منذ أن أنفق رائد الأعمال دينيس تيتو مبلغاً وصل، في بعض التقارير، إلى 20 مليون دولار لقاء تذكرة إلى محطة الفضاء الدولية في 2001، والمليارديرات، ولأكثر من عقدين، يدفعون الأموال للذهاب إلى الفضاء.
ولكن الطبقة المخملية بدأت عام 2021 بمغادرة الكوكب بوتيرة متسارعة بدرجة غير مسبوقة. فقد ذهب اثنان من مؤسسي شركات الصواريخ، وهما جيف بيزوس مؤسس "بلو أوريجين" (Blue Origin)، وريتشارد برانسون مؤسس "فيرجن غالاكتيك" (Virgin Galactic)، في رحلات أولية سريعة هذا الصيف فوق الغلاف الجوي على متن مركبتي شركتيهما الفضائيتين، كما ذهب متعاقد التسليح جاريد آيزاكمان إلى المدار لمدة ثلاثة أيام في سبتمبر على متن واحدة من كبسولات دراغون من شركة "سبيس إكس" (SpaceX) التي يملكها إيلون ماسك. أما ممثل أفلام "ستار تريك" (Star Trek) ويليام شاتنر، والذي حلق على متن مركبة بلو أوريجين في هذا الخريف، فليس عضواً في نادي المليارديرات، حيث تُقدر قيمته المالية الصافية بنحو 100 مليون دولار فقط. ووفقاً لبلو أوريجين، فإن الممثل الذي لعب دور القبطان كيرك شارك في الرحلة مجاناً.
تقوم جميع هذه الشركات الخاصة بإجراء تقديم احتفالي لشارات "أجنحة رواد الفضاء" إلى ركابها، ودون تكاليف إضافية، غير أن توزيع لقب رائد فضاء بهذه الطريقة في إطار تعامل مالي بسيط يبدو أمراً خاطئاً، فلطالما اعتُبر رواد الفضاء بمثابة أبطال يقتدي بهم الجميع، فهم يخضعون لتدريبات من أعلى مستوى، ويتميزون بلياقة جسدية وعقلية عالية، كما يعرضون أنفسهم طوعاً للخطر في سبيل الاستكشاف والتجريب وجلب المعارف الجديدة للجميع. فهل من المناسب أن يُسمح للمليارديرات وغيرهم من الركاب بحمل هذا اللقب؟
اقرأ أيضاً: سفينة سبيسشيب تو من فيرجن جالاكتيك تحلق نحو أطراف الفضاء
تقنين الحصول على لقب رائد فضاء
تقول إدارة الطيران الفدرالية الأميركية إن هذا ليس صحيحاً بالضرورة. وقد فرضت الإدارة مجموعة من الشروط التي تؤهل الشخص للحصول على لقب "رائد فضاء تجاري" غير حكومي، وهي بالتأكيد لا تقتصر على شراء تذكرة والذهاب في الرحلة. ووفقاً لتوجيه أصدرته في يوليو/ تموز 2021، يجب أن يقوم رائد الفضاء خلال الرحلة ببعض المهام التي تساهم في السلامة العامة، أو سلامة الآخرين في الفضاء. ويبدو أن هذه الإدارة تدعم، وبشكل غير مباشر، جميع ردود الفعل السلبية المتنامية إزاء كل هذه الأموال التي تحلق فوق طبقة الستراتوسفير.
ولكنها، على ما يبدو، ليست بالضرورة صاحبة الكلمة الفصل. ويبدو أن العمل الأساسي الذي قام عليه القانون الدولي في الفضاء يوافق على هذا الأمر. ووفقاً لمعاهدة الفضاء الخارجي للعام 1967 لمكتب شؤون الفضاء الخارجي في الأمم المتحدة، فإن رواد الفضاء يُعتبرون بمثابة "مبعوثين للإنسانية".
وعلى الرغم من هذه الصياغة التي تفتقر إلى الشمولية، فإنها تبدو كموافقة على ضرورة وجود "ميزات خاصة" يجب أن تتوافر في جميع الراغبين بأن يصبحوا رواد فضاء. ووفقاً لهذه الوثيقة، والتي تمثل "دستوراً" لبعض العاملين في العلوم الفضائية، فإن الباب مفتوح أمام إمكانية اكتساب هذا اللقب، ولكن ليس شراءه. كما أنه يحدد حقوقاً معينة لحملة هذه الأجنحة، والأهم من ذلك، يحدد لهم أيضاً مسؤوليات يجب تحمّلها. وفي الواقع، ونظراً للمهمة الخاصة التي أسندتها معاهدة الفضاء الخارجي (وغيرها من الوثائق التأسيسية المشابهة) لرواد الفضاء، فقد نرغب بأن يحمل هذا اللقب أكبر عدد ممكن من الأشخاص، خصوصاً ممن يسيطرون مسبقاً على موارد كبيرة.
