الحرب الدعائية تطغى على الحرب السيبرانية في أوكرانيا

4 دقائق
الحرب الدعائية تطغى على الحرب السيبرانية في أوكرانيا
حقوق الصورة: كيني هولستون/ صور جيتي.

مع اختراق الحشود الروسية لأوكرانيا، كانت حكومة البلاد المحاصرة قد بدأت مسبقاً بالتفكير بوسيلة مختلفة للرد.

ففي 26 فبراير/ شباط 2022، أطلق وزير التحول الرقمي ميخايلو فيدوروف "جيش أوكرانيا الرقمي"، وهو بمثابة دعوة غير مسبوقة لقراصنة العالم للهجوم على روسيا دفاعاً عن بلده. يمثل هذا الجيش الرقمي القوة الأكثر وضوحاً فيما تحول إلى نزاع سيبراني فائق التعقيد بين مجموعة عشوائية من الأطراف مع مزاعم تخريب يستحيل تأكيدها، وعدد قليل من عمليات الاختراق العلنية. 

عمليات الاختراق الرقمي

وفي الواقع، فإن عمليات الاختراق الرقمي بقيت على الهامش خلال الأسبوع الأول من الحرب. وبدلاً من ذلك، فإن جيش أوكرانيا الرقمي، وغيره من المجموعات التي أعلنت لاحقاً عن نيتها لإطلاق هجمات سيبرانية، شاركوا جميعاً في حرب الدعاية الطاحنة، والتي تجاوزت أوكرانيا وروسيا إلى بقية أنحاء العالم.

يقول الخبراء إن استراتيجية أوكرانيا في محاولة بناء فرقة دولية من القراصنة تتوافق مع كونها بلداً محاصراً. حيث يتم توجيه الراغبين بالمشاركة إلى قناة تيليجرام توضح الأهداف بوضوح في سلسلة من الرسائل. وقد وُضعت قائمة بالأهداف التي ستتعرض للاختراق وهجمات الحرمان الموزع من الخدمة إلى جانب بيانات توضح كيفية شن حرب معلومات بالنيابة عن كييف. تتضمن قائمة الأهداف المؤسسات الحكومية والمالية، ما يعني أن البنى التحتية الحساسة في روسيا أصبحت عرضة للاستهداف في أي لحظة. شارك في هذه القناة أكثر من 270,000 شخصاً حتى الآن. 

كما أعلنت عدة من عصابات فيروس الفدية نيتها دخول النزاع. ولكن، وعلى الرغم من أن الرسائل احتلت العناوين الإعلامية على الفور، فلم تنفذ أي من هذه المجموعات أي هجمات واضحة أو قابلة للتأكيد. وعلى الرغم من أن مجموعات القراصنة، مثل أنونيموس، كانت صريحة حول نيتها بالمشاركة، بما في ذلك إطلاق مزاعم حول اختراق قواعد البيانات الروسية، فقد تم نقض العديد من هذه المزاعم بسرعة. ولكن جميع هذه الإعلانات والمعلومات الزائفة المضخمة والمفخمة انتشرت بسرعة مثل النار في الهشيم. وهكذا، فإن المحتالين والكاذبين والمخادعين يزيدون الطين بلة في فوضى القتال المحتدم.

اقرأ أيضاً: إيلون ماسك يفعّل أقمار ستارلينك لتوفير الإنترنت الفضائي في أوكرانيا

تضخيم زائد

امتد الارتباك حتى إلى المجموعات التي نظمتها شخصيات بارزة، بل وحتى الحكومات. وعلى سبيل المثال، فإن مجموعة القتال السيبرانية البيلاروسية، وهي مجموعة قرصنة مناهضة للنظام، وتتمتع بسجل حافل من النشاطات الفعلية في بلادها، تزعم بأنها جزء من حركة هجينة سيبرانية – حقيقية لتخريب السكك الحديدية التي تنقل القوات. ولكن لم يكن من الممكن تأكيد صحة هذه المزاعم. 

وتقول مجموعة مقاومة سيبرانية أوكرانية نظمها مسؤولون من وزارة الدفاع الأوكرانية إنها تستهدف السكك الحديدية وشبكات الطاقة الكهربائية داخل روسيا. وهو ادعاء جريء، ولكنه غير مدعوم بأي دليل. ويعتقد الخبراء أن الإمكانات المطلوبة للتأثير على شبكات الطاقة بالهجمات السيبرانية موجودة فقط لدى بضع دول.

وقد قامت مجموعة "غوست رايتر"، وهي مجموعة قرصنة مرتبطة بروسيا وبيلاروسيا، باستهداف شخصيات سياسية وعسكرية أوكرانية، ولكنها فشلت حتى الآن في تحقيق أي نجاح ملموس. كما قامت مجموعة قرصنة مجهولة باستخدام برنامج خبيث ماسح ومدمر ضد أهداف حكومية أوكرانية قبل ساعات وحسب من بدء الحرب، وذلك وفقاً لجان إيان بوتان، رئيس أبحاث الأخطار البرمجية في "إيسيت" (ESET)، ولكن الأثر الفعلي لهذه الهجمات ما زال مجهولاً أيضاً.

وقد رفضت شركة "كاسبرسكي" (Kaspersky)، وهي أكبر شركة روسية للأمن السيبراني، طلب مقابلة لمناقشة ما يراه خبراؤها داخل روسيا. ولكن هناك شيء ما يحدث بالتأكيد: فقد قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا لوسائل الإعلام الروسية مؤخراً إن البلاد تتعرض لهجمات من قبل "إرهابيين سيبرانيين من أوكرانيا".

