ما هي أهم الدروس المستفادة عالمياً من بركان تونغا لتحسين البنية التحتية للإنترنت؟

5 دقائق
بركان تونغا
حقوق الصورة: الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي/ المعهد المشترك لأبحاث الغلاف الجوي/ فرع دراسات الأرصاد الجوية على المستوى الإقليمي والوسطي.

انفجر البركان هونغا تونغا هونغا هاباي، وهو بركان يقع تحت الماء قرب سواحل تونغا، عدة مرات خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة، ولكن انفجاره الأحدث في 15 يناير/ كانون الثاني 2022 قد يكون الأكثر تدميراً على الأرجح. لقد أدى الانفجار إلى آثار عالمية النطاق، فعلى بعد أكثر من 9,600 كيلومتراً، تسببت الأمواج الناجمة عن الانفجار بغرق شخصين في البيرو.

تقدير الأضرار غير ممكن حاليّاً

ولكن آثار الانفجار البركاني على أهالي تونغا القاطنين قربه مباشرة ما زالت مجهولة، على الرغم من المخاوف بأن أمواج التسونامي الناجمة عنه قد تسببت بمقتل الكثيرين وتهجير أعداد كبيرة من منازلهم. ويعود هذا إلى أن تونغا فُصلت عن الإنترنت بصورة مفاجئة، ما يزيد إلى حد كبير من صعوبة تنسيق بعثات الإغاثة والإنقاذ. وفي عالم متشابك الاتصال، أصبحت تونغا الآن أقرب إلى بقعة مظلمة، ويكاد يكون من المستحيل خروج أي معلومة منها. إن إعادة وصل هذه البقعة الجغرافية بالإنترنت أمر مهم للغاية، ولكنه قد يتطلب عدة أسابيع.

ووفقاً للبيانات من شركة أداء الويب "كلاودفلير" (Cloudflare)، فقد انخفضت حركة بيانات الإنترنت إلى مستوى شبه معدوم حوالي الساعة 5:30 صباحاً في 15 يناير/ كانون الثاني. ويقول دوغ مادوري من شركة رصد الإنترنت "كينتيك" (Kentik)، والتي كانت تراقب حركة الويب لهذه البلد، إن الاتصال ما زال مقطوعاً.

لا يمكن الجزم بشكل قاطع بسبب انقطاع الاتصال بالإنترنت في تونغا، ولكن التحقيقات الأولية تشير إلى أن الكابل البحري الذي يوصلها عن طريق الإنترنت ببقية العالم قد دُمّر بفعل الانفجار.

اقرأ أيضاً: دراسة: موجات الجفاف الحادة يمكن أن تبدأ فوق المحيطات

انقطاع كامل في خدمات الإنترنت على الجزيرة

ويقول مادوري: "تعتمد تونغا بشكل أساسي على كابل بحري واحد للاتصال بالإنترنت". يمتد نظام الكابل الخاص بتونغا على مسافة 827 كيلومتراً بين تونغا وفيجي، ويؤمن خدمة الإنترنت للجزيرتين الدولتين. سابقاً، كانت هذه الوصلة مدعومة بوصلة إنترنت فضائي من قمر اصطناعي. يقول مادوري: "أعتقد أن هذا مستحيل حالياً بسبب صعوبات فنية تمنعهم من تحقيق الاتصال". ويعتقد أن الموجة الناجمة عن انفجار البركان يمكن أن تكون أدت إلى تدمير أطباق الأقمار الاصطناعية.

أما شركة "ديجيسيل" (Digicel) لتشغيل شبكات الاتصالات الخلوية، والتي تعمل في جامايكا وتمتلك حصة صغيرة في الكابل مع حكومة تونغا، فقد قالت في تصريح: "لقد أدت الأضرار إلى التأثير في جميع الاتصالات مع العالم الخارجي في تونغا". وتعتقد شركة "ساوثرن كروس كيبل" (Southern Cross Cable)، وهي شركة تعمل في نيوزيلندا وتدير كابلات تتقاطع مع نظام كابل تونغا، أن موقع العطل المحتمل يبعد عن الشاطئ نحو 37 كيلومتراً. كما يُعتقد أيضاً أن الكابل البحري المحلي تعرض إلى الانقطاع على بعد نحو 48 كيلومتراً من عاصمة تونغا، نوكو ألوفا. عادة ما يتم كشف هذه الأعطال بإرسال إشارات ضوئية في نواة الكابل الضوئي وحساب زمن عودة الإشارة، وهو ما يحدث عندما يكون مسارها مقطوعاً، كما يقول كريستيان كاوفمان، نائب رئيس تكنولوجيا الشبكات في شبكة توصيل المحتوى أكاماي.

