إذا كنت تتابع منتديات العملات المشفرة أو أخبار ألعاب الفيديو مؤخراً، أو تراقب كل شيء بدءاً من قوائم إعلانات فرص العمل في نيويورك تايمز، وصولاً إلى بعض حوارات تويتر السخيفة حول الاستعاضة عن مقابلات العمل التقليدية باختبارات تعتمد على البلوك تشين من "مهام ومغامرات ودورات تدريبية تسمح لك بإثبات جدارتك"، فمن المحتمل أنك صادفت مصطلح "ويب 3" (Web3).
من الواضح بطبيعة الحال أن المصطلح يشير إلى الجيل الثالث من الإنترنت. ولكن، أهو مجرد مصطلح عادي لا يتعدى كونه أحدث تقليعة بين المتاجرين بمئات أو آلاف الدولارات من الرموز غير القابلة للاستبدال التي تأخذ شكل قرود من الرسوم المتحركة، والذين بدؤوا منذ الآن بتصميم بيوتهم الافتراضية في الميتافيرس؟ أم أن مصطلح "ويب 3" –وما يرمز إليه من نسخة جديدة أقل مركزية من الإنترنت- هو شيء يجب أن نتعرف عليه نحن معشر مستخدمي "ويب 2"، أو على الأقل من يظن منا أننا ما زلنا نعيش في فلكه؟ من المرجح أن الإجابة عن كل من السؤالين هي: نعم. أما الإجابات عن أسئلتك اللاحقة فسوف تجدها أدناه.
ما هو "ويب 3" بالضبط؟
يشير المصطلح "ويب 3" إلى شكل جديد من الإنترنت بتصميم يعتمد على البلوك تشين العامة، وهي التكنولوجيا التي تُشتهر بتسهيل تعاملات العملات المشفرة. وتكمن جاذبية "ويب 3" في أنها لامركزية، وبالتالي، فإن الأفراد أنفسهم يمتلكون ويتحكمون في أجزاء من شبكة الإنترنت هذه، بدلاً من الهيكلية التقليدية التي تقوم على وصول المستخدمين إلى الإنترنت عبر خدمات تقدمها شركات مثل "جوجل" (Google) و"آبل" (Apple) و"فيسبوك" (Facebook). لا تتطلب "ويب 3" الحصول على "إذن"، ما يعني أن السلطات المركزية لا تتحكم في من يستخدم الخدمات، كما لا توجد أي حاجة إلى "الثقة"، ما يعني أن التعاملات الافتراضية بين طرفين أو أكثر لا تحتاج إلى وسيط لتسهيلها. من الناحية النظرية، تؤمن "ويب 3" حماية أفضل لخصوصية المستخدمين أيضاً، لأن تلك الأطراف، من سلطات ووسائط، هي التي تقوم بمعظم عمليات جمع البيانات.
بطبيعة الحال، فإن كل هذا ليس سوى رؤية مثالية "للويب 3" في المستقبل من بنات أفكار مطوري ومناصري البلوك تشين، ما يعني أنها قد لا تكون على هذه الدرجة من المساواة عند تطبيقها عملياً. أحد عناصر "ويب 3" الذي بدأ باكتساب الكثير من الزخم هو النظام المالي اللامركزي، والمعروف أيضاً باسم دي فاي (DeFi)، والذي يتضمن إجراء التعاملات المالية الحقيقية على البلوك تشين دون مساعدة من البنوك أو الحكومات.
في هذه الأثناء، بدأ عدد من الشركات الكبيرة وشركات استثمار رأس المال باستثمار مبالغ ضخمة لبناء "ويب 3"، ومن الصعب أن نتخيل أن هذه المشاركة لن تؤدي إلى شكل ما من النفوذ المركزي.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لشبكة الويب 3.0 أن تغير طريقة تفاعلنا عبر الإنترنت؟
ماذا كان هناك قبل "ويب 3"؟
يشير مصطلحا "ويب 1" و"ويب 2" (المعروف أكثر باسم "ويب 2.0") إلى الفترات المبكرة من الإنترنت. تغطي "ويب 1" فترة التسعينيات والعقد الأول من القرن الجديد، حيث كانت أكثر مركزية، وأكثر تركيزاً على البروتوكولات مفتوحة المصدر. وقد كان من الشائع في تلك الفترة رؤية صفحات ساكنة، أي باختصار مواقع لا يمكنك التفاعل معها، ولا يتم تحديثها بانتظام. أما "ويب 2" فتغطي الفترة الممتدة من العقد الأول في القرن الجديد حتى الوقت الحالي، حيث تقوم الشركات التكنولوجية الكبيرة بإدارة معظم المراكز ذائعة الصيت لنشاط الإنترنت. ومن السمات المميزة لهذه الفترة ظهور المحتوى الذي يولده المستخدم على منصات هائلة الحجم، مثل فيديوهات يوتيوب أو منشورات فيسبوك، أي ما يشغل وسائل التواصل الاجتماعي. ما يعني أن الإنترنت أصبحت مكاناً للمشاركة الفعالة، بدلاً من الاستهلاك السلبي [لما يتم نشره].
