ركز العديد من الباحثين على إمكانات الاستفادة من الطبيعة لمواجهة التغير المناخي، وذلك بزراعة الأشجار أو المحاصيل التي تمتص ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
ولكن تقريراً جديداً يدعو إلى التشاؤم من الهيئة المناخية في الأمم المتحدة يشدد على أن الاعتماد بدرجة كبيرة على هذه المقاربات قد ينطوي أيضاً على أخطار حقيقية.
نتائج تدعو للتشاؤم
ويحذر التحليل المنشور حديثاً ضمن نحو 4,000 صفحة من أن أكثر من 3 مليار شخص في جميع أنحاء العالم "معرضون بدرجة كبيرة" إلى أخطار التغير المناخي، وأن الطقس العنيف وغير ذلك من الآثار بدأت بتجاوز قدرة الأنظمة البشرية على التحمل. ونظراً للتأخر الذي استمر عدة عقود في التخلي عن الوقود الأحفوري، يجب على العالم أن يعمل بسرعة على إزالة الانبعاثات، والتكيف مع التغيرات التي بدأت مسبقاً، وإزالة مليارات الأطنان من غازات الدفيئة التي تتسبب بالتغير المناخي، كما استنتج الباحثون.
وقد وجدت الهيئة سابقاً أن إيقاف الاحترار عند 1.5 درجة مئوية يمكن أن يحتاج إلى سحب ما يصل إلى 8 مليار طن من ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء سنوياً بحلول منتصف القرن، باستخدام ما يعرف باسم الطاقة الحيوية مع التقاط وتخزين الكربون أو اختصاراً: "بيكس" (BECCS).
وتقوم هذه العملية على استغلال القدرة الطبيعية للمحاصيل وغيرها من النباتات على استهلاك غازات الدفيئة أثناء نموها. وفي المقابل، فإن المنشآت الخاصة أو المعدلة تستطيع استخدام هذه النباتات لإنتاج الكهرباء أو الوقود، مع التقاط وتخزين الانبعاثات الناتجة. وفي الوقت الحالي، ليس هناك سوى بضع منشآت تعمل بهذه الطريقة، على الرغم من وجود عدد متزايد قيد الإنشاء.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن نتوصل إلى إزالة الكربون بتكاليف معقولة؟
لماذا يمكن أن تضر زراعة المحاصيل بهدف إزالة ثنائي أكسيد الكربون؟
ولكن تقرير الأمم المتحدة يحذر من أن زرع ما يكفي من المحاصيل لإزالة كميات كبيرة من ثنائي أوكسيد الكربون سيتطلب مساحات واسعة من الأراضي. وهو ما يمكن أن يتضارب مع الجهود الرامية إلى إنتاج الطعام للأعداد المتزايدة من السكان، وزيادة الضغوط على عدة أنواع حيوانية ونباتية. وقد لحظت إحدى الدراسات أن تحويل ما يكفي من الأراضي لتجنب وصول الاحترار إلى درجتين مئويتين قد يؤدي إلى نقل المجال الحيوي للعديد من أنواع الطيور الأوروبية بنسبة تفوق ما قد ينتج عن وصول الاحترار إلى 4 درجات مئوية بسبب التغير المناخي.
وقد تحدثت العديد من المجموعات أيضاً -بما فيها مبادرة التريليون شجرة- عن الاحتمالات الناجمة عن زراعة الأشجار كوسيلة لمكافحة التغير المناخي. وتسمح العديد من المناطق والمنظمات لمالكي الأراضي والشركات بشراء وبيع الانزياحات الكربونية كجزء من هذه الجهود.
ويلحظ التقرير أن إعادة زراعة الأشجار في مناطق الغابات السابقة يمكن أن يؤدي إلى عدة فوائد. ولكنه يحذر أيضاً من أن زراعة الأشجار حيث لا تنمو بشكل طبيعي يمكن أن يؤدي إلى عواقب بيئية فادحة.
فزراعة الأشجار في المناطق العشبية المفتوحة يمكن أن تخفف من تدفق المياه في الجداول وتزيد شدة الحرائق. كما يمكن حتى أن تساهم في الاحترار العالمي، لأن الأعشاب تعكس الحرارة بشكل يفوق الغابات. وبشكل مماثل، فإن تجفيف الأراضي الخثية بهدف زراعة الأشجار يمكن أن يطلق كميات كبيرة من غازات الدفيئة من هذه المخازن الطبيعية الغنية بالكربون.
اقرأ أيضاً: تقرير الأمم المتحدة للمناخ يعلق آماله على تقنيات فتيّة لإزالة الكربون
الحاجة إلى دراسة دقيقة للسياق المحلي للنباتات المزروعة
ويلحظ المؤلفون أن ضمان قدرة هذه الأساليب على إزالة غازات الدفيئة مع التقليل من السلبيات قدر الإمكان سيتطلب دراسة دقيقة للظروف والسياق المحلي. أيضاً، تبرز الاستنتاجات أهمية الاعتماد على مجموعة متنوعة من الأساليب في إزالة الكربون، بما فيها الأساليب التكنولوجية الناشئة مثل الالتقاط الهوائي المباشر واستخدام عدة أنواع من العناصر المعدنية.
لقد أصبح من الواضح، وعلى نحو متزايد، أن العالم بحاجة إلى إزالة كميات ضخمة من غازات الدفيئة في العقود المقبلة، وأننا لا ندري بعد كيف نقوم بهذه المهمة بشكل اقتصادي وفعال وموثوق على أي مستوى شبه قريب من المستوى المطلوب.