وإذا تأكد هذا الأمر، فقد يكون أسوأ خبر ممكن بالنسبة لاتصال الإنترنت في تونغا. يقول مادوري: "قد يتطلب إصلاح الكابل عدة أيام، بل وربما عدة أسابيع".

اقرأ أيضاً: كيف يمكن مواجهة سيناريوهات مركبة من الكوارث الطبيعية وكوفيد-19؟

عملية إصلاح مكلفة زمنيّاً وماليّاً، والأولوية لمن يدفع أكثر

ليس هذا الانقطاع أول مشكلة تعاني منها البنية التحتية الخاصة بالإنترنت في تونغا، ففي يناير/ كانون الثاني من العام 2019، تعرضت البلاد إلى انقطاع "شبه كلي" للإنترنت عند انقطاع الكابل البحري. وقد أشارت التقارير الأولية إلى احتمال تعرض الكابل للتلف بسبب العاصفة المغناطيسية والبرق، ولكن التحقيقات اللاحقة كشفت أن سفينة ترفع العلم التركي قطعت الكابل عندما ألقت بمرساتها عليه. كلف إصلاح هذه المشكلة نحو 20,000 دولاراً، وخلال عملية الإصلاح، اعتمدت الجزيرة على الاتصال بالأقمار الاصطناعية.

من المرجح أن تكون هذه الوصلات الفضائية السبيل الوحيد لتفعيل الاتصال بالإنترنت في تونغا في المدى المنظور، ولكن، ومع غياب أي تفاصيل حول التلف الذي لحق بالتجهيزات، فقد تمر البلاد بفترة صعبة. "من المرجح أنهم كانوا يفكرون بالشكل التالي: إذا تعطل الكابل، فما زالت الأقمار الاصطناعية موجودة للاعتماد عليها"، كما يقول مادوري. ويضيف قائلاً: "ولكن، إذا انفجر بركان كامل على مقربة منك، ودمّر الكابل وتجهيزات الأقمار الاصطناعية، فليس هناك خيارات أخرى أمامك". يقول كاوفمان إن الكميات الهائلة من الرماد البركاني المقذوف إلى الهواء بسبب البركان قد تؤثر على الاتصال بالأقمار الاصطناعية.

لن يكون إصلاح الكابل المفصول بالأمر السهل، إذ يجب أولاً استدعاء سفينة من السفن المختصة بإصلاح تلف الكابلات البحرية، وهو ما يحدث مرة كل أسبوع في مكان ما في العالم، ولكن بقوة أقل مما حدث هذه المرة على الأرجح. ومن السفن التي يمكن أن تقوم بهذه المهمة سفينة "سي إس ريزيليينس"، والموجودة حالياً قرب ساحل بابوا غينيا الجديدة، أي على بعد أكثر من 4,800 كيلومتراً. وتشير التقديرات إلى أن أي سفينة ستحتاج إلى عدة أيام، وربما عدة أسابيع، لإصلاح المشكلة.

يقول مادوري: "هناك أولويات في عمليات إصلاح الكابلات، وهناك بلدان تدفع تكاليف إضافية حتى تضمن إصلاح كابلاتها أولاً". فور وصول إحدى هذه السفن إلى المكان، وهو ما يمكن أن يستغرق بحد ذاته عدة أيام، ستقوم بإلقاء خطاف لالتقاط الكابل الممدود على قعر البحر. وبعد ذلك، يمكن رفع الكابل المُلتقط –والذي يكون في عمق المحيط بسماكة خرطوم حديقة عادي- باستخدام الرافعة إلى سطح السفينة، حيث يعمل الفنيون على إصلاح العطل. يقول كاوفمان: "إن هذه الكابلات لا تتمتع بمتانة فائقة". بعد ذلك، يتم إنزال الكابل برفق إلى الماء. يقول مادوري: "لم تتغير هذه العملية بشكل يستحق الذكر منذ بدأنا باستخدام الكابلات البحرية قبل نحو 150 سنة".