اقرأ أيضاً: لماذا علينا إيلاء اهتمام أكبر بشأن قطع الإنترنت؟
حسناً، ولكن "ويب 3" تتعلق بالعملات المشفرة، أليس كذلك؟
ستكون الرموز غير القابلة للاستبدال والعملات الرقمية وغيرها من عناصر البلوك تشين مهمة للغاية "للويب 3". وعلى سبيل المثال، فإن "ريديت" (Reddit) بدأت بشق الطرق نحو "ويب 3" بمحاولة ابتكار وسيلة لاستخدام العملات المشفرة للسماح للمستخدمين عملياً بامتلاك أجزاء من المجتمعات التي يشاركون فيها على الموقع. وتكمن الفكرة في حصول المستخدمين على عملات تُعرف باسم "نقاط مجتمعية" يكتسبونها بالنشر في موضوع فرعي ما. ويحصل المستخدمون على النقاط بناء على عدد الأصوات السلبية والإيجابية التي يحصل عليها المنشور من مستخدمين آخرين. (وببساطة، فهو نظام ريديت كارما، ولكن على البلوك تشين).
تلعب هذه النقاط بشكل أساسي دور نسب تصويب، وتسمح للمستخدمين الذين قدموا مساهمات قيمة بالمشاركة في اتخاذ القرارات حول مجتمعاتهم. ونظراً لوجود هذه النقاط على البلوك تشين، فإن مالكيها يتمتعون بمستوى أعلى من السيطرة عليها، ولا يمكن أخذ هذه النقاط منك، كما أنها تلاحقك أينما ذهبت. وفي الواقع، فإن هذه ليست سوى حالة استخدام واحدة فقط، وهي أشبه بنسخة شركات من أحد مفاهيم الويب الثالثة المعروف باسم المنظمات اللامركزية ذاتية العمل (أو "DAO" اختصاراً)، والتي تعتمد على العملات المشفرة لجعل الملكية وسلطة اتخاذ القرارات أكثر قابلة للتقسيم والتوزيع بعدل. ومن الأمثلة على "DAO" منصة "أوغور" (Augur) للمراهنات.
أيضاً، تُعتبر الرموز غير القابلة للاستبدال من أركان "الويب 3" المهمة. ويعود هذا إلى كونها، وبشكل أساسي، أقرب إلى عملات مشفرة فريدة، فكل منها مميزة تماماً، وتُستخدم عادة كشهادات ملكية لأشياء افتراضية، مثل الأعمال الفنية أو مقاطع الفيديو من مباريات كرة السلة. (من ناحية أخرى، فإن البيتكوين تختلف تماماً عن هذا، حيث يمكن استخدام أي بيتكوين بدلاً من أي بيتكوين آخر). إذا صدقنا جميع ادعاءات مناصري "ويب 3"، فإن طبيعة الحماية الرقمية المتجسدة في هذه الرموز ستسمح لمستخدمي هذه الإنترنت الجديدة بتبادل كل شيء، بدءاً من أشكال شخصيات ألعاب الفيديو وصولاً إلى السجلات الطبية.
اقرأ أيضاً: ما مصير العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال في حال وفاة صاحبها؟
ما الذي أطلق كل هذا الضجيج حول "ويب 3" على حين غرة؟
يبدو أن معظم هذه الحماسة صادر عن أوساط العملات المشفرة، والتي ستستفيد بوضوح من الإنترنت الذي يعتمد بدرجة أكبر على تكنولوجياتها. كما يُعزى شيء من هذا النشاط المفاجئ إلى بضع شركات معروفة، مثل ريديت، والتي اتخذت بعض الخطوات لتحقيق أسبقية في تطوير خدمات ومنصات تخص "ويب 3". ففي أواخر أكتوبر الماضي، أورد موقع كوين ديسك أن شركة "غيم ستوب" (GameStop) تحاول توظيف "مدير ألعاب ويب 3" ومهندسي برمجيات لمنصة غير معلنة للرموز غير القابلة للاستبدال. فقد أُثيرت الكثير من النقاشات حول قدرة "ويب 3" على تعزيز قدرات ألعاب الفيديو، فيمكن على سبيل المثال أن تسمح للاعبين بشراء وبيع العناصر أو كسب العملات المشفرة ضمن اللعبة بسهولة أكبر للحصول على تأثير أكبر في تقرير سير اللعبة.
