مع توقع ارتفاع عدد الأشخاص الذين سيهاجرون إلى المدن والمناطق الحضرية من أجل حياة أفضل خلال السنوات القادمة، قد يلجأ العديد من المدن إلى التكنولوجيا والشبكات المتقدمة لمساعدتها على إدارة الموارد المتاحة لها من أجل توفير نوعية حياة جيدة لقاطنيها.
وتلبيةً لمتطلبات هذه الهجرة المتوقعة، يمكن للمدن الحالية أن تتحول إلى مدن ذكية أكثر استدامة من خلال استخدام مزيج من تكنولوجيا إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والبيانات الضخمة، أو ما يُعرف باسم "حلول المدن الذكية" (Smart City Solutions)، لجمع البيانات وتحليلها، ثم استخدام هذه البيانات لتنفيذ مبادرات مثل تحسين البنية التحتية والمرافق العامة والخدمات.
تكنولوجيا إنترنت الأشياء وأهميتها في إنشاء المدن الذكية
من بين جميع التطورات التكنولوجية الحديثة، لتكنولوجيا "إنترنت الأشياء" التأثير الأكبر على تنمية المدن وإحداث ثورة في الحياة فيها، والآن مع تزايد اعتماد مفهوم المدينة الذكية فإنه من المتوقع استخدام أعداد هائلة من أجهزة إنترنت الأشياء لمراقبة كل جانب من جوانب عمليات ووظائف المدينة والتحكم فيها.
نتيجة لذلك، أظهرت العديد من الدراسات أن معظم مستخدمي الإنترنت، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، يشعرون بالارتياح إلى حد ما على الأقل لفكرة العيش في مدينة ذكية، وهذا يجعل تبني هذه التكنولوجيا في ازدياد مستمر، ما يتيح لها فرصاً هائلة للنمو في السنوات القادمة.
وفي هذا الصدد ووفقاً لدراسة أجرتها شركة الأبحاث "ترانسفورا إنسايت" (Transfora Insights)، من المتوقع أن ينمو عدد أجهزة إنترنت الأشياء النشطة على مستوى العالم إلى 24.1 مليار جهاز في عام 2030. ومن المتوقع أن تسيطر أميركا الشمالية والصين وأوروبا على سوق إنترنت الأشياء في عام 2030 بنسبة 26% و 24% و 23% على التوالي.
اقرأ أيضاً: جامعة إم آي تي تطور نظاماً قد يجعل أجهزة إنترنت الأشياء أكثر ذكاءً
كيف تساعد حلول إنترنت الأشياء على إنشاء المدن الذكية؟
تعمل أجهزة إنترنت الأشياء في المدن الذكية على جعل المهام اليومية أسهل وأكثر كفاءة، مع تخفيف المشكلات المتعلقة بالسلامة العامة وحركة المرور والقضايا البيئية. وفيما يلي أبرز تكنولوجيات المدن الذكية التي تستخدم حلول تكنولوجيا إنترنت الأشياء:
1- البنية التحتية الذكية
تعد البنية التحتية الذكية جزءاً مهماً جداً من إنشاء أي مدينة ذكية، ويتضمن ذلك استخدام تكنولوجيا إنترنت الأشياء جنباً إلى جنب مع مستشعرات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن توفر الوقت والتكلفة. ومن ضمن هذه التطبيقات:
-
الطرق الذكية:
تجمع الطرق الذكية بين البنى التحتية المادية مثل أجهزة الاستشعار والألواح الشمسية والبنية التحتية للبرامج مثل الذكاء الاصطناعي، لتحسين إدارة حركة المرور اليومية والتكيف مع احتياجات النقل على المدى الطويل والتي من شأنها أن تجعل القيادة أسهل وأكثر أماناً.
حيث يؤدي الجمع بين هذه التكنولوجيات إلى توفير معلومات في الوقت الفعلي حول ظروف الطقس والازدحام، وتوفير معلومات محدثة باستمرار عن محطات التزود بالوقود والمطاعم، ويمكن لها أيضاً أن تقوم بشحن السيارات الكهربائية أثناء القيادة.
-
الأضواء الذكية:
تتيح حلول الأضواء الذكية ضمان تقديم معلومات ثابتة عن استهلاك الطاقة الفعلي، بالإضافة إلى التحكم في إضاءة مواقع مختلفة بحسب الغرض منها. على سبيل المثال يمكن إطفاؤها أو خفض إضاءتها بشكل تلقائي في المواقع التي توجد فيها حركة خفيفة أو منعدمة تماماً مثل مواقف السيارات.