اقرأ أيضاً: لماذا من المهم وضع سياسات قضائية في الفضاء؟
معاهدة الفضاء الخارجي
لقد صِيغت معاهدة الفضاء الخارجي في ذروة الحرب الباردة والسباق الفضائي، عندما لم يكن من الواضح من سيصل إلى القمر أولاً. وقد كانت الدول الموقعة على الاتفاقية، والتي تتضمن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، تأمل بأن المعاهدة ستحدد شروط هذه المنافسة. إن الفضاء بيئة خطرة للغاية بالنسبة للحياة البشرية –ما زال محترفو العلوم الفضائية يذكرون بعضهم بعضاً بهذه الفكرة مستخدمين تعبيراً مختصراً: "الفضاء صعب"- وقد أدركت القوى العظمى المتنافسة أن الجميع سيصبحون تحت رحمة نفس العوامل ما إن يصلوا إلى هناك.
ولهذا، فإن بنود اتفاقية الفضاء الخارجي تؤيد المساعدة المتبادلة، والتعاون، والمصالح المشتركة. ويتم كل هذا ضمن إطار الاتفاق على عدم قيام أي دولة بمحاولة فرض سيادتها على منطقة معينة في الفضاء، وامتناعها عن معظم النشاطات العسكرية في الفضاء.
إن الطريقة المناسبة للتعامل مع الأخطار المتبادلة هي المحافظة على الحس بالمسؤولية تجاه بعضنا بعضاً، فإذا علم شخص في الفضاء بوجود خطر قد يهدد أشخاصاً آخرين في الفضاء، فهو ملزم بالتواصل معهم وتحذيرهم منه. وإذا كان هناك شخصان في الفضاء، وعلم أحدهما بحاجة الآخر إلى مساعدة يمكنه أن يقدمها إليه، فهو ملزم وفق المعاهدة بتقديم هذه المساعدة. وهناك مسؤولية لكل طرف بإعادة أي شخص من الطرف الآخر إلى قاعدته الأساسية، أو حتى إلى بلده عند الضرورة.
لقد اشتُقت هذه القواعد من الممارسات المعتمدة في أعالي البحار، ولكن هذه القيم والالتزامات تحولت الآن إلى بنود في القانون الدولي. بل إن بعض الأكاديميين القانونيين يقولون إن بنود هذه الاتفاقية وصلت إلى الحالة "الاصطلاحية" أو المتفق عليها، ما يعني إمكانية محاكمة أي دولة تنتهك هذه القوانين أمام محكمة دولية، مثل محكمة لاهاي، حتى لو لم تكن من الدول الموقعة عليها.
لست محامياً مختصاً بالفضاء، ولكنني تحدثت مع عدد كبير منهم لدرجة تكفيني لإدراك أهمية اللغة في القانون. ففي جزء مهم من الاتفاقية، استُخدمت هذه اللغة: "أثناء تنفيذ النشاطات في الفضاء الخارجي وعلى الأجرام السماوية، يجب أن يقوم رواد الفضاء التابعون لأي دولة بتقديم كل ما يمكن من المساعدة الضرورية إلى رواد الفضاء التابعين لأي دولة أخرى". هذه الفقرة هي أقرب فقرة في المعاهدة إلى تعريف كلمة "رائد فضاء"، ويبدو أن هذا التعريف يعتمد على نوع من العلاقة التبادلية، فالشخص الذي يقوم بتنفيذ النشاطات في الفضاء الخارجي هو شخص ملزم بمساعدة الآخرين ممن يقومون بتنفيذ نفس العمل، وفي هذا الوضع من المخاوف المتبادلة في ظل ظروف مميتة، فإن جميع المشاركين يستحقون تلقي المساعدة، وفي نفس الوقت مؤهلون لتقديمها. وبالتالي، فهم رواد فضاء.
اقرأ أيضاً: هل تستحق تكنولوجيات الفضاء المال الذي ننفقه عليها؟
أن تكون رائد فضاء: أكثر من مجرد رحلة باهظة التكاليف
وبين أكوام الأوراق والمستندات ومتاهات اللغة القانونية، يكمن مسار يوصلنا إلى المبتغى عبر البيروقراطية. فإذا نظرنا إلى شرط إدارة الطيران الفدرالية بوجوب مساهمة رائد الفضاء التجاري في سلامة الآخرين أو سلامة العامة في الفضاء، لوجدناه أقرب إلى صدى واضح للالتزامات المتبادلة في معاهدة الفضاء الخارجي. وتوجد مسؤولية كبيرة ترافق الفرصة الرائعة للذهاب إلى الفضاء.