ولكن موقع ذا فيرج قال إنه من المحتمل أيضاً أن غيم ستوب ترمي مصطلحات مثل الويب الثالثة والبلوك تشين في توصيفات العمل الخاصة بها في محاولة لاستجلاب المزيد من الدعم واسع الانتشار الذي حصلت عليه من مستثمرين بدلاء في يناير/ كانون الثاني 2021. ومن التطورات الجديدة الأكثر أهمية، على الأرجح، قيام شركة رأس المال الاستثماري "أندريسين هورويتز" (Andreessen Horowitz) بإطلاق حملات الضغط لصالح "ويب 3" في واشنطن العاصمة في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول 2021. فقد قالت الشركة، والتي استثمرت مبالغ كبيرة في العملات المشفرة وغيرها من تكنولوجيات البلوك تشين، إنها أرسلت مسؤولين تنفيذيين إلى كابيتول هيل (كونغرس الولايات المتحدة) والبيت الأبيض للترويج للويب الثالثة كحل لمشكلة تكتل النفوذ في وادي السيليكون، واقتراح بعض القوانين لتنظيم هذه البيئة الافتراضية الناشئة.
اقرأ أيضاً: قواعد جديدة قد تُنهي حقبة الانفلات القانوني بشأن استغلال العملات المشفرة في غسيل الأموال
هذا الضجيج الذي يحيط "بالويب 3" محسوب ومنطقي، أليس كذلك؟
في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، نشر فنان يبلغ من العمر 28 عاماً ميماً بعنوان "الحب في زمن الويب 3"، والذي تضمن رسماً كرتونياً لعاشقين مستلقيين في السرير وهما يراقبان أسعار البيتكوين والإيثيريوم. وبعد أن قام الملياردير إيلون ماسك بإعادة نشر هذا الميم على تويتر، حيث حصد مئات الآلاف من الإعجابات، تمكن الفنان من تحويل الميم إلى رمز غير قابل للاستبدال وبيعه بمبلغ 20,000 دولار تقريباً. هناك أيضاً مجموعة تقوم بتصميم الرموز غير القابلة للاستبدال حول مجموعة من الرسومات الكرتونية للقرود، وتأمل هذه المجموعة بأن تتحول إلى "علامة تجارية لملابس ويب-3 الشبابية". وقد بيع أحد هذه القرود الكرتونية بمبلغ 3.4 مليون دولار. وباختصار، فإن الإجابة عن هذا السؤال: كلا.
اقرأ أيضاً: دليلك لفهم الميتافيرس: عالم تدخله بدلاً من الاكتفاء بمشاهدته
ما علاقة "ويب 3" بالميتافيرس؟
أولاً، يشير مصطلح الميتافيرس بشكل أساسي إلى إنترنت مؤلفة من فضاءات ثلاثية الأبعاد في الواقع الافتراضي حيث يستطيع المستخدمون التفاعل مع بعضهم بعضاً. وهو ما دعا بشركة فيسبوك مؤخراً إلى تغيير اسمها إلى "ميتا" (Meta). يأمل بعض خبراء التكنولوجيا بأن "ويب 3" ستكون بمثابة حاضنة لميتافيرس مبني باستخدام أنظمة البلوك تشين والمعايير المفتوحة، والذي تديره شبكة من الحواسيب حول العالم، بدلاً من بضع شركات كبيرة. وستسهل الرموز غير القابلة للاستبدال عمليات التبادل التجاري للأشياء في الواقع الافتراضي، ولن يتمكن أصحاب النفوذ التقليديين من إملاء ما يمكن أن يحدث أو لا يحدث في الميتافيرس.
وقد بدا أن الرئيس التنفيذي لميتا، مارك زوكربيرغ، كان يروج لهذه الأفكار في رسالة مفتوحة تعود إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حيث تحدث بنغمة شاعرية حول أن الميتافيرس "لن يكون حكراً على شركة واحدة" وسيؤدي إلى تأسيس "اقتصاد خلاق أكثر ضخامة بكثير من الاقتصاد الذي تقيده المنصات الحالية وسياساتها". إنها تعابير جميلة، ولكن، ونظراً للمعارك التي خاضتها فيسبوك للحفاظ على هيمنتها على مشهد التواصل الاجتماعي، فمن المرجح أنها ستحاول أيضاً أن تحافظ على بنيتها كمؤسسة قوية حتى في حقبة "ويب 3" المحتملة.
فيوتشر تينس مشروع مشترك بين مجلة سليت ومنظمة نيو أميركا وجامعة أريزونا الحكومية لدراسة التكنولوجيات الناشئة والسياسات العامة والمجتمع.