-
إشارات المرور الذكية:
تعد إشارات المرور الذكية حلاً ناجحاً في صناعة النقل الذكية، وهي في جوهرها نظام إدارة وتحكم متكامل ذكي للنقل تقوم فيه أجهزة استشعار الرادار والكاميرات بجمع البيانات للتعرف على حركة المرور في الوقت الفعلي.
ويتم تحليل البيانات الواردة من المستشعرات بواسطة الذكاء الاصطناعي، ومن ثم تبديل مصابيح الإضاءة تلقائياً ووفقاً لظروف حركة المرور في الوقت الفعلي، وهذا يؤدي بدوره إلى تجنب الازدحام ويؤمن تدفقاً سلساً لحركة المرور في الطرق.
-
حلول ذكية لإدارة النفايات:
تتيح حلول إنترنت الأشياء طرقاً متطورة لإدارة النفايات ما يؤدي إلى مساعدة المؤسسات المعنية على خفض تكاليف جمع القمامة، وتقليل فيضان النفايات في صناديق القمامة، والتنبؤ بكمية توليد النفايات من خلال المستشعرات المضمنة في هذه الحاويات.
وهذا يؤدي بدوره إلى منع ظهور الأمراض والتلوث البيئي والغازات الضارة، من خلال مراقبة مدى امتلاء علب القمامة في نقطة معينة وإرسال تلك البيانات إلى شركات إدارة النفايات، ما يوفر أفضل الطرق لجمعها والتخلص منها بسرعة وكفاءة، والحفاظ على السلامة البيئية وتحسين جودة الحياة في المدن الذكية.
اقرأ أيضاً: علماء يعملون على إنشاء نسخة بيولوجية من إنترنت الأشياء
-
أنظمة إدارة المياه
يعتبر الماء مورداً محدوداً يتناقص بمعدلات تنذر بالخطر، لذا فإن استخدام تقنيات إدارة المياه الذكية في المدن الذكية للحفاظ على المياه للأجيال القادمة هو ضرورة قصوى، حيث يمكن استخدام مستشعرات الذكاء الاصطناعي في مراقبة مستويات المياه وحالة الأنابيب وغيرها لتحسين إدارة المياه.
وسيضمن ذلك عدم هدر المياه وفي الوقت نفسه التعامل مع مشكلات مثل التسرب من الأنابيب أو الضغط العالي في الخزانات بسرعة وكفاءة، كما يمكن أيضاً استخدام المستشعرات لمراقبة مستويات المياه الجوفية بحيث يمكن تجديدها إذا ظهرت بوادر نقص فيها.
اقرأ أيضاً: معطف الإخفاء في هاري بوتر أصبح حقيقة وإليك تفاصيل طريقة عمله
2- المباني الذكية:
تحتوي المدن الذكية على الكثير من المباني الضخمة، ومن ثم فإن التحدي هو استخدام حلول أنظمة إنترنت الأشياء بحيث يمكن التحكم في مثل هذه المباني من مصدر مركزي واحد، وتتضمن بعض هذه التطبيقات:
-
عدادات القياس الذكية
تُعد أجهزة القياس الذكية أحد أفضل أجهزة إنترنت الأشياء في المدن الذكية، حيث ترتبط هذه الأجهزة بالمباني وتتصل بشبكة طاقة ذكية ما يسمح لشركات الخدمات بإدارة تدفق الطاقة بشكل أكثر فعالية. بالإضافة إلى ذلك، تسمح العدادات الذكية أيضاً للمستخدمين بتتبع استهلاكهم للطاقة ما يساعدهم على تقليل نفقاتهم.
-
أجهزة مراقبة جودة الهواء الذكية
يمكن لأجهزة مراقبة جودة الهواء الذكية رسم خرائط مستويات التلوث في الوقت الفعلي وتحليل الحالة البيئية للمدينة الذكية، ومن ثم يمكن استخدام هذه المعلومات المهمة لتقديم المشورة للجمهور حول كيفية حماية صحة الأفراد وللسلطات المحلية لفهم كيفية إدارة جودة الهواء وقياسها في مدنها والتخفيف من تلوثه.
-
أنظمة السلامة والأمن:
تعمل حلول أنظمة السلامة والأمن على المساعدة في مراقبة الأماكن العامة ومشاركة رؤى البيانات مع العاملين والمسؤولين في المدينة، من أجل تمكين المدن الذكية من إدارة الحشود وتحسين تجربة وسلامة الأشخاص الذين يقيمون فيها.
تشمل هذه الأنظمة أجهزة مثل القياسات الحيوية وكاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار اللاسلكية لمنع دخول الأشخاص غير المصرح لهم إلى المباني، ما يقلل من فرص ارتكاب الجرائم، كما تساعد سلطات إنفاذ القانون على مكافحة الجريمة بكفاءة وسرعة.
