون الأموال على الشركة. تقول بروميثيوس إنها جمعت أكثر من 50 مليون دولار من الفرع الاستثماري في شركة "بي إم دبليو" (BMW)، وشركة "مايرسك" (Maersk) العملاقة في مجال الشحن، ومؤسسة "واي كومبينيتور" (Y Combinator)، وغيرها. وقد عقدت الشركة الناشئة صفقات لبيع الملايين من الغالونات من الوقود الخاص بها إلى شركة الطيران "أميريكان إيرلاينز" (American Airlines) وغيرها من شركات الطيران. كما حازت على تنويه في إعلان لإدارة بايدن حول الجهود الأميركية للانتقال إلى أنواع وقود الطيران المستدامة. وبعد إغلاق جولتها الاستثمارية في سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت الشركة أن قيمتها تجاوزت 1.5 مليار. 

أما المشكلة الوحيدة: فهي أنه لا يوجد دليل ملموس على أنها قادرة على تحقيق مزاعمها الطموحة فعلاً. 

قام ماكغينيس وطاقمه ببناء نموذج أولي يجمع غشاء رقيقاً يحتوي على أنابيب نانوية كربونية مع جهاز يشفط ثنائي أوكسيد الكربون وخلية كهروكيميائية جديدة. ويقوم النظام بتحويل الكربون الملتقط إلى كحول ومن ثم يقوم بزيادة تركيزه، لتفادي خطوة تقطير قد تكون باهظة التكاليف وتحتاج إلى مقدار كبير من الطاقة، إضافة إلى تكاليف أخرى.

اقرأ أيضاً: مصادر الطاقة المتجددة تشهد نموّاً متصاعداً

وستعتمد النسخة التجارية من هذا النظام على الطاقة المتجددة، كما ستتضمن مرحلة أخيرة، وهي تحويل الكحول إلى أشكال اصطناعية من الغازولين والديزل ووقود الطائرات. وقد زعم ماكغينيس أن أنواع الوقود الناتجة ستكون "تنافسية من حيث السعر" مقارنة بتلك المشتقة من الوقود الأحفوري، ولن تصدر أي غاز دفيئة إضافي يتجاوز المقدار الذي تم سحبه خلال عملية التصنيع.

لن تأخذ هذه التكنولوجيا شكل المصافي الضخمة التي يعتمد عليها العالم لتصنيع أنواع الوقود المستخدمة في النقل. بل ستكون على شكل وحدات تركيبية يمكن وضعها في أي مكان بتكلفة زهيدة نسبياً. وفي أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت بروميثيوس أنها تتوقع تشغيل نصف مليون من هذه المحطات بحلول العام 2030. وستقوم مجتمعة بإنتاج نحو 50 مليون غالون من الوقود كل سنة، وشفط ما يقارب 7 مليار طن من ثنائي أوكسيد الكربون بحلول نهاية العقد. 

وإذا أمكن إنتاج هذا الوقود وفق ما تزعمه الشركة من تكاليف ونطاق، فقد تتمكن بروميثيوس من إحداث تغيير شامل في سوق الطاقة العالمية. فسوف يعني هذا أنها قدمت طريقة بسيطة لتحييد انبعاثات السيارات والشاحنات الموجودة على الطرقات، إضافة إلى الأسطول العالمي من السفن والطائرات. ويمكن أن تخفف من الضغط على مواصلة استخراج الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة، وبناء المصافي، ما يخفف من سطوة الدول النفطية، وإدمان العالم على المشتقات النفطية.

ولكن مزاعم بروميثيوس أثارت الاستغراب والتحفظات لدى الكثير من الباحثين، ورواد الأعمال، ومستثمري رأس المال. وقد عبر عدة خبراء، ممن اطلعوا على العرض التقديمي للمستثمرين، والذي حصلت عليه إم آي تي تكنولوجي ريفيو، عن شكوكهم بقدرة الشركة على تحقيق هذا المستوى المنخفض من التكاليف.