ويقول آدم مايرز، وهو نائب الرئيس الأول في شركة الأمن السيبراني الأميركية "كراود سترايك" (CrowdStrike): "لم نشهد من قبل ظهور جميع هذه الأطراف المختلفة بهذه الطريقة". 

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للهجمات السيبرانية الروسية في أوكرانيا أن تنتشر عالمياً؟

إجراءات وقائية روسية

ولكن، عندما يتعرض الملايين في مراكز المدن لقصف المدفعية الثقيلة، أي فائدة ترجى من تسريب قواعد البيانات وتعطيل مواقع الويب؟ وما هو مدى التأثير الفعلي لهذا "الجيش" الدولي؟ ليس من السهل أن نجيب عن هذه الأسئلة. فعندما يرسل الجيل الرقمي عنوان بروتوكول الإنترنت (IP)، فإن الهدف يتعطل في أغلب الأحيان، وعادة ما يتعطل بسرعة. وحالياً، فإن الكثير من المواقع الروسية تعمل فقط ضمن حدود روسيا نفسها، لأنها ترفض جميع الاتصالات من الخارج، وهي آلية دفاعية ضد الهجمات الدولية، دون أي سابقة تاريخية على هذا المستوى. 

ولكن هجمات الحرمان من الخدمة بسيطة من الناحية الفنية، بل ويمكن حتى عكس تأثيرها، كما أنها أقل تدميراً بكثير من الصواريخ الروسية التي تضرب مراكز المدن، والزجاجات الحارقة الأوكرانية التي تُرمى على القوات الروسية.

تساهم كل هذه العوامل في حرب المعلومات الجارية ضمن كلا البلدين، وفي جميع أنحاء العالم. فقد بدا أن هجمات روسيا على المؤسسات الحكومية والمالية الأوكرانية في الأيام السابقة للحرب مصممة خصيصاً لتقويض الثقة بقيادة كييف. وبنفس الطريقة، فإن محاولات الحكومة الأوكرانية لتعطيل المواقع الروسية الحكومية وإطلاق رسائلها الخاصة ضمن روسيا تتوافق مع أسلوب كييف في حرب المعلومات. تعتمد المقاومة الأوكرانية على جبهة الأرض والجبهة السيبرانية على الدعم من الغرب، وهو شريان حياة هام بالنسبة لدولة أصبحت عاصمتها شبه محاصرة.

يقول مايرز: "تمثل الأدوات السيبرانية عناصر هامة في الحرب والتجسس، وهناك نزاع مسلح مفتوح أمام الجميع. ولا يختلف هذا الأسلوب عن طلب أوكرانيا من الناس القدوم إليها للحصول على بندقية كلاشنكوف وقتال الروس على الأرض". 

اقرأ أيضاً: الحرب الروسية الأوكرانية تبرز مدى اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي

الكيل بمكيالين فيما يتعلق بالهجمات السيبرانية

ولكن الصورة تبدو مختلفة بعض الشيء من واشنطن أو لندن. فعلى مدى سنوات عديدة، كانت الحكومات الغربية تدين الهجمات السيبرانية من الأراضي الروسية. ولكن، ماذا عن الآن عندما تطلب أوكرانيا المساعدة من القراصنة علناً؟ 

يقول مايكل إي فان لاندينغام، وهو محلل سابق مختص بروسيا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: "على الرغم من أن حكومة الولايات المتحدة الأميركية أعلنت عن عدم سماحها لناشطي القرصنة باستخدام الراوترات الأميركية لشن هجمات الحرمان الموزع من الخدمة على مواقع الدعاية الحكومية الروسية، فإن روسيا لن تصدقها على الأرجح. تستخدم روسيا الأدوات السيبرانية كامتداد لسلطة الدولة، وغالباً ما يعتبر القادة الروس أن الآخرين يفكرون بنفس طريقتهم، وأعتقد أنهم سينظرون إلى الهجمات من مجموعات مجهولة أو أي مجموعات غربية على أنها هجمات تدعمها الحكومات الغربية".

من الواضح أن أغلب ما يروج له الجيش الرقمي الأوكراني يُعتبر جريمة في الولايات المتحدة وجميع البلدان الغربية. ولكن الوضع يتجاوز المسائل القانونية، ويدفع إلى المقدمة بالعديد من التساؤلات الأخلاقية والجيوسياسية.

يقول فان لاندينغام: "يجب على الحكومات الغربية أن تفرض قوانين صارمة ضد القرصنة على أي شخص يحاول تخريب المواقع الروسية أو تعطيلها بهجمات الحرمان الموزع من الخدمة أو القيام بأي شيء غير قانوني في الفضاء السيبراني. وهذه هي الطريقة الوحيدة حتى نثبت أن هذه المحاولات ليست خطة من وكالة الاستخبارات المركزية أو هجوماً من القيادة السيبرانية الأميركية، وأننا حددنا الشخص المسؤول عن هذه الهجمات، واتخذنا الإجراءات المناسبة".

على الرغم من البيئة العشوائية التي تعم فيها الفوضى، فإن الندرة الظاهرية للعمليات السيبرانية الكبيرة القابلة للتأكيد، والتي تتزامن مع اجتياح روسيا لأوكرانيا، تمثل أحد أكبر العوامل المجهولة في هذه الحرب. لقد أطلقت روسيا هجمات سيبرانية مدمرة على أوكرانيا في السنوات الأخيرة، ولكنها اقتصرت حتى الآن على الحرب التقليدية منذ بدء الغزو. ويبقى السؤال: هل ستلجأ إلى الهجمات السيبرانية في الأسابيع أو الأشهر المقبلة مع استمرار هذه الحرب؟

المحتوى محمي