اقرأ أيضاً: ما الذي يجب أن تفعله لحماية خصوصيتك من تجسس إنترنت الأشياء؟
3- أنظمة توزيع وإنتاج الطاقة:
لا يمكن تسمية المدن الذكية بأنها ذكية إذا لم يكن لديها مصدر لإمداد الكهرباء يعمل على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، حيث تستخدم الشبكات الذكية والعدادات الذكية حلول إنترنت الأشياء لتمكين إنشاء نظام نقل وتوزيع قوي.
علاوة على ذلك، تسمح حلول إنترنت الأشياء لشركات توليد الطاقة بتحسين عمليات إنتاج الطاقة لديها، لتلبية المتطلبات المتغيرة باستمرار للمستهلكين النهائيين، ومن أبرز تطبيقاتها:
-
إدارة مصادر الطاقة:
يؤدي إمداد المدينة بالكهرباء من مصادر الطاقة غير المتجددة بشكل مستمر إلى ازدياد التلوث، وفي حالة استخدام الموارد المتجددة بشكل كامل فإنها عادةً ما تعتمد على الظروف الجوية ما يجعلها متغيرة في طبيعتها.
ومن ثم يمكن باستخدام حلول تكنولوجيا إنترنت الأشياء إنشاء نظام نقل ذكي يسمح بالتبديل التلقائي بين إمدادات الطاقة غير المتجددة والمتجددة، وهذا من شأنه أن يمكّن من استخدام الطاقة المتجددة في الظروف الجوية المناسبة وبالتالي تقليل التلوث في المدن.
اقرأ أيضاً: هل أصبح التغير المناخي مصدر خطر على الطاقات المتجددة أيضاً؟
4- الرعاية الصحية الذكية
تعتبر الرعاية الصحية جانباً مهماً للغاية من جوانب الحياة، خاصة في الأوقات الحالية التي تتزايد فيها الأمراض غير المعدية مثل أمراض القلب والسرطان. في مثل هذه الحالة يمكن لحلول تكنولوجيا إنترنت الأشياء أن تساعد في تعزيز نظام الرعاية الصحية بحيث يحصل الجميع على رعاية صحية أفضل.
وأحد الأمثلة على ذلك هو استخدام تطبيقات الرعاية وأجهزة الاستشعار لمراقبة المريض عن بعد بحيث يمكن مراقبة المرضى على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتنبيه فرق الطوارئ للتدخل في حالة وجود أية مشكلات.
بالإضافة إلى ذلك يمكن لحلول تكنولوجيا إنترنت الأشياء تحسين السلامة العامة في المدن الذكية من خلال تسهيل استجابة خدمات الطوارئ للحوادث، حيث تسمح شبكات إنترنت الأشياء للمسؤولين بتحليل البيانات في الوقت الفعلي من خلال أجهزة الاستشعار والكاميرات، ما يؤدي إلى تحسين قدرتهم على الاستجابة بسرعة في حالة الطوارئ.
5- إدارة الكوارث الطبيعية
لا يمكن منع حدوث الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل وأمواج تسونامي وغيرها، ولكن من الممكن تماماً توقع هذه الكوارث قبل حدوثها ومن ثم إدارتها بشكل فعال. على سبيل المثال يمكن استخدام المستشعرات مع إنترنت الأشياء لتوقع وقت حدوث الزلازل.
بالإضافة إلى ذلك يمكن استخدام المستشعرات للحصول على بيانات الكشف عن الفيضانات مثل قراءات مستوى النهر، وسجلات هطول الأمطار، والتضاريس وارتفاع المنطقة للتنبؤ بالوقت والمكان الذي قد يحدث فيه الفيضان وشدة الفيضان أيضاً.
وأخيراً، هذه ليست سوى بعض تطبيقات تكنولوجيا إنترنت الأشياء التي تساهم فعلاً في إنشاء المدن الذكية، ويتم استخدام العديد منها بالفعل في المدن الكبرى من حول العالم، ومع ذلك هناك العديد من العوائق التي تحول دون إنشاء مدن ذكية حقيقية.
قد يكون بعض هذه العوائق عوائق بيروقراطية أو أن دمج الأنظمة الحالية مع التكنولوجيا الجديدة يستغرق وقتاً، ولكن مهما كانت العوائق فإن العمل على إنشاء مدن ذكية جديدة أو تحويل بعض المدن الحالية إلى ذكية هو أمر واقع وفي طريقه للتحقق بالفعل.