يشكل غاز ثاني أوكسيد الكربون نحو 80% من الغازات الناجمة عن احتراق الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة، وهو المسؤول الرئيسي عن ظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، لذلك، يعمل الباحثان جونا أرليباشر وتشاو وانج في معهد رالف أوكونور للطاقة المستدامة (ROSEI) التابع لجامعة جونز هوبكنز على تطوير طريقة جديدة لسحب غاز ثاني أوكسيد الكربون من الهواء وتحويله إلى شكلٍ من الكربون الصلب الذي يمكن استخدامه في العديد من المجالات مثل الزراعة والبناء والصناعة.
سحب ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحويله إلى كربون نقي
يقول جونا أرليباشر، وهو أستاذ علوم وهندسة المواد في جامعة جونز هوبكنز: "إذا تمكنّا من القيام بذلك، فسوف يكون عملنا العمل الأول الذي يثبت إمكانية تحويل ما يسمى الكربون الضار إلى كربون مفيد للعالم".
سحب ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحويله إلى كربون نقي هو أحد المشاريع الرئيسية لمعهد رالف أوكونور الطاقة المستدامة الجديد، وقد تم إنشاء هذا المعهد في شهر أبريل/نيسان 2021، وتشمل مشاريعه الأخرى إنتاج بطاريات يمكن شحنها بالطاقة الشمسية، وإنشاء قاعدة بيانات متاحة للجميع لمحاكاة مزارع الرياح على مستوى العالم، وإنشاء برنامج تعليمي لتوعية طلاب المدارس الثانوية بأهمية الطاقة المتجددة.
يعد البحث في طرق سحب الكربون أحد أهم الأبحاث التي تجري على مستوى العالم للتعامل مع تحدي العصر المتمثل في تغير المناخ، ويمكن أن يساهم في وضع حجر الأساس لحل المشكلة. ففي أكثر من دولة، يعمل الباحثون على سحب غاز ثاني أوكسيد الكربون من الهواء وتحويله إلى مادة يمكن الاستفادة منها أو التخلص منها، لكن معظم المحاولات السابقة أدت إلى تحويل الغاز إلى وقود مثل الميثانول، والذي يؤدي حرقه إلى انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون مرة أخرى.
يرى الباحثان المشاركان في هذه الدراسة أن استخلاص الكربون من غاز ثاني أوكسيد الكربون وتحويله إلى الكربون الصلب والنقي يمكن أن يجعله مجدياً من الناحية الاقتصادية، حيث يمكن استخدام الكربون الصلب في عدد من المجالات الصناعية وفي الزراعة والبناء.
يقول الباحث تشاو وانج: "الكربون النقي قوي وخفيف الوزن ومقاوم للنار، ونستطيع أن نستخدمه بأي شكل، ما يجعله قابلاً للاستخدام بعدة طرق".
اقرأ أيضاً: ها قد بدأنا ندمر البيئة المحيطة بكوكبنا أيضاً
تطبيقات عديدة لهذه التكنولوجيا في حال نجاحها
إذا نجح البحث في تحقيق الهدف باستخراج الكربون النقي من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، من المتوقع أن يستخدم هذا الكربون في مجال صناعة السيارات والمنسوجات، كما يمكن استخدامه كسماد لتعزيز الرطوبة في الأراضي الزراعية وزيادة خصوبتها، ما ينعكس بالإيجاب على غلّة المحاصيل.
سيتم إجراء التجارب الأولى في منشأة للطاقة بمدينة كولومبيا في ولاية ميريلاند الأميركية، والتي يجري تجهيزها حاليّاً، في نفس الوقت سيتم إنشاء محطة خلف حرم الجامعي كتجربة أخرى.
لا تشمل الدراسة تطوير التكنولوجيا التي ستساعد في استخلاص الكربون النقي من غازات الاحتباس الحراري فحسب، بل تشمل أيضاً دراسة جدوى استخدام الكربون النقي في المجال الاقتصادي.
يقول وانج: "هناك جانب سياسي لهذا المشروع وجانب اقتصادي أيضاً، ودراسة كيفية استغلال المشروع في المجال الاقتصادي الخالي من الكربون سيكون مهماً للغاية. أعتقد أننا سنكون أمام ثورة الكربون، لأن العديد من البلدان ستقوم باستغلال هذه التكنولوجيا في المستقبل القريب".
يعتقد الباحثان أن العديد من الصناعات بحاجة إلى تأهيل المصانع لكي تتمكن من تقليل انبعاثات الكربون أو سحب الكربون. هذا بحد ذاته سيكون مجالاً مثيراً للاهتمام، ومن المتوقع أن يوفر الكثير من فرص العمل مستقبلاً.
الجدير بالذكر أن الباحثان المشاركان في هذا المشروع يتعاونان مع بعضهما بعضاً منذ فترة طويلة، لكنهما وجدا مؤخراً في المعهد فرصة لدعم المشروع ونجاحه.
يقول أرليباشر: "ساعدنا إنشاء معهد رالف أوكونور للطاقة المستدامة على إنشاء إطار تعاون من أجل تنفيذ هذه المبادرة، حيث يوجد في المعهد الكثير من الباحثين الآخرين الذين لديهم هدف مشترك معنا، ولديهم أيضاً نفس القيم والتطلعات".
اقرأ أيضاً: شركة كندية تخطط لبناء أكبر محطة في العالم لإزالة ثاني أكسيد الكربون
هل ستكون هذه الطريقة حلاً لظاهرة الاحتباس الحراري؟
هذه ليست المبادرة الأولى التي يعمل فيها علماء وباحثون على تطوير تكنولوجيا سحب الكربون من الغلاف الجوي واحتجازه. في عدة دول من حول العالم، توجد منشآت قيد العمل لسحب الكربون، منها واحدة موجودة في اسكتلندا تزيل نحو مليون طن من الكربون سنوياً، وهي نفس الكمية التي تلتقطها نحو 40 مليون شجرة.
لكن السبب الذي يمنع نشر تكنولوجيا سحب الكربون واستخدامها على نطاق واسع هو أنها مكلفة ومعقدة. الجديد في المشروع الذي يقوده الباحثان يكمن في حل مشكلة التكلفة الكبيرة، حيث تستطيع الشركات سحب الغازات الضّارة من الغلاف الجوي وتحويلها إلى كربون نقي يمكن بيعه لاستخدامه في عدة مجالات، ما يوفر تمويلاً لهذه التكنولوجيا.
يأمل الباحثون المشاركون في هذا المشروع أن يكونوا قادرين على إيجاد طريقة مجدية اقتصادياً تلعب دوراً في الحد من ظاهرة تغير المناخ إلى أن يتمكن العالم من الاستغناء عن الوقود الأحفوري.