وعلى حين يبدو أن معاهدة الفضاء الخارجي تحد هذه المسؤولية بمن يتواجدون فوق الغلاف الجوي، فإن اللغة المستخدمة في التوجيه الذي أصدرته الإدارة الفدرالية للطيران حول السلامة العامة تعيد هذه المسؤولية إلى الأرض. وتبدو كأنها إشارة إلى نداء المعاهدة في مكان آخر للدعوة إلى مشاركة فوائد استكشاف الفضاء مع الجميع. جميعنا بحاجة إلى المساعدة في بعض الأحيان، وفي الواقع، فإن عامة الناس على الأرض هم عملياً يسبحون معها في الفضاء.
وعندما ذهب رجل الأعمال الأميركي جاريد آيزاكمان إلى الفضاء هذه السنة، جلب معه بعض الأشخاص على متن كبسولة دراغون التابعة لسبيس إكس ممن ليسوا مثله من المليارديرات. وقد نظم رحلته، والتي تحمل اسم إنسبيريشن 4، على أساس فكرة تقول إن جميع "المشاركين الآخرين في الطيران الفضائي" سيلهمون الآخرين بطريقة أو بأخرى للعمل نحو تحقيق مستقبل زاهر في الفضاء. وقد تضمنت المجموعة المحارب القديم في سلاح الجو، كريس سامبروسكي، والذي تلقى تذكرته بشكل غير مباشر عبر اليانصيب، والمرشحة السابقة لريادة الفضاء، سيان بروكتور، والتي تعمل حالياً كفنانة ومتحدثة علمية، ومريضة سابقة بسرطان العظام، هايلي أرسينو، والتي تعمل حالياً كطبيبة في مستشفى أبحاث الأطفال سانت جود، حيث كانت مريضة في الطفولة.
وفي المدار، أجرى الفريق بعض الأبحاث على الأدوية الفضائية، وهي أبحاث ستساعد على حماية رواد الفضاء في المستقبل. إضافة إلى هذا، فإن مهمة آيزاكمان تمثل أيضاً حملة لجمع التبرعات لسانت جود، والذي قدم إليه شخصياً 100 مليون دولار، أي ما يكافئ تقريباً 4% من ثروته التي كانت تقدر في ذلك الحين بقيمة 2.4 مليار دولار. لا شك في أن هذه الرحلة تحمل قيمة دعائية جيدة، ولكنها بالتأكيد جيدة أيضاً للصالح العام.
ويمثل آيزاكمان وبعثة إنسبيريشن 4 خياراً يمكن اعتماده بالنسبة لجميع الرحلات الفضائية الخاصة في المستقبل. وهو خيار أكثر تعقيداً من أسئلة تبدو بسيطة حول أحقية المليارديرات بالذهاب إلى الفضاء، والمؤهلات اللازمة للحصول على لقب رائد الفضاء المبجل. يجب تشجيع آيزاكمان وغيره من أصحاب الموارد الكبيرة على زيارة الفضاء، وإجراء النشاطات المفيدة للبشر في الفضاء وعلى الأرض خلال هذه الرحلات، وذلك لتحقيق الأفكار المدونة في معاهدة الفضاء الخارجي.
وللالتزام بقواعد الإدارة الفدرالية للطيران، يجب أن تتحول عملية تقديم هذه الفائدة إلى شكل محدد ورسمي بطريقة ما. يجب أن نسأل: "ما الذي يتوجب فعله؟" والعثور على طريقة تسمح لرواد الفضاء الخاصين هؤلاء بالمساعدة. لا يهم كثيراً من تكون، أو اللقب الذي تحمله. فعندما تصبح في الفضاء، فإن المهم هو ما تفعله بوقتك هناك.
كل شخص في الفضاء الخارجي هو "مبعوث" للبشرية، سواء أكان مليارديراً أم لا، وهو يمثل أفضل ما لدينا. ولهذا، وحتى يصبح مؤهلاً ليكون رائد فضاء، يجب أن يتصرف بما يناسب هذا اللقب.
فيوتشر تينس عبارة عن شراكة بين مجلة سليت ومنظمة نيو أميركا وجامعة أريزونا الحكومية لدراسة التكنولوجيات الناشئة، والسياسات العامة، والمجتمع.