اقرأ أيضاً: الهند تتعهد بتخفيض انبعاثاتها الإجمالية إلى الصفر بحلول العام 2070

يقول إريك ماكفارلاند، وهو أستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربارا: "إنه أضحوكة". وأضاف لاحقاً: "إنها الفقاعة التكنولوجية مرة أخرى، حيث يصب الناس الأموال في أشياء تصل في نهاية المطاف إلى الإخفاق، وهو ما يحصل الآن".

ويشعر آخرون بالريبة من قدرة شركة ناشئة صغيرة على تحقيق النجاح، وبصمت، في إدماج عمليات كيميائية حديثة مع محفزات تفاعل جديدة وغشاء فائق التطور ضمن كتلة واحدة فعالة من حيث التكاليف ويمكن تضخيمها بسهولة إلى مستويات تجارية. ويلحظون أن الشركة لم تقدم عرضاً تجريبياً علنياً لنظام يعمل بشكل كامل، ولم تقدم العملية إلى التحكيم العلمي، ولم تقدم المزيد من التفاصيل حول طريقة عملها، حتى لبعض المستثمرين المحتملين.

كما أن تأخر الشركة عن أهدافها في طرح الوقود الاصطناعي في الأسواق، وبفاصل كبير، أثار المزيد من الشكوك. فقد قال ماكغينيس في البداية إن بروميثيوس ستبيع وقودها البديل بتكلفة 3 دولار للغالون الواحد في وقت ما من 2020، أي أقل من الوقود العادي. وبدلاً من ذلك، وبعد سنتين، لم تتمكن الشركة بعد من بناء جهاز متكامل يولد الوقود الذي يمكن أن يؤمن الطاقة لوسائل النقل القياسية الحالية.

اقرأ أيضاً: تجربة أسترالية لتحسين قطاع النقل باستخدام الذكاء الاصطناعي

وقد أدى كل هذا إلى ظهور انطباع بين البعض بأن ماكغينيس -وهو خريج مختص بالمسرح وكاتب مسرحي قبل أن يحصل على الدكتوراة في الهندسة البيئية من جامعة يال- عبارة عن رجل استعراضي إلى حد ما. ومن المرجح أن ادعاءاته الجريئة ساعدت الشركة على عقد الصفقات، كما يقول المراقبون، ولكنها أدت إلى زيادة صعوبة التفريق بين الحقائق والضجيج الإعلامي الفارغ. 

وقد تحدثت إم آي تي تكنولوجي ريفيو مع العديد من المراقبين الخارجيين، ويعتقد معظمهم أن معامل التقاط الكربون ما زالت بحاجة إلى عدة عقود قبل أن تتمكن من إنتاج الوقود بتكاليف زهيدة بشكل مماثل لتكاليف استخراجه من الأرض. ويظن البعض حتى أن هذا لن يحدث على الإطلاق. 

وقود كهربائي

أما بروميثيوس، وبعض الشركات الناشئة الأخرى التي تعمل على إنتاج الوقود من الكربون الملتقط، فتصف المنتج النهائي على أنه "وقود كهربائي" بما أن العملية تؤدي فعلياً إلى تحويل الطاقة الموجودة في الكهرباء إلى وقود سائل. وتعد هذه الشركات بأنها ستقدم العنصر المطلوب لحل الأحجية المناخية، وتعني بهذا مصدر طاقة حيادي كربونياً لكامل قطاع النقل.

فعلى الرغم من أن البطاريات تعمل بشكل جيد في سيارات نقل الركاب، فإنها ستحتاج إلى عدة عقود لتكفي جميع سيارات وشاحنات العالم، ناهيك عن بناء البنية التحتية المطلوبة للشحن. كما أنه لا يوجد من يتوقع أن تتمكن البطاريات من توفير الطاقة للسفن والطائرات الضخمة قريباً.