بطبيعة الحال، هناك بعض العوامل الإضافية التي يمكن أن تزيد من تعقيد العملية. فمن المرجح أن تكون تونغا محاطة بالسفن التي تحاول تقديم المساعدة إلى البلاد، ما قد يعني الاضطرار إلى تأجيل إصلاح كابل الإنترنت لصالح إنقاذ الأرواح، وإعادة الطاقة الكهربائية، وإيصال الإمدادات العاجلة من الغذاء والماء. كما أن الموقع الدقيق للإصابة يمكن أن يجعل الأمور أكثر تعقيداً، فبشكل عام، يزداد عمق الكابل مع ازدياد بعد مكان العطل عن الشاطئ، ويصبح الوصول إليه والتقاطه عن القعر أكثر صعوبة. علاوة على هذا، فإن خطوط الطاقة الشاطئية التي تحافظ على تشغيل الوصلة قد تكون أيضاً مصابة بأضرار فادحة تتطلب عمليات صيانة صعبة. يقول مادوري: "تمثل تونغا عقدة طرفية في شبكة الإنترنت، ومع ابتعادك عن قلب الشبكة، تتناقص الخيارات المتاحة".

اقرأ أيضاً: إذا تمكنّا من تحسين تمييز الذكاء الاصطناعي لصور الكوارث، فقد نُحسّن من استجابتنا لها

في مواجهة الكوارث: بنى تحتية تثبت هشاشتها باستمرار

يبين هذا الانقطاع مدى حساسية اتصال الإنترنت في العالم، واعتماده في بعض الأحيان على نقطة وحيدة يمكن أن تؤدي إصابتها إلى شلل كامل. يقول آلان وودوورد، وهو أستاذ في الأمن السيبراني في جامعة سوراي في المملكة المتحدة: "إنها إحدى القصص التي تعيدنا إلى الواقع، وتضع حداً لأكذوبة قدرة الإنترنت على تحمل أقسى الظروف، بما فيها حتى الحروب النووية، ففي الواقع، إنها أقرب إلى هيكل متهالك مثبت بالعلكة". يشير وودوورد إلى صعوبة تصميم اتصال الإنترنت لمقاومة الأحداث الفيزيائية النادرة، مثل الانفجارات البركانية، ولكن البلدان يجب أن تحاول الحفاظ على وصلات احتياطية عبر الاعتماد على عدة كابلات بحرية، ويفضل أن تكون كابلات على مسارات مختلفة يستحيل أن يؤثر عليها جميعاً في نفس الوقت حدث موضعي واحد. 

غير إن هذه الاحتياطات ليست مجانية، خصوصاً بالنسبة لدولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 100,000 نسمة مثل تونغا. كما يرجح أن انفجاراً ضخماً بهذا المستوى سيؤدي على أي حال إلى تحريك قاع البحر بصورة تتسبب بتلف أي كابلات احتياطية، حتى لو كانت على الجهة الأخرى من تونغا. 

يقول آندرو بارنيت، والذي يحلل سياسة الإنترنت في معهد توني بلير للتغيير العالمي: "تمثل هذه المسألة رسالة أكثر عمومية حول مناعة البنى التحتية". ويقول: "على الرغم من أن المملكة المتحدة لن تكون على الأرجح مثل تونغا، فهناك الكثير من التوترات الجيوسياسية، والجدل حول أشياء مثل الكابلات البحرية يمكن أن يوصلنا إلى نقاط خلافية، فلن ترغب أن ينتهي بك الوضع بوجود كابلات ذات سيادة للحلفاء، وكابلات أخرى لمن تبقى من العالم".

ويقترح بارنيت خيارين لردم هوة الاتصال. أحد الخيارين هو تسريع نشر إنترنت الأقمار الاصطناعية، وهو ما يتم حالياً بإطلاق مجموعات الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء. أما الخيار الآخر فهو ببساطة تخصيص المزيد من الأموال لحل المشكلة. ويقول: "إذا اعتبرنا مناعة الإنترنت مسألة تتعلق بالصالح العام، فإن البلدان القادرة على تحمل التكاليف يجب أن تقدمها إلى البلدان الأخرى". إن إغلاق الهوة الرقمية بحلول العام 2030 يجب أن يكلف نحو  0.2% فقط من الناتج القومي الإجمالي لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في كل سنة، وفقاً للمعهد.

ونظراً لكون شبكة الإنترنت بدأت باحتلال مكانة متزايدة الأهمية تجعلها بمثابة الخدمة الأساسية الرابعة، إضافة إلى التدفئة والكهرباء والماء، فإن انقطاع الإنترنت لفترة طويلة إلى هذه الدرجة عن 100,000 شخص يمثل كارثة كبرى تُضاف على الآثار الفيزيائية المباشرة للانفجار نفسه. كما يبين حساسية وضعف بعض أجزاء الإنترنت، خصوصاً في المناطق خارج نطاق العالم الغربي الثري. يقول وودوورد: "إن شبكة الإنترنت ليست في حال انهيار كامل، ولكنها ستبقى على الدوام مهترئة بعض الشيء عند الأطراف".

المحتوى محمي