وببساطة، فإنه من الصعب التفوق على الكثافة الطاقية وسهولة الاستخدام للوقود الهيدروكربوني السائل بمختلف أنواعه. فهو زهيد التكلفة وسهل الشحن والتخزين والإشعال، كما تقول ميريت ديلي، وهي باحثة في مركز الانبعاثات الكربونية السالبة في جامعة أريزونا الحكومية.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للبطاريات البلاستيكية أن تساعد في تخزين الطاقات المتجددة على الشبكات الكهربائية؟

ويمثل الوقود الكهربائي طريقة لمواصلة استخدام هذا النوع من الوقود، ومواصلة الاعتماد على البنية التحتية الموجودة حالياً، دون إصدار غازات الدفيئة بكمية تفوق الكمية المسحوبة من الهواء. ويمثل بناء محطات الالتقاط الهوائي المباشر أقصر طريق إلى إنتاج هذه الأنواع من الوقود، وذلك باستخدام المواد الماصة أو المذيبة لالتقاط ثنائي أوكسيد الكربون. وبشكل منفصل، تستطيع الأجهزة المعروفة باسم المحلل الكهربائي تفكيك الماء لإنتاج شكل نظيف من الهيدروجين، والذي يمكن أن يتفاعل مع الكربون لإنتاج الهيدروكربونات.

وقود كهربائي
مصدر الصورة: ماكس أو ماتيك.

هذا تطبيق كيميائي مباشر، وهو المسار الذي تسير فيه "كربون إنجينيرينغ" (Carbon Engineering)، الشركة المنافسة لبروميثيوس فيولز. ففي 2017، قامت الشركة التي تعمل في بريتيش كولومبيا بإضافة القدرة على إنتاج الوقود من الكربون الملتقط إلى محطتها التجريبية في سكواميش. وإضافة إلى ذلك، أعلنت في أواخر السنة الماضية عن خطط للبدء بأعمال التصميم لمحطة تجارية قرب ميريت في بريتيش كولومبيا، وذلك لإنتاج أكثر من 25 مليون غالون من أنواع وقود منخفضة الأثر الكربوني من الغازولين والديزل ووقود الطائرات في كل سنة.

ولكن المشكلة تكمن في التكاليف الباهظة لشراء تجهيزات الالتقاط الهوائي المباشر وأجهزة التحليل الكهربائي وتشغيلها. حيث يتطلب فصل ثنائي أوكسيد الكربون عن المواد الماصة وزيادة تركيز مقادير كبيرة من الغاز، كما أن تشغيل المحلل الكهربائي يحتاج إلى الكثير من الكهرباء.

وقد وجدت دراسة حول الوقود الكهربائي السنة الماضية في مجلة "إنفايرومينتال ساينس أند تكنولوجي" (Environmental Science & Technology) أن التكنولوجيات القياسية، حتى مع استخدامها على مستوى تجاري كامل، ستحتاج إلى 16.8 دولار تقريباً لإنتاج غالون واحد من مكافئ الغازولين. ووفقاً لتقديرات الدراسة، فقد تنخفض هذه التكلفة إلى 6.4 دولار تقريباً في العقد المقبل و3.6 دولار تقريباً بحلول العام 2050، ولكن فقط بوجود تخفيضات كبيرة في تكاليف الكهرباء والتجهيزات المستخدمة.

ونظراً لهذه التكاليف، يعتقد معظم المراقبين أن الوقود الكهربائي لن يتمكن من الحصول على موطئ قدم في السوق دون قوانين إلزامية تتعلق بالانبعاثات، وأسعار كربونية عالية، أو غير ذلك من السياسات الداعمة. وعلى سبيل المثال، تقول كربون إنجينيرينغ إنها تعتمد على الدعم الحكومي لإنجاح نموذجها الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: هل ستطغى السيارات الكهربائية على سيارات الوقود بحلول عام 2030؟

ولكن بروميثيوس تعد أن وقودها سيتمكن من التنافس بشكل مباشر مع الوقود المصنوع من النفط، وذلك لأنها تمكنت من تجاوز بعض الخطوات المهمة التي تتسبب بارتفاع تكاليف الأنواع الأخرى من الوقود الكهربائي. إضافة إلى ذلك، تزعم الشركة أن تحقيق هذا الهدف لا يحتاج إلى عدة عقود، بل عدة سنوات وحسب. 

المحتوى محمي